7 ـ القناعة
وهي: من الاكتفاء من المال بقدر الحاجة والكفاف، وعدم والاهتمام فيما زاد عن ذلك.
وهي: صفة كريمة، تعرب عن عزة النفس، وشرف الوجدان وكرم الأخلاق.
وإليك بعض ما أثر عن فضائلها من النصوص:
قال الباقر(عليه السلام): (من قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الأغنياء) (الوافي ج3 ص79 عن الكافي).
إنما صار القانع من أغنى الناس، لأن حقيقة الغنى هي: عدم الحاجة إلى الناس، والقانع راض ومكتف بما رزقه الله، لا يحتاج ولا يسأل سوى الله.
قيل: لما مات جالينوس وُجد في جيبه رقعة مكتوب فيها:(ما أكلته مقتصدا فلجسمك، وما تصدقت به فلروحك، وما خلفته فلغيرك، والمحسن حي وإن نقل إلى دار البلى، والمسيء ميت وإن بقي في دار الدنيا، والقناعة تستر الخلة، والتدبير يكثر القليل، وليس لابن آدم أنفع من التوكل على الله سبحانه) (كشكول البهائي، طبع إيران ص371).
وشكى رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه يطلب فيصيب فلا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علمني شيئا أنتفع به. فقال أبو عبد الله(عليه السلام): (إن كان ما يكفيك يغنيك، فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك، فكل ما فيها لا يغنيك) (3 الوافي ج3 ص79 عن الكافي).
وقال الباقر(عليه السلام): (إياك أن يطمح بصرك إلى من هو فوقك فكفى بما قال الله تعالى لنبيه(صلى الله عليه وآله)((ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم)) وقال: ((ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا))، فإن دخلك من ذلك شيء، فاذكر عيش رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فإنما كان قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده) (الوافي الجزء 3 ص78 عن الكافي).
محاسن القناعة
للقناعة أهمية كبرى، وأثر بالغ في حياة الإنسان، وتحقيق رخائه النفسي والجسمي، فهي تحرره من عبودية المادة، واسترقاق الحرص والطمع، وعنائهما المرهق، وهوانهما المذل، وتنفخ فيه روح العزة، والكرامة، والإباء، والعفة، والترفع عن الدنايا، واستدرار عطف اللئام.
والقانع بالكفاف أسعد حياة، وأرخى بالا، وأكثر دعة واستقرارا، من الحريص المتفاني في سبيل أطماعه وحرصه، والذي لا ينفك عن القلق والمتاعب والهموم.
والقناعة بعد هذا تمد صاحبها بيقظة روحية، وبصيرة نافذة، وتحفزه على التأهب للآخرة، بالأعمال الصالحة، وتوفير بواعث السعادة فيها.
ومن طريف ما أثر عن القناعة:
أن الخليل بن أحمد الفراهيدي كان يقاسي الضر بين أخصاص البصرة، وأصحابه يقتسمون الرغائب بعلمه في النواحي.
ذكروا أن سليمان بن علي العباسي، وجه إليه من الأهواز لتأديب ولده، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزا يابسا، وقال: كل فما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان. فقال الرسول: فما أبلغه. فقال:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة وفي غنى غير أني لست ذا مال
والفقر في النفس لا في المال فاعرفه ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال
فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه ولا يزيدك فيه حول محتال (سفينة البحار ج1 ص426 بتصرف).
وفي كشكول البهائي (أنه ارسل عثمان بن عفان مع عبد له كيسا من الدراهم إلى أبي ذر وقال له: إن قبل هذا فأنت حر، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذر، وألح في قبوله، فلم يقبل، فقال له: أقبله فإن فيه عتقي. فقال: نعم ولكن فيه رقي) (سفينة البحار ج1 ص483).
(وكان ديوجانس الكلبي من أساطين حكماء اليونان، وكان متقشفا، زاهدا، لا يقتني شيئا، ولا يأوي إلى منزل، دعاه الإسكندر إلى مجلسه. فقال للرسول قل له: إن الذي منعك من المسير إلينا، هو الذي منعنا من المسير إليك، منعك استغناؤك عنا بسلطانك، ومنعني استغنائي عنك بقناعتي) (1سفينة البحار ج2 ص451).
وكتب المنصور العباسي إلى أبي عبد الله الصادق(عليه السلام): لِمَ لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فأجابه: ليس لنا من الدنيا ما نخافك علية، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنيك بها، ولا في نقمة فنعزيك بها. فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا. فقال أبو عبد الله(عليه السلام) : (من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك) (كشكول البهائي).
وما أحلى قول أبي فراس الحمداني في القناعة:
إن الغني هو الغني بنفسه ولو أنه عار الناكب حاف *** ما كل ما فوق البسيطة كافيا فإذا قنعت فكل شيء كاف
8 ـ الحرص
الحرص: هو الإفراط في حب المال، والاستكثار منه، دون أن يكتفي بقدر محدود. وهو من الصفات الذميمة، والخصال السيئة، الباعثة على ألوان المساوئ والآثام، وحسب الحريص ذما أنه كلما ازداد حرصا ازداد غباء وغما.
وإليك بعض ما ورد في ذمه:
قال الباقر(عليه السلام): (مثل الحريص على الدنيا، مثل دودة القز كلما ازدادت من القز على نفسها لفا، كان أبعد لها من الخروج، حتى تموت)(الوافي ج3 ص 152 عن الكافي).
لذلك قال الشاعر:
يفني البخيل بجمع المال مدته وللحوادث والأيام ما يدع
وقال الصادق(عليه السلام): (إن فيما نزل به الوحي من السماء: لو أن لابن آدم واديين، يسلان ذهبا وفضة، لابتغى لهما ثالثا، يابن آدم إنما بطنك بحر من البحور، وواد من الأودية، لا يملأه شيء إلا التراب) (الوافي ج3 ص154 عن من لا يحضره الفقيه).
وقال(عليه السلام): (ما ذئبان ضاريان، في غنم قد فارقها رعاؤها أحدهما في أولها والآخر في أخرها، بأفسد فيها من حب المال(الدنيا خ ل) والشرف في دين المسلم) (مرآة العقول في شرح الكافي للمجلسي(ره) ج2 عن الكافي. ص303).
وقال أمير المؤمنين(عليه السلام) في ضمن وصيته لولده الحسن(عليه السلام): (واعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولن تعدو أجلك، وأنك في سبيل من كان قبلك، فخفض في الطلب، وأجمل في المكسب، فإنه رُب طلب، قد جر إلى حرب، فليس كل طالب بمرزوق، ولا كل مجمل بمحروم) (نهج البلاغة).
وقال الحسن بن علي(عليهما السلام):
(هلاك الناس في ثلاث: الكبر. والحرص. والحسد.
فالكبر هلاك الدين وبه لُعن إبليس. . .
والحرص عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة.
والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل)(4 كشف الغمة).
مساوئ الحرص
وبديهي أنه متى استبد الحرص بالإنسان، استرقه، وسبب له العناء والشقاء، فلا يهم الحريص، ولا يشبع جشعه إلا استكثار الأموال واكتنازها، دون أن ينتهي إلى حد محدود، فكلما أدرك مأربا طمح إلى آخر، وهكذا يلج به الحرص، تستعبده الأطماع، حتى يوافيه الموت فيغدو ضحية الغناء والخسران.
والحريص أشد الناس جهدا في المال، وأقلهم انتفاعا واستمتاعا به، يشقى بكسبه وادخاره، وسرعان ما يفارقه بالموت، فيهنأ به الوارث، من حيث شقي هو به، وحرم من لذته.
والحرص بعد هذا وذاك، كثيرا ما يزج بصاحبه في مزالق الشبهات والمحرمات والتورط في آثامها، ومشاكلها الأخروية، كما يعيق صاحبه عن أعمال الخير، وكسب المثوبات كصلة الأرحام وإعانة البؤساء والمعوزين، وفي ذلك ضرر بالغ، وحرمان جسيم .
علاج الحرص
وبعد أن عرفنا مساوئ الحرص يحسن بنا أن نعرض مجملا من وسائل علاجه ونصائحه وهي:
1 ـ أن يتذكر الحريص مساوئ الحرص، وغوائله الدينية والدنيوية وأن الدنيا في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب.
2 ـ أن يتأمل ما أسلفناه من فضائل القناعة، ومحسناتها، مستجليا سيرة العظماء الأفذاذ، من الأنبياء والأوصياء والأولياء، في زهدهم في الحياة، وقناعتهم باليسير منها.
3 ـ ترك النظر إلى من يفوقه ثراء ، وتمتعا بزخارف الحياة والنظر إلى من دونه فيها فذلك من دواعي القناعة وكبح جماح الحرص.
4 ـ الاقتصاد المعاشي، فإنه من أهم العوامل، في تخفيف حدة الحرص، إذ الإسراف في الإنفاق يستلزم وفرة المال، والإفراط في كسبه والحرص عليه.
قال الصادق(عليه السلام): (ضمنت لمن أقتصد أن لا يفتقر) (البحار مج15 ج2 ص199 عن الخصال).