رثاء في روح الشاعر / علي الفزاني
***
شرخٌ بقامتنا جديد
نزَّ ماءُ الروحِ يبكي من شقوقي
وأنا أنا
مليءٌ بالفواجع والضياع
غيمي تكدَّس قربَ كفي الضامرة
مسحَ الترابَ على أصابعها وذاب
تكفَّن في الأظافر واللسان
ولا عليّ لنا
ولا عليّ للوردِ الحميمِ
ولا عليّ اليوم للشِّعر الأليم
ولا عليّ ..............
...
يا عليّ
يامُزْنَةً رفعتْ فضاها سعفةً
ألقِ إليّ تحيةً أخرى انتظرتُ
وما أتتْ
مازالَ في الصُّبحِ احتمالٌ لسؤالك
ألقِ إليّ
مازالَ في الروحِ مجالٌ لمجالك
ألقِ إليّ بأَنْهُرٍ أخرى
انتظرتُ وما أتتْ
أستسقيكَ بالصلوات أن تهمِي على لغتي شجوناً
وانكساراً آخراً
أدمنتُ حزني يا صديقي
ضاعَ اتجاهُ البرتقال عن النشيد
ضُمَّ كفي قبل تسلِيم المدائن للنهاياتِ الأليمة
أنا في انتظار مرورك العالي
ولنْ تأتيِ
كفي يفتّتها الحنينُ ولا عليٌّ للندى
وجهي تساقطَ كالتراب ِ
ولا عليٌّ للملامح
قلبي تشظَّى في الفراقِ
ولا عليٌّ للِّقا .
أُعطيكَ نصفَ قصائدى
تبني بها حُصُراً ومئذنةً هناك
الناسُ قربي مزّقوا حُصُرِي
بأنيابِ العواء
هدَّموا صوتي وعاشوا في فضائي بالشقاء
وأنا نبيٌّ للمواجع يا عليّ
أَتَذْكُرُ ؟
كانَ صوتُكَ رأفةً زرعت سلاماً في القلوب
كان صوتكَ زورقي
هو صوتُ شاعر
يعتلي خيلاً مُصاغاً من رؤانا
يستريحُ تحيةً وجَمالا .
شجرٌ تشابكَ حول روحي
قلبي يدقُّ على صفيحٍ ساخنٍ
مُتَدَرْوِشاً يبكِي ويزْبد
يغمد سيفَه في النبضِ
يؤلمني
وأشهقُ يا عليّ
أشهقُ
أنتَ تعرف شهقتي
كيف التحمتَ وراءها
زمناً طويلاً من شجن
كيف انقبضْتَ كحامضٍ صَهَدَ الخيالُ على جحيمه
مُرٌّ مذاقُ الأكسجينَ وخانقٌ
مُرٌّ بلا أرضٍ لأقدامي
ولا أهل لهمِّي
البلادُ استنشقتْ ماءً لنَفْيِي
غصَّ زرعي كلُّه
وهوى الرصاصُ إلى الجليد
عجِّلْ بما ينمو على الأرواح من عشبٍ وراح
أرواحكم
جمرٌ يُدَفِّيءُ ما وراء الأسئلة
يبنِي لها الأعشاشَ خمراً لازماً للصحو
لغةٌ تفكُّ طلاسم الُّدنيا وتُمْعِنُ في الحقائق
لكننا الطُّرشان لا نَشْفَى
يشفينا المماتُ ... ولا نموت .
نحن قومٌ من رمال
تفتّتنا الرياحُ أو الشجونُ أو الأبد
ننهارُ في لحظات لو مَسَّ الصراخُ جلودَنا
ونعودُ نبنِي نفسَنا بالكدِّ
كُتَلٌ من الأعصاب تحملنا
أعصابُنا رملٌ وماء
ما إن نَحُسَ بفَجْعَةٍ
ينزاحُ ماءُ الإلتصاق
نجفُّ يأساً أو فراق
نبكي طويلاً لالتصاقِ رمالنا بالروح
الدمعُ منقذُنا الوحيد من التفتت
لا تلوموا دمعَنا
هو نهرُ آخرةٍ تَجَمَّعَ من دموع الفاقدين
معبرُ الروح الأخير إلى السكينة
خُذْ ما تبقَّى من ضلوع صدورنا
جَدِّفْ بها نحو السكون
اهدأْ بشكلٍ لا يليق سوى بشاعر
بلباقةٍ وأناقةٍ اصنعْ هدوءَك
جسمُك الكونيّ أرهقهُ التواصلُ والتحادثُ والكتابة
هيِّيء لهُ ضوءًا هناك
ضعهُ بجانب نجمةٍ ودعاء
انْسِجْ عليه من القصائد ما جَهِلْتَ عن الوراء
انقرْ بروحِك في جذوعِ الفجرِ
يأتيكَ الضياء
ببكائنا اليوميّ نستجدِي ملاذَك أن يُشِعّ
بخُضرة ٍ وعلاء .
هَلاَّ استلمتَ رسالةَ الغفران من أيدي المعرِّي
هلا اجتمعتَ برَبْعِنَا
وتَلَوْتَ شِعرك في الأماسيِّ الرهيبة
أَدْرِي تلهّفك العظيم عن الحيوات التي قُرِأَتْ علينا
هل كائناتُ الشِّعر تسبحُ في الهدوء كما نُحب
أمْ في ضجيجٍ من صراخ .
يا مَنْ يسافر
زاده
قوتُ القلوب – قلوبنا –
احملْ وصايانا لعالمك التقيّ
ابعثْ لنا
مَدَداً .. مَدَد
مَدَداً كمحلاقٍ تعلّق في النفوس مواعظاً
عناقيد انبثاقٍ للجموعِ إلى الجموح
قَطِّرْ لنا ضوءًا وحُبّاً
الكونُ أدمنَ ظلمةً ودمار
ابعثْ لنا عشباً نذوِّبَه
لنشفَى من طحالب حقدنا .
هل أكتفِي بغصونك العُليا التي
عَرَشَتْ علي روحي مودة
هو ضوءُ نارك أَسْكَنَ الأحلام َ
في عمق الخلايا المستعدّة للصهيل
أَنْبَتَ الريشَ عليها
فاستمرتْ في التدافع والحديث
آهٍ .. حديثك
أيُّ معتقلٍ من الكلمات يحبسني
حين انفلاتك في الحكايا
كلُّ الأحاديث مياه
نشربُها
وتعود تشربها الخلائق
أيُّ عشبٍ يستفيقُ على الأحاديث التي
تركتْ شفاهُك
أيُّ طيرٍ يرتوِي لغةَ الحوار
هذي مياهُك غائضة
هربتْ من الأيدي إلى لوحٍ بعيد .
يا رهينَ المحبسِ الأبديّ سَلِّمْ
سَلِّمْ على ذاك الفراغ المزدحم
سَلِّمْ على لغةٍ أَمِلْنَاهَا ولم نجدِ الحروف
سَلِّمْ على مُثُلٍ حَلُمْناها
وما طابَ المنام
على خبزٍ عجنَّاهُ سويّاً
نُعطيكَ أيديْنا .... فسَلِّمْ
نعطيكَ أفئدةً تنوءُ من النحيب
اطلِقْ سلامي
هل في فضائك فُسحةً لغسيلها
إننا نَعْيَا
ودونكَ يا عليّ
تتقافزُ الأرواحُ كالحيتانِ من جُمَلٍ حميمة
من جُمَلِ السلاماتِ ... الصباحاتِ
السؤال عن الجَّمالِ
عن قصيدة .
إنِّي اقترفتُ جريمةَ الفقدانِ
فاغفرْ ضعفَنا
اغفرْ فجيعتَنا بشخصك
هذا أنا المنسيُّ بعدك
كل يومٍ يستبدُّ بيَ التفرُّقُ والرضوخ
هذا أنا المنسيّ
لا وطنٌ لحزني وانتحابي ..