كيف أشعر بلذة الطاعة وحلاوة الايمان ؟.. سؤال يردده الكثيرون منا بحرقة ومرارة بسبب الأوضاع التي وصلوا إليها في علاقتهم مع الله، كما يرددونه بشوق ولهفة إلى الوصول إلى هذه اللذة وتلك الحلاوة التي تغمر القلب والعقل بالسعادة والرضا . و يتخيل الكثير منا أن الوصول إلى هذه الحالة الإيمانية الجديدة هو أمر صعب المرام ومقصور على فئة بعينها فقط تلك الفئة القادرة على التخلى عن جميع لذات الدنيا وشهواتها ونستصعب على أنفسنا أن نكون من هذه الفئة ،ونستسلم للحال الذي نحن عليه ولكن الحقيقة غير ذلك ،حيث إن الشعور بحلاوة الإيمان طريقه سهل جدا ، ولا يحتاج منا سوى عبادة صحيحة وإرادة قوية وإخلاص النية لله تبارك وتعالى . شرط واحد أجمع علماء الأمة أن هناك شرطا واحدا أساسيا للشعور بلذة الطاعة ،وهو أن تعمل العمل لا ترجوا به شيئا من عرض الدنيا الزائل ،بل ترجوا الثواب من الله وحده فقط في الآخرة، فلم يكن سيدنا بلال بن رباح يعرف عن الإسلام أكثر من شهادة أن لا إله إلا الله وأن سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما شعر بحلاوة الإيمان وهو يعذب علي يد كفار قريش ،وكان إخلاص النية لله هي سبب شعوره بتلك الحلاوة ،فعندما سئل رضي الله عنه عن سبب صبره على الإيمان مع شدة تعذيبه وطرحه في رمضاء مكة الحارة فقال قولته المشهورة: "مزجت مرارة العذاب بحلاوة الإيمان فطغت حلاوة الإيمان". وحدد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمور ..ما أسهلها للشعور بحلاوة الإيمان فيما روي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال ابن رجب: (إذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به ووجد حلاوته وطعمه أحبه وأحب ثباته ودوامه والزيادة منه، وكره مفارقته، وكان كراهته لمفارقته أعظم عنده من كراهة الإلقاء في النار). الوسائل المعينة وهناك العديد من الوسائل المعينة على الاستمرار في الشعور بتلك الحلاوة، مثل: كثرة ذكر الله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بثبات القلب على دين الله تعالى، فقد سئلت أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها: ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت: يا رسول الله، ما أكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك! قال: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ، فتلا معاذ (أحد رواة الحديث) "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا" رواه الترمذي وأحمد فبذكر الله تعالى والأنس به وكثرة دعائه يطمئن القلب ويزداد إلايمان ونجد لذة العبادة. صحبة الصالحين والبعد عن كل ما يثير الغضب من الكلام والمواقف والمجالس والأشخاص بالإضافة إلى الاستمرار على الوضوء يعد من أهم الأمور التي تساعدنا على الشعور بحلاوة الإيمان ولذة الطاعة والتي يمكنها أن تتحقق حتى أثناء قيام الإنسان بأعمال حياته العادية . ومن تلك الوسائل المعينة على الشعور بحلاوة الإيمان أيضا: غض البصر وفيها يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر جليلة القدر: إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله تعالى، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله عز وجل خيراً منه ..).فالذي يغض بصره يشعر بحلاوة الإيمان، ولذة الطاعة والقرب من الرحمن. وكما أن للشعور بلذة الطاعة وحلاوة الايمان معينات تساعدنا على ذلك فإن هناك الكثير من الأخطاء التي نقع فيها وتؤدي في النهاية إلى الحرمان من هذه النعمة العظيمة التى يوهبها لله لمن يحبه ويأتي عقوق الوالدين على قائمة تلك المذهبات لأنها من كبائر الذنوب ، وقد جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليجاهد في سبيل الله وليبذل نفسه في سبيل الله ولكنه ترك والديه يبكيان على فراقه وسفره فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((اذهب فأضحكهما كما أبكيتهما)) وجاء رجل من أهل اليمن حاجا ومعه أمه يحججها فجعل يطوف بها وهي على ظهره لعجزها عن المشي فلقي عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فسأله : هل ترى أني أديت أمي حقها ؟ فقال له ابن عمر -رضي الله عنه-: ولا بزفرة من زفراتها حين الولادة!!. ومن الذنوب التي تذهب لذة العبادة : الغيبة لأنها من كبائر الذنوب ولما جاء فيها من التهديد والوعيد في الكتاب والسنة . قال تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم} وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لإحدى أمهات المؤمنين –-رضي الله عنها- لما قالت عن صفية -رضي الله عنها- : حسبك من صفية أنها قصيرة. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) فيجب علينا ترك الغيبة ، ويجب المداومة على الطاعة فهي من أسباب حصول الخشوع والخضوع للرب المعبود . وسائل عملية الداعية خالد بن عبد الرحمن الدويش وضع وسيلة عملية للشعور بلذة الطاعة وهي أن يقف الإنسان مع نفسه هنيهة قبل أن يبدأ في أي عمل، ويستحضر فضل وثواب ومكانة هذا العمل عند الله، ثم بعد ذلك يقدم على هذا الفعل، وسيجد انشراحاً ولذة في قلبه وروحه لتنفيذ هذه الطاعة . وجاء في كتاب النية والاخلاص للدكتور يوسف القرضاوي أنه قيل لنافع بن جبير: ألا تشهد الجنازة؟ فقال: مكانك حتى أنوي. فلبث هنيهة ثم قال: هيا بنا,وقوله(حتى أنوي) أي نية الطاعة لله، واستشعار الأجر وثواب شهود الجنازة. وجاء في مختصر منهاج القاصدين : إن من أعظم الوسائل كذلك لتحصيل لذة الطاعة والعبادة: أن يعمل الداعية الطاعة وفعل الخير على نية جلال الله تعالى لاستحقاقه الطاعة والعبودي