المغنّي الحزين بكى

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

في الطريقِ إلى الليلِ‏

كان المغنّي حزيناً‏

يقطّعُ بالنايِ مرثيّةَ العمرِ بيتاً فبيتْ!‏

كانَ مثلَ الغريبِ وحيدَ المواويل،‏

مستوحشَ العمرِ، تعبانَ، ميتْ!‏

قلت: يا والد الحزنِ‏

إنّا رأيناكَ تبكي‏

كسيفِ المواويلِ في الليلِ‏

فرداً ضريراً‏

لماذا بكيتْ؟!‏

وعرفناك لا فاقداً فنواسيكَ‏

أو يائساً فنسلّيكَ..‏

لا أنتَ ظمآن نسقيكَ شربةَ ماءٍ‏

ولا أنت عريانَ نكسيكَ..‏

كانَ المغيبُ شجيّاً بعينيكَ،‏

والليلُ دائرةً من بكاءٍ وصمتْ!‏

فلماذا بكيتْ؟‏

ولماذا دشرتَ مع الريحِ‏

متّخذاً من عراء الكوانينِ داراً وبيتْ؟‏

هل أصابكَ حزنٌ قديمٌ‏

فأوجعكَ الليلُ في الناي‏

حتى تلبّسكَ اليأسُ‏

والانتحارُ اعتراكْ؟‏

هل سمعتَ غناءً بعيداً فأشجاكَ‏

حتى تشطَّ بك الروحُ يا والدي؟..‏

كفكفَ الليلُ بعد الفراقِ أساكْ!‏

فبكى والدي الحزنُ‏

مثل المؤذّنِ فوق أعالي المساءْ!‏

وبكتْ مواويلُ متروكة للبكاءْ!‏

راهبٌ من بعيد‏

تطلّعَ في وحشةِ الليل مستبهماً‏

ثمّ أغمضَ عينيه حزناً على نغمةٍ ضائعهْ‏

ورثاهْ..‏

الغريبُ الذي كان يضربُ في بهمةِ الليلِ مستوحشاً‏

لم يراهْ‏

.. رجلٌ طاعنُ اليأسِ‏

يحفرُ في الأرضِ حفرةَ موتٍ‏

ويسقطُ فوق حطامِ الحياةِ الحزينةِ‏

ميتْ!‏

فجعلتُ بآخرةِ الليلِ أبكي بكاءً كثيراً‏

وأرسلُ صوتي بعيداً مع النايِ‏

مولايَ مات المغنّي!‏

سألتُ مواجيده عن أسايَ‏

وفعلِ الشقاءِ بوحشةِ نفسي‏

وفرقةِ روحي تحت أديمِ التعاسةِ‏

لكنه لم يجبني المغني..‏

تطلّعَ نحوي حزيناً‏

ففاضَ به الدمعُ‏

وانتشرَ الحزنُ في الريحِ‏

فاحتْ برائحة الصمتِ حسرةُ نفسي‏

فقلتُ له: والدي الحزن‏

كيفَ ذهبتَ وما زلتُ ألقاكَ‏

تعبانَ في المغربِ!‏

كيفَ صرتَ غريباً على هذه الأرضِ‏

لا تستطيعُ فراقاً ولا سفراً يا أبي!؟‏

كيفَ تحمي كآبةَ روحكَ‏

من وقتها المتباكي وهجرانها الأصعبِ؟‏

أبتاه تمهّلْ قليلاً لأرثيكَ‏

أنتَ بكائي إذا ما بكيتْ‏

وشقائي إذا ما ابتليتْ!‏

.. يا حبيباً إلى هذه الأرضِ ميتْ!