قبل ان تقرأ الموضوع اخى واختى اقسم بالله ان ترد عليه اليكم الموضوع
الموت ليس انقضاء الحياة فحسب, وإنما هو منظومة بيولوجية معقدة حكمها هو حكم كل النظم البيولوجية, فالموت مخلوق وليس انعدام شئ موجود ــ أي الحياة. ويبدأ موت الانسان بتوقف الدورة الدموية وارتفاع الحامضية في أنسجة جسمه, وما أن تصل هذه الحامضية إلي درجة معينة حتي تتكون أجسام داخل الخلية تسمي الليسوزومز وتحتوي علي إنزيمات تحلل بروتينات الخلية, وهذه الأجسام محاطة بغشاء يمنع خروج الأنزيمات إلا إذا زادت الحامضية إلي الحد الحرج الذي يصبح معه الغشاء غير ثابت, حيث تخرج الإنزيمات وتبدأ في تحليل الخلية, وهذا نظام حيوي دقيق مصمم إلهيا لتحويل الجسد البشري إلي العناصر الأولية المكونة له بعد خروج الروح, ومن هنا يتضح أن القول بالموت الاكلينيكي هو تبسيط ساذج للموت. وتختلف الأعضاء في درجة تحملها لانقطاع الدورة الدموية وارتفاع الحامضية, فالمخ مثلا أكثرها حساسية يتلوه الأعضاء الحيوية الأخري كالقلب والرئتين والكلي والكبد, وهذه أعضاء يستحيل الحياة دونها. ولكن هناك أعضاء أخري تظل حية لساعات طويلة قد تصل إلي6 ساعات تقريبا, كما في حالة قرنية العين وأقل قليلا كما في الجلد والعظام, وهذه أعضاء ليست حيوية لبقاء الحياة, ويمكن نزعها من الميت بعد موته اليقيني الذي لايختلف فيه اثنان, وقد يكون في ذلك إشارة إلي اباحة نقل الأعضاء التي تحسن الحياة كالأعمي الذي يبصر والمحروق الذي تعالج والمحتاج الي ترقيع عظام, وهذا بالطبع يختلف عن نقل أعضاء تمنع الموت لفشل عضو حيوي مثل القلب أوالكبد أو الكلي.. ومن هنا يتضح أنه يجب التفرقة بين نقل الأعضاء مثل القرنية والجلد والعظام بعد الموت اليقيني بساعات, وبين نقل أعضاء حيوية من مريض لم يمت بعد به دورة دموية من قلب ينبض وضغط دم وكلي تفرز وكبد تعمل. إن تعريف الموت يجب أن يكون مجردا, بمعني أن يكون بغرض تعريف الموت دون أي هوي أو غرض أو هدف معين, أما إحداث تعريف بغرض التمكن من انتزاع أعضاء حيوية مازالت حية, فهو تعريف معيب فلسفيا لانه تعريف له هوي معين وبالتالي لايعد تعريفا. فالموت هو توقف جميع الأعضاء الحيوية عن العمل لفترة تجعل من المستحيل عودتها للعمل ثانية ولايمكن القول بالموت لفشل عضو منها دون الباقي, حتي وإن كان هذا العضو هو المخ أو جذع المخ. والغريب في الأمر أن المريض الذي تفشل كليتاه يسمي مريض فشل كلوي والذي تفشل كبده يسمي مريض فشل كبدي والذي يهبط قلبه يسمي مريضا بهبوط القلب, أما المريض الذي يفشل جذع مخه فيسمي موت جذع المخ, وكان الأحري تسميته فشل جذع المخ, وهكذا نجد أن الأمر مجرد تلاعب بالمسميات بهدف الصاق كلمة الموت بما هو ليس بميت. وقد تصدت الجمعية الطبية الكندية لهذا الأمر منذ عقود فأطلقت علي هذا المريض اسمArtificiallyArrestedDeath أي المريض الموقوفة وفاته اصطناعيا, بمعني أنه إذا توقف الطب والأطباء عن التدخل لمنع الموت فانه يحدث يقينا. هذا ما قيل, ولكنه ليس بيقين. إذ من المسلم به بين الأطباء انه لايجب قبول تشخيص الموت اكلينيكيا أو وفاة جذع المخ في الأطفال وذلك لقدرة الجهاز العصبي فيهم علي الاصلاح بما يجعل من الصعب الجزم بأن الموت الاكلينيكي قد حدث وأن التحسن مستحيل. وأيا كانت الضوابط المحكمة لتقرير أن المخ قد مات وأن الحياة مستحيلة لو توقف التدخل فإن الخطأ وارد ــ وأروي هنا حادثتين احداهما كنت جزءا منها والثانية كان أحد الثقات من اساتذة المسالك البولية جزءا منها, فالأولي حدثت في مستشفي جامعي بإحدي الدول الصناعية السبع الكبري حينما أصيبت فتاة في الثانية والعشرين من عمرها في حادث سيارة ونتج عنه مايسمي بموت جذع المخ, وقرر الوفاة اثنان من عظماء المتخصصين في أمراض الأعصاب بالعالم الغربي ووقعا شهادة الوفاة ووافق الأهل علي التبرع بالكليتين, وقام الأستاذ رئيس القسم بانتزاع الكليتين وكنت أنا المساعد, وما أن أنهي العملية حتي طلب مني غلق الجرح, وفي هذا الوقت أخرج طبيب التخدير الأنبوبة الحنجرية التي تدخل الأكسجين عن طريق جهاز التنفس, وبالتالي فإن المريضة( أو الميتة) تكون غير قادرة علي التنفس ويكون القلب قد توقف عن العمل في ظرف دقائق لانعدام الاكسجين, ولكن ماحدث هو انني لاحظت أن الجرح ينزف بعد20 دقيقة من رفع انبوبة الاكسجين ووضعت يدي علي شريان الفخذ فإذا به ينبض بشكل واضح مما يدل يقينيا علي أن القلب يعمل, ويدل أيضا علي وصول الاكسجين إليه, ولايمكن حدوث ذلك إلا إذا كان هناك تنفس ولو بسيطا, وظل هذا الأمر عشر دقائق أخري عاصرها الجراح المسئول وعاشها في رعب واضح, وأخذ علي عهدا بكتمان الأمر وكتمته لأكثر من ثلاثين عاما. وإن دل هذا علي شئ فإنه يدل قطعا علي أنه مهما كانت كفاءة المسئولين علي تقرير وفاة جذع المخ والضوابط الحاكمة فإن الخطأ وارد.. لقد حدث هذا في دولة من أعظم دول العالم وأرقاها, فما بالك بما يمكن أن يحدث في دولة من دول العالم الثالث ينعدم فيها الانضباط ويستشري فيها الفساد. الحادثة الأخري وقعت أيضا في دولة غربية وكان جزءا منها زميلي الأستاذ الثقة, حيث كان يساعد الجراح في عملية انتزاع الكليتين. وما أن أتم الجراح عمله حتي رفع طبيب التخدير الأنبوبة الحنجرية, وعندما حدث ذلك أخذ المريض شهقة عميقة, مما يدل علي قدرته علي التنفس, وخطأ التشخيص بأن المريض قد مات اكلينيكيا, ولولا حدوث نزيف شديد بعد انتزاع الكليتين من المريض لعاش بعد ذلك. من هنا يتضح مدي خطورة اعتبار موت المخ بموت فالموت الحق هو توقف جميع الأعضاء الحيوية عن العمل لفترة تجعل من المستحيل عودتها للحياة ثانية مع برودة الجسم وتيبس العضلات واتجاه الدم ناحية الجاذبية, وهذا يكون موتا يسمح بنزع القرنية والجلد وبعض العظام إذا وهبها المريض لآخرين أو أقر بها أهله بعد الوفاة, أما نزع الأعضاء الحيوية والقلب ينبض فهو استئصال أعضاء من مريض سيموت غالبا وهو ليس بميت وقت الاستئصال. وهكذا يكون تعريف الموت كما سبق ولايمكن أن يساق تعريف آخر بغرض التمكن من نزع الأعضاء, وأنهي الحديث بسؤال أرجو أن يتصدي له فقهاء القانون الجنائي وشيوخ العدالة: ماهو الوصف القانوني والاتهام الذي يوجه إلي متهم تسبب عمدا في وفاة جذع مخ المجني عليه الذي ظلت باقي أجهزته الحيوية تعمل لفترة من يوم واحد إلي عدة سنوات من خلال الأجهزة الطبية الحديثة.. هل يعاقب بتهمة الشروع في القتل أو الضرب المفضي إلي عاهة أم يعاقب بتهمة القتل أو الضرب المفضي إلي موت حسبما يتوافر القصد الجنائي الخاص؟ وهل يمكن معه ترتيب الآثار الشرعية من توريث وعدة زوجة..إلخ؟ { تلقيت هذه الرسالة المهمة من الدكتور حسام الدين مصطفي الرئيس الأسبق لجمعية جراحي المسالك البولية بأونتاريو في كندا, وزميل كلية الجراحين الملكية بلندن.. ونحن نفتح بها باب المناقشة حول هذه القضية الخطيرة, فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها الجسد, ومن هنا يجب أن يكون الإقرار بالموت مبنيا علي يقين لايقبل الشك أو الجدل.. والله هو المحيي وهو المميت وهو علي كل شئ قدير.