فيلم بالأبيض والأسود

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د.طارق بكري | المصدر : www.arabicstory.net

فيلم بالأبيض والأسود

في ركن هادئ كان جلوسنا اليومي.. في ذلك المقهى خافت الضوء..‏
نادل المقهي لطيف يميز في دقة، في يوم جئنا إلى الركن نفسه.. كان هناك من سبقنا إليه... ‏فأوحى لمن فيه بمغادرة المكان.. ‏
في لقائنا الأول كان الأمر غريباً.. ‏
‏"هذه أول مرة أجلس مع فتاة في مكان كهذا.." .‏
قلتها ببساطة.. ولا أظنها صدّقت أواقتنعت!‏
‏"بالأصح لعلها أيضاً أوّل مرة أجلس مع أنثى جلسة كهذه"..‏
‏"ما أجمل كلمة أنثى.. هي أجمل من كل الكلمات التي توصف بها المرأة"..‏
‏"هل تصدقين أني أحبك؟".. ‏
‏"لا أدري.. لست متأكدة.. لكني بدأت أصدقك..".‏
‏"طيب.. أعطني قبلة"..‏
‏"لا".‏
‏"لمسة".‏
‏"بالطبع لا".‏
‏"إذن.. غمرة"..‏
‏"ها..ها..ها..".‏

‏...............‏
‏...............‏

هذه الضحكة تنسج ابتساماتي.. تزرع في نفسي كل آهاتي.. تمزق في كياني كلّ ماضيّ المارق.. ‏
‏"كنت مخطئاً دون شك لأني قلت لك كل أشيائي.. ما كان لي أن أقول وقد كان بـإمكاني"..‏
‏"لا تستطيع".‏
صحيح ما تقول.. ‏
طبعاً لا أستطيع..‏
لقد كنتُ أمامها سطراً مكتوباً، أو فيلماً قديماً يعاد عرضه بالأبيض والأسود.. وكانت هي أول ‏المشاهدين وآخرهم..‏
أعترف أنها ما قالت يوماً خطأً..‏
‏"أنا لا أتصنع الحب.. أقول ذلك ولأول مرة.. كلمة لم أقلها لكل النساء اللاتي عرفتهن في حياتي.. ‏أنا أريد الزواج منك.. أنا لا أريدك عابرة سرير".. ‏
‏"أنت تتخيل".. قالت بغضب..‏
‏"لا أقصد.. تذكرت فقط تلك الرواية الشهيرة (عابر سرير)..".‏
‏"أنت تحلم".‏
‏(ما أجمل الأحلام في عينيك.. هاتان العينان اللتان تبرقان في ضوء المقهى الخافت. تشعلين في ‏قلبي نواقيس الفرح التي لا تنطفئ..).‏
‏"أريدك زوجة.. لا صاحبة"..‏
‏"لا هذا ولا ذاك.. مستحيل"..‏
‏"وما المانع.. ألأني متزوج؟"..‏
‏"لا.. أبي لن يوافق".‏
‏"إذا وافق أبوك هل توافقين؟"..‏
أحنت رأسها... قالت بصوت منخفض واثق: "نعم". ‏
‏(صدّقت كلامها ببراءة.. بل بجنون.. ربما).‏
‏"لأذهب إلى أبيك الآن فوراً"..‏
‏"أنت مجنون.. مجنون، مستحيل لن يوافق.. أتعلم من هو؟"..‏
‏"لا يهمني من هو؟.. المهم عندي أنت"..‏
‏"كلام أسمعه منذ صباي، حولي كثيرون يقولون ذلك كل يوم"..‏
‏"الله.. الله.. يا حبيبتي"..‏
‏"هل هذا حقيقي؟؟ أنت تضحكني.. أنا أدري.. أنت تتمنى جسدي..".‏
‏"جسدك؟! (هههههههه) النساء كثيرات.. حولك كثير من الرجال وحولي كثير من النساء.. لكنك ‏لست كالنساء.. أنا أحلم بك ملكة في بيتي.. لكنه حلم مستحيل..".‏
‏"إذن لنبقَ في الأحلام.. ألا تكفيك هذه المشاعر الطيبة؟".. ‏
‏"هل تصدقين لو قلت لك إنّ رؤية وجهك تحت الضوء ولو كان خافتاً.. أحبّ إليَّ من أي شيء ‏آخر".. ‏
‏"نصاب.. أنت نصاب.. بل نصاب كبير"..‏
‏"نصاب أو غير نصاب.. هذه حقيقة واقعة.. صدقي أولا تصدقي..".‏