عبدالعزيز

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : علي الحامدي | المصدر : www.arabicstory.net

 

عبدالعزيز
 
 

 

 
 

 

عاد منهكاً ظهيرة أحد الأيام المشتعلة بالحرارة ،ولا شيء يبدد تعبه سوى استقبال عبدالعزيز له ، عند مدخل المنزل بابتسامته العريضة وحركات الطفولة البريئة ، هذه المرة أراد أن يبادره بالمفاجأة ، حيث جلب له لوحاً من الشكولاتة المحببة إليه ، أدخل مفتاحه في ثقب الباب بهدوء ودفعه بحذر شديد كي لا يسمع لحظة دخوله ، لكن عبدالعزيز لم يكن خلف الباب ، ولم يكن مستعداً لاستقباله هذه المرة ، هل كان مختبئاً في الحديقة كما كان يفعل أحياناً ؟

 

 في الداخل كان السكون يخيم على جنبات المنزل ، كأن الحياة قد فرت من هنا ، صعد إلى حجرة الأولاد وهناك وجد الزوجة تمسح على رأسه ودمعة تكافح سقوطها أمام دهشة باقي أبنائها ، كانت حرارة عبدالعزيز تتزايد وفشلت كل محاولاتها في خفضها ، ملامح وجهه توحي بإعياء شديد ، وصفرة كست جسده كما لو أنه اغتسل للتو بعصارة عباد الشمس ، لوح الشوكلاتة لا يزال في يد والده الذي أدهشته الحالة ، ثم نقل عبدالعزيز وهو كالزهرة الذابلة إلى أحد المصحات القريبة ، حيث رقد هناك في عناية مركزة ، فحوصاته الأولية بحاجة إلى تأكيدات عن حالته التي حيرت الأطباء، الأسئلة التي كانت تمطر سماء والده أثارت القلق ودفعته للتفكير فيما هو مقلق حقاً .

 

عبدالعزيز كان إذا أفاق شقت الابتسامة وجهه فتتهلل معها أسارير والديه ، وما لبث أن يغادرها ليرسم مرارة صورة الوداع الأخير ، عينان غائرتان ، ودموع تحبسها الأحداق ، خوف مرصود في تفاصيل الجسد النحيل ، ومرض خبيث يأكل فيه من الداخل ، لم يعد عبدالعزيز أبداً منذ آخر مرة تجرع فيها هذه السموم ، تغيرت كل ملامحه ، وتفتت في فمه العظام فماتت البسمة ، قطع اتصال الأجساد وبقي في تماس مع الألم والصراخ الذي يصك الأركان ، ويزلزل أفئدة الماكثين بقربه .

 

 هذا الليل الطويل الذي يسهران فيه متابعين حركاته وسكناته يأبى أن ينقشع عنهما ، يعلمان تماماً أن ساعة الفراق قد تحين قريبا أو قد تطول ، لذا حين يكذب الطبيب عليك تعرف أنه يكذب ، العيون لا تتواطأ مع أحد ، وحدها القادرة على ممارسة الحقيقة، لذا لم تفلح كل محاولات الفريق الطبي من التخفيف عنهما وهما يلحظان الموت يقف عند أقدام صغيرهما .

 

 وسط هذا العجز أفاق عبدالعزيز في هجعة ليلة سرمدية وطلب من والده أن يحضر له لوح الشوكلاته ففعل ، أشار إلى أمه أن تسند رأسه للخلف قليلاً كي يتمكن من الجلوس ، ثم بدأ يحادثهم ويغتصب الابتسامة التي كان يرسمها على وجهه الشاحب ، أشار عليهما أن يحدثا طبيبه غداً ضرورة انتزاع هذا المرض اللعين ، وأن يسمح له بأن يعيده للمنزل ليلعب مع إخوته ، أراد أن يقول شيء آخر دون أن تسمع أمه ذلك ، همس في أذن والده بما يريد وظل ينتظر الإجابة حتى بدأ المخدر يسري في عروقه فاستسلم للنوم تاركاً خلفه النظرات المتبادلة بين والديه ، ولم يستطع الزوج الفرار أو الكتمان بما كان يهمس إليه ، وراح يجهش باكياً ، وهو يردد كان يقول :

 

هل تعدني يا أبي أن أعود إلى البيت.. ؟ هل تعدني أن لا أموت ..؟!