أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة 2

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : /محمد بن إبراهيم الحمد | المصدر : www.islammemo.cc

26ـ الغلظة في الخطاب:من الناس من إذا خاطب الناس أغلظ لهم القول، وجابههم بالعنف، وواجههم بالشدة. مما يبذر الشقاق الذي نهينا عنه . وللكلمة الطيبة وقع عظيم في القلب؛ فكم من مودة استجلبت بها، وكم من عداوة زالت بسببها، قال تعالى: }وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا[53]{ [سورة الإسراء]. وقال تعالى: }وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً[83]{ [سورة البقرة].

 27ـ الشدة في العتاب:عند أدنى هفوة أو زلة، إما لحدة في طبعه، وإما لظنه أنه لو لم يفعل ذلك لسقطت منزلته، أو غير ذلك.

والشدة في العتاب، وقلة التغاضي عما يصدر من الأخطاء؛ مما يسبب النفور، فالعاقل اللبيب لا يعاتب إخوانه عند كل صغيرة وكبيرة، بل يلتمس لهم المعاذير، ويحملهم على أحسن المحامل.

ثم إن كان هناك ما يستوجب العتاب عتبهم عتابًا لينًا رقيقًا، ثم ما أحسن المرء أن يتغاضى ويتغافل؛ فالتغاضي والتغافل من أخلاق الكبار:

ليس الغبي بسيد في قومه            لكن سيد قومه المتغابي

 

وما يصدر من الصديق إن كان من قبيل العثرة التي تقع في حال غفلة، أو كان خطأ في اجتهاد في الرأي؛ فذلك موضع الصفح والتجاوز، ولا ينبغي أن يكون له في نقص الصداقة أثر كبير أو قليل.

وأما إن كان عن زهد في الصحبة، أو انصرافًا عن الصداقة؛ فلك أن تزهد به، وتقطع النظر عن صداقته.

 28ـ  التقصير في أدب الحوار .

29ـ الجدال والمراء والخصومة: عند كل صغيرة وكبيرة، لا لجلب مصلحة، ولا لدرء مفسدة، ولا لهدف الوصول إلى الحق والأخذ به، وإنما رغبة في اللدد، وحبًا في التشفي من الطرف الآخر.

ولهذا تجد الواحد من هؤلاء يسفه صاحبه، ويرذل رأيه، ويرد قوله، فلا يمكن ـ والحالة هذه ـ أن يصل المتجادلون إلى نتيجة طالما أن الحق ليس رائدهم ومقصودهم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما:'كفى بك ظلمًا ألا تزال مخاصمًا، وكفى بك إثمًا ألا تزال مماريًا'. وقال الأوزاعي:'إذا أراد الله بقوم شرًا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل'.

و قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:'من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل'.

وقال جعفر بن محمد رحمه الله:'إياكم وهذه الخصومات؛ فإنها تشغل القلب'.

30ـ حب المعارضة والخالفة: فمن الناس من هو محب للمعارضة، كلفٌ بالمخالفة، قال ابن حزم:' إياك ومخالفة الجليس، ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في آخرتك، وإن قل؛ فإنك تستفيد بذلك الأذى، والمنافرة، والعداوة. وربما أدى ذلك إلى المطالبة والضرر العظيم دون منفعة أصلاً'.  وقال الخطابي ـ محذرًا من هذا الأمر-:'وقال بعضهم: إن من الناس من يولع بالخلاف أبدًا، حتى إنه يرى أن أفضل الأمور ألا يوافق أحدًا، ولا يجامعه على رأي، ولا يواتيه على محبة.

ومن كان هذا عادته فإنه لا يبصر الحق، ولا ينصره، ولا يعتقده دينًا ومذهبًا. إنما يتعصب لرأيه، وينتقم لنفسه، ويسعى في مرضاتها، حتى إنك لو رمت أن تترضاه، وتوخيت أن توافقه على الرأي الذي يدعوك إليه ـ تعمد لخلافك فيه، ولم يرض به حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأول، فإن عدت في ذلك إلى وفاقه عاد فيه خلافك.

قال الخطابي: فمن كان بهذه الحال فعليك بمساعدته، والنفار عن قربه؛ فإن رضاه غاية لا تدرك، ومدى شأوه لا تلحق'.

31ـ بذاءة اللسان والتفحش في القول:  قال الإمام النووي:'ما ينهى عن الفحش، وبذاءة اللسان... ومعناه: التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة وإن كانت صحيحةً، والمتكلم بها صادقًا، ويقع ذلك كثيرًا في ألفاظ الوقاع ونحوها. وينبغي أن يستعمل في ذلك الكنايات، ويعبر عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض. وبهذا جاء القرآن العزيز، والسنن الصحيحة المكرمة، قال تعالى:}أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ...[187]{ [سورة البقرة]. ... قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما شبهه من العبارات التي يستحيا من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيكنى عن جماع المرأة بالإفضاء، والدخول، والمعاشرة، والوقائع، ونحوها'.

قال صلى الله عليه وسلم: [لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ] رواه الترمذي وأحمد. ومما يدخل في فحش القول: ما كان مستنكر الظاهر، وإن كان معناه سليمًا بعد تدقيق النظر فيه.

 32ـ التقعر في الكلام: وهو أن يتكلم المرء بأقصى قعر فمه؛ إظهارًا لفصاحته، وتميزه، وبراعته.

وذلك ممقوت مذموم، قال الإمام النووي:'ويكره التقعير في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع، والتصنع بالمقدمات التي يعتادها المتفاصحون، وزخارف القول. فكل ذلك من التكلف المذموم، وكذلك تكلف السجع، وكذلك التحري في دقائق الإعراب، ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوام. بل ينبغي أن يقصد في مخاطبته لفظًا يفهمه صاحبه فهمًا جليًا، ولا يستثقله'. قال النبي صلى الله عليه وسلم: [... وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ] رواه الترمذي وأحمد. وليس معنى ذلك ألا يحرص المرء على حسن منطقه، وإنما المقصود ألا يغرق في التكلف فيتعدى حدود الذوق.

33ـ الخوض فيما لا طائل تحته: فأكثر الناس لا يكاد ينقطع لهم كلام، واهتمامهم إنما هو بطرح قضايا باردة، أو موضوعات تافهة، تدور حول الصغائر والسفاسف والمحقرات، فتارة يتحدثون عن الرياضة ومن فاز، ومن هزم، ومن أصيب من اللاعبين ومن شفى؟ وتارة عن الفن وأخبار أهله، وقراءة مذكراتهم، ومتابعة آخر أعمالهم، وإن سمت تلك المجالس قليلاً أغرقت بالحديث عن حطام الدنيا، وعن المصالح الخاصة فحسب، وإلا ملئت بتسقط الأخبار، وتتبع العيوب، ونحو ذلك . قال تعالى: } لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[114]{ [سورة النساء].

فأولى لتلك المجالس أن تشغل بما ينفع، وذلك بالتواصي بالبر والتقوى، مسائل العلم التي يصحح بها الإنسان عقيدته وعمله، أو بالحديث عن أخبار المسلمين في أنحاء المعمورة، وبيان ما يصيبهم من البأساء واللأواء؛ حتى تنبعث القلوب للتعاطف معهم، وبذلك ما يستطاع من مال، أو دعاء، أو نحو ذلك مما يعود بالفائدة في الدنيا والآخرة. أو أن تشتمل على أخبار الكرام، والشجعان، وذوي المروءات، ونحو ذلك مما يجمع إلى جانب المتعة الفائدة.

34ـ كثرة التلاوم:وهذا دأب كثير من الناس، يقضون الساعات الطوال في التلاوم، وذم الأوضاع، وانتقاد الآخرين، والتشدق بمعالي الأمور دون سعي لها.

35ـ كثرة الشكوى إلى الناس: فما أكثر ما يرى من ديدنه الشكوى إلى الناس، وكثرة التسخط،

فتراه يشكو فقره، وأولاده، وزوجته،ودابته، ومزرعته، وعمله، ومديره، ومن تحت يده، وربما شكى الحر والقر وهكذا... فهذا الصنيع دليل على ضعة النفس، وقلة التحمل.

واللائق بالمسلم العاقل أن يتحلى بالصبر الجميل، وألا يشكو إلا إلى ربه، وألا ينزل حاجاته إلا ببابه، فالناس لا يملكون له ضرًا ولا نفعًا.

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما                  تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

 36ـ كثرة الحديث عن النساء: وليس المقصود ههنا ما يدور في مجالس الخنا، وإنما المقصود في هذا المقام ما يدور في بعض المجالس العامة، وربما كان ذلك في بعض مجالس الفضلاء، فتجد تلك المجالس تعمر بذكر النساء، وربما كانت تلك المجالس ميدانًا للتنافس، والتفاخر، والتحدي؛ فهذا يفاخر بأنه قد عدد، وهذا يتحدى صاحبه بأن يتزوج بثانية، وهذا يزري بالآخرين؛ لاقتصارهم على واحدة.

 وليس المقصود من هذا أن يمنع الحديث عن النساء بإطلاق، وإنما المقصود ألا يكون ذلك سمة في المرء، وديدنًا وعادة له.

37ـ كثرة الهزل: فهناك من الناس من إذا جلس مجلسًا أضفى عليه من هزله، وسخريته، وكلامه السمج الذي يسمونه:'التنكيت' الخارج عن حدود الأدب واللياقة؛ فإن هؤلاء المنكتين ينالهم الذل والصغار، واحتقار العقلاء لهم، فيكبرون وهم الأصغرون.

38ـ كثرة المزاح: بعض الناس يغلب عليه كثرة المزاح، وربما أسفَّ فيه، ومزح مع من لا يرغب في المزاح، قال بعض الحكماء:'من كثر مزاحه زالت هيبته'. وقال ميمون بن مهران:'إذا كان المزاح أمام الكلام فآخره الشتم واللطام'.

 و المزاح لا ينبغي الإكثار منه، ولا الإسفاف فيه، وإنما يكون في الكلام كالملح في الطعام إن عدم أو زاد على الحد فهو مذموم.

39 ـ كثرة الحلف: بمناسبة وبدون مناسبة. أما إذا احتاج المسلم إلى اليمين أو طلبت منه ـ فلا بأس في ذلك.

40ـ تتبع عثرات الجليس .

41ـ تكليف الرجل جلاسه بخدمته: وهذا الصنيع ليس من المروءة في شيء؛ إذ المروءة تقتضي القيام بخدمة الزائر، والمبالغة في إكرامه، قال عمر بن عبدالعزيز:'ليس من المروءة أن يستخدم الإنسان ضيفه' .

42ـ التناجي: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ أَجْلَ أَنْ يُحْزِنَهُ] رواه البخاري ومسلم . قال ابن حجر رحمه الله:'قال الخطابي: وإنما قال: يحزنه؛ لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي لسوء رأيهما فيه، أو لدسيسة غائلة له' .

قال ابن حجر:'قال المازري ومن تبعه: لا فرق في المعنى بين الاثنين والجماعة، لوجود المعنى في حق الواحد. زاد القرطبي: بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأشد؛ فليكن المنع أولى.

وإنما خص الثلاثة بالذكر، لأنه أول عدد يتصور فيه ذلك المعنى، فمهما وجد المعنى فيه ألحق به في الحكم'.

43ـ القيام بما ينافي الذوق في المجالس: فلا يحسن بالمرء أن يصدر منه ما ينافي الذوق، وما يبعث على الكراهة والاشمئزاز، كأن يتجشأ في المجلس، أو أن يتثاءب، أو يتمخط، أو يبصق في حضرة غيره. ومن هذا القبيل: تخليل الأسنان، وإدخال الأصبع في الأنف، وكثرة التنحنح، والقهقهة، والتمطي، والعبث بالشارب، أو اللحية، ونحو ذلك.

44ـ مزاولة المنكرات في المجالس: كشرب الدخان، وسماع الأغاني، ومشاهدة المحرمات من أفلام خليعة ونحوها. وكالغيبة والنميمة، والاستهزاء بالدين، وبعباد الله الصالحين ونحو ذلك. فهذه المجالس مجالس زور وخنا لا يجوز شهودها، ولا السكوت عما يدور فيها لمن حضرها.

45ـ حضور مجالس اللغو ومداهنة أهلها: فهناك من يحضر مجالس اللغو ولا يشاركهم في منكرهم، ولكنه لا ينكر عليهم ، ويظن أنه في منجي من الإثم؛ لأنه لم يشاركهم في زعمه!.

وهذا خطأ ؛ إذ لا يجوز للمرء أن يشهد مجالس الزور إلا إذا كان سينكر عليهم، أما إذا سكت عنهم فقد وقع في المداهنة المحرمة. بل قد يظنون أن سكوته عنهم إنما هو إقرار لهم، ورضًا عما يصدر منهم.

46ـ الجلوس على هيئة تشعر بقلة الأدب: كأن يضطجع وهم جلوس إلا لعذر، أو أن يضع رجله في مواجهتهم أو نحو ذلك.

47ـ الجلوس وسط الحلقة: وهذا مما ينافي الأدب في المجالس.

48ـ التفريق بين اثنين متجالسين دون إذنهما: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا] رواه أبوداود والترمذي وأحمد .

 فهذا مما يشعر بقلة الأدب، وقلة المراعاة لمشاعر الآخرين، ولأجل ذلك نهى عنه؛ حفاظًا على استبقاء روح المودة بين المسلمين.

49ـ إقامة الرجل من مجلسه والجلوس مكانه: فَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ] رواه البخاري ومسلم .

 50ـ الجلوس في مكان الرجل إذا قام لحاجة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ] رواه مسلم .  قال النووي رحمه الله :'قال أصحابنا: هذا الحديث فيمن جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه؛ ليعود، بأن فارقه ليتوضأ، أو يقضي شغلاً يسيرًا ثم يعود ـ لم يبطل اختصاصه، بل إذا رجع فهو أحق به في تلك الصلاة، فإن كان قد قعد فيه غيره فله أن يقيمه، وعلى القاعد أن يفارقه لهذا الحديث' .

51ـ ترك السلام حال دخول المجلس وحال الخروج منه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إِلَى مَجْلِسٍ فَلْيُسَلِّمْ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَلْيَجْلِسْ ثُمَّ إِذَا قَامَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْآخِرَةِ] رواه أبوداود والترمذي وأحمد .

52ـ الإخلال بأمانة المجالس: فمن الناس من يحضر المجالس فلا يراعي حرمتها، ولا يحفظ حقوقها، بل تراه يسرد أخبارها، ويفشي أسرارها. وكم من مصالح تعطلت؛ لاستهانة بعض الناس بأمانة المجالس، وذكرهم ما يدور فيها. فالمجالس لها حرمات يجب أن تصان، ما دام الذي يجري فيها مقيدًا ومضبوطًا بقوانين الأدب وشرائع الدين.

ومن الإخلال بأمانة المجالس أن يفشي المرء سر صاحبه إذا جلس إليه، وأفضى إليه بمكنونه، وأشعره بأنه لا يحب اطلاع أحد عليه، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [ إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ] رواه أبو داود والترمذي وأحمد .

 قال ابن سعدي رحمه الله :'كن حافظًا للسر، معروفًا عند الناس بحفظه؛ فإنهم إذا عرفوا منك هذه الحال أفضوا إليك بأسرارهم، وعذروك إذا طويت سر غيرك الذي هم عليه مشفقون، وخصوصًا إذا كان لك اتصال بكل واحد من المتعادين؛ فإن الوسائل لاستخراج ما عندك تكثر وتتعدد من كل من الطرفين، فإياك إياك أن يظفر أحد منهم بشيء من ذلك تصريحًا أو تعريضًا.

واعلم أن للناس في استخراج ما عند الإنسان طرقًا دقيقة، ومسالك خفية؛ فاجعل كل احتمال ـ وإن بعد ـ على بالك، ولا تؤت من جهة من جهاتك؛ فإن هذا من الحزم. واجزم بأنك لا تندم على الكتمان، وإنما الضرر، والندم في العجلة، والتسرع، والوثوق بالناس ثقة تحملك على ما يضره.

53ـ فقدان المودة والصفاء، وشيوع الكراهية والبغضاء .

54ـ قلة ذكر الله في المجالس: فكثير من المجالس تعمر بالقيل والقال، وباللغو واللغط، ويقل فيه ذكر الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر مدعاة لنزع البركة، وحلول النقمة والحسرة، فَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ] رواه الترمذي وأحمد .

55ـ قلة المبالاة بقول كفارة المجلس: كثير من الناس يكثر لغطه ولغوه، ثم يقوم من المجلس دون أن يقول الدعاء الوارد في نهايته. فاللائق بالمسلم أن يحافظ على هذا الدعاء؛ حتى يحصل على الأجر العظيم المترتب على قوله، وليسلم من تبعات ما صدر منه في ذلك المجلس، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ] رواه الترمذي وأحمد .

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسلام على المرسلين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

من كتاب:' أخطاء في أدب المحادثة والمجالسة ' للشيخ/محمد بن إبراهيم الحمد