كتاب نواقض الدين

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : ابو بكر النجدى | المصدر : www.islampath.net

 

 

 

نواقض الدين 

Alexa Certified Site Stats for www.islampath.net
Google PageRank

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا  

                                      الفرقان 52

 


 

المحتويات

 

الإهداء

المقدمة

الباب الأول: كفر من جحد بالربوبية ومن ادعى لله صاحبة وولدا أو شريكا في الملك

الباب الثاني: شرك الأسماء والصفات وكفر من قال إن الله بذاته في كل مكان.

الباب الثالث: شرك من جعل لله أندادا ومن عبد الدرهم والدينار.

الباب الرابع: شرك عبادة الطواغيت.

الباب الخامس: شرك عبادة الأوثان ، والأصنام ، والأنصاب ، وما شابهها.

الباب السادس: شرك الأهواء وكفر من استخف بشيء جاء به الإسلام.

الباب السابع: كفر من لم يعبد الله محبة ورجاءا وخوفا.

الباب الثامن: كفر من لم يؤمن بالقدر خيره وشره

الباب التاسع: كفر من والى اليهود والنصارى والمشركين.

الباب العاشر: شرك الطاعة ، وكفر من قدم قول أهل المذاهب والآراء على الكتاب والسنة.

الباب الحادي عشر: كفر من ترك الصلاة بالكلية وهو قادر عليها.

الباب الثاني عشر: كفر من لم يؤتِ الزكاة بالكلية وكان مقتدراً

الباب الثالث عشر: كفر من أفطر رمضان بالكلية بغير عذر شرعي لسفر ومرض أو غيره.

الباب الرابع عشر: كفر من مات ولم يحج وكان مستطيعا.

الباب الخامس عشر: كفر من لم يحكم بما أنزل الله ومن تحاكم إلى الطاغوت.

الباب السادس عشر: كفر من ادعى علم الغيب ومن عمل بسحر الشياطين.

الباب السابع عشر: كفر من اعتقد إن الإيمان قول باللسان وإيمان بالقلب دون العمل بالأركان.

الباب الثامن عشر: كفر من جهل التوحيد ومن أعذر المشرك لجهله.

الباب التاسع عشر: كفر من اعتقد إن الإنسان مسير في عمله وليس مخيرا.

الباب العشرون: كفر من قاتل أو قتل تحت غير راية الإسلام.

الباب الحادي والعشرون: كفر من أراد النفاق الأكبر ومن أراد بعمله الدنيا.

الباب الثاني والعشرون: كفر من لم يكفر الكافر والمشرك.

الباب الثالث والعشرون: كفر من كفر مسلما.

الباب الرابع والعشرون: كفر من كذب أو أنكر شيئا أمر أو أخبر به الله أو رسوله ولو عمل به.

الباب الخامس والعشرون: كفر من استهزأ بالله وآياته ورسله ومن تلفظ بكلمة كفر عامدا.

الباب السادس والعشرون: كفر من افترى أو كذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الباب السابع والعشرون: كفر من أعرض عن دين الله ومن استكبر عن عبادته.

الباب الثامن والعشرون: كفر من قال مطرنا بنوء كذا وكذا.

الباب التاسع والعشرون: كفر من أصر على الحلف بغير الله تعظيما.

الباب الثلاثون: شرك الطيرة.

 

 

 


 

 

 

 

الإهداء

 

إلى جند الله حاملي رايات التوحيد، المجاهدين لتكون كلمة الله هي العليا، وإلى المسلمين في سجون الطواغيت، الذين لم يخافوا في الله لومة لائم؛ سائلين الله لشهدائنا الذين حاربوا الشرك والمشركين والكفار وأولياءهم، أن يرزقهم الفِرْدَوْسَ الأعلى، وأن يلحقنا بهم وبالصالحين.

 

النجدي

                                                           

 



 

المقدمــة

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله حامي جناب التوحيد.

اعلم - رحمك الله - أن الناس كانوا يجلسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن على رءوسهم الطيرَ لا يتكلمون، سِمَتُهُم الصمتُ والسمع والطاعة، وكان صلى الله عليه وسلم يقول:
((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليَقُلْ خيرًا أو ليصمت))
[1],

فما كانت اعتراضات المنافقين في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا بداية أي كالبذور التي ظهرت منها الشبهات والفتن فيما بعد.

وبعد أن فُجعت الأُمة بوفاته صلى الله عليه وسلم فوجئت بفتنة الردة في زمن أبي بكر - رضي الله عنه - وحروبها التي استحل فيها الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - دماءَ المُرْتَدِّين، فما كان يفرق بين مانعي الزكاة وغيرهم من المرتدين؛ سبى نساءهم وذَرَارِيَهُم، واستحل أموالهم.

 وبعد كَسْرِ باب الفِتَن باستشهاد أمير المؤمنين عمر الفاروق - رضي الله عنه - بدأت الفِرَقُ المُعادية للإسلام تخرج كالأفاعي السامة بعد سُبات طويل، فكانت من أوائلها فرقةُ فتنة التشيُّع الوثني، التي جاء بها عبد الله ابن سبأ اليهودي، وتبعتها فرقة الخوارج، ولكن الله - سبحانه - نصر الأمةُ عليهم، وظهرت بعد ذلك مسألة الجَبْرِ والاختيار في نهاية الخلافة الراشدة، وجاءت بدعة المُلْكِ العَضُوض، وتَسَلَّطَ الملوكُ على ديار الإسلام، وخاض الناس في القضاء والقدر والأسماء والصفات في زمن بني أُمية، فبدأ الأئمة بجمع الحديث؛ خوفًا على ضياع السُّنَّة، وروي أن معاوية بن أبي سفيان أمر ((ألا يَقُصَّ على الناس إلا أميرٌ أو مأمور أو متكلف)) [2].

وهكذا.. اشتد البلاء على أمة التوحيد بظهور المذاهب والآراء والقياس الفاسد والهوى، واختلف الناس في دينهم وعم البلاء وطم، وكان أكثرها بلاء عندما جـاء المأمون للحكم وطلب إلى حاكم صقلية النصراني أن يرسل إليه بمكتبته الغنية بالفلسفة اليونانية التي ترعرعت في محيط وثني كافر، تردد الحاكم بإرسالها ولكن المطران الأكبر أشار عليه أن يرسلها فورًا، قائلا له: ((ما دخلت هذه الكتب على أُمَّةٍ إلا أفسدتها)). غثاء الجاهلية الإغريقي الذي أصبح عند أهل الترف بديلًا عن عقيدة التوحيد! فانخدعوا بما فيها من عجمة وتعقيد وتَنَطُّعٍ وتَشَدُّقٍ وتَفَيْهُقٍ، وتلاعُبٍ بالألفاظ، وقادهم هذا إلى إلباس عقيدة التوحيد لباسا غريبًا عليها وعلى أهلها، فسببت هذه الكتب تدفـق سـيول أفكار الشرك والكفر والبدع والآراء والأهواء على الأمة، وكانت منها: فتنةُ خلق القرآن التي تَزَعَّمَهَا المأمونُ بنفسه، وعلى إثر ذلك أخذت خِيرةُ شعوب العرب وقبائلها – وكذلك الأعاجم - ترتد عن الإسلام واحدة تلو الأخرى؛ فمن تلك الشعوب والقبائـل من والى الطواغـيت، ومنـها مـن تَشَـيَّعَ فعبد الأوثان، أو تَصَوَّفَ فكان من أصحاب الطرق، ومنها من أصبح من المرجئة [3] المعطلة لأركان الإسلام، فوقع الذي أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم :

((لا تقومُ الساعةُ حتى تَلْحَقَ قبائلُ مِن أُمَّتي بالمشركين، وحتى تَعْبُدَ قبائلُ مِن أُمتي الأوثانَ)) [4].

وانتهى الأمر بعصرنا هذا: الذي أصبحت فيه ديارُ الإسلام كلها ((دار ردة)) بعد غياب الحكم بما أنزل الله من على الأرض، والذي يصبح فيه الرجل مؤمنًا، ويُمسي كافرًا من شدة الفتن! عصرنا هذا الذي تداخلت فيه الخنادق مع المشركين، واختلطت الأوراق فيه مـع اليهود والنصارى وعبدة الطواغيت، وهيمنتْ وسائلُ إعلامهم المسموعة والمرئية والمقروءة، فأصبح أكثر مدعي العلم لا يفرق بين الشرك والتوحيد، وبات أكثرهم دعاةً للإرجاء بتعطيل العمل بأركان الإسلام وفرائضه؛ بلباس ((السلفية)) تارة، وتحت أسماء أحزاب ومنظمات وجمعيات مدعية للإسلام موالية للطاغوت تارة أخرى.

ولكن اللـه - سبحانه - وَعَـدَنا بحفـظ هذا الدين إلى يوم القيامة، فأعان - سبحانه - على جمع ثلاثين بابًا في نواقض الإسلام، معززًا بالآية ومُؤَيَّدًا بالحديث الصحيح بعيدًا عن الآراء والأهواء، فنسأل الله - تبارك اسمه - أن نَفْقَهَ ونَعِيَ ما فيه من حُجة بالغة ورَدٍّ فَصْلٍ على قول اليهود والنصارى والمشركين وأولياء الطواغيت والكفار والملحدين وأهل الأديان الباطلة والشيعة عبدة الأوثان والمتصوفة أصحاب الطرق، والمرجئة المعاصرة المعطلة لأركان الإسلام وفرائضه، فهـؤلاء هـم أعـداء الله أعـداء التوحيد، وأعداء الرسل أعداؤنا.

واعلم - رحمك الله - أن رأس الأمر الإسلام، وهو شرط لصحة العبادات، مثلما أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، وأن الإسلام ينتقض بالشرك مثلما أن الوضوء يُنقض بنواقضه المعروفة، فالإسلام معناه: عبادة الله وحده لا شريك له، وهو كلمة الله العليا، ومعناه أيضًا: التوحيد، النور الذي يلقيه الله في قلب العبد إذا صدَّقَ اللهَ بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فيصبح له إسلامُه نورًا يمشي به في الناس ما لم يأتِ بشرك ينقضه، والإسلام دين الرسل جميعًا؛ أُرسلوا به مُبشرين ومنذرين، فقد خاطب الله سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بقوله:
 ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[5].

 -----------------------

[1]  رواه البخاري .

 [2] رواه احمد 6/23 .

[3]  طائفة المرجئة المعاصرة المعطلة لأركان الإسلام وفرائضه، والقائلة: إن تاركها غيرَ جاحد بها ليس

 بكافر ولا يُخلد في النار‍‍! وهي من الفرق الضالة المضلة، وغير مكفرة لأكثر أهل الشرك والكفر.

[4] رواه احمد  5 /284والترمذي, وقال: حسن صحيح .

[5]   سورة الزمر، من الآية (65).

 

 

 

الباب الأول

 

 

كفر من جحد بالربوبية، ومَن ادعى لله صاحبةً أو ولدًا أو شريكًا في الملك

 

 

قال الله سبحانه: (وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ... الآية)[6], وقال تعالى: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا)[7]، وقال سبحانه أيضا: (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... الآية) [8], وقال تبارك اسمه: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)[9]. ولكنهم يجحدون بألوهيته تبارك وتعالى. واعلم - رحمك الله - أن من الكفر ادعاء الزوجة والولد لله؛ وذلك لقوله سبحانه: (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) [10].

وأن من الكفر ادعاء الشريك لله في الملك والأمر والخلق؛ لقوله سبحانه: (وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ )[11] وقوله سبحانه: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [12].

-------------------------------

 [6] سورة الجاثية، من الآية: 24.

[7] سورة الكهف، من الآية: 37.

[8]  سورة إبراهيم، من الآية: 10.

[9]  سورة الزخرف، الآية: 9.

[10]  سورة الجن، الآية: 3.

[11] سورة الإسراء، من الآية: 111.

[12]  سورة الأعراف، من الآية: 53.

 

 

 

الباب الثاني

 

شرك الأسماء والصفات، وكفر من قال: إن الله بذاته في كل مكان

 

قال الله سبحانه:(وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[13].

اعلم - رحمك الله - أنه من الشرك بالله: القدح في أسمائهِ وصفاته سبحانه وتعالى؛ وذلك بالتكييف أو التعطيل، ونفي ما دلت عليه الأسماء والصفات، أو جحودها والإلحاد فيها [14]. ففرق كثيرة ضلت عن هذا الاعتقاد الذي هو أدق من الشعرة وأَحَدُّ من السيف، فمنها المعتزلة، والأشاعرة، والجهمية، وأهل الإرجاء، والحلولية، والاتحادية، والمُجَسِّمة، وأهل الكلام، والمتصوفة أصحاب الطرق، والشيعة عبدة الأوثان، وغيرهم من الفرق الضالة، ولكن أهل التوحيد أثبتوا لله جميع صفات الجلال والكمال، وأَمَرُّوها على ظاهرها كما أثبتها الله لنفسه، أو أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، على الوجه اللائق به، من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، وأن صفاته سبحانه لا تدخل في صفات المخلوقين، ولا تدخل في ألفاظ التأويل والمشاركات اللفظية، بل إن صفات المخلوقين أعراض تموت بموتهم وتفنى بفنائهم، وصفات الخالق - جل جلاله - لائقة به وحده؛ لقوله سبحانه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [15].

ومن الكفر بالله: الاعتقاد أو القول بأن الله بذاته في كل مكان، فهذا الاعتقاد ينافي العلو لله؛ لقوله سبحانه: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[16], وقال سبحانه أيضًا: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ... الآية)[17]. وفي حديث الجارية التي سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله؛ فقال: أعْتِقْها؛ فإنها مؤمنة))[18].

 

- فيه تأييدٌ لهذا المعنى.

ومن الكفر: جحود قدرة الله، والشك أو الجهل بها؛ لقوله سبحانـه: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
[19].

------------------------

 [13] سورة الأعراف 180 .

[14] العدول عن القصد والميل .

 [15] سورة الشورى 11.

[16]  سورة طه 5 .

[17] سورة فاطر 10

[18]  رواه مسلم .

[19] البقرة 105

الباب الثالث

 

شرك من جعل لله أندادًا، ومَن عَبَدَ الدرهم والدينار

 

قال الله سبحانه: (إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا ... الآية) ,[20] وقال سبحانه أيضًا: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [21] . وقال صلى الله عليه وسلم : ((من مات يجعلُ لله نِدًّا أُدْخِلَ النار)) [22] .فالأنداد تعني: النظراء والأشباه، فعن قُتَيْلةَ أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئتَ، فقال: ((أجعلتني لله ندًّا؟! بل ما شاء الله وحده)) [23] . والأنداد تعني أيضًا: كل ما جذبك عن الله: مِن وَثَنٍ أو معبود من دون الله، ومن ولد، أو مال، أو ملك، أو سلطان، أو عشيرة، وتتيم بامرأةٍ؛ لقوله سبحانه: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ ... الآية) [24].

وكقول بعضهم: ((لولا الله وأنت لما كنا بخير))، ولم يقل: لولا الله ثم أنت!

وإن من الشرك بالله عبادة المال؛ لقوله سبحانه: (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [25]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((تَعِسَ عَبْدُ الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبدُ القَطِيفة، تعس عبد الخَمِيصة، تَعِسَ وانْتَكَس، وإذا شِيكَ فلا انتـقـش))
[26].

وهذا دعاء عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((يقال: تَيْمُ الله، أي: عَبْدُ الله، فالمُتَيَّم: المُعَبَّد لمحبوبه)) رسالة العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية.

--------------------------

[20] سورة سبأ، من الآية: 33.

[21] سورة البقرة، من الآية: 22.

[22] رواه البخاري.          

[23] رواه النسائي وصححه.

 [24]سورة البقرة، من الآية: 165.

[25] سورة المنافقون، من الآية: 9.

[26] رواه البخاري.

 

 

الباب الرابع

 

شرك عبادة الطواغيت

 

قال الله - سبحانه وتعالى-: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا ... الآية)[27]. فقد قدم سبحانه الكفر بالطاغوت[28] على الإيمان به، فالإيمان بالله والإقرار بالتوحيد وحده لا يكفي أن يكون عاصمًا للدم والمال والعِرْضِ، ولكن حتى يُكفرَ بالطاغوت وبكل ما يعبد من دون الله، وحتى يُكفَّر الكافر والمشرك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبدُ من دون الله؛ حَرُمَ ماله ودمه، وحسابه على الله))[29]،

أي: إذا لم يكفر بما يعبد من دون الله فدمه وماله حلال، ولا يغني عنه التلفظ بالشهادة والقيام بالأركان والفرائض!

واعلم - رحمك الله - أن من عبادة الطاغوت: مشاركته في الحكم تحت ما يسمونه في هذه الأيام بـ ((الديمقراطية)) التي تعني باليونانية ((حكم الشعب)) والله سبحانه يقول: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[30], وقال سبحانه أيضًا: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ)[31], وكذلك الخوض في انتخاباته والترشيح لها، كما تفعل الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تطلق على نفسها أسماء إسلامية؛ إرضاء وتقربًا لأسيادهم من اليهود والنصارى والمشركين، والله سبحانه يقول: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ)[32]. وقال سبحانه أيضًا: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) [33] .

وإن من عبادة الطاغوت: الانضمام إلى أحزابه ومنظماته وجمعياته ونواديه، والمُسَاهَمَةُ في مؤتمراته وندواته ومسيراته، والله سبحانه يقول: (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ... الآية)[34]. وقال سبحانه أيضًا: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [35].

وإن من عبادة الطاغوت: الدخول معه في حلف غير متكافئ، له فيه اليد العليا؛ فيكون هذا موالاةً له خالصة من دون الله؛ والله سبحانه يقول: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ... الآية)[36].

ويحتج أهل الأهواء بحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يهود! والجواب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا ديار اليهود وقتلهم شَرَّ قِتْلَة! سبى نساءهم وذراريهم، وورث أرضهم وأموالهم بعدما غدروا به وبالمسلمين، فهل في استطاعة الذين حالفوا الطواغيت أن يفعلوا ذلك بعد أن غدرت بهم وبأعراضهم وأموالهم، والله سبحانه يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ... الآية) [37].

وإن من عبادة الطاغوت: العمل في دوائره ومؤسساته المدنية والعسكرية، والتجنُّد في جيشهِ، والخدمة في مكاتبه وشركاته ومعامله ومصانعه ومزارعه وحقوله، والله - سبحانه - يقول: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ ... الآية) [38]. ويحتج أهل الأهواء بأن نبي الله يوسف - عليه السلام - كان وزيرًا عند أحد ملوك مصر وطواغيتها، والجواب: أن نبي الله - عليه السـلام - الـذي أرسله الله بالتوحيد عَمِلَ وزيرًا بعدما أسلــم ذلك الملك[39] والله سبحانه يقول: (انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ ... الآية)[40].وكذلك العمل في خطه التربوي والتعليمي، وعلى جميع أصعدته التدريسية؛ لترويج أفكاره ومناهجه المعادية للإسلام، والهادفة إلى إفساد الناس، والله - سبحانه - يقول: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ... الآية) [41].

وإن من عبادة الطاغوت: تحرير صحفه ومجلاته، وإصدار كتبه ومطبوعاته ومنشوراته، والمساهمة والعمل في إعلامه المرئي والمقروء والمسموع لترويج مبادئه وشعاراته وأكاذيبه وافتراءاته؛ لتضليل الناس عن الحق، والله سبحانه يقول: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ... الآية)[42] ويحتج أهل الأهواء بأن ((مؤمن آل فرعون)) كان مقيمًا بين أظهر الذين ظلموا، والجواب: أن مؤمن آل فرعون فاصَلَ الطاغوت بعد أن قال فرعون: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى ... الآية)[43] أي: من بعد أن أعلن فرعونُ الحربَ على التوحيد وأهله، فرد عليهم: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ )[44]. وإن من عبادة الطاغوت: التجسس له، والخدمة في دوائره الأمنية والاستخباراتية؛ لقوله سبحانه: (وَلَا تَجَسَّسُوا ... الآية)[45]. فيعود أهل الأهواء إلى الاحتجاج بـ ((الإكراه)) على غير وجهه الصحيح، والله سبحـانه يقول: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ... الآية)[46]. وقال ابن عباس - رضي الله عنه- : ((ليس (التَّقِيَّةُ) بالعمل؛ إنما التقية باللسان)).

واعلم - رحمك الله - أن الإنسان لا يكون مُكرهًا إلا بعد أن يُعَذَّبَ عذابًا شديدًا يخاف منه على نفسه الهلكة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بـن ياسـر: ((فإن عادوا فَعُدْ))[47] . والله سبحانه يقول: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[48].

وإن من عبادة الطاغوت: الذَّبَّ عنه بالقول، والقتال دونه؛ لقوله سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ ... الآية)[49]. 

خلاصة القول: أن كل من وضع نفسه ليكون حَجَرًا في هرم الطاغوت، فهو مُوَالٍ له ومخالفٌ لما هو معلوم من الدين، والله سبحانه يـقـول: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى ... الآية)[50].

 ----------------------

 [27]سورة البقرة، الآية: 256.

[28] الطاغوت: جمعها طواغيت وتشمل جميع حكام العرب والأعاجم بعد غياب الحكم بما أنزل الله من

 على الأرض.                            

[29] رواه مسلم.

 [30]سورة المائدة، الآية: 50.

[31] سورة هود، الآية: 113.

[32] سورة محمد، الآية: 25.

[33] سورة النساء، الآية: 139.

[34] سورة الأنعام، الآية: 153.

[35] سورة العنكبوت، الآية: 41.

[36] سورة المائدة، الآية: 52.

[37] سورة التوبة، من الآية: 123.

[38] سورة الصافات، الآية: 22، 23.

[39] ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره للآية (55) من سورة يوسف، عن مجاهد إمام التفسير.

[40] سورة النساء، من الآية: 50.    

[41] سورة العنكبوت، من الآية: 51.

[42] سورة البقرة، من الآية: 193.

[43] سورة غافر، من الآية: 26.

[44] سورة غافر، من الآية: 28.

[45] الحجرات، من الآية: 12.

[46] سورة الزمر، من الآية: 36.

[47] رواه البيهقي وذكر شرحه ابن كثير في تفسيره للآية (106) من سورة النحل.

[48] سورة آل عمران، الآية: 175.

[49] سورة النساء، من الآية: 76.

[50] سورة الزمر، من الآية: 17.

 

 

 

الباب الخامس

 

شرك عبادة الأوثان والأصنام والأنصاب وما شابهها

 

 قال الله - سبحانه وتعالى-: (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ... الآية﴾[51]. وقال سبحانه أيضًا: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى *  وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى[53].