طريق الهداية [ المراتب - الأسباب - الموانع ]-2

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : عبد الرحمن بن عبد الله السحيم | المصدر : www.islammemo.cc

خامساً: الإخلاص لله تعالى: فإذا لم يكـن العمل خالصاً لله عز وجل كان سبباً في ضلال وانتكاس صاحبِه، وكان وبالاً على صاحبه يوم القيامة .


سادساً: الدعاء، والاجتهاد فيه: فقد ثبت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: [اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى] رواه مسلم . ومـن دعائه صلى الله عليه وسلم: [ اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ] رواه النسائي وأحمد . وفيما يرويه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن ربِّه تبارك وتعالى أنه قال: [...يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ...] رواه مسلم . فاسأل ربك الهداية، فقد قال خليلُ الله إبراهيمُ:} لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ[77]{[سورة الأنعام] .


سابعاً: المجاهدة على فعل الطاعات، وترك المنكرات، والصبر على ذلك: قال تبارك وتعالى:}وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69][سورة العنكبوت] {.


ثامناً: كثرة ذكر الله: فإن الإعراض عن ذكر الله سبب في الضلال، كما في قوله تعالى:} وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ[36]وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ[37]{[سورة الزخرف] .


وهذه الهداية لا تكونُ مهيأةً في كلِّ وقتٍ للعبدِ المسلم، فإن الحقّ سبحانه وتعالى قال:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ[24]{[سورة الأنفال] .


وفي هذا حثٌ على المبادرةِ بالاستجابة لله ولرسوله، قبل أن يأتي يومٌ يَبْحَثُ فيه المسلمُ عن قلبه فلا يجده، أي أنه يُحالُ بينه وبين قلبه .


 

 

موانع الهداية كما ذكرها ابن القيم باختصار:



السبب الأول: ضعف معرفته بهذه النعمة، وأنه لم يقدرها قدرها .

 

السبب الثاني: عدم الأهلية: فإذا كان القلب قاسيا لا يقبل تزكية ولا تؤثر فيه النصائح لم ينتفع بكل علم يعلمه كما لا تُنبت الأرض الصلبة ولو أصابها كل مطر وبُذر فيها كل بذر، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: [ مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ] رواه البخاري ومسلم.

 

السبب الثالث:قيام مانع: وهو إما حسد أو كبر، وذلك مانع إبليس من الانقياد للأمر، وهو داء الأولين والآخرين إلا من عصم الله، وبه تخلف الإيمان عن اليهود الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفوا صحة نبوته ومن جرى مجراهم .

 

السبب الرابع: - مما ذكره ابن القيم - مانع الرياسة والملك: وإن لم يقم بصاحبه حسد ولا تكبـرٌ عن الانقياد للحق، لكن لا يمكنه أن يجتمع لـه الانقياد وملكه ورياسته فيضن بملكه ورياسته كحال هرقل وأضرابه من ملوك الكفار الذين علموا نبوته وصدقه، واقرُّوا بها باطنًا، وأحبوا الدخول في دينه لكن خافوا على ملكهم . اهـ .

 

السبب الخامس: مانع الشهوة والمال: وهو الذي منع كثيراً من آهل الكتاب من الإيمان خوفًا من بطلان مأكلهم وأموالهم التي تصير إليهم من قومهم، وقد كان كفار قريش يصدون الرجل عن الإيمان بحسب شهوته، فيدخلون عليه منها، فكانوا يقولون لمن يحب الزنا: إن محمدا يُحَرِّم الزنا، ويحرم الخمر .

 

السبب السادس: محبة الآهل والأقارب والعشيرة: يرى أنه إذا اتبع الحق وخالفهم؛ أبعدوه وأخرجوه من بين أظهرهم، وهذا سبب بقاء خلقٍ كثير على الكفر بين قومهم وأهاليهم وعشائرهم . ومن ذلك أن بعض أهل الباطل ممن انتحلوا مذاهب هدّامة لما تبيّن لهم الحق ما منعهم أن يتّبعوه ويهتدوا إلا أنهم يخشون أن تذهب مكانتُهم أو تتلاشى .

 

السبب السابع: محبة الدار والوطن: وإن لم يكــن لـه بها عشيرة ولا أقارب لكن يرى أن في متابعة الرسول خروجه عن داره ووطنه إلى دار الغربة والنوى، فيضنّ بوطنه . وقد ورد في الحديث: [ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ] رواه النسائي وأحمد.

 

السبب الثامن: مَنْ تخيّل أن في الإسلام ومتابعة الرسول إزراءً وطعنًا منه على آبائه وأجداده وذمّـاً لهم: وهذا هو الذي منع أبا طالب وأمثاله عن الإسلام؛ استعظموا آباءهم وأجدادهم أن يشهدوا عليهم بالكفر والضلال .

 

ولذا لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ: [يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ] فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. رواه البخاري ومسلم . فهذا مانعٌ من موانع الهداية، بالإضافة إلى صُحبة السوء، فإنها تمنع من الهداية والالتزام بشرع الله، فيُسمعون صاحبهم الذي ربما أراد الاستقامة على دين الله عبارات النبز والاستهزاء والسخرية؛ حرصاً منهم على بقائه ضالاً كحالهم .

 

السبب التاسع: متابعة من يعاديه من الناس للرسول وسبقه إلى الدخول في دينه وتخصصه وقربه منه: وهذا القدر منع كثيرا من اتِّباع الهدى ؛ يكون للرجل عدو ويبغض مكانه، ولا يحب أرضًا يمشي عليها، ويقصد مخالفته ومناقضته، فيراه قد اتبع الحق فيحمله قصد مناقضته ومعاداته على معاداة الحق وأهله وإن كان لا عداوة بينه وبينهم وهذا كما جرى لليهود مع الأنصار . ومن ذلك قول بعض أهل الباطل: الخير فيما خالف العامة .

 

السبب العاشر: مانع الإلف والعادة والمنشأ: فيربى الرجل على المقالة، وينشأ عليها صغيرًا، فيتربى قلبه ونفسه عليها كما يتربى لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد، ولا يعقل نفسه إلا عليها، ثم يأتيه العلم وَهْلَةً واحدة يريد إزالتها وإخراجها من قلبه وأن يسكن موضعها فيعسر عليه الانتقال، ويصعب عليه الزوال، وهذا السبب- وإن كان أضعف الأسباب معنى فهو- أغلبها على الأمم وأرباب المقالات والنحل ليس مع أكثرهم، بل جميعهم- إلا ما عسى أن يشذ- إلا عادة ومربي تربى عليه طفلًا لا يعرف غيرها، ولا يحسن به فدين العوايد هو الغالب على أكثر الناس، فالانتقال عنه كالانتقال عن الطبيعة إلى طبيعة ثانية.

 

وقد أخبر الله عن المشركين أنهم ما منعهم من الهداية واتِّباع الرسول إلا أنهم وجدوا آبائهم على هذا الدين وهم ألِفوه ونشأوا عليه:} وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ[23]قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ[24]{[سورة الزخرف] .

 

ومن الأسباب التي يُمكن أن تضاف:

 

السبب الحادي عشر: الشرك بالله : فإنه أعظمُ أسباب الضلال، قال الله على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم:}قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[56]{[سورة الأنعام] .

 

 السبب الثاني عشر: اتِّباع الهوى، قال سبحانه وتعالى لنبيِّه داود عليه الصلاة والسلام:} يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ[26]{[سورة ص] .

 

فاحرص رعاك الله أن تكون مشعل هداية لبيتك، فانقل ما تسمعه إلى زوجتك وبيتك . و ليُعلم أن الهداية نعمة عُظيمة، فلا تحصل إلا بفعل الأسباب، وببذل الوسع في تحصيلها . وإن تعجب فاعجب لمسلم يسأل ربَّه في اليوم والليلة سبع عشرة مرة هداية الصراط المستقيم، وأن يُعيذه من طُرق المغضوب عليهم وهم اليهود، وطرق الضالين وهم النصارى، ثم يتّبع طريقتهم، ويسلك أثرهم ويتشبّه بهم .