حمل أمانة تبليغ الرسالة، وتوضيح الحق للناس من لوازم الانتماء إلى خير أمة، فما مقاصد هذه الرسالة؟ وما أهمية هذه الدعوة وما ثمراتها، وما ركائزها؟ وما صفات الداعية المربي؟ وما العوائق والشبهات التي تعترض طريق الدعوة وكيف يتغلب عليها الداعية؟ هذا بعض ما سنعرفه في هذا الدرس .
حمل الأمانة :لابد من تحمل الأمانة وتبليغ الرسالة، لابد من البعد عن السلبية التي يعيشها المسلمون، لابد أن نوضح الحق للناس ونحمل الرسالة؛ وبحمل هذه الرسالة نتشرف بالانتماء إلى خير أمة كما قال تعالى:} كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ...[110]{ [سورة آل عمران].فإذا لم نأمر بالمعروف وننه عن المنكر فلا يكون لنا مثل هذا الشرف.
·الأول: عذر الداعي أمام الله يوم القيامة .
·الثاني: عودة الناس إلى ربهم، وأن ينيبوا إليه ويبلغوا رسالته .
أهمية حمل الدعوة :
◄ وبحمل هذه الرسالة ننجو في الحياة الدنيا ويصلح مجتمعنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بيّن في أحد الأحاديث التي رواها البخاري أن الناس على قسمين: منهم صالح، ومنهم فاسد وهم كقوم تقاسموا سفينة فكان بعضهم في أعلى السفينة، وبعضهم في أسفل، فالذين في أسفل السفينة أرادوا أن يأخذوا من ماء البحر خرجوا على سطحها وغرفوا من ماء البحر، فظنوا بظنهم البشري المحدود أنهم يفعلون خيرًا إذا هم خرقوا في السفينة خرقًا في أسفلها ليحصلوا على الماء مباشرةً حتى لا يؤذوا الذين من فوقهم، فإن تركهم الذين في أعلى السفينة فإن السفينة تغرق، وإن أنكروا عليهم وأخذوا على أيديهم فإن السفينة تنجو؛ وذلك مثل الأخذ على يد الظالم والفاسق
.
يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا] رواه البخاري .
◄ وبحمل هذه الرسالة نحقق صفة الطموح العالي الذي يمتدحه الله في المؤمنين: حيث يصفهم بأنهم يقولون:} وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا[74] {[سورة الفرقان]. إنهم يقولون: اجعلنا قدوات للأتقياء من المؤمنين.. هذا الطموح العالي .. لا نريد أن نكون قدوة للفاسدين فحسب، ولا للصالحين فحسب، إنما قدوة للأتقياء من المؤمنين
◄وبحمل هذه الرسالة نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يحمل همّ هذا الدين وهمّ إيصاله إلى الآخرين طوال وقته: فالدين كان يسري في مشاعره ودمه وفي حياته كلها، كان صلى الله عليه وسلم يهتم كثيرًا إذا لم يستجب الناس للدعوة، حتى وصل الأمر إلى أن يطمئنه الله، ويقول له:} فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى ءَاثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا[6]{ [سورة الكهف]. أي: فلعلك مهلك نفسك من الأسف عليهم إن لم يستجيبوا لك .
من فوائد الدعوة:
الطمأنينة القلبية للداعي إلى الله: لأنه يؤدي بعض الواجب على الأقل، فالذي لا يؤدي هذا الواجب تجده يلوم نفسه، وغير مطمئن البال؛ لأن الموقف السلبي محزن ومؤثر جدًا، وذلك مثل أثر التعطّل عن العمل الدنيوي يأتي بالأمراض النفسية لأولئك المتعطلين، والدراسات الحديثة في الطب النفسي تؤيد ذلك؛ فالعاطلون عن العمل وإن كانوا يحصلون على الدخل المادي نفسه مثلهم في ذلك مثل أولئك الذي يعملون؛ إلا أنهم يعانون من أمراض نفسية كثرة غير ما يعانيه الذين يعملون؛ فالذي يعمل يؤدي واجبه، ويحقق غاية في نفسه ورغبة فطرية في ذاته .
الداعي إلى الله يتمثل صفات المدعوين التي تنقصه : وليس من الضروري أن يكون الداعي إلى الله أفضل من المدعوين في كل صغيرة وكبيرة؛ ولكن يجب أن يتمثل الداعي ما يدعو إليه لكي يكون ذلك أعون على إجابة دعوته، والاقتناع بما يدعو إليه من قبل المدعوين.
الدعوة إلى الله تحرك الإيمان وتزيده، وتزيد الإنسان هدى إلى هداه: انظروا إلى قوله تعالى:}وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[17]{ [سورة محمد]. و قوله تعالى:}إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى[13]{ [سورة الكهف].
الدعوة إلى الله تجعلك تحت المجهر البشري: فتُلاحظ في كل تصرفاتك كبيرها وصغيرها، فينظر إليك النقاد والحساد ويقدمون لك النقد والتجريح، ويتقدم إليك الأحباب والأصحاب بالنصح والتوجيه، فاقبل النصح ، واستمع إلى النقد والتجريح، وتعلم مما تسمع ولا تهمله .
الداعي إلى الله عندما يتعامل مع الناس فإنه يتربى على صفات جديدة لا يمكن أن يتربى عليها أو يكتسبها بمفرده: فمثلاً ضبط النفس لا يكون إلا مع التعامل مع الآخرين، وكذلك الحميّة، والأخوة، وقبول النصح، والاهتمام بالغير، وغير ذلك .. كل هذه الصفات لا يتعلمها الإنسان وحده، وإنما لابد أن يتعامل مع الناس ويعلمهم؛ فيتربى من خلال التعامل معهم .
والدراسات الحديثة في الطب النفسي تنحو إلى علاج بعض الناس بالعلاج الجماعي، والمسلمون بالدعوة إلى الله والتعامل مع الناس يمارسون سببًا مهمًا في الوقاية من الأمراض النفسية التي يعاني منها أولئك المنعزلون .. تلك بعض الفوائد التي يستفيد منها الداعي إلى الله من خلال تعامله مع الناس .
ركيزتان : للدعوة إلى الله أسلوب ذي ملامح، أذكر منه ركيزتين مهمتين له، وهما:
الركيزة الأولى : الدفع بالتي هي أحسن: لأنك إذا دفعت الذي أساء إليك بالتي هي أحسن فإنه ينقلب إلى صديق عزيز، ولو كان من أعدى أعدائك، يقول تعالى:} وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[34]وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ[35]{ [سورة فصلت].
الركيزة الثانية: هي اختيار الزمان والمكان المناسب .. واختيار الأسلوب المناسب: ومما يوضح ذلك:
◄ قول عبد الله بن عباس رضي عنهما ينصح آخر:' لَا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ وَلَكِنْ أَنْصِتْ فَإِذَا أَمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ 'رواه البخاري .
وعلى الداعية أن يختار الوقت المناسب لإعطاء كلمته عندما يصغي إليه الناس ويستمعون، فَعَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ قَالَ:' أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا' رواه البخاري.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخير فرصًا معينة ليعظ؛ فما كان الرسول يعظ طوال وقته وهو أعظم واعظ، وأكبر مؤثر، وأفضل داعية، والصحابة أفضل المستمعين، لقد كان الناس يحبون أن يستمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم ومع ذلك كان يتخولهم بالموعظة مخافة السآمة عليهم .
....................................................................................يتبع
من رسالة:'الدعوة إلى الله توجيهات وضوابط' للدكتور/ عبد الله الخاطر
الداعي إلى الله يتعلم من المدعوين: حيث يسألونه ويجيب، يجيب عما يعلم ويبحث عما لا يعلم؛ والمثال واضح على ذلك: فالعالم الداعي إلى الله يزداد علمه؛ بينما القاعد في زاوية من زوايا بيته لا يفتح صدره لطلبة العلم ولا للناس؛ يضعف علمه وينسى كثيرًا. فالعالم الداعي تجده عندما يقبل رمضان؛ يدرس أحكام رمضان بالتفصيل، وعندما يأتي الحج؛ يدرس أحكام الحج بالتفصيل، وعندما وبذلك يزداد علمه يومًا بعد يوم .
عظيم الأجر: الداعي إلى الله يحصل على أجر عظيم، يجد نتيجته في الآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: [مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا] رواه مسلم. إنه أجر عظيم عندما نتفكر فيه.. إنك إذا دللت إنسانًا على خير فإنك تحصّل مثل أجره؛ دللته على الصلاة فصلى، أو نصحته بالصيام فصام، أو نصحته بالزكاة فزكى، أو نصحته بقراءة القرآن، وبالذكر والدعاة ففعل؛ فلك مثل أجر ما يفعله، ولو كنا نتذكر هذا الأجر دائمًا؛ ما فرطنا فيه لحظة واحدة .وأما في الحياة الدنيا فهناك نتائج كثيرة لمن يحمل هذا الدين .
◄ وبحمل هذه الرسالة نكون من أنصار الله الذين يقبلون عليه وعلى وحيه ولا يتولون عنه: فينطبق عليهم قوله تعالى:}... وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ[38]{ [سورة المائدة].
هذا الحديث يوضح بأن حمل هذه الأمانة، وتبليغ هذه الرسالة، وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر فيه صلاح المجتمع الذي هو مثل السفينة في هذا الحديث، وبحمل هذه الرسالة نبلّغ ما نزل إلينا من ربنا، ونحقق البلاغ المطلوب الذي أُمرنا به، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:} يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ...[67] {[سورة المائدة].