نحن في الغرفة ، أمام النار .. الجو دافئ ، و نحن فرحون ..
و ها هي جدتي تأتي ، أسمع صوتها الحبيب ، و نقرات عصاها ، تدخل علينا الغرفة .. يحييها أبي و أمي ، و نفسح لها مكانا بيننا .. تجلس بجانبي ، و أنا أحب ذلك ، أشم رائحة خضاب شعرها الأحمر .. أحب هذه الرائحة .. نحن فرحون ، فقد جاء وقت الحكايات .. أطفأ أبي جهاز التلفزيون .. و جاءنا صوت الجدة متسائلا :
- أنتم تعرفون الصقر؟ هتفنا كلنا : نعم .. نعم ! قالت :
- أنتم تعرفون الأرانب ؟ قلنا : نعم .. قالت :
- لها قصة مع الصقر .. لا تقاطعوني .. سأقول لكم القصة .. استمعوا جيدا ، و فكروا ....
في سهل بعيد ، و أخضر كان ثمة قرية كبيرة و واسعة للأرانب .. كانت القرية خلف الجبال ، و من النادر أن يصلها البشر .. الأرانب تخاف من الصيادين الذين يقتلون أولادها .. و يأكلون لحمها .. كانت بعيدة عنهم .. غير أن ذلك لا يعني أن الأخطار قليلة .. فالقرية قريبة من الجبل و الكثير من الوديان .. و الذئاب الجائعة تباغت الأرانب و تصطادها .. و إن لم تأت الذئاب فالثعالب كثيرة ، و هي تدور باستمرار حول القرية .. أتدرون ما فعلت الأرانب ؟
ظلت الجدة تراقب عيوننا المنصتة ، و هي تبتسم بسعادة .. كنا نهز رؤوسنا نستحثها على إكمال القصة .. فركت يديها ، و قالت :
- الأرانب تبني بيوتها تحت الأرض ، و هي تشق أنفاقا متصلة بين هذه البيوت .. إنها شوارع صغيرة تحت الأرض ، و عندما تحس بأي خطر.. تسارع إلى الدخول من الأبواب الصغيرة ، ثم تسلك تلك الشوارع إلى بيوتها .. لقد وضعت بعض الفتية الأقوياء من الأرانب على الجهات لتنذرها بمقدم ذئب أو ثعلب أو إنسان ..
هكذا كانت تعيش بأمان ،حتى جاء يوم رأت فيه طائرا كبيرا يحلق في السماء الزرقاء .. كان بعيدا جدا بحيث لم ينتبه لتحليقه غير القليل منها .. و فجأة دوى انفجار كبير فرت معه كل الأرانب إلى جحورها .. و بعد قليل أطلت بعضها خائفة ، فرأت الطائر الكبير يحلق مبتعدا و قد خطف بمخالبه أحد الصغار .. كان الصغير يومئ بأذنيه الطويلتين و يستغيث .. لم تستطع كل الأرانب غير التحديق فيه حتى اختفى الطائر....
ركضت الأرانب لتعزية أمه الباكية .. و امتنعت الأرانب عن الخروج إلى المرعى ذلك اليوم ..في اليوم التالي .. و في ضحى يوم جميل و مشمس ، كانت الأرانب تجهز طعامها للغداء عندما دوى الانفجار الكبير ، و طار الطائر حاملا أرنبا آخر في مخالبه و اختفى..
- ماذا تفعل الأرانب الخائفة؟ هكذا قالت الجدة.. دارت في وجوهنا بسؤالها ، فقفز أخي الصغير و قال :
- تقتله ؟
- كيف ؟ قالت الجدة .
- هم أرانب كثيرة ، و وهو طير واحد !! قال أخي .الجدة قالت :
- هذا ما قاله أحد الأرانب الصغار .. لقد اجتمعت الأرانب كلها حتى ضاقت عنها الصالة الكبيرة المخصصة للضيافة و الاجتماعات الهامة .. تحدثوا عن الطائر الكبير الذي يخطف أرنبا كل يوم .. عن انقضاضه السريع بحيث لا يترك لهم المجال ليفروا إلى الجحور .. المشكلة أنه يأتي من الفضاء .. و هو سريع ، و له مخالب تخترق وبر الأرانب الناعمة .. ماذا نفعل ؟ هكذا حددت الأرانب السؤال ..
توقفت جدتي عن الحديث فترة معينة حتى تأكدت أن السؤال استقر في أذهاننا ، ثم قالت :
- ما هو الجواب ؟ ما الذي تفعله الأرانب لتحمي حياتها ؟
صمتت أيضا فترة أخرى .. ثم قالت :
- هيا قولوا لي . استأذنتها ، و قلت :
- سأقول القصة لزملائي في المدرسة .. سأقولها للمعلم ، و سنصل إلى حل .. لكن ـ يا جدتي ـ هل توصلت الأرانب إلى حل ؟ قالت الجدة :
نعم توصلت إلى حل .. و لن أقوله لكم حتى أسمع ما يقوله معلموكم و زملاؤكم .. الآن يا أبنائي حان وقت نومي ، سأروي لكم غدا قصة أخرى .. تصبحون على خير .. قامت الجدة إلى فراشها .. كنت أسمع نقرات عصاها ... كان أبي يبتسم ، و أمي تصب الشاي .. و كنت أفكر كيف سأجد الحل