حول بحيرة تريتونيس (2)
ظهرت فجيعة
يوسبريدس
مهجةٌ سُحِقَتْ
نبضٌ تَفَتَّتَ قرب عيني
نهرٌ تبخّر في الكفوف
بعد أن ركب العصورَ جميعها
وامتدّ في شرايين بنغازي
يضوِّعُ تفاحات ( هيرا ) (3)
عبرَ ضوء ٍخافتٍ
مسح المدينةَ بالخرافة
نبضٌ له سحر الفواصل بين أحقابٍ وأخرى
نبضٌ غريبٌ لا يُحَسُّ بكفنا
لكن نراه بعيننا .. طللاً
ونقرؤهُ حضارة .
...
قافلةٌ من التاريخ نامتْ تحت أرضك
أَغْمَضَتْ أجفانَها حقباً
ولم نرها
سوى قطعٍ من الأحلام والفخار
هكذا تمضي
وتترك نبضها
طرقاً مجعدةً من الهجران
تماثيل
وأرغفةً من الأحجار
وتذكاراً لبنغازي
مقابرها
تُشْعِلُ الكلماتِ في أفواه من عبروا
ومن جاءوا
على كفَّي " سيدي اعبيد " (4)
تربط الأجيالَ عبر فواصل التوثيق للأجساد
وعبر غرابة اللُّقيا ببقعتها
النائمون هناك
كانوا بؤرةَ الأزمان
جاؤوا من تواريخ عديدة
عاشوا فوق جفنيها
يا لهذا السحر
مقبرةٌ
كلما تعب الزمانُ ينام فيها
كلما (انفلشتْ) جماعاتٌ بجانبها
تحفظ لقمةَ العيش التي أُخِذَتْ لمرحلةٍ
حكايا من تماثيل وأضرحة وعشب
فيا أصحاب
( أُلْبُومٌ ) بهذا السحر للماضين
أذهلني .
مشنقة أراها اليوم
مشنقة لأجيال القوارب
وهي تغرس حلمها في بحر برقة (5)
مشنقة لأجيال الشيوخ
الصانعين فضاءَ برقة
أي حزنٍ قد تراءى الآن منك
كل بكاء رهط النائمين بزندك
نذر قليل للرثاء
أحفادهم
داسوا على التاريخ والأجداد والمختار (6)
اغتسلوا بكيدهم الملوث بالدكاكين
أي جِنِّيٍّ أتوكِ به
ليقتلع البيوتَ المطمئنة من مدائن نبضها
ليقتلع العمالقةَ الذين تسامقوا
أشجارَ " كينياءٍ " (7) بذاكرة المدينة
ليقتلع الجذورَ من الحضارة
أي جِنِّيٍّ أتوك به
ليبصقنا بدون ملامح
ملحاً على السبخات مشلولا
( لادون ) (8) أسود
خانَ المدينةَ
وابتلعها .
الخائنون
يسحبون الأرضَ من تحتي
يطفئون ملامحَ الآتين
يأكلون جذورهم
جرّافاتهم ردمتكم
أطفأتْ أسماءكم
فانتهيتم كالدُّمى
تتحركون
فوق مسرح التجار
من غير معنى .
يلقون كل عظام من ذهبوا
لإسمنت الفجيعة .
عَطَنٌ بتفاحات ذاكرة البلاد
وانهزامٌ للجياد
أخشى الوباء
فإسمنت بهذا الخبث
يقلقني
____________
7 / 3 / 1993
هوامش :
1, 5 - أسس سكان افهريني (شحات الحالية) وسكان برقة (المرج الحالية) المدينة الخامسة في إقليم سيرينيكا , وأطلقوا عليها اسم (يوسبريدس) هذا الاسم الاغريقي الذي يعنى المدينة الغربية وكان ذلك في القرن السادس قبل الميلاد ويوسبريدس هي .... البذرة الأولى لمدينة
2- يقال أن بحيرة ( تريتونيس ) هي تلك البحيرة التي تفصل مدينة (برنيكي) سيدي خريبيش الآن عن اليابسة , وتكون مع البحر ذلك الرأس الذي سمى بشبه الجزيرة الكاذب (بسيودوبنياس) , وفي وسط هذه البحيرة كانت هناك جزيرة صغيرة بها معبد صغير (لفينوس) وتتحدث أسطورة بح
3, 8 - تتحدث الأسطورة اليونانية عن زواج كبير المؤلهين (بزيوس) من المؤلهــة (هيرا) وبهذه المناسبة أهدت الأرض (جيا) لهيرا شجرة التفاح الذهبى التي زرعتها في بسـتانها وأقامت على حراسـتها أربعاً من الحســـان أطلق عليهن اسم هيبريدس (حارسات التفاح الذهبي) وت
4- مقبرة سيدي اعبيد الحديثة , بنيت في الموقع نفسه الذي شغلته مدينة يوسبريدس وتقع عند الطرف الشمالي لسبخة السلماني الحالية بمدينة بنغازي وبها تجاورت المقابر القديمة مع المقابر الحديثة .
6– شيخ الشهداء عمر المختار دفن بداية في مقبرة سيدي اعبيد قبل نقل رفاته إلى ضريح عمر المختار بشارع عمرو بن العاص ثم إلى سلوق التي شنقه الغزاة الطليان فيها .
7 – اقتلعت أشجار الكينيا العملاقة التي كانت تشمخ في موقع يوسبريدس بطريقة وحشية كذلك دُمِّرت الآثار الموجودة في الموقع لغرض بناء محال تجارية دون استناد للقوانين التي تحمي الآثار والأشجار ودون أي اكتراث للمحتوى الثقافي والحضاري للمدينة ودون أي احترام لل