الممحاة والقلم الأزرق الجاف
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
د. طارق البكري
| المصدر :
www.arabicstory.net
جلست الممحاة تحدث قلم الحبر الجاف الأزرق يوماً..
قالت: هل تدري يا زميلي.. رغم منافعك الكثيرة أنّي أحياناً أغضب منك؟
ضحك القلم الأزرق بصوت عالٍ.. فسمعت ضحكته المحبرة والأوراق البيضاء.. والمسطرة..
فاقترب من إذن الممحاة وقال بصوت هامس: لماذا يا صديقتي الممحاة تغضبين مني وأنا أحبك كثيراً لأنّك تفيدين صديقي التلميذ ولا تؤذينني؟؟
قالت الممحاة بحدة: أنت تجيب على نفسك.. أنت قلت لا أؤذيك.. وكيف يمكنني أن أؤذيك؟؟.. وهل تراني مؤذية؟؟.. لكنك تعتبرني صديقة لأنّي لا أستطيع أن أمحو حبرك القوي من أوراق صديقنا التلميذ حينما يخطئ في الكتابة.. فيضطر إمّا إلى قطع الورقة أو يدع حبرك يشوّه الصفحات بعد أن يشطب الكلمة التي أخطأ فيها.. أو يعيد تصحيح الحرف فوق الحرف الخطأ.. ثم قالت مع تنهيدة عميقة: آآآآآه.. يا له من منظر بشع؟؟
ضحك قلم الحبر الجاف مرة ثانية وقال: هل تعتقدين يا صديقتي أنّ التلميذ المحبوب هو صديقك لوحدك.. فهو أيضاً صديقي الذي أحب كثيراً.. لكنك ربما نسيت ما أفعله لصديقنا التلميذ.. هل نسيت أنّه يدون في حبري المعلومات التي يريد أن يحتفظ بها لسنوات وسنوات.. على عكس القلم الرصاص الذي تستقوين عليه، وتعرضين عضلاتك على خطوطه الضعيفة.. وتمحينها بمرور بسيط فوق صفحة الدفتر.. أما أنا وبكل فخر.. فالكلمات التي يكتبها الطفل على الورق.. تبقى منوقوشة ولا تمحى بمرور الزمن.. بعكش قلم الرصاص الذي يبهت ويخف تدريجياً مع الأيام..
الممحاة: ولكن التلميذ صديقي يخطئ أحياناً ويحتاج أن أصحح له الخطأ، عندما يكتب بقلم الرصاص فالتصحيح سهل بسيط.. ولكن عندما يكتب بك.. فالأمر عسير..
يضحك القلم ضحكة عالية جداً.. أعلى من الضحكة السابقة.. ولكنه يتوقف عن الضحك ويعتذر للممحاة، قائلاً: آسف.. فالضحكة غلبتني.. ولا أقصد إزعاجك ولا التهكم على كلامك.. ولكن يا عزيزتي الممحاة.. ألا تدرين أن هنالك اختراع قديم يشبه الممحاة يمكن الطفل من وضع سائل أبيض خفيف فوق الكلمة الخاطئة فتخفيها ثم يعاود الكتابة في المكاتن نفسه بعد أن يجف السائل..
قالت الممحاة بغضب: يا لك من مغرور.. هل تظنني ممحاة جاهلة؟؟.. كيف لا أعرف هذه الوسيلة المفيدة.. ؟؟ لكنها تشوه منظر الصفحة قليلاً، وليست بسهولة الممحاة مع قلم الرصاص..
أجابها القلم الحبر الجاف: أنت محقة.. ولكن لا بد لكل شيء من ميزات مفيدة وجوانب ليست كاملة.. وهذا أمر عادي.. فمن منا كامل يا عزيزتي الممحاة.. إلا ترين نفسك كيف تذوبين، وتسود صفحات وجهك مع كثيرة الاستعمال.. وتتركين بعض الأجزاء منك على سطح الدفتر ينثرها التلميذ على الطاولة والأرض، ومع كثرتها تلوث الطاولات وأرض الفصول..
الممحاة تدير وجهها تعلوها حمرة الخجل..
يقترب القلم منها معتذراً: آسف .. آسف.. لا أقصد إزعاجك.. أنا فقط ألفت نظرك إلى أشياء ربما نسيتها مع إنشغالك بحبري الأزرق.. وأنا أعترف لك بمشكلتي هذه مع التلميذ.. ولكنني أعمل جهدي لأساعده كي لا يخطئ في الكتابة، ولذلك أكون طيعاً بين اصابعه.. أتركه يحركني بخفة وسهوله.. ولا أترك حبري يسيل على دفتره.. ودائماً أحرص على أن أضع خوذتي على رأسي كيلا ألوث أوراقه وثيابه وحقيبته عندما لا يريد أن يستخدمني..
تخفض الممحاة رأسها.. وتقول: لقد غلبتني يا قلم الحبر الأرزق.. من الآن سنكون صديقين دائماً..
قال القلم: أنا لم أكن أسعى لغلبتك.. ولو كنت أكره أحداً لكرهت المادة البيضاء التي تمحي آثاري.. بالعكس أنا أحبها مثلما أحبك.. لأنها مفيدة لصديقتا التلميذ..
قالت الممحاة بفرح: صدبقت أيها القلم الذكي.. أعدك أنني لن أحزن منك بعد اليوم.. وسنتعاون لمساعدة التلميذ على التفوق والنجاح..
قال القلم: هيا بنا الآن، أني أرى صديقنا التلميذ يعود الى طاولته وربما يكون بحاجة إلينا