فيمن تحدقُ أيها الرجلُ الغريبْ ؟
لا صوتَ إلا رجع أجراسِ الكنائس في الدجى
لا طائرا إلا الغراب الأسود المشؤوم
ينعبُ في المغيبْ !
في وجهكَ المضروب بالندم الجريح يقومُ ليلٌ قاتلٌ
وبقلبك المنحوت مثل القبضة العمياء
يجهشُ قانيا دمك المهيبْ .
لو كان قلبكَ دمعةً لذرفتها
لكنك المطوي ّكالإنجيل
في ليل الحياة المرّ
والمرفوعُ كالندم الكاتدرائيِّ
فوق تصالبِ الآلام في خشب الصليبْ !
* * *
وبكيتُ عند الجامع الأمويّ يا أبتي بكيتْ !
أتراه ُحلَّ الحزنُ في بدني وفي عينيّ حلَّ الدمع
ليت الطفلَ لم يكبرْ
ولم يبلغ سنينَ اليأس ليتْ !
جمّعتُ أحزاني لأسجدَ في المصلّى تائباً مما رأيتْ !
فعرفتُ إنّ الدربَ للأحزان
ناقوسٌ يدقُّ على فضاءٍ موحشِ الجنباتِ ميتْ !
وعرفتُ إن الروح َ آخرُ صرخة
للموتِ في جسد كئيبْ !
فيمن تحدقُ أيها الرجل الكئيبْ ؟
لا شيء غيرُ الأرض صامتة
ووحشةِ غابة الصلبان ِقرب مقابرِ الأسلافِ
والقمرِ العراقيّ الحزينْ !
لا شيء غير الديرِ يجهمُ في المدى النائي
وليلٍ كربلائيٍّ يهزُّ الرأسَ ( سكراناً ) بأوجاع ِالحسينْ !
ونباحِ قلبٍ راحل ٍكالكهل خلف الموت
يلهثُ مثل طبلٍ جائحٍ الإيقاع مبحوح الأنينْ !
أبداً تدورُ عقارب الساعات في سامٍ
وينأى الوقتُ
والأمواجُ توقيت ٌلعمر ضاع فوق الصخر
لا أملٌ يقيكٍ البردَ يا روحي
ولا قمرٌ يطلُّ على الحياةِ
فكلما شارفتُ أيامي نأيتْ !
وبكيت ُمن حزني ببابِ البيت
يا أيتي بكيتْ
لم يتركَِ الأهلونَ لي أختاً لترثيني
فنمتُ على خراب ِالبيتِ يا أبتي كميتْ !
وصراخُ روحي يائساً يبكي
كقديسٍ على قبر الأمومة
هامساً : لا شيء َيا أخى الغريبْ !
لا شيءَ يقرع ُبابك َالمهجورَ غيرُ الموت
ريحٌ مرةٌ وحدادُ حزن خارج من عتمة الدنيا
وأصداءٌ يكررها الضياعُ ..
إن الذين عرفتهم غابوا
ومن كانوا لروحكَ مأتماً ذهبوا
ومن أحببتهم بادوا وضاعوا !
يا قارئَ الإنجيلِ
ترتفع ُالكنائسُ في عراءِ الوقت موحشةً
ويصرخُ قاتل ُ :
ربّاهُ ما ذنبي لترجمَ روحي الأجراسُ بالترجيعِ
أو تبكي على ليلي الضباعُ ؟
يا قارئ َالإنجيل ما ذنبي أنا
كي يضرعَ الناقوسُ في روحي الجريح
وينحبَ الناي ُالمضاعُ ؟
أبداً تحطُّ على ضريحِ الروح مريمةٌ
وتبكي روحها البيضاءَ
لا أمّاً سوى أرض يهاجر فوقها قمرٌ كئيبْ !
فيمن تحدّقُ أيها الرجل ُالغريبْ