" ظريف الطول "
نهرٌ محفوظٌ بعناية
في متحف جَدِّي
* * * * *
بالأمس تماماً
عرفتُ بقصَّتِهِ
فسرقتُ المفتاحَ الصَّدِئَ لبابِ القبو المعتم
من " صَدْرِيّة " جدي
ودخلتُ لأفُْرِجَ عن شخصٍ
أعرفُ سيرتَه الآن .
...
ظريفَ الطول
كان المطر غزيراً يوم عرفتك
في كل صباحٍ
كانت سيرتك تؤكِّدُني
أتبلّلُ بأغانيك
فأمشي مُنتشياً
أقفزُ
ويدايَ تداعب أغصان الزيتون
المتدلِّية كموال " عتابا "
يوم عرفتك
أمسكتُ بيافا
وحملتُ الْبَيَّارَاتِ بكفي
فانبهرَ مؤذنُ مسجدها الجامع
ونادى فيكَ فجئتَ تهرول
وتخندقتَ أمام المسجد نخلة .
يا سُلَّمَنَا العالي
هل تسمح لي
أن أقطف منك صلاةَ العصر
قد هَرِمَ الزيتونُ بجسمي
وأريدُ بذوراً كي أتجدّد
كَفَّايَ الجامدتان كفرعٍ يابس
والممتدةُ فوق قناة
أرهقها السُّوس
لا تعبرْ للمنفى وإلا ...
شَمَتَ الرأيُّ العام بفرعك وهو يغوص
وماذا لو غصتَ بهذا الوحل
كيف سأغسلُ كلَّ ملابسك العسكرية وهي ثقيلة ؟!! .
أتعبني البرقُ المنقوع بأعلى الدار
أخشى أن يصدأ سقفُ البيت
وأنام شتاء العام القادم مبتلاً
وبدون حكايا
وإن لم تأتِ في موعدك صديقي
وتغنِّ لي
فالبرد سيأكلني ثانيةً
كنتُ وحيداً
منسلاً من حلم العالم
كعصافير خريفٍ يَبست
في كفِّ وسائل إعلامٍ قصوى
ومستثنى من أزهار اللوتس
ألبسُ آخرَ خيمة
وكلَّ ضباب المدن الكبرى
أمشي بين ذئاب الناس
أُنْهَشُُ كلَّ صباح ٍ
أتضاءلُ
أُمْسِكُ كَفَّ رُؤَاي
أمشى تحت القصف بدون حدائق
وصوت تروس الآلات المتحدة
فَتَّتَ أُذُنِي
لا أسمعُ شِعْرَ الأشياء
وتماماً
كمباني بيروت المقصوفة
يموت الضوءُ أمامي
والمنفى يمتد بداخل جسمي حتى الطعن
قدمايَ بذورٌ فاسدةٌ لا تنبتُ وطناً
لا تنبتُ غير المنفي
وحين تكون وحيداً
يذبحكَ الصمتُ من التذكار إلى التذكار
كلُّ ضجيج العالم يُغْرَسُ كالشوك برأسك
وكالإزميل بجبهتك المجهدة كمرفأ .
يا ذا المشبوك على خط الأفق كبرعم
والواثق دوماً من نفسه
أأصارحك قليلاً ؟
هاتِ " الشَّبَّابَة " واسمعْ :
تُتْعِبُنِي قسوةُ كفّيكَ
حين تحاول أن تقطف نرجسةً لصديقتنا
تتعبني قسوتُك
حين تحاول أن تنهض نخلاً
تتطاولُ في زرقة أشيائي
تمنعني من أن أتسلق كتفيك
لأوشوشَ في سعفك
حاول أن تفهمني
صدّقني
لا أقدرُ أن أكبر
سأظلُّ صغيراً وشقياً
لأهزَّ جذوعك
كي يَسَّاقَطَ من كفيّك الرطبُ
وكتابُ حكايا .
أنتَ صديقي
فأعرني مشيتك
لِتُعْجَبَ بي واحدةٌ من هذا العالم مرة
أعرني
- ولو لقرونٍ – كلََّ ملامحك
كم أتمنى
أن تؤخذ لي لقطة
أتوهجُ فيها سنبلةً في كفِّ الكرمل
وعصافير
تنبتُ " كالحَنُّون "** على شفتي
وتغني :
( يا ظريف الطول وقِّفْ تَاقُولّك ........
_______________
24 / 10 / 1992 م
* ظريف الطول : لون من ألوان الغناء الشعبي الفلسطيني .
** الحنون : زهرة شقائق النعمان