عينان

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : جـبـير المليـحان | المصدر : www.arabicstory.net

بالأمس :

 

و هو يجلس على كرسي الحلاق ، مشت في المرآة الكبيرة الواسعة ، روائح الأرض الخضراء لاعبة مع الطيور .. و فوق الشجر اصطفت ، في طابور طويل ، غيوم كثيرة ، و طليقة ، لونها مثل العيون المرحة ، أو الحالمة ، و هي تتدحرج ، واحدة واحدة ، نازلة إلى أيدي الأطفال كسلاسل الحلوى . تراشق بها الأطفال ... تراشقوا ، حتى أتعبوا فرح الماء .......

في المرآة نفسها ، كانت ، أيضاً : عشرات العيون الحادة تحدق في وجهه بصرامة .

ذلك أن له عينين مختلفتين ،

عرف ذلك ، و هو يقف أمام المرآة :

العين الأولى واسعة ، وحادة ؛ وترى الحجارة ، و أغصان الأشجار. يمشي بها في الشارع ، ويحدث بها الآخرين ، و يصدهم ، ويذهب بها إلى العمل 0000

في العين الأخرى ، يشم زهور الوجوه الجذلى بمطر الحياة ، وتدهشه الأشجار و هي ترقص بخيوط الماء .. بها يصافح فرح المسافر إلى الربيع ، و يسمع الحزن و هو يقرض أحلام الوجوه من الخدين ، و ترسم عينه كيف يبكي الأطفال و يضحكون و هم ينامون . وكيف ينسج العجائز أيامهم بالصمت . و أين يسير المهمومون و الحزانى .. تتعثر عينه بأغنيات القصائد المختبئة في الظل . و تلاقي دموع البعيدين عن أشجار قلوبهم ، أوطانهم ، أولئك الكثيرين ، الذين تسافر بهم الدنيا أبدا ..

هذه العين : تعزي العائدين إلى منافيهم الكثيرة ـ في داخلهم ، و بيوتهم ، و أعمالهم ، و أوطانهم ـ ، ..... بخيباتهم .

إنه يشم بها ؛ وهو يدخل مجلس القوم ـ في ثوان ـ ألوان الغرباء :

يراهم حيث يختبئون داخل الأماكن البعيدة في أفئدتهم ، فيتجه إلى هناك :

إلى عيونهم النقية مباشرة ، و يحبهم منذ قرون طويلة .

أو يهجرهم كما الموت ..

هذه العين الصغيرة ، الواسعة جداً ، و التي يحملها أمامه دائماً ، تضيء له المعتم ، و تفرد ألوان الضوء .. تبكي معه .. يسمع بكاءها له ، و للكثيرين .. إنها عينه ؛ عين الحياة .

 

اليوم :

 

و هي في غرفتها ، و في المرآة الكبيرة ، الواسعة ، رأت أسراباً من طيور أحلامها ، تنثال كالشلالات .. ضحكت كما يضحك الماء .. حتى ملأت طيورها الشوارع .... ، ملأت زهورها الشوارع ..، أطفالها ..، عيونها .. حياتها ........

من خلفها ، في المرآة الكبيرة ، الواسعة ، رأت أسراباً من عينيه ، تحدق في طيور أحلامها بصرامة