العيـون

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

 

أغمد الطفل ، ذو العينين السوداوين ، نصله في سحيق قلوبهم قائلا :

-و لكن لماذا يفتح عينيه ـ يا أمي ـ إذا كان لا يرى ؟

 

فرّ السؤال من فمه كطائر صغير أسود ، حام مرفرفاً في أرجاء الغرفة البيضاء ، ثم توالدت منه طيور صغيرة سوداء ، أخذت تدور فوق الرؤوس ؛ في هذه الأثناء : كان الرجل الطاعن ، ساكناً ، بجسمه الكبير ، على سرسره ، و عيناه الواسعتان ، البيضاوان ، مفتوحتان . الطفل يدحرج نفسه على البلاط اللامع لاهياً .. و من عيون النسوة تسقط دمعة أو دمعتان ، تقول شيئاً عن ماضٍ ما .. شيءٍ سحيق دفنته الأيام في ركام القلب . رجل شاب يهمس لزميله ، مجيباً على سؤال الطفل :

 

-ربما ينظر إلى حياته التي خلفها !

 

يقول الآخر :

 

-أو خلفته .. ربما رفضته !

 

يرد آخر :

 

-قد يكون رافضاً لها !

 

-ربما ينظر إلى حياته فينا !

 

-ربما يرى الأشياء التي نظرنا إليها طويلاً ، و لم نرها !

 

في هذه الأثناء : يهمهمون ، محركين رؤوسهم بأسى .. يفرقعون أصابعهم بحيرة ، و امرأة تجذب عباءتها مرتبكة ، رجل يتنحنح مكوراً يده .. و الرجل الطاعن في سكون لا يريم ، و الغرفة تمتلئ بالطيور و تضيق .. تتقاطر الطيور على الرجل الطاعن ، تدور حوله في رقصة عجيبة ، متمهلة ، ثم تنهال عليه ، تقبله بفرح ، و تأخذ لونه ، تاركة جسده الكبير ، لبياض الغرفة الواسع ، الممتلئ بالعيون