حالة إنتظار

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أحمد ثروت القاضي | المصدر : www.arabicstory.net

 

 

قدر لي أن أكون إمرأة .. هذا كل شيء .. لا لم يكن هذا كل شيء .. لكم أحببت جنسي هذا كثيرا .. لم أكن أرى أية غضاضة لكوني إمرأة .. ولم أخجل يوما من كوني أنثى بتكويني وشكلي وأحاسيسي .. لكنه ذلك المجتمع الذي لم ينضج بعد رغم مرور تلك القرون الطوال .. ذلك المجتمع الذي ينصب سياجا كريها حول المرأة .. يجعلها وكأنها شيئا نخجل منه ولابد من إخفائه .. يجعلها عيبا وعبئا بل وعارا أحيانا .. أعرف أن للرجال دور عظيم في كل ذلك .. لكنني في قرارة نفسي ألعن كل بنات جنسي اللاتي عضدن من تلك المعاملة المتدنية عبر الأزمان .. أحتقر كل أم دأبت على تنشئة إبنائها على ذلك .. سواء كانوا ذكورا أو إناثا .. لا يهم .. فالنتائج تظل واحدة في النهاية
 
.
 

 

حلمت طويلا بالهروب من ذلك السياج اللعين .. أن أكون كما أريد .. أن يعاملني الناس كإنسانه دون النظر إلى كوني أنثى .. كنت اريد أن أسير دون أن أحس بنظراتهم تخترقني .. كنت أتمنى أن أخرج من منزلي بحرية دون الحاجة إلى أن يصطحبني من يظن أنه يحميني .. أكره أن يلازمني الإحساس بأنني دائما فريسة .. أن أكون دائمة الحرص والحيطة والحذر .. أن أعيش دائمة التوتر والإنفعال دون مبرر واضح وصريح
.

 

أخبرتني إحداهن أنه قد يتوجب علي الزواج كي أحقق بعضا مما أحلم به .. كنت أعلم أن هذا هراء بلا شك إن لم يكن هو الجنون بعينه .. لم تلقى تلك الفكرة لدي سوى الإحساس بأنني قد أنجو من سطوة أبي وأخي ومن يفرضون وصايتهم على .. لأقع تحت طائلة زوج قد يكون أكثر إستبدادا .. أن أستبدل تضييقا مؤقتا بآخر قد يدوم حتى آخر عمري .. لذلك أصررت على ألا أهب نفسي إلا لمن يقدرني بعقلي وتفكيري ومشاعري قبل أن يهتم بجسدي .. أن أهب قلبي وروحي وجوانحي لمن يعي أنني إنسانة .. لمن يحترم أنني لست متاعا لا يتميز عن أثاث المنزل في أي شيء .

 

أذكر كل ذلك وأنا غير مصدقة أنه قد مر علي ما يزيد عن عقد ونصف وأنا معه .. أذكر الآن أيامنا الأولى وأنا أبتسم .. لا بل أضحك .. نعم أضحك .. أضحك من نفسي وغبائي وسذاجتي .. أحببته .. أو هكذا تهيأ لي .. أحببته لدرجة أنني ألغيت عقلي تماما في جميع أموري وسلمته إليه كي يحركه كيفما يشاء .. فبإسم الحب تركته يختار ويقرر ويقود .. فبإسم الحب تركته يحدد ويوجه وينصح .. وبإسم الحب لم أفطن إلى أنني قد ضيعت أحلامي وطموحاتي وأحلامي إلا بعد مرور زمن طويل .. وبعد فوات الأوان لم يعد هناك سبيلا إلى التراجع .. فقد أقنعني ذات يوم بأنني لم أعد أصلح لأي شيء .. ولابد أن أرضى بأنا أحيا كما أراد هو لي

 

 

أتحرك كإنسان آلي خال من العواطف .. يمر الوقت تلو الآخر وكأنني أراقب ساعة رملية بطيئة وعقيمة .. أتحرك في جنبات البيت دون كلل لكي أجعله نظيفا ومرتبا كما يريد .. أعد الطعام الذي يفضله هو .. أرتدي من الثياب ما يحب أن يراني هو فيه .. أجلس لأنتظره متمنية دوما ألا يأتي .. لكنه دائما يأتي .. أجلس بجواره .. أستمع إلى سخافاته وتعليقاته وأنا مبتسمة إبتسامة كلها إمتنان .. أستسلم إلى عناق ما في آخر الليل ولا أستشعر منه شيئا .. وكأن هناك إمرأة أخرى غيري كانت معه في الفراش  

 

ظللت هكذا زمنا ليس بالقليل إلى أن صادفت ذات يوم من أعاد إلي ثقتي في نفسي .. وروحي إلى جسدي .. أحسست مجددا أنني لازلت إمرأة غير منتهية الصلاحية كما أقنعني زوجي قبل ذلك .. لا زلت قادرة على أن أحب وأفكر وأقرر .. مازال هناك من يعتد بنصائحي وتوجيهاتي وآرائي .. مازلت قادرة على أن أعود إلى الحياة من جديد

 

 

 

فعندما رأيته .. تهافتت روحي إلى الإقتراب منه وأنا كلي حذره بالطبع .. كانت ملامحه مختلفة .. فهناك ضوء حاد يسطع من عينيه ولا تستطيع أن تقاومه .. يسكنهما أرق واضح وحزن قديم .. فيه شيء غير عادي يجعل من الصعب عليك ألا تعجب به وبآرائه .. تبادلت معه حينها بعضا من الكلمات وأنا أخشى أن يتسرب إليه إحساس بأنني إمرأة في حالة إنتظار .. كان هو وزوجي قطبان شديدا الإختلاف .. وكنت أنتزع نفسي بعيدا عنه .. لكنني وجدت نفسي أعود إليه وأنجذب إلى عينيه وأسكن إلى حديثه الرائع

 

 

 

يمر العام تلو العام .. يلازمني حلم دائم بأن أكون له .. ويتمني هو أن يكون لي .. لم يضغط علي يوما لكي أنسحب من زواجي المشئوم .. ولم يصبه الملل أبدا رغم أنني لم أعده بشيء .. أرى في عينيه كل الشوق لكي أحتضنه يوما وأمسح عن صدره هموم تلك السنين .. يحترق جسدي كل يوم وأنا أتمنى أن أستيقظ ذات صباح لأجد نفسي بين ذراعيه .. نعيش سويا كمسافرين وزادنا هو الحلم .. تحول هو أيضا إلى رجل في حالة إنتظار