الحمد لله المنعم المتفضل ملء السموات والأرض وملء ما شاء من شيء بعد، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: فهذه رسالة مهمة إلى كل من نزلت بساحتهم بلية الاستمناء فحولوا صحتهم إلى بلاء وسعادتهم إلى شقاء وراحتهم إلى عناء. إلى كل من اعتاد هذه الحوبة حتى أصبح يقترفها ليلا ونهارا مرارا وتكرارا ولا يعبأ بالله الذي يراه ويعلم متقلبه ومثواه. وقد درج بعض الناس على تسمية هذه الفعلة بالعادة السرية، فهي سرية عند الناس ولكنها جهرية عند من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، قال تعالى:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ[108]}[النساء]. وقال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[7]}[المجادلة].
تعريف الاستمناء:
الاستمناء أو العادة السرية تعمد إخراج المني ووضعه في غير محله دون وطء في فرج، وذلك بالتفكير أو استعمال يد أو حائل أو جسم غير ذلك.
حكم الاستمناء : الاستمناء حرام بنصوص الكتاب والسنة والإجماع بالإضافة إلى شذوذ هذا الفعل عرفا. وقد يتصور بعض الشباب أن الاستمناء أخف من الزنا واللواط ضررا وأقل معصية ومخالفة!! وهذا اعتقاد باطل وفي غير محله للأسباب التالية: 1ـ أن فاعل الاستمناء يتعمد الفعل مع أنه قد يكون عالما بالحكم. 2ـ أن فاعل الاستمناء معتد، والاعتداء محرم بنصي الكتاب والسنة. 3ـ أن فاعل الاستمناء يهلك نفسه ويلحق الضرر بنفسه، وإهلاك النفس حرام. 4ـ أن فاعل الاستمناء يستمري فعله هذا ويتعود عليه فيفعله دائما، وفي هذا استهانة بالله وحدوده. كل هذه الأسباب تجعل الاستمناء معصية عظيمة تستوجب العقوبة من الله . ومما يزيد الأمر شناعة وفظاعة ما يلي: 1ـ أن المستمني قد يشهد الصلاة مع الجماعة في المسجد بدون غسل ويكتفي بالوضوء فقط، وهذا ذنب عظيم للأسباب التالية: أ ـ فيه دخول للمسجد جنبا وهذا حرام. ب ـ فيه عصيان لله ورسوله بعدم الغسل. ج ـ فيه عصيان لله ورسوله بفعل الاستمناء نفسه. د ـ أن الفاعل يقرأ القرآن والفاتحة وهذا حرام لأنه لا يجوز للجنب أن يقرأ القرآن. ح ـ أن صلاة المستني ـ إن لم يغتسل ـ لا تقبل أصلا وهذا من أعظم الخسران. 2ـ أن بعض الشباب قد يستمني في نهار رمضان وهذا ذنب عظيم للأسباب التالية: أ ـ فيه إفساد للصوم. ب ـ فيه معصية لله ورسوله بفعل الاستمناء. ج ـ فيه انتهاك لحرمة الزمان. د ـ أن البعض قد لا يقضي الأيام التي فسد صومها جراء الاستمناء فيبوء الفاعل بمزيد من الإثم، نسأل العافية. 3ـ أن بعض الشباب قد يستمني أثناء الحج أو العمرة وهذا تماد في الاعتداء وارتكاب لإثم كبير للأسباب التالية: أـ فيه انتهاك لحرمة الزمان والمكان. ب ـ فيه إبطال للنسك الذي تم أثناء الاستمناء. ج ـ أن البعض قد لا يفدي أصلا فيزداد إثما على إثم، نسأل الله العافية. د ـ فيه فعل للاستمناء الذي هو حرام أصلا. أدلة التحريم النقلية والعقلية: أولا: الأدلة النقلية: - من الكتاب:
- قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ[5] إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ[6] فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [7]}[المؤمنون].
يظهر لنا من الآية أن الاستمناء فعلة شاذة فيها اعتداء وقد حرم الله تعالى الاعتداء بقوله:{...إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[190]}[البقرة].
- وقوله تعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ...[33]}[النور]. وفي هذه الآية أمر من الله سبحانه وتعالى بالاستعفاف والصبر لمن لم يتمكن من الزواج حتى يغنيه الله من فضله. - كذلك قوله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ[30]} [النور].
وفي الآية إلزام بحفظ الفرج وتجنب الدواعي المؤدية إلى عدم حفظه والتي منها إطلاق البصر فيما حرم الله عز وجل. فإن قال قائل: لن أستعمل يدي وإنما أفكر تفكيرا عميقا أو أستعمل حائلا أو جسما آخر. فإننا نقول له: هذا إثم أشد حرمة لأمرين: 1ـ فيه تحايل على النصوص وهذا حرام في حد ذاته. 2ـ فيه فعل للاستمناء الذي هو محرم أصلًا. - قول جمهور العلماء:
- سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى عن حكم الاستمناء فأجاب بقوله:أما الاستمناء باليد فهو حرام عند جمهور العلماء وهو أصح القولين. - كما سئل رحمه الله في المجموع عن رجل جلد ذكره حتى أمنى فأجاب: وأما جلد الذكر باليد حتى ينزل فهو حرام عند أكثر الفقهاء مطلقا.[انظر: مجموع الفتاوى، باب التعزير، مسألة عقوبة الاستمناء]. مما سبق تبين حكم الاستمناء وهو التحريم كما تبين لنا أن فاعل الاستمناء قد يجر على نفسه آثاما كثيرة ومخالفات كبيرة من حيث لا يعلم. ثانيا: الأدلة العقلية: إن الاستمناء مخالفة للفطرة وفعلة غير مألوفة فقد ركب الله تبارك وتعالى الجهاز التناسلي في الجسم ليؤدي وظيفة سامية ألا وهي الحفاظ على بقاء النوع الإنساني عن طريق الجماع المشروع.
ولو تأمل العاقل قليلا لوجد أن البهائم نفسها لا تفعل هذه العادة القبيحة فضلا عن أن يمارسها الإنسان. ولو قال قائل: إن الاستمناء وسيلة ينفس بها الشاب عن نفسه نظرا لكثرة الفتن ودواعي الزنا، فهو- أي الاستمناء- أخف الضررين. ولهؤلاء نقول: إن أخف الضررين لا يحل إلا في حالة انعدام الحلول المشروعة انعداما تاما، فكم من قادر على الزواج لجأ إلى الاستمناء، وكم من شاب جلب لنفسه دواعي الفتنة ثم تعلل بها ليمارس هذه العادة السيئة. قس على ذلك شابًا يشرب الدخان بحجة أنه أخف ضررا وحرمة من شرب الخمر مع أن الدخان محرم شرعا ولا يوجد سبب وجيه لتناوله أصلا. ويجب أن يعلم أن الاستمناء وسيلة إلى ما هو أخطر من زنا وغيره، لذلك حرم من قبل العلماء استنادا إلى القاعدة الفقهية التي تقول: إن الوسائل لها أحكام المقاصد. مضار الاستمناء: لقد أثبت الطب الحديث أن الاستمناء له أضرار بالغة بدنيا ونفسيا وعقليا. - الأضرار البدنية: 1ـ خور وهزال في الجسم. 2ـ ضعف الأعضاء التناسلية وعجزها عن أداء وظائفها الأساسية. 3ـ الإصابة بمرض البروستاتا الخطير. 4ـ العقم نتيجة استنزاف ملايين الحيوانات المنوية وذهابها سدى. 5ـ دوالي الخصيتين. 6ـ ضعف النظر واعوجاج في الظهر وانكباب الكتفين. 7ـ آلام في المفاصل. 8ـ اضطراب في وظائف الجهاز الهضمي. 9ـ انتقال الجراثيم من العضو إلى اليد ومن ثم إلى الفم عند الشروع في تناول الطعام. - الأضرار النفسية والعقلية: 1ـ توتر وقلق دائمين. 2ـ الخجل المفرط وتأنيب الضمير المستمر. 3ـ تبلد في الإحساس. 4ـ الزهد في الزواج. 5ـ الخواء الروحي والكسل وكثرة النسيان. 6ـ التردد في التفكير واسترسال للعقل في أوهام وتخيلات فارغة. أسباب الاستمناء: إن السبب الذي يضطر كثيرا من الشباب إلى الاستمناء واحد لا ثاني له وهو: ضعف الإيمان، فمتى انطفأت جذوة الإيمان في القلب هان على النفس اقتراف المعاصي. لهذا كان لزاما أن نفند أهم العوامل المسببة لضعف الإيمان وهي: 1ـ البعد عن تعاليم الدين: ومن ذلك التفريط في الصلوات الخمس التي من شأنها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ...[59]} [مريم]. فسر أهل العلم ترك الصلوات بتأخيرها عن وقتها فما بالك بمن يتركها بالكلية؟ أليس يصبح صيدا سهلا لوحش الشهوة الكاسر؟! كذلك الغفلة المسببة لقسوة القلب، واللهاث خلف حطام الدنيا، وقلة ذكر الله عز وجل، وهجر القرآن، واستقال طلب العلم. 2ـ اتباع خطوات الشيطان: قال تعالى:{...وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [168]} [البقرة], إن الشيطان له خطوات ماكرة في الوسوسة، فأول ما يقذف في القلب خطرة فإن لم تدافعها صار فكرة فإن لم تدافعها صارت عزيمة فإن لم تقهرها استحالت فعلا. ومن خطواته تزيين الحرام كالنظر إلى النساء في الأسواق ومشاهدة الأفلام الجنسية العاهرة ومطالعة المجلات والصحف الماجنة ومتابعة المواقع الفاضحة على شبكة الإنترنت والجلوس أمام شاشات الفضائيات. 3ـ مصاحبة رفقاء السوء: إن قرناء السوء ما هم إلا شياطين الإنس يزينون الباطل والمعصية لمن لازمهم وصاحبهم، فتجدهم يتبادلون الصور والأفلام الجنسية وأشرطة الأغاني التي تحوي الكلمات الساقطة والأشعار الهابطة، وبذلك يتعاونون على الإثم والعدوان. ولو علموا ما يترتب على عملهم هذا من الإثم العظيم ما صاحب بعضهم بعضا طرفة عين. 4ـ الانقياد لهوى النفس: إن النفس أمارة بالسوء كما أنها مجبولة على الشهوة وتحصيل أسباب اللذة، فإن لم يتيسر لها السبيل إلى ما تريد استحدثت وسيلة أخرى تشبع بها غريزتها الشهوانية وما الاستمناء إلا وسيلة من تلك الوسائل. العلاج: إن الدواء لا يمكن أن يكون مؤثرا ما لم يقتنع المتعاطي بجدواه ويصبر على مرارته لكي يعود بعد ذلك معافى سليما بإذن الله تعالى. والعلاج هنا علاج شرعي وآخر سببي.
أما العلاج الشرعي وهو الأهم فهو: 1ـ التوبة الصادقة إلى الله عز وجل الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات. تب إلى الله من جميع الذنوب ولا تسوف فكم من مدفون تحت الثرى يتمنى أن يعود للدنيا ليتوب من ذنوبه ولكن هيهات. 2ـ طلب العون من الله عز وجل ودعاؤه والفرار إليه كلما راودتك نفسك فإن الله سيعينك ويصرف عنك أسباب الارتكاس، قال تعالى:{...ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ...[60]}[غافر]. وقال سبحانه :{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ...[62]} [النمل]. أليس الاستمناء من السوء الذي تريد أن يكشفه الله تبارك وتعالى عنك؟
3ـ غض البصر عن محارم الله فقد أخبر المصطفى عليه الصلاة والسلام أن العينين تزنيان وزناهما النظر فيما حرم الله، كما أن النظر سهم مسموم من سهام إبليس يثير الشهوة الخامدة فيجعل منها بركانا ولا بد للبركان من متنفس فإن لم يجد متنفسا مباحا ثار بقوة فيما حرم الله، ولا يسلم من ذلك إلا من عصمه الله. 4ـ بادر إلى الوضوء كلما راودتك نفسك وصل ركعتين تقبل فيهما على الله تعالى بقلبك وعقلك، وذلك أن الوضوء يكسر حدة الشهوة، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. 5ـ الإكثار من الصيام الذي هو من أنفع الوسائل، ذلك أن الصوم يخمد نار الشهوة التي تتخذ من الطعام وقودا لها. قال عليه الصلاة والسلام:[يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ] رواه البخاري ومسلم أي وقاية. 6ـ استحضر عظمة الله الذي يراك كلما مارست هذه العادة القذرة وتذكر يوم الحساب عندما تقف بين يدي الله جل وعلا فيذكرك بما كنت تعمل في الدنيا. 7ـ بادر إلى الزواج فإنه أنجع وأفضل وسيلة لنيل الراحة النفسية وهدوء البال وقطع الطريق أمام الأوهام والتخيلات الباطلة التي تجر النفس إلى الوقوع في الحرام. 8 ـ ابتعد قدر الإمكان عن مواطن الفتن كالأسواق. كذلك تجنب رفاق السوء الذين لن تجني منهم سوى تضييع الوقت في أمور تافهة واكتساب ذنوب تندم على فعلها يوم القيامة. 9ـ الصبر والمجاهدة في سبيل الله فإن الله تبارك وتعالى سيكون معك وسوف يثيبك على صبرك وجهادك لنفسك، قال تعالى:{...إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [153]}[البقرة], وقال جل شأنه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[69]} [العنكبوت].
العلاج السببي: 1ـ اصرف وقتك الذي هو حياتك وعمرك فيما ينفعك- لا سيما وقت الفراغ- وذلك في نشاطات مفيدة كممارسة الرياضة ومنها السباحة وتعلم الرماية وركوب الخيل، كذلك من الأشياء المفيدة قراءة الكتب النافعة ثقافيا ودينيا والمشاركة في المراكز الصيفية الهادفة. 2ـ أكثر من زيارة الرحم ففي ذلك أجر عظيم وتسلية للنفس وإشغال لها عما حرم الله وتبادل لأطراف الحديث المباح مع الأقارب والأحباب. 3ـ اضرب في الأرض لتحصيل أسباب الرزق، ومن ذلك العمل في تجارة مباحة أو الالتحاق بأحد المعاهد لنيل مؤهلات تساعدك في الحصول على وظيفة مناسبة تكسب من ورائها مالا تنفق منه على نفسك وتستعين به على أمور حياتك. 4ـ زيارة الأماكن المقدسة، والحرص على اصطحاب الصالحين في رحلاتك وجولاتك. فإن لم تفعل فاعلم أن الوحدة خير من رفيق السوء. أخي الشاب: إنك متى ما صدقت النية وعزمت بإخلاص على ترك هذه العادة فإن الله تعالى سيعينك وينصرك على نفسك ويجعل لك سلطانا على هواك والشيطان فلا يستطيعان إليك سبيلا، فقط اعتصم بحبل الله ولا تستكن لوساوس الشيطان فإنه سيحاول استغلال إدمانك على هذه العادة ليثير شهوتك ويلهب غريزتك كي يوقعك في شراك المعصية من جديد .