نباش منتصف اللّيل

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : محمد بروحو | المصدر : www.arabicstory.net

 

في مساء من مساءات الصّيف الدّافئة.. بين ممرّات الأزقة والدّروب، وعلى طول الشّوارع، نزل الجميع يردّدون أغنية

 

حينما ينزل اللّيل بمعطف الظّلام وترمرم النّجوم وجه السّماء.. في ذلك الحين يكون النّباش يرمرم بقايا الأكياس

 

المتساقطة على جنبات الطّرقات..مساء..وجوه.. أغنية..إعتاد أن يقتات من بقايا الأطعمة المتراكمة على عتبات المنازل الفاخرة.. توضع في أكياس.. ينبش فيها بكمّاشة من حديد.. بحمار وعربة، ينتقل من كيس لآخر ومن قمامة لقمامة

 

على طول الشّارع  تتراءى له أضواء خافتة، تنبعث عبر نوافذ مغلقة.. يتساءل أوربما يسائل نفسه عن سر هذه الأضواء..يصاحب صوت حوافر حماره أغنيةً يردّدها .. يكاد إيقاعها يناسب حركة مشي الحمار.. يعلِّق نظره نحو زجاج النوافذ.. يتغيّر لون الضوء ويقف الحمار.. حصل عطب في عجلة العربة.. النبّاش بجانب عربته تحت النّوافذ.. يسمع أصواتاً وكلمات خافتة وموسيقى هادئة.. يربط الحمار وهو يحرِّك أذنيه.. يخرج الأدوات، ويبدأ في إصلاح العطب.. دقَّات المطرقة، تختلط بنباح كلب يطلّ برأسه من فوق السّطوح.. يرتجف.. يمسح بعينيه المكان على صورة شبح يتراءى له بعيداً، يقف ثم يهوي..يكتمل المشهد حينما يجد نفسه وحماره وعربته في عالم ليس من عالمه.. بين طيّات زمن ليس من زمانه.. أدرك أن هناك مساء ووجوه وأغنية.. خمن حينذاك أنه ليس المعنيُّ بهذه المشاهد، إنه من عالم آخر.. من نوع صدأت عجلات أيامه..ولربما كانت كذلك منذ بدايتها.. جلس على عتبة.. أغمض عينيه.. دخل فيلا الأنوار المتلألئة، أجساد وقنينات وأضواء وأغنيات.. تزاحم بين الأجساد السا قطة على الأرض ، يشتم رائحة لم يألفها، جلس على طاولة يذوق طعم أكل لم يميز مذاقه ولا رائحته..

 

تحسس جسده، حرارة غير عادية تسري في جسمه.. أجساد شبه عارية مشاهد لم يألفها.. تفحص المكان..  إقترب شيئاً فشيئاً من الآمكان.. نساء ورجال .. فساتين وقبَّعات.. بذلات أوروبية وربطات عنق ملونة.. تتزاحم الأجساد والأشياء على الكراسي الفاخرة.. يمرر يده فوق الأجساد الممدّدة.. كرّر ذلك مرّات عديدة.. أحس بلذة.. أخذ منديلا وشم رائحته.. فاق من غيبوبته، فتح عينيه على نباح كلب تربّص به.. إستوى مذعوراً حيث وجد نفسه بين بقايا الأطعمة الفاسدة، يشم رائحة النّتانة ويقبض على كيس به بقايا عظام أسماك كبيرة. مدّ يده يترك قطط اللّيل تشم رائحة السّمك العالقة به.. علق بصره نحو النوافذ المغلقة.. واصل طريقه للبحث عن بقايا الأشياءالمتراكمة على جنبات الطّرقات..سمع دقّات السّاعة المعلّقة على حائط الكنيسة، عدّها، إنها الثانية عشرة ليلاً