الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ذلك لأن سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي أقواله ، وأفعاله ، وإقراره ، وصفاته ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم بمفرده ، لذلك أقواله سنة ، وأفعاله سنة ، وإقراره سنة ، وصفاته سنة أي منهج ، والله عز وجل قال :
( سورة العنكبوت ) .
أي أن كل كلمة قالها النبي عليه الصلاة والسلام وحي غير متلو ، لأن الله عز وجل يقول :
( سورة النجم ) .
أقواله تشريع ، لذلك هناك وحيان : وحي متلو ، ووحي غير متلو ، الأحاديث الشريفة وحي غير متلو ، وسلوكه وحي غير متلو ، وإقراره وحي غير متلو .
لذلك أيها الإخوة ، أعداء المسلمين لا يستطيعون إلغاء هذا الدين ، إنه كالطود الشامخ ، ولكنهم يحاولون أن يقوّضوا دعائمه من الداخل ، والسنة النبوية من دعائم هذا الدين .
(( أوتيت القرآن ومثله معه )) .
[ رواه يزيد بن هارون عن المقدام بن معد يكرب الكندي ] .
وهناك من يقول يكفينا القرآن الكريم ، مع أن القرآن الكريم يقول :
( سورة الحشر الآية : 7 ) .
فالذي يكتفي بالقرآن الكريم يلغي القرآن الكريم ، لأن القرآن الكريم يأمرك أن تأخذ ما آتاك النبي ، وأن تنتهي عما عنه نهاك ، والقرآن الكريم يبين أن مهمة النبي لتبين للناس ما نزّل إليهم ، فكأن القرآن الكريم قانون ، وكأن السنة شرح لهذا القانون ، فإذا ألغينا الشرح ألغينا القانون .
لذلك أيها الإخوة ، لا بد من أن نحتفي بسنة رسول الله قولاً ، وعملاً ، وإقراراً وصفات ، وأؤكد لكم أنه لو لم يكن إلا السيرة بين أيدينا لكانت منهجاً كافياً لنا ، إن أفعاله تشريع ، وكما تعلمون أن كل واحد من الناس في حياته شخصية يكونها ، وشخصية يكره أن يكونها ، وشخصية يتمنى أن يكونها ، وهذا الدرس ، وهذه السيرة لمن ؟ قال تعالى :
( سورة الأحزاب ) .
إذاً : أن تحتفي بمواقف النبي ، بإنسانية النبي ، برحمة النبي ، بعدل النبي ، بتواضع النبي ، بإنصاف النبي ، وأن تجعل نفسك تطمح أن تكون على طريقه ، وعلى خطاه فأنت مؤمن ، أما إذا كنت لا تعنيك السيرة إطلاقاً فأنت تبحث عن شيء آخر ، أنت إذاً لا ترجو الله واليوم الآخر ، لأن الله عز وجل يقول :
أريد في هذا الدرس أن أقف قليلاً عند أهمية هذه السيرة النبوية العطرة ، الحقيقة هناك مثالية نجدها في الكتب ، قد نقرأها ، ونعجب بها ، ولكنها لا تكفي لتحفيزنا إلا أن نطبقها ، ما الذي يحفزنها إلى تطبيق السيرة ؟ أنك حينما ترى أنك إنساناً بشر .
(( إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر )) .
[ أخرجه مسلم من حديث أنس وله من حديث أبي هريرة ] .
ويقول عليه الصلاة والسلام :
(( أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، وأخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أنس ] .
إذاً : هو بشر ، ولأنه بشر ، ولأنه تجري عليه كل خصائص البشر كان سيد البشر ، فما لم تكن طموحاتك ورغباتك متوجهة إلى أن تمشي على خطى النبي ففي الإيمان خلل ، وفي الإيمان ضعف ، وتكفيكم هذه الآية :
بل إن الله جل جلاله لن يقبل دعوى محبته إلا بالدليل ، قال تعالى :
( سورة آل عمران الآية : 31 ) .
معنى ذلك أن الذي لا يفكر أن يتبع سنة النبي العملية ، ولا يفكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة له في حياته فهو بنص القرآن الكريم لا يحب الله ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ﴾ .
بل إن العلماء قالوا : إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم عين محبة الله ، وإن محبة الله عز وجل عين محبة النبي ، وهذا معنى قوله تعالى :
( سورة التوبة الآية : 62 ) .
بضمير المفرد ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ ﴾ بحسب قواعد اللغة ترضوهما ، لأن الله قال : ﴿ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوه ﴾ ، قال العلماء : إرضاء الله عز وجل عين إرضاء النبي ، وإرضاء النبي عليه الصلاة والسلام عين إرضاء الله ، ومحبة الله عين محبة النبي ، ومحبة النبي عين محبة الله ، لذلك محبة النبي فرع من محبة الله ، فالذي لا يحب النبي لا يحب الله ، والذي يحب النبي يحب الله .
(( ويا عمر كيف أصبحت ؟ قال : والله با رسول الله أصبحت أحبك أكثر من أهلي وولدي والناس أجمعين إلا نفسي التي بين جنبي ، قال : يا عمر لن يكمل إيمانك بعد حين جاءه وقال : الآن يا رسول الله أصبحت أحبك أكثر من أهلي ، وولدي ، ومالي حتى نفسي التي بين جنبي ، فقال عليه الصلاة والسلام : الآن يا عمر )) .
أيها الإخوة ، يقول بعض الصحابة الكرام ، وهو سيدنا سعد بن أبي وقاص : << ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ، وكلمة رجل في القرآن لا تعني أنه ذكر ، وفي السنة لا تعني أنه ذكر ، بل يعني القرآن بكلمة رجل أنه بطل .
( سورة النور الآية : 37 ) .
( سورة التوبة الآية : 108 ) .
فكلمة رجل لا تعني أنه ذكر ، تعني أنه بطل ، سيدنا سعد بن أبي وقاص استخدم هذا المعنى فقال : << ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ـ ما هذه الثلاثة ؟ ـ يقول هذا الصحابي الجليل : ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أنصرف منها >> .
(( الصلاة عماد الدين )) .
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ].
من أقامها فقد أقام الدين ، ومن هدمها فقد هدم الدين ، والصلاة معراج المؤمن .
(( الصلاة ميزان ، فمن أوفى استوفى )) .
[أخرجه ابن المبارك في الزهد عن ابن عباس ] .
من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها .
أن تتابع المسلسلات ليلاً ثم تقوم كي تصلي العشاء تقف وتكبر تكبيرة الإحرام ، وتقرأ الفاتحة وسورة ، وتركع وتسجد ، لكن لا تستطيع أن تقبل على الله ، لأنه قيل :
الصلاة نور ، الصلاة حبور ، الصلاة طهور ، الصلاة ميزان ، الصلاة عقل ، الصلاة معراج المؤمن ، الصلاة قرب ، الصلاة ذكر ، الصلاة عماد الدين .
ولكن ورد في بعض الآثار القدسية أنه :
(( ليس كل مصل يصلي ، إنما أتقبل صلاة ممن تواضع لعظمتي ، وكف شهواته عن محارمي ، ولم يصر على معصيتي ، وأطعم الجائع ، وكسا العريان ، ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي ، وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلما ، والظلمة نورا يدعوني فألبيه ، ويسألني فأعطيه ، ويقسم علي فأبره ، أكلأه بقربي ، وأستحفظه ملائكتي ، مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها )) .
[ أخرجه الديلمي عن حارثة بن وهب ] .
فقال سيدنا سعد : << ثلاثة أنا فيهن رجل ، وما فيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ، ما صليت صلاةً فشغلت نفسي بغيرها حتى أنصرف منها ، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول ـ ونحن قبل هذا الدرس صلينا على أحد الموتى المسلمين ، هل فكر واحد منا أنه لا بد من يوم يكون في نعش ، ويدخل إلى المسجد لا ليصلي ، بل ليصلى عليه ؟ وبعدها تذهب هذه الجنازة إلى مقبرة ، وبعدها يوضع في القبر ، ويحاسب عن كل شيء ؟ ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها .
ورد في بعض الآثار : أن الميت ترفرف روحه فوق النعش ، تقول : يا أهلي ، يا ولدي ، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حل وحرم ، فأنفقته في حله وفي غير حله ، فالهناء لكم ، والتبعة علي .
ورد في بعض الأحاديث :
(( فو الذي نفس محمد بيده ما من بيت إلا وملك الموت يقف فيه في اليوم خمس مرات ، فإذا رأى أن العبد قد انقطع رزقه ، وانقضى أجله ألقى عليه غم الموت فغشيته سكراته ، فمن أهل البيت الضاربة وجهها ، والصارخة بويلها ، والممزقة ثوبها يقول لهم ملك الموت : فيمَ الفرع ؟ ومم الجزع ؟ ما أذهبت لواحد منكم رزقاً ، ولا قربت له أجلاً ، وإني لي فيكم لعودة ، ثم عودة ، حتى لا أبقي منكم أحداً ، فوالذي محمد بيده لو سمعوا كلامه ، ورأوا مكانه ، لذهلوا عن ميتهم ، ولبكوا على أنفسهم )) .
(( لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت ما أكلتم طعاما على شهوة أبدا ، ولا شربتم شرابا على شهوة أبدا ، ولا دخلتم بيتا تستظلون به ، ولمررتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم ، وتبكون على أنفسكم )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن أبي الدرداء ] .
<< ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها ـ ولكن الشاهد في الثالثة ، هنا الشاهد ـ ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى .
﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ .
ـ المؤمن الصادق إذا قرأ سيرة النبي كيف إذا دخل بيته ألقى على أهله السلام ، وكيف إذا دخل بيته كان بساماً ضحاكاً وكيف يقول عن النساء :
(( أكرموا النساء ، فوالله ما أكرمهن إلا كريم ، ولا أهانهم إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالياً )) .
ـ كيف كان عليه الصلاة والسلام في مهنة أهله ، يخصف نعله ، ويرفو ثوبه ويكنس بيته ، وكان في مهنة أهله .
أنت كمؤمن يجب أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام قدوة لك ، أسوة لك وهو في بيته ، وهو مع زوجاته ، وهو مع أولاده ، كان يقول عليه الصلاة والسلام :
(( علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف )) .
[ أخرجه الحارث ابن عدي ، والبيهقي ، عن أبي هريرة ] .
ـ كان يسلم على الصبيان ، كان يداعبهم ، كان يقبلهم ، كان يحملهم وهو يصلي مرة كان على المنبر ، رأى ابن ابنته الحسين رضي الله عنه يتعثر في مشيته ، فنزل من على المنبر وحمله بيده ، وصعد به إلى المنبر ، هكذا كان مع الصغار .
ـ هكذا كان مع النساء مرة غضبت عائشة ، كسرت طبقاً على الأرض جاءها من صفية ، أصابتها الغيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( غضبت أمكم ، غضبت أمكم )) .
[ البخاري ]
كان زوجاً ناجحاً ، كان أباً ناجحاً كان صديقاً وفياً ، كان جاراً .
أيها الإخوة ، أردت بهذا الدرس أن نعرف أنه ما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ، في بيته ، مع إخوانه ، في مسجده ، ما لم يكن قدوة لنا فلسنا على ما ينبغي .
ـ صلى أعرابي وراء النبي ، أحد أصحابه أصابه عطاس ، فقال له في الصلاة : يرحمك الله ، فالصحابة الكرام ضربوا على أرجلهم بأيديهم ، أن هذا لا يكون ، فخاف هذا الأعرابي ، خاف أن يلقى تعنيفاً شديداً ، أو خاف أن يُضرب بعد الصلاة ، فأوجس خيفة ، فلما انتهى النبي من صلاته قال : تعال يا عبد الله ، إن هذه الصلاة لا يصلح لها شيء من كلام الناس ، فقال هذا الأعرابي : بأبي هو وأمي ، والله ما عنفني ، ولا كهرني ، فقال له : اللهم ارحمنا ومحمداً ، ولا ترحم معنا أحداً ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( يا أخي ، لقد حجرت واسعاً )) .
كان لطيفا ، كان متواضعا .
ـ دخل عليه رجل أصابته رعدة ، فقال له :
(( هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة )) .
ـ كان مع أصحابه في سفر أرادوا أن يعالجوا شاة ، قال أحدهم : عليّ ذبحها ، وقال الثاني : عليّ سلخها ، وقال الثالث : عليّ طبخها ، فقال عليه الصلاة والسلام : وعليّ جمع الحطب ، قالوا : يا رسول الله نكفيك ذلك ، قال : أعلم أنكم تكفونني ، ولكن الله يكره أن يرى عبده متميزاً على أقرانه .
إذاً : أريد من هذا اللقاء الطيب حقيقة دقيقة ؛ وهي أنه ما لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لك ، وأسوة لك في حياتك ، فلستَ متّبعا له .
ـ في فقره : دخل عليه الصلاة والسلام بيته ، فقال :
(( هل عندكم من طعام ؟ ـ لا يوجد شيء إطلاقاً ـ قالوا : لا ، قال : فإني صائم )) .
ـ رأى زعيم قبيلة وادياً من الغنم لرسول الله فقال :
(( لمن هذا الوادي ؟ قال : هو لك قال : أتهزأ بي ؟ قال : لا والله هو لك ، قال : أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر )) .
[ورد في الأثر ]
هو قدوة لنا في فقره ، وقدوة لنا في غناه ، قدوة لنا في قهره ، في الطائف قهر والآن المسلمون يقهرون في العالم ، قال :
(( يا رب ، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي ، ولك العتبى حتى ترضى ، لكن عافيتك أوسع لي )) .
ـ سمح له أن ينتقم منهم ، جاءه ملك الجبال ، قال : يا محمد ، أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك ، لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين ، قال : لا يا أخي ، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون .
ـ امتحن بالفقر فنجح ، امتحن بالغنى فنجح ، امتحن بالقهر فنجح ، امتحن بالنصر دخل مكة فاتحاً ، عشرة آلاف رجل يأتمرن بكلمة من شفته ، فكان بإمكانه هؤلاء صناديد قريش الذين ناصبوه العداء عشرين عاماً ، وقتلوا أصحابه ، وحاربوه مرات ثلاثا ، كان بإمكانه وهو القوي المنتصر أن يبيح المدينة لجيشه ، أو أن يلغي وجودهم ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء )) .
[ السيرة النبوية ]
نجح بالنصر ، ودخل مكة فاتحاً ، وكادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله عز وجل .
ـ الآن مات ابنه إبراهيم دمعت عيناه ، قالوا : أتبكي ؟ قال :
(( إن العين لتدمع وإن القلب ليخزن ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون )) .
[متفق عليه ]
ـ امتحن نجح بامتحان موت الولد ، طُلقت بنتاه ، فامتحن فنجح بالامتحان ، فقد اتهمه المنافقون بأن زوجته زانية ، في حديث الإفك ، فصبر ، حتى برأها الوحي من فوق سبع سماوات ، لما برأها الوحي كان عنده الصديق فقال لابنته : قومي فاشكري رسول الله السيدة عائشة قالت : والله لا أقوم إلا لله ، فتبسم عليه الصلاة والسلام ، وقال : عرفت الحق لأهله .
ـ أمسكه مرة أعرابي فظ غليظ من ثوبه حتى أثر في عنقه الشريف ، قال : يا محمد هذا المال ليس مالك ولا مال أبيك أعطني منه ، فقال : صدق إنه مال الله :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ .
ـ تسأله السيدة عائشة : كيف حبك لي ؟ الآن معظم الأزواج الجهلاء ، يقول لك قصيرة ، لا يبقي عيب إلا ويعيرها به ، فتنهدم العلاقة بينهما ، تسأله السيدة عائشة : كيف حبك لي ؟ يقول لها : كعقدة الحبل ، تسأله من حين لآخر : كيف العقدة ؟ يقول : على حالها متينة .
ـ حدثته مرة السيدة عائشة عن قصة لزوجين مثاليين ، أبو زرع وأم زرع ، كان أبو زرع شهماً ، شجاعاً ، كريماً ...إلخ ، لكنها في نهاية قالت له متأسفة : غير أنه طلقها ، فقال عليه الصلاة والسلام :
(( كنتُ لك لأبي زرع لأم زرع ، غير أني لا أطلقك )) .
[ أصله في البخاري بغير قوله : غير أني لا أطلقك ]
طمئنها .
ما لم تكن سيرة النبي في مخيلتنا ، ما لم تكن هذه الشخصية الفذة ، شخصية النبي بأخلاقه ، بشمائله ، بتواضعه ، برحمته ، بإنصافه ، بعدله ، أمامنا نبراساً لنا ففي الإيمان ضعف وخلل .
ـ أيها الإخوة الكرام ، كان إذا صلى صلاة الفجر كان يقرأ آيات كثيرة ، لكن مرة سمع غلاماً يبكي ، فاختصر الصلاة ، وسلم سريعاً ، وتعجب أصحابه فقال : سمعت بكاء صغير ينادي أمه ببكائه ، فرحمتها .
(( ليس منا من لم يجل كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده والحاكم ، عن عبادة بن الصامت ] .
هكذا قال عليه الصلاة والسلام ، فيا أيها الإخوة ، ليس القصد أن نستمع لهذه الأخبار عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، القصد أن تترجم هذه السيرة إلى واقع نعيشه .
1 – معرفة سيرة النبي فرض عين :
لذلك النقطة الدقيقة جداً أن معرفة سيرة النبي ـ دققوا ـ فرض عين على كل مسلم ، السبب أن هناك قاعدة أصولية تقول : ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض ، الصلاة تتم من دون وضوء ؟ الصلاة فرض والذي لا يتم إلا به فهو فرض أيضاً ، الوضوء فرض تمام ؟ .
إذا قال الله لعباده المؤمنين :
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ .
بصراحة كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حسنة ؟ إن لم نعرف سيرته ، كيف تعالج ضغطك المترفع وهو القاتل الصامت إن لم تعرف أنك مصاب بالضغط ؟ تماما معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ، لأن الله يقول :
ولا يمكن أن يكون النبي أسوة لنا إلا إذا عرفنا ماذا فعل كيف أكل ، كيف نام ، كيف عامل زوجته ، كيف عامل إخوانه ، كيف عامل أولاده .
لذلك أيها الإخوة ، معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم ، كما أن معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم ، الدليل هي قوله تعالى : ﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ .
كيف نأخذ ما آتانا إن لم نعرف ما آتانا ؟ وكيف ننتهي عمن عنه نهانا إن لم نعرف ما الذي عنه نهانا ؟ فما لا يتم الواجب به فهو واجب ، وما لا يتم الفرض به فهو فرض ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة .
2 – حضور دروس السيرة ضروري :
إذاً : حضور درس فقه السيرة النبوية للمؤمن ضروري جداً كي يعرف كيف كانت أخلاق النبي في بيته .
أحيانا يخطب إنسان فيتحدث عن شخص له مكانه ، له منصب ، بجفاء ، بقسوة باسمه فقط ، ويظن أن هذا إيمان ، لا ، النبي أرسل رسالة إلى قيصر ملك الروم ، فقال :
(( من محمد ابن عبد الله إلى عظيم الروم )) .
[ أحمد]
هو قيصر ليس عظيماً عند النبي ، لكن هذا لقب ، فأنت حينما تكون قريباً تتبع سيرة النبي عليه الصلاة والسلام .
ـ أنا أريد أن أقول : يمكن أن تتعلم من السيرة كل شيء ، آداب الطعام والشراب ، ما رؤي ماداً رجليه قط ، هو سيد الخلق وحبيب الحق ، ما رؤي ماداً رجليه قط ، طبعاً أحيانا يكون الإنسان معذورا ، هذا وضع آخر ، أما من دون عذر فما رؤي كذلك .
ـ ما ذم طعاماً قط ، فإذا قدّم لك شخص دعوة لطعام ، وقد تعب في تحضيره ، فلا تقل له : الطعام ليس طيبا ، إنها منتهى الغلظة ، ومنتهى الفظاظة ، ما عاب النبي طعاماً قط أبداً .
ـ ما عامله أحد أصحابه إلا ظن أنه أقرب الناس إليه ، هذه بطوله هذه ، أبو بكر مني كالسمع والبصر ، وما ضر عثمان ما فعله بعد اليوم ، وخالد سيف الله ، وأبو عبيدة أمير هذه الأمة ، والزبير ابن العوام حواري هذه الأمة ، ما من صحابي إلا وخصه بوصف ، لذلك ما عامله أحد من أصابه إلا ظن أقرب الناس إليه .
(( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّ )) .
[ أخرجه مسلم عن علي ] .
هذا خالي فأروني خال مثل خالي .
هذا من سيرته ، مع زوجات الطاهرات كان زوجا ناجحا جداً ، وكان يعدل بينهن ، وكان صادقا ، كانت حينما تقول له السيدة عائشة وقد ضجرت من كثرة ثنائه على خديجة وقد توفاها الله ، قالت له : ألم يبدلك الله خيراً منها ؟ قال : لا والله ، صادق ، لا والله ، لا والله .
يا أيها الإخوة ، الذي أريده أن نترجم مواقف النبي في خصوصياته في بيته ، في بيعه ، في شراءه ، مع إخوانه ، مع أصحابه ، في الحرب والسلم إلى واقع نعيشه .
لذلك أختم هذا الدرس بهاتين الآيتين ، وهاتان الآيتان تفسران لنا ، لماذا يعذب المسلمون اليوم قال تعالى :
( سورة الأنفال الآية : 33 ) .
هذه الآية واضحة جداً في حياة النبي ، لكن ما معنى الآية بعد موت النبي ؟ يعني يا محمد ما دامت سنتك قائمة بعد موتك في حياتهم ، وفي بيوتهم ، وفي أعمالهم وفي مساجدهم ، وفي بيعهم ، وفي شرائهم ، وفي كسب أموالهم ، وفي إنفاق أمولهم ، وفي احتفالاتهم ، في مسراتهم ، وفي أحزانهم ، فهم في بحبوحة من عذاب الله .
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ .
( سورة الأنفال ) .
إذاً : نحن حينما نقصر في تطبيق السنة ، ونستغفر فنحن في بحبوحة ، وحينما نطبق السنة فنحن في بحبوحة ، وطريق خلاص المسلمين الآن أن يعتمدوا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ويطبقوها في حياتهم فلعل الله يرحمهم .
والحمد لله رب العالمين