الدرجة الأولى: النصرة باليد: وذلك أن يدفع عنه الظلم قال عز وجل:} وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[72]{ [سورة الأنفال] . فإذا اعتدي على المسلمين في أي بلد كان، فواجب على المسلمين جميعاً أن يهبوا لنصرتهم، أن ينصروهم باليد، و بالسلاح، أما مجرد النصرة باللسان وإظهار التعاون معهم فهذا أمر إنما هو لعامة المسلمين وآحادهم، أما الذين ولاهم الله أمر المسلمين، فأقل ما يجب عليهم تجاه إخوانهم المسلمين هو يقفوا معهم وقوفاً ظاهراً وأن ينصروهم ويؤيدوهم. والمسلم حينما ينصر أخاه المسلم، فدافعه لذلك القيام بالواجب الشرعي .
الدرجة الثانية: النصرة باللسان: بأن ينصر أخاه المؤمن بلسانه سواء عندما يُنَالُ من عرضه، أو يُغْتَابُ، أو يُظْلَمُ في نفسه أو ماله أو ولده، وليس له قدرة على نصرته بيده وعلى إعانته؛ فالواجب عليه أن ينصره بلسانه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] رواه أحمد والترمذي.
ودأب أهل السنة الانتصار للمؤمنين والذب عنهم باللسان: وحصل أن صارت فتنة بين بعض أمراء نجد فاستعان أحدهم بالأتراك على أخيه، فألف أحد العلماء ـ يقال له ابن عجلان ـ رسالة يجيز فيها الاستعانة بالمشركين، فرد عليه الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله، وأغلظ حتى حكم عليه بالردة فلامه الناس، وأكثروا عليه فكتب الشيخ عبد اللطيف-وهذا هو الشاهد- في رسالة إلى زيد بن محمد آل سليمان قال: ' وبلغني أن بعضهم دخل في هذا الباب، واعترض على ابن عتيق، وصرح بجهله، ونال من عرضه، وتعاظم هذه العبارة، وزعم أنه غلا وتجاوز الحد، فحصل بذلك تنفيس لأهل الجفاء وعباد الهوى، والرجل وإن صدر منه بعض الخطأ في التعبير، فلا ينبغي معارضة من انتصر لله وكتابه، وذب عن دينه، وأغلظ في أمر الشرك والمشركين على من تهاون ورخص وأباح في بعض شعبه، وفتح بعض وسائله وذرائعه الغريبة المفضية إلى ظهوره وعلوه ورفض التوحيد ونكس أعلامه ومحو آثاره وقلع أصوله وفروعه ومسبة من جاء به، رأى قولة رآها وعبارة نقلها وما دراها -يقصد ابن عجلان - من إباحة الاستعانة بالمشركين مع الغفلة والذهول عن صورة الأمر الحقيقية، فيجب حماية عرض من قام لله، وسعى في نصر دينه والذي شرعة وارتضاه، وترك الالتفات إلى زلاته والاعتراض على عبارته، فمحبة الله والغيرة لدينه ونصرة كتابه ورسوله مترتبة عليه محبوبة له مرضية يغتفر فيها العظيم من الذنوب، ولا ينظر معها إلى تلك الاعتراضات الواهية، والمناقشات التي تفت من عضد الداعي إلى الله، والملتمس لرضاه وحبه كما قيل: فالأمر سهل في جانب تلك الحسنات ' .
ثم قال بعد ذلك: ' ولما قال المتوكل لابن الزيات، يا ابن الفاعلة وقذف أمه قال الإمام أحمد :' أرجو الله أن يغفر له نظراً إلى حسن قصده في نصر السنة وقمع البدعة وذكر بعد ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم ' وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: [ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ] رواه البخاري ومسلم'.
فالشيخ عبد اللطيف رحمه الله يقر بأن الشيخ حمد قد صدر منه خطأ وقد تجاوز، وهذا أمر من شأن البشر؛ فحين يكون عند الإنسان غيرة لله ورسوله وحمية لدين الله فقد يقع في الخطأ، وقد يتجاوز، وهاهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين جاء الأعرابي وبال في المسجد قاموا إليه وانتهروه، وفي مواضع عديدة يقول أحدهم : يا رسول الله دعني أضرب عنقه فقد نافق، فقائل هذه المقولة قد تجاوز الحد الواجب في الإنكار على مثل هذا الرجل، فلماذا يلام بعد ذلك من قام غيرة وحمية لدين الله سبحانه وتعالى؟ فقد يتجاوز في عباراته وقد يقع في بعض الخطأ ولكن هذا لا يسقط حق الولاء والنصرة والوقوف معه. إن من الإخلال بواجب الولاء للمؤمنين ألا نرى في هذه المواطن إلا الخطأ والزلل.
الأمر الخامس: المناصحة: و بلغت منزلة النصيحة أن يبايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها، كما قال جرير رضي الله عنه: ' بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ ' رواه البخاري ومسلم.
بل يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين هو النصيحة، قال صلى الله عليه وسلم: [ الدِّينُ النَّصِيحَةُ] قُلْنَا لِمَنْ قَالَ: [ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ] رواه مسلم. فمن حق المؤمن علينا أن نناصحه .
الأمر السادس: حسن الظن والعفو عن الخطأ: قال الله عز وجل:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ[12]{ [سورة الحجرات] . والظن أكذب الحديث؛ فمن حق المسلم علينا أن نحسن الظن به .
أولها وأشنعها: إعانة الكفارعليهم، بل هذه ردة عن دين الله سبحانه وتعالى: وحين عد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين من نواقض الإسلام ذكر الاتفاق على هذا الأمر بقوله رحمه الله: 'واعلموا أن الأدلة على تكفير المسلم الصالح إذا أشرك بالله، أو صار مع المشركين على الموحدين - وهذا هو الشاهد - ولو لم يشرك - أكثر من أن تحصر في كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم '.
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله:' ومن جرهم وأعانهم على المسلمين بأي إعانة فهي ردة صريحة ' .
الثاني: الولاء القبلي والعرقي: الموالاة على أساس القبلية من أمور الجاهلية، وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: [ مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ] رواه البخاري ومسلم . وإنما جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليمحوا آثار هذه الولاءات والفوارق والفواصل فيبقى الناس أمة واحدة كلهم لآدم، لا شرف ولا نسب يفرق بينهم؛ فهذا أبو لهب في غاية الشرف في قريش ومع ذلك ما نفعته مكانته، وأنزل الله فيه سورة تتلى إلى يوم القيامة :} تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[1]مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ[2]سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ[3]وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ[4]فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ[5]{ [سورة المسد] . وهذا هو بلال رضي الله عنه الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم خشخشة نعاله في الجنة.
الثالث: الولاء الإقليمي: وهو من معايير الجاهلية، وحين نجح أعداء الإسلام في تفريق المسلمين إلى بلاد وشيع وأحزاب، نشأ الولاء الإقليمي. فهذه الحدود الجغرافية بين بلاد المسلمين طارئة، ولا يمكن أن نعلق عليها أحكاماً شرعية، وننسى أن ذلك بني على أصل فاسد وهي هذه الفوارق؛ فالمسلمون أمة واحدة.
الرابع: الولاء الحزبي: وهو الولاء على حسب الأحزاب، أو التجمعات، أو الاتجاهات الفكرية، أو غيرها، وقد نما هذا الداء مع انتشار الحركات والجماعات الإسلامية في هذا العصر. فلا بد أن نربي أنفسنا على التجرد، فلا يوالي أحدنا فلاناً لأنه من تلامذة شيخه، أو لأنه يلتقي معه في مدرسه فكرية، أو تجمع، أو.. أو.. إلى آخر ذلك.
الخامس: الولاء على أساس المسائل الاجتهادية: سبق أن قررنا أن المؤمن إذا وقعت منه معصية، أو بدعة، أو اجتهاد خاطئ؛ فهذا لا يخرجه عن الولاء جملة، وإن كان قد يحصل له من البراء بقدر ما حصل عنده من الجهل والهوى. أما المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الاجتهاد: فلا يجوز أن تؤثر بحال على الولاء، وعلى هذا الشأن كان أئمة أهل السنة: قال الإمام أحمد عن إسحاق:' لم يعبر الجسر مثل إسحاق، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً '. أليس من الخطأ والتجاوز والإخلال بهذا المفهوم أن تجعل المسائل الاجتهادية معياراً، أو أساساً للولاء والبراء، فمن يوافقني على اجتهادي في هذه القضية؛ له الولاء والمحبة، والوقوف معه. ومن يخالف في مثل هذه المسألة؛ فإنه مبتدع، ضال، زائغ، أشد على الإسلام من أعدائه؟! أليس من الخطأ والظلم والحيف والتجني أن تكون هذه المسألة الاجتهادية معياراً لتقويم الناس؟ فمن قال بتحريم هذا الأمر، فهو أخ لي، وهو الإنسان صاحب الدعوة على المنهج الصحيح إلى غير ذلك، ومن خالف فيها، فهو مبتدع مخالف للمنهج إلى غير ذلك من الأوصاف.
ومن صور الإخلال بواجب الولاء لإخواننا المسلمين: أنه حينما يجتهد بعضهم، فيتخذ موقفاً نرى أنه خلاف المصلحة، ويترتب على ذلك تسلط الأعداء عليه؛ نلوم إخواننا، ونرى أنهم يستحقون ما أصابهم، وننصب أنفسنا محامين ومدافعين عن الباطنيين، ومدافعين عن العلمانيين، ومدافعين عن أعداء الله الذين يسلكون الوسائل، ويعقدون المؤتمرات، ويجرون البحوث والدراسات، ويستقدمون المستشارين من أعداء الله عز وجل، كل ذلك من أجل حرب الإسلام، وحرب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ونرى أنهم محقين فيما فعلوا تجاه إخواننا.
والواجب الشرعي في ذلك: أن نبين الخطأ بالأسلوب الشرعي، ثم نمنح ولاءنا لإخواننا حين يكون عدوهم عدونا جميعاً وهم أهل العلمنة والفساد، الذين لايفرقون بيننا مادمنا دعاة إلى منهج الإسلام الشامل لأمور الحياة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من محاضرة:'ولاؤنا لمن؟' للشيخ / محمد الدويش