جثة في رداء أبيض

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : ياسر عبد الباقي | المصدر : www.arabicstory.net

في زقاق الشارع ، حيث كانوا ملتفون نصف عراء حول النار ، لعلها تدفئهم من البرد ، قام أحدهم مترنحاً ، رافعاً بيده زجاجة ، وقال بكلمات متعثرة : هيه .. يا شباب .. ما رأيكم نهاجر هذا الحي اللعين للأبد .. قذر .. ملطخ بالأوساخ .

هتف أخر وكان مثله مترنحاً : آه .. لقد تكلمت ما في رأسي يا زعيم .. الناس هنا سكارى .

وضج المكان بالضحك ، بينما كان الرجل الواقف قد شعر بالفخر لمناداته بالزعيم ، والتفت إلى أحدهم وصاح به: أنت أيها الصبي ، أما زال والدك يناديك بالبليد ، هز الصبي رأسه كان أصغرهم سناً فأضاف الزعيم: إذا أذهب يا بليد ، وأحضر لنا مزيد من الخمر .

قال ذلك وضج المكان مرة أخرى بالضحك ، فشربوا حتى الثمالة ، وراحوا في غناء ورقص ، أقترح أحدهم قائلاً : يا شباب ، لنذهب إلى البحر لنحتفل هناك ثم نودعه ، وساروا مترنحين في الظلام وفي الطريق هتف أحدهم : أنظروا هناك !

-أين ؟

-امرأة ! .

-لا أرى شيئاً يا عيون البوم ، خطوات خفيفة ، حذرة ، المكان مخيف هادئ ، امرأة في رداء أبيض ، لا يسمع منها سوى تنهيدتها ، ونظرات مفزوعة غاصة ، ضائعة .

-ها .. أني أراها .. هتوها ، ركض الجميع نحوها ، خطواتهم قوية مسموعة ، التفوا حولها كالتفافهم حول النار ، ضحكات شيطانية شهوانية ، يتقدم منها الزعيم حتى كاد يلتصق بها ، عرفته رغم سواد المكان ، صرخت : أنت ؟! وتلفتت حولها باحثة عن شخص تعرفه جيداً ، حملها لم تستطع مقاومته ، قوياً وصراخها يضيع بين ضحكاتهم المتعالية ، أخذوها إلى كوخ يملكوا ، قال لهم قبل أن يقفل بابه : الزعيم أولاً .

لم يعترض أحد ، خرج بعد ساعة يمسح أثر الدم على سرواله قال: أنها لكم .

قفز الصبي ليدخل ، إلا أن أحدهم أمسكه وصرخ به : بالدور ، تواصلوا في اغتصابها الواحد تلو الأخر ، حتى خرج أحدهم قائلاً: لقد ماتت !

فيهتف الصبي: انه دوري .. أنا الآن أيها الزعيم .

فينظر إليه هذا طويلاً ، ويقول: أدخل .. كن سريعاً في عملك حتى لا ندعوك بالبليد ..

قفز الصبي فرحاً ، فيدخل الكوخ ، ويجلس على أرضيته وأخذ يحبو باحثاً عنهـا في الظلام ..

كان الفجر قد لاح عندما تم دفن الجثة ، طلب منهم الزعيم أن لا يلتقوا إلا بعد فترة ، وحذر الصبي قائلاً : أن تفوهت بكلمة قتلتك .

-لا تخاف .. لا تخاف ، قال الصبي ذلك ، وعاد إلى منزله حيث كان بادئ السكر والإعياء ، وصادف والده الذي كان ينتظره صائحاً بقلق: يا بليد .. أين كنت ؟! أذهب وأبحث عن أختك...

دخل الصبي غرفته قائلاً ! ستجدها في عملها .. في المستشفى !.

أجابه والده وهو يجهش بالبكاء لقد غادرت عملها بعد صلاة المغرب .. ونحن الآن قرب الفجر ، إلا أن الصبي لم يسمعه كان قد وضع الوسادة على رأسه ونام .....