ألحان النسمة الصغيرة الباردة !!

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

في الحارات الصغيرة ، تمتد الشوارع الكثيرة مسافة ، ثم تنتهي .

الهواء الذي يملأ تلك الشوارع القصيرة..

يحرك الهواء الغبار و بقايا الأوراق .. و الروائح الطائرة من الأكوام المتروكة ..

هذا الهواء يخرج من شارع صغير ، إلى شارع ، إلى شارع ..

يدور في الشارع ، ماشيا على مهل ، ملتفا ، و ملتويا .. حتى يصرفه جدار ما ، فيتكوم قليلا .. و تسقط الأوراق منه ، و تتكوم مخشخة ..

كانت النسمة الصغيرة الباردة من ضمن الحزم الطائرة مع هذا الهواء .

دارت النسمة الصغيرة الباردة معه .. حملت أوراقا .. مبتعدة عن الروائح ..

أسرعت .. الروائح تلحقها ..

و عندما تكوم الهواء وسط الحارة مرة أخرى ، أمام جدار ، تحت تلك الشجرة ..

لم تستطع النسمة الصغيرة الباردة أن تستقر .. دارت و دارت ، ثم طارت بسرعة ، و هي تقول :

- لأخرج من هذا الجو الخانق !!

فرت ، لكن الجدار الكبير الواقف صدمها ، تلوت متألمة ، وانحدرت حتى استقرت في الظل ..

كانت أوراق الشجرة الكبيرة تحدق بها و هي واقفة منتظرة ..

هبت النسمة الصغيرة الباردة إلى الأغصان ، و هفهفت بين ثنايا الأوراق الخضراء فرحة ..

فرحت الأوراق و تحركت بطرب ، و أصدرت ألحانا صغيرة و جميلة كالغناء ..

توافدت العصافير : من الجدران القصيرة ، من الشقوق ، من فوق سعف النخيل اليابسة ، من السطوح حيث تخبئ أعشاشها ، من كل مكان ..

جاءت العصافير ، و حطت على الأغصان ..

توقف رجل محني الظهر ، و رفع عينيه الصغيرتين إلى أوراق الشجرة التي تعزف ألحانها .. شاهد العصافير الفرحة ..

و من نافذة قريبة أطلت فتاة صغيرة بضفيرتين طويلتين ، و عينين ذكيتين ، كانت تبتسم ، و هي تشرع النافذة للهواء ..

نور الشمس الناعم أخذ يتماوج من بين الأغصان مطاردا قطع الظل المرحة ..

ازداد فرح النسمة الصغيرة الباردة ، و تمدد جسمها و اتسع ..

تراقصت الأشجار الأخرى القريبة و اهتزت ..

طربت النسمة ، و لوحت بمناديلها البراقة ، و انطلقت من فوق الجدران ..

ماجت في الشوارع ..

و انطلقت إلى الحقول ..

كانت أسراب العصافير تتبع النسمة الباردة و هي تكسو الأشياء ..

و هاهم الأطفال اللاعبون يجرون خلفها ..

و أوراق الأشجار تلتفت ..

حتى المياه .. مياه البرك النائمة اختضت و تماوجت فرحة ..

الرجل العجوز يهمس باسما : يا لهذه النسمة الصغيرة الباردة !!