إلى أبطال مخيم مرج الزهور المنفيين في الجنوب اللبناني
...
أن تعصر الميثيولوجيا
وترشف هذا النهار
عصيراً باردا ًلمزاجك
تماماً
مثلما ينحاز نهرٌ لابتسامتك
وأنت تقرأُ
ما نشرتَ اليوم من حزن ونار
في مقالتك الأخيرة
مثلما طَعَنَتْكَ ذكرى
كيف تخدشني قضاياكَ الصغيرة
وأنا سبيٌّ مثل جدول
أرغموا مجراه أن يُنهي الخريطة ؟ .
صريعٌ جدول الحلم أمام الباب
مثل طابور ٍ من النمل
وقِفْلُ الخيل مغلق
مَنْ يفتحِ الأبوابَ كي تعدو إلى صدري
وتغرسَ تدمراً
عند التقاء بنفسجيْن
من قُبلاتيَ الأولى إلى زينوبيا
امسحي دبقَ البحار
فأنا أحاول أن أصلي اليوم عندك
كي تُسْقِطي عني الفجيعة .
يا امتدادي
الجمْ دماءك بالتراب
فالبحر عطشانٌ صباحَ اليوم
عند فَكِّ الواد
وأنا مصابٌ بالتخثُّر
خارج النخل وعكا
يا أسوارها
هل تسمحين
أن نعصر الميثيولوجيا
ونُلْقي
قبعةً لفجر ٍ ما إليك
وهل تسمحين
أن تَتَفَتَّتُ كل المنافي دونك
أن نمسح البحر َمن صوتنا
لكي نتهجَّى البلادَ بدون تميُّع .
يا عنباً حول غزّة
قد عَتَّقُوكَ بمرج الزهور بكاءً
مثلما أبكي على مَسْخِ الرجال إلى نبيذ
بعدما
ملؤوا انتفاضتنا عرائش
واخضراراً هائلاً في القلب .
اصمدوا
حزيرانُ قادم
خبيثٌ حزيران هذا
عند استواءِ الفواكه داخل " تل الربيع " (1)
وعند احتراق المواسم في حلمنا .
جيدٌ أن تستفيقَ اليوم من غير ثلوج
جيدٌ
وتُلْقِي بياناً جديداً
للوكالاتِ الهزيلة
وهي تجمعُ ثلجكم
وتلقِيهِ
كخبز يابسٍ للأنبياء
وهم حفاةٌ حول المسجد الأقصى
وفوق رؤوسهم
وَحْيٌّ مُجَمَّد
مثل سحابةٍ بيضاء من ثلجٍ وأدمع
الوكالات
تحرق خبزَكم
وتعجنكم فطيراً طيِّباً للمترفين
أوقفوا نزف الحكايا
من ذكرياتٍ ترتمي حول الكلام
أزيحوا
من فوق هذا الجسم أَنْهَارَ الخيام
واغتسلوا
بصخرة الإسراء
البردُ منقطعٌ للحظة
أُخرجوا
وادخلوا في آلة التصوير غاباتٍ من النخل
أكملوا دورةَ الأرض
وطوفوا حول يافا
أَلْفُ عصفورٌ سينطلقُ .
هنا
بين تلك الأصابع ِ
قاومتُ روما
وحين قطفتُ جيوشَ " صلاح الدين " من الأمنيات
مَرَّ سيلٌ من زغاريدٍ على الشهداء
فاضتْ حدائقُهم على كتفي
كيف أحملُ كل هذا الوجد وحدي ؟ .
هامشٌ نحنُ
يمتدُّ كالسرطان في كتبي
وأحلامي
وصوتي
كَفَّايَ عاقرتان
كيف أُوَضِيءُ الأنهارَ من حلمي
ومن عزفي
كيف أمرُّ " كالموّال " في ريق ِالحدائق
وفي جذوع البرتقال ؟
كيف أضمُّ أصحابي بكل مطار ؟
كيف ؟
اغفروا شكل الخيام
قد قَيَّّدَ الفقهاءُ " مالكَ "(2) في " المدينة "(3)
من يَقْوَى على فتوى رجوعك من "مرج الزهور"(4)؟!.
مثلما يبتلُّ " العاصي الثاني "(5) بأحماض القذائف
تتعفنُ الجغرافيا بالمهزلة .
من لَوَّثَ الأضواءَ صُبح هذا اليوم
رائحةُ النهار تصيبنا بدوار
هذا نهارٌ غامقٌ لا نبضَ فيه
مُعَلَّبٌٌ منذ الهزيمة
كل فجرٍ نستحمُّ بنكسة الأخبار
والعصافيرُ ذبيحة .
امنحيني كَفَّكِ
تعويذةً للكرمل
مَلَلْتُ من التداوي كل يوم
كلما داخَ اتجاهي
وَجَّهْتُ ليمونَ البلاد إلى دمي
كَمَّادَاتِ من عشب الخرائط فوق رأسي
آهِ يا رأسي
مليءٌ بالذُّباب وبالطموح
وبمُنْتَهَى الشهداء .
مثلما
اقتربتْ يداكَ من الضباب
لتشرب القهوةَ في يافا
صباح الغد .
______________
4 / 5 / 1993
(1) مايُسمى تل أبيب
(2) الإمام مالك
(3) المدينة المنورة
(4) منفَى المبعدين الفلسطينيين
(5) نهر الليطاني وسمي العاصي الثاني لأن الصهاينة غيّروا مجراه فلم يعد يصب في البحر مثل نهر العاصي