مقاطعة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل قريش

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : محمد راتب النابلسى | المصدر : www.quran-radio.com

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات   القربات .

أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، وقد بينت لكم في درس سابق أننا من حيث توالي الأحداث وصلنا إلى قرب المدينة المنورة ، ولكن وجدت أن هناك موضوعات كبرى في السيرة مررنا عليها مرور الكرام تتصل بواقعنا أشد الاتصال  ، لذلك سأقف عندها وقفات متأنية كي نستنبط من السيرة العظات والعبر .

 

المقاطعة أسلوب من أساليب أهل البغي والعدوان :

 

 

اليوم الموضوع حول المقاطعة التي قاطع بها كفار قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنوات ثلاثًا ، حتى اضطروهم إلى أن يأكلوا أوراق الشجر ، ليست المقاطعة إذاً شيئاً جديداً ، إنها أسلوب من أساليب أهل البغي والعدوان ، لأن ملة الكفر واحدة ، المؤمن هو المؤمن في كل زمان ومكان ، والكافر هو الكافر في كل زمان ومكان .

 

الظروف التي سبقت المقاطعة :

 

 

أيها الإخوة ، لا بد من إعطاء صورة مسبقة عن الظروف التي سبقت المقاطعة :

قريش أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من وجهائها ليعرضوا عليه كما تعلمون أجمل امرأة ليتزوجها ، أو أن يكون زعيماً لهم ، لا يقطعون أمراً دونه ، أو ليكون أغناهم مالاً  وقال قولته الشهيرة ، قال هذا لعمه :

(( لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه )) .

ومن الذي قاله لهم :

(( ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ، ولا الشرف فيكم ، ولا الملك عليكم    ـ هذا رده ـ ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل علي كتابه ، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوا عليّ أصبروا لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم  )) .

[ السيرة النبوية ]

 

استنباطات من هذه المواقف :

 

 

خيار الإنسان مع الإيمان خيار وقت :

إخوتنا الكرام ، أخطر استنباط من هذا الموقف المشرف للنبي عليه الصلاة والسلام أنك أيها الإنسان مخير مع ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض ، لكنك مع الإيمان مخير خيار وقت فقط ، فإما أن تؤمن في الوقت المناسب ، وتنتفع بإيمانك ، وإما أن تؤمن بعد فوات الأوان ولا ينفعك هذا الإيمان شيئاً ، كإيمان فرعون حينما أدركه الغرق قال :

( سورة يونس الآية : 90 ) .

فكان رد الله عليه :

( سورة يونس الآية : 90 ) .

لذلك قال الله عزوجل :

( سورة الأنعام الآية : 158 ) .

أقول لكم أيها الإخوة ، ما من إنسان على وجه الأرض في القارات الخمس من أيّ ملة ، ونِحلة ، ودين أرضي ، أو سماوي ، من أية طائفة ، من أي مذهب ، عند الموت تنكشف له الحقيقة التي جاء بها الأنبياء .

( سورة ق الآية : 22 ) .

الإيمان عند الموت لا يقدم ولا يؤخر ، ولا ينفع ، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال :

((فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوا عليّ أصبروا لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم )) .

الدنيا كلها لا ترد المؤمن عن إيمانه :

عرضوا عليه أن يسأل ربه كي يسير عنهم الجبال ، هذه الجبال السوداء   عرضوا عليه أن يسأل الله أن يسيرها عنهم لتغدو أرضهم منبسطة ، وسألوه أيضاً أن يفجر لهم الأنهار ، وأن يحي لهم الموتى فإن فعل هذا يصدقونه .

 

( سورة الإسراء ) .

( سورة الكهف الآية : 110) .

( سورة هود الآية : 31 ) .

(( فَإِنّي لاَ أَملِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّا وَلاَ نَفْعاً )) .

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ] . 

( سورة الأعراف الآية : 188 ) .

ضعف النبي سبيل إلى إيمان طوعي :

 

ما الحكمة أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ضعيفاً ؟ يمر على أصحابه وهو عمار بن ياسر وهو يعذب ولا يملك أن ينجيه ، يقول : صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة ، لو أن النبي كان قوياً كأقوياء الأرض ، وأعطى إشارة أن يؤمنوا به لآمن به الملايين المملينة ، لا حباً بالله ، ولا رغبة في عبادته ، بل آمنوا به خوفاً منه ، الله عليه الصلاة والسلام يريد الإيمان الذي يأتي طواعية ، يأتي مبادرة  يأتي من عند الإنسان ، من دون قهر ، من دون ضغط ، من دون إكراه ، لذلك يقول الله عزوجل :

( سورة البقرة الآية : 256 ) .

 

من أساليب الكفار : أسلوب التحدي :

أو عرضوا عليه أن يسأل ربه أن يبعث له ملكاً يصدقه ، وأن يجعل له جنات وكنوزاً ، وقصوراً من ذهب وفضة ، فكان جوابه :

﴿ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ .

ثم عرضوا عليه ، وقد تحدوه أن يسقط السماء عليهم كسفاً ، كما يقول ويتوعد     فقال : ذلك إلى الله إن شاء فعل ، فقالوا أما علم ربك أنا سنجلس معك ؟ ونسألك ؟ ونطلب منك ؟ حتى يعلمك ما تراجعنا به ؟ وما هو صانع بنا ؟ فليفعل ربنا بنا ما يشاء ، ثم هددوه أشد أنواع التهديد ، وقالوا : والله لا نتركك ، وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا ، فقام عليه الصلاة والسلام وانصرف من عندهم ، أغروه أن يكون ملكاً عليهم ، أغروه أن يزوجوه أجمل فتاة في قريش ، أغروه أن يكون أغناهم ، فكان عليه الصلاة والسلام رجل مبدأ .

من أساليب الكفار : التهديد بالقتل :

بل إن أبا جهل عزم على قتل النبي عليه الصلاة والسلام كل هذه المساومات لم تجدِ ، لأن النبي صاحب مبدأ ، والكلمة المشهورة :

(( والله يا عم : لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله ، أو أهلك دونه )) .

الحلول الوسط ليست حلولاً :

ثم عرضوا عليه مساومة أخرى ، يعني يا محمد اعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد .

دائماً الحلول الوسط ليست حلولاً ، ولكنها تجميد المشكلة ، نعبد ربك وتعبد آلهتنا فجاء الرد القاطع :

( سورة الكافرون ) .

الحق لا يقبل المساومة ، لكن المؤمن مسموح له أن يتعايش مع الطرف الآخر .

( سورة التوبة الآية : 7 ) .

 

(سورة الممتحنة الآية :8 ) .

التعايش مع الطرف الآخر أمرٌ مطلوب :

إذاً التعايش مطلوب ، مسموح أن تزورهم ، أن تهنئ جارك غير المسلم بمولود جاءه ، أن تقدم له هدية ، أن تعاونه ، كل هذا مسموح لك ، أما أن تتخلى عن عقيدتك إرضاء له هذا غير مسموح ، فالتوافق لا يكون ، لكن التعايش يكون ، لذلك الآن مع تنوع المذاهب  والطوائف ، والأديان ، والاتجاهات ، والملل ، والنحل ، يمكن التعايش ، كل إنسان له مع ربه علاقة هو حر في أن يقيمها في أعلى مستوى ، وينبغي أن يكون منهج الله عزوجل مطبقاً في الأرض ، ومنهج الله يتسع لغير المسلمين ، يتسع ، بل إن صدر المؤمن واسع جداً للطرف الآخر ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام فيما أُنزل عليه من القرآن الكريم في قوله تعالى :

دققوا الآن :

 

( سورة الروم ) .

من الذين انتصروا ؟ أهل الكتاب ، هناك قواسم مشتركة بيننا وبينهم ، بل إن الصحابة الكرام أثبت الله لهم أنهم فرحوا بانتصار الروم على الفرس ، بانتصار من يعبد الله بطريقة أو أخرى ، على من يعبد النار .

إذاً هناك في الإسلام ما يسمى النسبيةَ ، والدليل :

( سورة آل عمران الآية : 167 ) .

هذا موقف موضوعي ، وحكم نسبي .

من أساليب الكفار : اقتراحُ تبديلِ القرآن :

ثم عرضوا عليه أن يبدل هذا القرآن الكريم ، والآن يُعرض علينا أن نبدله ، احذفوا لنا آيات أهل الكتاب ، وآيات الجهاد ، وآيات اليهود ، وما من اتفاقية بين أعدائنا وبين دولة مسلمة إلا وهذه البنود الأولى لا بد من أن يبدل قرآننا ، على الأقل هذه الآيات لا يمكن أن تدخل في المناهج ، ولا في قراءة القرآن في الإذاعة عرضوا عليه أن يبدل قرآنه ، فكان رد الله عليهم :

( سورة يونس ) .

وفي آية ثانية ، ويا أيها الإخوة صدقوا أن الطرف الآخر من أول تاريخ البشر إلى نهاية الدوران ، هذا همه :

( سورة الإسراء ) .

لمجرد أن تتوافق معهم ، وأن تلغي بعض الأحكام ، وأن تعلن أن الزنا ليس جريمة كما ضغط على بعض البلاد الإسلامية ، وأن تعلن أن الربا ليس حراماً ، وأن تعلن أن الاختلاط موقف حضاري :

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ﴾ .

    هم لا يعترضون لا على صلاتك ولا على صيامك ، بل يشجعونك عليها ، هذا عندهم فلكلور ، لكنهم يعترضون على منهجك الاقتصادي ، وعلى منهجك الاجتماعي ، وعلى حجاب المرأة ، وعلى محاسبة السارق أشد الحساب ، هم يعلقون الآمال على تبديل .

﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ .

    هناك تطبيع علاقات ، إذا بدلت هذا الذي أوحي إليك ، بدلته وافتريت علينا غيره .

 

سقوط خطط الكفار في الهاوية :

 

 

الآن أيها الإخوة ، ولكن تأكدوا أن هذه الخطة لن تنجح ، هناك كتاب مقدس أعد لنا اسمه الفرقان ، مؤلف من 12 جزءاً ، وقد طُبع منه جزءان ، وقد وزع منه في البلاد العربية على المتفوقين ، من بعض آيات هذا الفرقان :

يا محمد أأنت أضللت عبادي ؟ قال : يا رب ، ضللت فأضللتهم .

هذه بعض آياته ، وصدقوا أيها الإخوة أن كل الذين قلدوا القرآن الكريم تقليدهم هذا لا يستأهل إلا ابتسامة ساخرة :

والطاحنون طحناً ، والعاجنون عجناً .

في بعض مواقع المعلومات فقرات من كتاب يسمونه فرقاناً ،  قرأتهُ قرأته للتسلية من أجل أن تضحك ، سبحانك يا رب هذا القرآن الكريم مركز في أعماقنا ، وأية كلمة أخرى لا تثير فينا إلا الضحك :

] وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ .

( سورة الإسراء ) .

هذه محاولات أهل الكفر ، من بداية البشرية وحتى نهاية البشرية .

﴿ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ ﴾ إسلام حيض ونفاس لا مشكلة ! حيض ، ونفاس ، ووضوء ، واستنجى ،  واستبرأ ، ليس هناك مشكلة أبداً ، أما إسلام عدم اختلاط ، إسلام حجاب ، إسلام كسب مال حلال من دون ربا ، هذا يقلقهم .

قال بعض شياطينهم نصحهم قائلاً : يا معشر قريش ، والله لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ـ يعني لا في حل فيه ـ قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر ، لا والله ما هو بساحر ، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن ، لا والله ما هو بكاهن ، قد رأينا الكهنة وتخالجهم ، وسمعنا سجعهم ، وقلتم : شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، لقد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها ، هزجه ورجزه ، وقلتم : مجنون ، لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بسوسته ولا تخليطه ، يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم ، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .

 

سبب نزول آيات قصة أهل الكهف :

 

 

الحقيقة أيها الإخوة ، الحق قوي ، ولو كان أهله ضعافاً ، الحق قوي ، والباطل ضعيف ولو كان أهله أقوياء ، لما رأوا صموده صلى الله عليه وسلم في وجه كل التحديات ، ورفضه كل المغريات ، وصلابته في كل مرحلة مع ما كان يتمتع به من الصدق ، والعفاف ، ومكارم الأخلاق ، قويت شبهتهم في كونه رسولاً حقاً ، فقرروا أن يتصلوا باليهود ، حتى يتأكدوا من أمره صلى الله عليه وسلم ، فلما نصحهم هذا الذي تكلم هذا الكلام بما سبق ، كلفوه مع آخرين ليذهبوا إلى اليهود  في المدينة ، فأتاهم فقال أحبارهم : سلوه عن ثلاث ، فإن أخبر فإنه نبي مرسل ، اليهود ، لأن اليهود :

( سورة البقرة الآية : 146 ) .

فإن أجاب عن هذه الأسئلة فإنه نبي مرسل ، وإلا فهو متقول ، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر ، الأول ما كان من أمرهم ؟ فإن لهم حديثاً عجبا ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ، ما كان نبأه ؟ وسلوه عن الروح ما هي ؟ فلما قدم مكة قال جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد ، وأخبرهم بما قال به اليهود ، فسألت قريش رسول الله عليه الصلاة والسلام عن الأمور الثلاثة ، فنزلت بعد أيام سورة الكهف ، عن الفتية :

( سورة الكهف ) .

ونزل الجواب عن الروح :

( سورة الإسراء ) .

وأجابهم عن ذي القرنين الذي آتاه الله :

( سورة الكهف ) .

تحدوه ، ساوموه ، فاوضوه ، تنازلوا معه قليلاً ، إنه رجل مبدأ ، لذلك بعد كل هذه المحاولات اليائسة قرروا مقاطعته ، وقبل أن يقاطعوه عرضوا على أبي طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه ، وإلا قاطعوا بني هاشم ، آخر تحدي عرضوا على أبي طالب أن يسلمه لهم ليقتلوه ، ثم إن أبى أخذت قريش هذا القرار في مقاطعة محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه ، ومن يلوذ به يعني بني هاشم .

المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية :

 

 

 

الآن بدأ الدرس " المقاطعة " .

ملة الكفر واحدة ، الكافر هو الكافر ، المؤمن هو المؤمن ، اجتمعوا في خيف بني كنانة ، في مكان في وادي المحصب ، فتحالفوا على بني هاشم وبني المطلب ألا يناكحوهم  ولا يبايعوهم ، ولا يجالسوهم ، ولا يخالطوهم ، ولا يدخلوا بيوتهم ، ولا يكلموهم .

والله أشد أنواع المقاطعة التي تمت على الشعب العراقي ليست كواحد بالألف من مقاطعة قريش لرسول الله .

حتى يسلموا إليهم رسول الله للقتل ، وكتبوا صحيفة فيها عهود ومواثيق ألا يقبلوا من بني هاشم صلحاً أبداً ، وألا تأخذهم به رأفة حتى يسلموا محمداً للقتل .

قال ابن القيم : كتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم ، ويقال كتبها النضر بن الحارث ، والصحيح أن الذي كتبها بغيض ـ اسم على مسمى ـ بن عامر بن هاشم ، فدعا عليه النبي عليه الصلاة والسلام فشلت يده ، وعُلقت الصحيفة في جوف الكعبة .

يعني الآن لا بد من أن تجروا انتخابات ، في فلسطين ، أجريت ، لا بد من أن تكون في إشرافنا ، أوفدوا رئيس جمهورية سابق وأشرف على الانتخابات ، لا بد من أن تعلنوا النتائج ، أعلنوها ، فلما فازت جهة لا يرضون عنها قاطعوها ، والحصار الآن يشبه إلى حد ما الذي حوصر به النبي صلى الله عليه وسلم .

وعُلقت الصحيفة في جوف الكعبة فانحاز بنو هاشم ، وبنو المطلب ، الآن مؤمنهم وكافرهم ، إلا أبا لهب ، وحُبسوا في شعب أبي طالب ، وذلك فيما يقال ليلة هلال المحرم لسنة سبع من البعثة ، وقد قيل غير ذلك ، هذا الحصار استمر أعواماً ثلاثة ، واشتد الحصار   يقول عليه الصلاة والسلام :

(( لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد ، وأخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط    بلال )) .

[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أنس ] .

قبل سنوات في أثناء في الطواف حول الكعبة كان الإنسان الضعيف العاجز يُحمل على نقالة ، كنت أنظر إليه ، إنسان بالثمانين كومة عظام يهز ، أنا والله مع الأسف الشديد أرى المسلمين اليوم كهذا الإنسان ، مستسلمين ، لا يتحرك أحدهم ، ولا يتكلم ، ولا يبذل ، ولا يقدم ، هذا موقف سلبي لا يحتمل .

لذلك هذه المقاطعة تمت ، لكن أصحاب النبي صمدوا ، اشتد الحصار ، قُطعت عنهم الميرا " القمح " حتى أكلوا أوراق الأشجار ، فلم يكن المشركون يتركون طعاماً يدخل مكة ، ولا بيعاً إلا بادروه فاشتروه ، حتى بلغ بهم الجهد مبلغه ، جوع شديد ، والتجئوا إلى أكل أوراق الأشجار ، وإلى أكل الجلود .

أعاذنا الله وإياكم من الجوع ، وعظمة من سنوات عليها أثر لا يزيد على  غرامات من اللحم المقدد ، هذه غنيمة كبيرة للجياع ، حينما يجوع الإنسان ، حبسوا أناساً في بعض البلاد الإسلامية فأكلوا جلد بعضهم بعضاً ، شربوا بولهم ، الإنسان فقير ، فقير إلى كأس ماء .

مرة قالها هارون الرشيد إلى وزيره ، أو وزيره سأله : يا أمير المؤمنين ، بكم تشتري هذا الكأس من الماء إذا منع عنك ؟ قال : بنصف ملكي ، قال : فإذا منع إخراجه ؟ قال : بنصف ملكي الآخر ، نعم لا يعرفها إلا من فقدها ، أيكون هناك كأس ماء تشربه ، أيكون هناك كسرة خبز تأكلها ، أيكون هناك دواء تستعمله ، أيكون هناك مأوى تؤوي إليه ، أيكون هناك طعام تأكله ، لذلك هذه محنة ما بعدها محنة ، ولكن المحنة للمؤمن وراءها منحة من الله ، وأن الشِدة للمؤمن ، وراءها شَدة إلى الله .

حتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع ، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً ، تهريبًا ، وكانوا لا يخرجون من الشعب لشراء الحوائج إلا في الأشهر الحرم ، وكانوا يشترون من العير التي ترد إلى مكة من خارجها ، ولكن أهل مكة كانوا يزيدون عليهم بالسلعة قيمتها حتى لا يستطيعون شراءها .

 

قصص من واقعنا اليومي :

 

 

كل إنسان له موقف ، معهد شرعي مكانه ضيق جداً ، فاشترى أرضًا ، ودفع نصف ثمنها ، مع ارتفاع أسعار الأراضي جاء هذا المعهد تهديد من البائع ، إما أن تدفع الستين مليون في عشرة أيام أو العقد باطل ، ولن تستطيع استرداد النصف الأول ، هذا موقف ، استغل ارتفاع الأراضي ، وضع شرطا تعجيزيا في عشرة أيام ، والفضل لله تأمن المبلغ ، لكن يوم القيامة هذا له موقف .

موقف آخر : رجل فقير جداً يعمل مستخدما في مدرسة ، راتبه أربعة آلاف عنده ، 8 أولاد ، ورث أرضاً من شهر ، الأرض مناسبة جداً لمسجد ، محسن في الميدان كبير عافه الله  أراد أن ينشئ مسجداً في هذا المكان ، كلف أحد إخوتنا الكرام ، الأرض مناسبة جداً ، موقعها مناسب ، مساحتها مناسبة ، شكلها الهندسي مناسب ، السعر مناسب ، فدعا هذا المحسن الكبير كي يطلع على الأرض ، فلما أعجبته وقع سند بـ 2 مليون ليرة ، نصف ثمنها ، فسأل صاحب الأرض هذا المحسن متى بقية الثمن ؟ قال له : عند التنازل قال : ما التنازل ؟! قال : تذهب إلى الأوقاف ، وتتنازل عن هذه الأرض ، لأنها سوف تصبح مسجداً ، وبعدها تأخذ بقية الثمن ، قال له : هذه الأرض سوف تكون مسجداً ؟! وما الذي يمنع ؟ قال له : أنا أبيع أرضاً تكون مسجداً ؟! والله أستحي من الله ، والله أنا أولى بك أن أقدمها لله منك ، ومزق الشك ، وقد الأرض ، والآن أطول مئذنة بعد القدم هذا هو المسجد ، لو وقف هذا الإنسان يوم القيامة بين يدي الله عزوجل فقير ، أربعة آلاف دخله ، و8 أولاد ، محروم ، بيت غرفتين ، متداع ، وجاءه أربعة ملايين ، واستحى من الله أن يبيع أرضاً تغدو مسجداً ، هذا إذا وقف يوم القيامة بين يدي الله ، وقف الثاني معكم عشرة أيام ، إما أن تدفعوا ، وإما العقد باطل ، ولن تستردوا قيمة النصف الأول من الأرض .

( سورة الإسراء الآية: 84 ) .

دُعينا مرة لافتتاح مسجد في يعفور ، الذي أنشأ هذا المسجد استقبلنا جميعاً ، دعا معظم علماء دمشق وألقيت كلمات ، وأكرمنا إكراماً شديداً ، خرجت في هذا المسجد ، فإذا في الضفة الغربية على الطرف الثاني من الطريق ملهى ، سمعت أن فيه كل أنواع الموبقات التي لم تؤلف في هذا البلد ، وأن صاحبه ـ أستخدم هذا التعبير بالذات ـ ( فطس ) بعد سبعة أيام من افتتاحه ، فجاء في خاطري أنه يوم القيامة إذا وقف هذا الذي أنشأ لله مسجداً ، ووقف إلى جانبه هذا الذي أنشأ ملهاً ، فرق كبير ، لذلك قال تعالى :

( سورة السجدة ) .

( سورة القلم ) .

( سورة القصص ) .

( سورة الزمر الآية : 9 ) .

والله أيها الإخوة أن ﴿ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ، أن يستوي المحسن مع المسيء ، والصادق مع الكاذب ، والأمين مع الخائن ، هذا الاستواء لا يتناقض مع عدل الله فحسب ، بل يتناقض مع وجود الله ، اطمئنوا ، وإذا كنت شاباً مؤمناً صادقاً مستقيماً ، والله زوال الكون أهون على الله من أن تعامل مثل ما بعامل الفاسق ، أبداً .

﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ .

﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ .

في الدنيا ؟‍‍

( سورة الجاثية ) .    

﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ ﴾ .

 

الآثار القاسية للمقاطعة الظالمة :

 

 

دققوا : وحتى كان يُسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع وكان لا يصل إليهم شيء إلا سراً ، وكان حكيم بن حزام ربما يحمل قمحاً إلى عمته خديجة رضي الله عنها ، وقد تعرض له مرة أبو جهل ، فتعلق به ليمنعه فتدخل بينهما أبو البخترة ، ومكنه من حمل القمح إلى عمته خديجة ، تسلل ، تهريب ، بصعوبة بالغة جداً ، وكان أبو طالب يخاف على النبي صلى الله عليه وسلم لأن المساومة على القتل ، الآن الأمر بلغ القتل ، فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم يأمر أبو طالب رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يضجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله ، فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوانه ، أو بني عمه ، فاضطجع على فراش رسول الله ، وأمره أن يأتي بعض فرشهم ، إجراءات أمنية مشددة ، لأنه أُريد أن  يقتل .

وكان عليه الصلاة والسلام والمسلمون يخرجون في أيام الموسم فيلقون الناس ، ويدعون إلى الإسلام ، وقد أسلفنا ما كان يأتي به أبو لهب .

هذه المقاطعة ، هذا الإسلام الذي وصل إليكم ، بذل من أجله الغالي والرخيص  والنفس والنفيس حتى وصل إلينا ، لذلك حافظوا عليه .

 

استنباط وعبرة : حافظوا على النعم بدوام شكرها :

 

 

مر عامان أو ثلاثة والأمر على ذلك ، حينما حوصر العراق التضخم النقدي صار 23 ألف ضعف ، أعلى مرتب كان مرتب لواء في الجيش ، أو أستاذ جامعة خمسة آلاف دينار ، وكان الدينار 250 ليرة ، فصار أعلى مرتب في هذا البلد يساوي طبقا من البيض فقط ، الخمسة آلاف دينار ثمن طبق بيض ، هذه المقاطعة ، اسألوا الله السلامة ، موظفون كبار أصبح دخلهم لا يساوي طبق بيض ، فاضطروا أن يعملوا سائقي تكسي  ، وبائعي دخان في الطريق .

( سورة النمل الآية : 34 ) .

اسألوا الله أن يحفظ علينا نعمة الأمن في هذه البلاد ، أن يحفظ علينا نعمة المأوى ، أن يحفظ علينا نعمة الطعام والشراب .

(( يا عائشة أحسني جوار نعم الله ، فإنها قلما نفرت عن أهل فكادت أن ترجع إليهم )) .

[  أخرجه ابن ماجه والحاكم عن عائشة] .

والله في هذا المسجد جاءني رجل قال لي : الذي حصل في العراق لا يصدق ، قلت : كيف ؟ قال لي : قبل أن يأتي العدو الأجنبي تغلق محلك التجاري صباحاً تجده مغلقاً ، أما الآن فتجده مفتوحاً ، وقد نُهب ، ترسل ابنتك إلى المدرسة تعود ظهراً ، الآن تُخطف ، لا  ماء ، ماء من النهر ملوث ، ولا وقود سائل ، ننتظر عشر ساعات على محطة الوقود ، ولا  كهرباء ، الهيروين يباع على الطرقات .

﴿ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ .

ادعوا الله في جوف الليل أن يحفظ علينا النعم التي نعيشها .

وأخيراً مُزِّقت الصحيفة وفُكَّ الحصار :

 

 

 

مر عامان أو ثلاثة والأمر على ذلك ، وفي شهر المحرم سنة عشر من النبوة نُقضت الصحيفة ، وفك الحصار ، وذلك أن قريشاً كانوا بين راضٍ بهذا الميثاق وكارهٍ له ، حدث انشقاق ، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارهاً لها ، وفي قصة نقض الصحيفة قصة طريفة :

 

قصة نقض الصحيفة :

 

 

كان القائم بهذا هشام بن عمر ، من بني عامر بن لؤي ، وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفياً بالليل بالطعام ، كان يأتيهم ليلاً بالطعام ، فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي ، وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب .

والله ، أنا لا أنسى موقف زعيم وقائد جيش غطفان في معركة الخندق الذي جاء ليحارب النبي عليه الصلاة والسلام ، كان قابعاً في خيمته ، اسمه نُعيم ، خاطب نفسه فقال : يا نعيم ، أنت عاقل ، لمَ جئت إلى هنا ؟ من أجل أن تقتل هذا الرجل الصالح ، ماذا فعل ؟ سفك دماً ؟ نهب مالاً ؟ انتهك عرضاً ؟ أين عقلك يا نُعيم ؟ فوقف ، وتوجه إلى معسكر المسلمين ، ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال النبي : نعيم ؟‍‍‍ قال : نُعيم ، قال له النبي : ما الذي أتى بك إلينا ؟ قال له : جئت مسلماً ، كان قائد جيش ليحارب النبي ، فصار سيدنا نُعيم بن مسعود ، وأنا لا أصدق أن هذا الإنسان أجرى الله على يديه أسباب النصر في معركة الخندق ، قال له : مرني ماذا أصنع ؟ قال له : أنت واحد ، قال له : ماذا أصنع ؟ قال له : خذل عنا ، بذكاء ما بعده ذكاء أوقع بين قريش وبني قريظة ، وجاءت الريح الشديدة ، وقلبت قدورهم ، واقتلعت خيامهم ، وأطفأت نيرانهم .

 

( سورة الأحزاب الآية : 25 ) .

( سورة الأحزاب ) .

( سورة البقرة ) .

قال يا زهير ، لحظة تفكير سليمة ، يا زهير أترضى أن تأكل الطعام ، وأن تشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم ؟ قال : ويحك فماذا أصنع ، وأنا رجل واحد ؟ قال : أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها ، قال : قد وجدت رجلاً ، قال : من هو ؟ قال : أنا أنا ثان ، قال له زهير : نريد ثالثاً ، فذهب إلى مُطعم بن عدي ، فذكره أرحام بني هاشم ، وبني عبد المطلب ، ابني عبد مناف ، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم ، فقال المطعم : ويحك ماذا أصنع ؟ إنما أنا رجل واحد ، قال : قد وجدت ثانياً ، قال : من هو ؟ قال : أنا ، قال : أصبحنا ثلاثة ، قال : قد فعلت ، فقال زهير : نريد رابعاً ، فذهب إلى أبي البختري ابن هشام ، فقال له نحواً مما قال للمطعم ، فقال : هل من أحد يعين على هذا ؟ قال : نعم ، قال : من هو ؟ قال : زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ، قال : أصبحنا خمسة ، فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن الأسد فكلمه ، وذكر له قرابتهم ، وحقهم فقال له : وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ؟ قال : نعم ، ثم سمى له القول ، فاجتمعوا عند الحجون ، وتعاقدوا على القيام بنقد الصحيفة ، وقال زهير : أنا أبدأكم ، فأكون أول من يتكلم ، فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وغدا زهير ، وعليه حلة فطاف بالبيت سبعاً ، ثم أقبل على الناس ، فقال : يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ، ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكة ؟ لا يباع ، ولا يبتاع منهم ؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة للرحم الظالمة .

إذا لم يكن في الأمة من يرد الظلم فلا خير فينا ، وهذا درس بليغ لنا .

قال أبو جهل ، وكان في ناحية المسجد : كذبت ، والله لا تشق الصحيفة ، فقال زمعة بن الأسود : أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابتها يوم كُتبت ، قال أبو البختري : صدق زمعة ، ولا نرضى ما كُتب فيها ، ولا نقر به ، قال المطعم بن عدي : صدقتما ، وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ، ومما كُتب فيها ، وقال هشام بن عمر : نحواً من ذلك ، فقال أبو جهل : هذا أمر قُضي بليل ، أي مؤامرة ، وتشوّر به بغير هذا المكان ، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، إنما جاءهم لأن الله ـ دققوا الآن ـ أطلع رسوله على أمر الصحيفة ، وأنه أرسل عليها الأرضة ، يعني حشرة ، فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة  وظلم إلا ذكر الله تعالى ، فأخبر بذلك عمه ، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قال كذا وكذا ، فإن كان كاذباً يعني ابن أخيه خلينا بينكم وبينه ، سلمناكم إياه إن تقتلوه ، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا ، قالوا : والله قد أنصفت ، هذا خبر من السماء ، أن الورقة في جوف الكعبة ، مغلقة ، الأرضة أكلتها ، عدا اسم الله ، وبعد أن دار الكلام بين القوم وبين أبي جهل قام المُطعم إلى الصحيفة ليشقها فوجد الأرضة قد أكلتها ، إلا بسمك اللهم ، يعني باسمك اللهم نظلم .

الآن يعمل عمل خلاف الشرع ، يقول : الله وفقني فيه ، كيف وفقك الله فيه ؟

باسمك اللهم نظلم ، وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله ، ثم نقض الصحيفة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الشعب ، وقد رأى المشركون آية عظيمة من آيات نبوته ، ولكنهم كما أخبر الله عنهم :

( سورة القلم ) .

 

كلّ محنة وراءها منحة :

 

 

أعرضوا عن هذه الآية ، وازدادوا كفراً إلى كفرهم ، الملخص أن التهديدات التي نسمعها من حين لآخر بالمقاطعة ليموت إخوتنا في فلسطين جوعاً هذه ليست جديدة على تاريخ المسلمين ، ولكن الله مع عباده :

 

( سورة آل عمران ) .

كل محنة وراءها منحة ، وكل شِدة وراءها شَدة .

 

( سورة يوسف ) .

( سورة إبراهيم ) .

( سورة آل عمران الآية : 120 ) .

( سورة يونس الآية : 24 ) .

( سورة الصافات ) .

( سورة آل عمران ) .

ثم يقول الله عزوجل :

( سورة الأنفال الآية : 36 ) .

والحمد لله رب العالمين