الفتى الذي عشق

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

في البداية :

حوم الفتى بسيارته الصغيرة الحمراء : أمامه الشوارع الواسعة ، و تلال الوقت الطويلة؛ قال لنفسه :

 

-الرياض كبيرة .. أين أذهب ؟ .. إلى مجمع العقارية ..

 

صرت العجلات .. السوق مزدحم .. لها مع شباب قابلهم في السوق .. لمح من بعيد طرف عباءتها السوداء تلوح له كيد ؛ مشى يتبعها عن بعد ، اقترب و ازدادت دقات قلبه .. أخذت الدقائق تتقد ، وآلمته أصابعه .. جبهته ساخنة ، قال :

 

-لابد أن تأخذ الرقم !

 

ضغط الورقة الصغيرة في كفه ، و كأنه يضغط يدها ؛ فتح الورقة للمرة الرابعة ، برق الخط بلونه الأحمر في عينيه .. تأكد من صحة رقم هاتفه ، و تصور فرحتها ، واحمرار خديها وهي تقرأه .. تبعها .. و أخيراً رآها تخرج من السوق برفقة عائلتها ، قال : ربما هذه والدتها ، و هذه أختها الصغيرة . أما هذا فهو أخوها بكل تأكيد .. أحس بالتحدي نحوه ( سأصفعه لو قال شيئاً ، و سأثبت لها … ) .. طالت المعركة ، فأحس ببعض الخجل .. ركض إلى سيارته ليلحق بسيارتهم .. أمام الإشارة الحمراء كانت النار تشتعل في داخله .. فرح للون الأخضر ، وحرص أن يتبع السيارة من مسافة مناسبة .. لا أريد أن يراني هذا الأخ !

 

توقفت السيارة أمام مطعم الفصول فأحس بفرح ، وكأنه يعرف بيتهم ، بل كأنه يعرفها من ألف سنة !

 

انتظر حتى مل ، ثم دفع الباب و دخل .. تصدى له عامل و قال :

 

-أين تذهب ..هذا المكان للعوائل ؟!

 

-العائلة في الداخل !

 

و مرق بسرعة وسط الإضاءة الخافتة كحلم ، تخطى ارتباكه ، وكان العامل قد ذهب صارخاً أثر طلب ما ..أين يتجه الآن ؟ بل أين تجلس هي ؟ سمع ضحكة ناعمة فتباغت .. دار حتى وجد كرسياً وطاولة فجلس ، وأخذ يدخن ..تفاجأ بعامل رقيق يقف فوق رأسه ، ويطلب منه إطفاء سيجارته .. أطفأها وهو يسأل لماذا ؟ فقال له العامل : هنا ممنوع التدخين .. إنه مكان العوائل .. هز رأسه ، وظل العامل واقفاً ..فقال له :

 

-سيأتي الأهل !!

 

أحضر له العامل كأس ماء ، وتركه ..

 

استمرت عيون الندل تمسحه ، وهم يروحون و يغدون ، تشاغل والعامل الرقيق يقبل نحوه .. ابتسم له وقال :

 

-لقد تأخروا !

 

-هل تريد أن تأكل ؟

 

قاده إلى طاولة صغيرة بكرسيين .. كانت قريباً من قسم العوائل ، وتطل على الباب الخارجي .. استقبل الزجاج ، وجلس :

 

( رآها تقبل نحوه ، وبحيائها تجلس أمامه .. قال غاصاً بفرحه : أهلاً . فسمع رنيناً خافتاً يشبه الغناء .. طارت عصافير كثيرة ضاحكة حول قلبه .. وسمع هديل حمام .. و أزهار صغيرة أخذت تورق بين أصابعه .. ضغط أصابعه حتى تشابكت الأغصان و تألمت يداه .. ) انتبه إلى صوت النادل الرقيق يقول له :

 

-سنغلق المحل .. لو سمحت !

 

ترنحت أشجار فرحه .. نهض خارجاً ، فتح يده على الورقة الصغيرة .. رأى الرقم الأحمر فدعكه بانفعال ، و رمى بالورقة ؛ ثم سار و كأنه يسقط في بئر .

 

في اليوم التالي :

 

دار في العقارية حتى كل ؛ مشى و توقف بسيارته أمام مطعم الفصول ، دفع الباب و دخل قائلاً للعامل :

 

-العائلة في الداخل !

 

و مرق بسرعة ، الإضاءة خافتة . جلس على الطاولة الصغيرة ذات الكرسيين ، متسائلاً : أين تجلس هي ؟ جاءه العامل الرقيق فقال له :

 

-سيأتي الأهل !!

 

أحضر له العامل كأس ماء ، وتركه ..

 

انتظر أن يسمع ضحكة ناعمة .. أخرج من جيبه علبة الهدية الحمراء الصغيرة ، و وضعها بالقرب منه ، قال ستفرح بالسلسلة الذهبية ، والقلب الصغير الذي يحمل الحرف الأول من اسمه .. انتظر ، و انتظر ، و انتظر .. حتى امتلأ فؤاده بأحجار ثقيلة ؛ قام ليغادر .. لكن كأنه سمع من يقول له : انتظر .. جلس و هو يلتفت باحثاً عن محدثه ، لم يكن غير الطاولة الصغيرة و الكرسيين .. و أناس بعيدين يثرثرون حول صحون طعامهم .. نظر إلى الكرسي المقابل له ( تراءى له طيف ابتسامتها ، كانت كما لو جلست أمامه ، وقد تدلت خصلات شعرها الأسود فوق جبينها المشرق .. خفق قلبه ، و هو يبتسم ، قال أهلاً فردت عليه بحياء .. مد يده بالعلبة الصغيرة الحمراء ، و لمس أصابعها الناعمة ، فتعالى غناء لا حدود له في وديانه .. أخذ يحدثها عن أول مرة شاهدها في أسواق العقارية ، و كيف كتب الرقم ، و أخذ يسأل عن المرافقين .. و صف لها بيتهم ، و عدد أفراد أسرته واحداً واحداً ، و طلب منها أن تصف له بيتها ، و كان متلهفاً على معرفة موقعه .. ) بوغت بصوت النادل الرقيق و هو يسأله :

 

-هل تريد أن تأكل ؟

 

ارتبك و هو يومئ برأسه ؛ و أمسك قائمة الطعام .. عاد النادل إليه ، فطلب عشاء لشخصين .. و قال للنادل سيحضرون الآن ..( رآها تبتسم بحياء و هي تخفض عينيها .. واصل الحديث عن أصدقائه و دراسته في الثانوية ، و عزمه أن يكون .. و .. و ..… ) انتبه إلى صوت النادل الرقيق يقول له :

 

-سنغلق المحل .. لو سمحت !

 

في الأيام المتتالية :

 

يتوقف بسيارته أمام مطعم الفصول مساء ، يدفع الباب و يدخل قائلاً للعامل :

 

-العائلة في الداخل !

 

يمرق بسرعة وسط الإضاءة الخافتة ، يجلس على طاولته الصغيرة مقابلاً الكرسي الآخر ، يأتي العامل الرقيق فيقول له :

 

-سيأتي الأهل !!

 

يخرج من جيبه علبة الهدية الحمراء الصغيرة ، و يضعها قرب الكرسي المقابل ، يطلب عشاء لاثنين ؛ و يأخذ يحدثها حتى يخرجه صوت النادل قائلاً :

 

 

-سنغلق المحل !