فتاة ٌ ينتظرها حلمي
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
محمود إبراهيم الحسن
| المصدر :
www.arabicstory.net
أوقظني الصباح بأشعته الشقراء , فتثاءبت ُ له محاولاً تبرير كسلي وتخليَّ عما تبقى من نومي
كل الأشياء في غرفتي روتينية , وأغلب الأحداث تتكرر كلّ يوم , أراجع ورقة الخطة اليومية السابقة فلا أجد من حلّ الا تمزيقها لأنني لا أحب أن أكذب على نفسي آخر العام فتكشفني 365 ورقة
منذ تسع ٍ وعشرين َيوماً وأنا أعيش ُ بلا فرح , سألت ُ نفسي بكل جرأة لم َ أنا حزين طوال هذه المدة , تفقدت ُ كل أشيائي بما فيها محفظة النقود فأدركت السبب
أوقظت المذياع من نومه فراح يصدح " طلّ الصباح , صباح ُ الخير ِ يا وطني "
يا الهي , أشعر ُ وكأن براعم قلبي قد تفتحت من جديد , حتى الغيم لن يخذل تفاؤلي ولن يرحل بعيداً عن أحلامي , وسيروي روحي العطشى
آه ... إنه اليوم الأوّل من الشهر .... ويجب أن أكون مختلفاً بعض الشيء
سأنسى كل شيء يعكّر صفوي , وسأحاول التجديد
سأحلم ... نعم سأحلم لم َ لا ؟
ولم أُشرع في استحضارحلم ٍ معين إلى مخيلتي , فرأسي الذي أصبح يعلوه البياض مبكّراً لم أستخدمه قط للتفكير بما وراء نشرة أخبار الثامنة مساء ً
رتبت ُ سريري العازب كيفما كان , وأسرعت ُ إلى العمل فقد تأخرت ُ كثيراً
وفي الطريق إلى الشارع العام فكّرت كيف حلّ هذا الحلم ضيفاً غريباً عليّ , لا بدّ أن أداعبه وأحتفي به , فالأحلام تنعش النفس كما ينعش ُ نسيم الصيف لهيب الظهيرة
- يا أخ ... يا شارد يا هييييييييييي هل نسيت َ أن تحاسبنا .... هات ِ الأجرة من فضلك
- حسناً ( وأخرجت ُ ورقة من فئة 50 ليرة )
- تفضل يا أخي لا أحمل ُ في جيبي الآن أقل منها
- لا يوجد عندي صرافة كي أعيد ُ لك ستاً وأربعين ليرة , ابحث جيّداً علّك َ تجد ُ أربع َ ليرات ٍ
- أعرف جيوبي جيداً وصدقني لا أملك ُ سوى هذه الخمسين التي بيدك , واليوم سأقبض حلمي .. عفواً سأقبضُ راتبي
أدار ُ المحاسب ُ كل جسمه نحوي , وأظهرت تقاسيم ُ وجهه البني ذكاء ً مصطنعاً
- كلكم تقولون هذا كي لا تدفعون
وما الحل برأيك ؟
- الحل أن تنزل , وبالناقص من " هالأربع ليرات "
قلت لنفسي حسناً سأُكمل حلمي على قارعة ِ الطريق قرب شاخصة المرور التي كُتب َ عليها " قف " لا تعبر الطريق قبل التأكد من خلوه
غير أن العجوز الذي جلس َ بجانبي انبرى قائلاً : حسناً أنا عندي عدد لا بأس به من " الخمسات "
أعاد المحاسب الخمسين ليرة , وتناول خمس ليرات ٍ مني ولم يُعد لي الليرة الباقية لكن لا يهم .. فأنا لا زلت ُ أحلم
شكرتُ العجوز كثيراً على إنقاذه إياي من هذا الموقف , كانت آثار السنين بادية ً على وجهه القديم , وبدت لي جبهته العريضة والتجعدات التي علتها كما لو أنها تحكي تاريخ الاتحاد السوفييتي
كان يمسك جريدة ً في يده , أمسك قلم الرصاص ووضع نعم
قلت له : يا عم , الاستفتاء يقول : هل أنت ... ؟ ومكان النقط أي كلمة تغضُبك فلماذا أجبت َ بنعم ؟
فأجابني بحكمة : قل نعم يا ولدي ف"لا" ذهبت مع كرامتِنا منذ زمن ٍ طويل
كنتُ أكلمه وأسترق النظر إلى تلك الفتاة التي تجلس على يساري ظننتها حلمي ,لكنها لم تعرني أي اهتمام
فمه الفارغ الا من سنَّيْن ذكّرني بجدي الذي كان دائماً يحدثنا عن الفرق بين العرب والغرب , وكيف سيكون وضعُنا لو بقي عبد الناصر حيّاً
كان بودّي أن أكمل حديثي معه وأسأله عن أشياء َ كثيرة كالحلم مثلا ً , لكن أزفت ساعة توقف الحافلة حيث ُ مكان عملي , آثرالا أن يقبّلني في مكان شاربي المحلوق وتمنى أن نلتقي مرة ً أخرى
يا الهي كم كانوا طيّبين ... قلت ُ لنفسي بينما مرّت من أمامي فتاة كوجه الصبح بجمالها , قلت ُ هذه أجمل وأكبر اذاً هي حلمي , رحت ُ ألاحقها أينما تذهب, أملاً في أيّ شيء منها
في النهاية أدركتها ولاحظت اهتمامي وملاحقتي لها فتوقفت ونظرت إليّ بعينيها الساحرتين
ارتبكت ُ كثيراً فلم أجد الا أن أسألها :
كم الساعة ...؟
وأحسست ُ وكأن صاعقة قد نزلت من جسدي على كوكب الأرض , قلت ُ ربما تحركّ قلبي من محلّه
صاح طفل ٌ من الخلف : عمّو عمّو وقعت منك هذه المحفظة " الفارغة