صفات النبي الخَلقية والخُلقية

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : محمد راتب النابلسى | المصدر : www.quran-radio.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات   القربات .

أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، ولا بد من وقفة سريعة حول حكم الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف ، لأن هذه قضية اُختلف فيها .

بسطُ القول في حكم الاحتفال بالمولد النبوي :

أولاً : يجب أن نعلم علم اليقين أنه ما لم يتم الفرض إلا به فهو فرض ، وما لم لا يتم الواجب به فهو واجب ، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة ، هذه قاعدة أصولية متفق عليها   أرأيت إلى الوضوء هو فرض ، لأن الصلاة وهي فرض لا تؤدى إلا به ، إذاً هو فرض .

الآن كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، هذه قاعدة أصولية ثانية ، ما لم تكن قرينة تصرف عن الوجوب إلى شيء آخر ، كأن يقول الله عز وجل :

(سورة الكهف الآية : 29 ) .

هذه لام الأمر ، هذا أمر تهديد ، أو أمر إباحة .

 

( سورة البقرة الآية : 187 ) .

 

إباحة ، أو أمر ندب :

( سورة التوبة الآية: 32 ) .

مادام هناك قرينة تصرف عن الوجوب فالأمر يأخذ معنى الإباحة ، ويأخذ معنى الندب ، ويأخذ معنى التهديد ، ما لم تكن هذه القرائن فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، حينما يقول الله عز وجل :

( سورة الحشر الآية: 7 ) .

خذوه أمر ، هذا أمر يقتضي الوجوب ، التطبيق كيف نأتمر بما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام ، وكيف ننتهي عما عنه نهانا ، إن لم نعرف ما الذي أمرنا ، وعن أي شيء نهانا ، إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين ، وإذا قال الله عز وجل :

(سورة الأحزاب ) .

كيف يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لنا حسنة إن لم نعرف سيرته ، كيف عامل زوجته كيف عامل أولاده ، كيف عامل جيرانه ، كيف عامل أصحابه ، كيف كان في سلمه ، كيف كان في حربه ، كيف كان في الفقر ، كيف كان في الغنى ، كيف كان في السراء ، كيف كان في الضراء ، إذاً ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم .

حينما تحضر درس فقه السيرة لا تظنن أن هذا الحضور من نوافل العلم ، بل من واجبات العلم ، بل من الفرائض التي افترضت على المؤمنين ، لأنهم مأمورون أن يأخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمرهم ، وقد نهوا أن ينتهوا عن كل شيء نهاهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

إذاً معرفة سنة النبي القولية فرض عين على كل مسلم ، لأن تنفيذ أمر الله عز وجل :

﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ .

لا يتم إلا بمعرفة الأمر ، ومعرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين ، لأن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أسوة لك ، وهذا لا يتم إلا إذا عرفت سيرته .

الآن إذا قال الله عز وجل :

( سورة هود الآية : 120 ) .

إذا كان قلب سيد الخلق وحبيب الحق يزداد ثبوتاً عندما يسمع قصة نبي دونه فلأن يقوى إيماننا إذا سمعنا قصة سيد الأنبياء والمرسلين ، قال تعالى :

( سورة المؤمنون الآية : 69 ) .

يعني اعرفوا رسولكم ، فإذا جلست في مكان ، في بيت ، في مسجد ، في دعوة من أجل أن تتعلم شمائل النبي ، وأخلاق النبي ، ومنهج النبي ، وكمال النبي فهذا من صلب الدين ، الآية السادسة :

( سورة سبأ الآية: 46 ).

﴿ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ .

وتتفكروا في منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، في سنة النبي صلى الله عليه وسلم  .

﴿ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ .

إخواننا الكرام ، الاحتفال بعيد المولد أي أن نجتمع في أي يوم من أيام العام من دون استثناء ، وأن نحدث الناس عن سيد الأنام هذا من الدعوة إلى الله ، هذا من صلب النشاط الدعوي في الإسلام ، لكن إياك أن تقول : إن الاحتفال بعيد المولد عبادة ، لأن الأصل في الأشياء الإباحة ، ولا يحرم شيء إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة ، أما العبادات فبالعكس ، الأصل فيها الحظر ، ولا تشرع عبادة إلا بدليل قطعي الثبوت والدلالة ، لا تسمِّ الاحتفال بعيد المولد عبادة ، سمِّه نشاطاً دعوياً ، سمّه تعريف الناس برسول الله ، سمّه شرح الشطر الثاني من كلمة التوحيد ، لا إله إلا الله محمد رسول الله .

بالمناسبة أيها الإخوة ، لا يمكن أن تعيش المُثل إلا بمثل أعلى ، وتكاد مشكلة المسلمين اليوم أنهم فقدوا المثل الأعلى ، لذلك ضاعوا ، واختلفوا ، وأصبح بأسهم بينهم  المثالية تحتاج إلى مثل ، القيم الأخلاقية تحتاج إلى كائن متحرك ترى صدقه ، ترى أمانته  ترى عفافه ، ترى كماله ، من هنا كانت صورة النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً وسنة بشكل عملي ، لو لم يكن في الدين إلا سيرة النبي لكفت ، لأنها في الحقيقة كتاب وسنة ، ولكن ليست قولاً بل عملاً .

ولبعض العلماء رأي دقيق جداً ، وأنا أحترمه ، أن دلالة أفعال النبي على فهمه لكتاب الله أدق من دلالة كلامه على فهمه لكتاب الله ، لأن الكلام يؤول ، بينما الفعل لا يؤول ، الفعل حدي ، أما الكلام فاحتمالي .

يقول أحدهم : أنا أصلي بغير وضوء ، ما هذا الكلام ؟ يمكن انه يصلي على النبي بغير وضوء ، يقول : أنا أفرّ من رحمة الله ، وهو يعني من المطر ، يقول : أنا أحب الفتنة ، وهو يحب أولاده  .

(سورة التغابن الآية: 15 ) .

يقول : أنا أكره اليقين ، واليقين هو الموت .

( سورة الحجر ) .

 فالكلام يؤول ، أما الفعل فلا يؤول ، هذا الموضوع القصير بدأت به الدرس لأننا في ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام ، ونتابع السيرة .

مرور النبي عليه الصلاة والسلام بخيمة أم معبَد ومعجزته مع الشاة العجفاء :

أيها الإخوة الكرام ، في طريق النبي عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة مر بخيمة أم معبد ، أم معبد امرأة لها خيمة مرّ بها النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه أبي بكر ، قال : وكانت امرأة برزةً ، معنى برزة أي برزت محاسنها ، هذا قول ، معنى برزة أي امرأة موثوق برأيها وعفتها ، والقول الثاني أرجح ، أو إن كشف وجهها ، أو كهلة لا تتحجب كما تتحجب الشابات ، هذه المعاني وردت في كلمة برزة ، يرجح عندي أنها امرأة موثوق برأيها وعفتها ، وأنها كهلة لا تتحجب ، أو لا تخفي وجهها ، وكأن الحجاب من الفطرة ، هذه امرأة لم تسلم بعد ، الحجاب من الفطرة ، ورد في القاموس أن المرأة البرزة هي الكهلة التي لا تحتجب احتجاب الشابات .

أيها الإخوة ، وكانت امرأة برزةً جلدة ، ليس بين جلدها وعظمها لحم كثير   ، يعني أنها ممتلئة ، ولكنها ليست بَدِينة ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي ، قال بعض            العلماء : الاحتباء حيطان العرب ، الخيمة ليس فيها حائط تستند إليه ، بل إن القماش لا يحتمل أن تستند إليه ، إذاً كان العرب وهم في الصحراء يشبكون أصابعهم أمام ركبهم ، وهذا هو الاحتباء .

إذاً هذه المرأة كانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ، ثم تطعم ، وتسقي من مرَّ بها يسألاها ، النبي عليه الصلاة والسلام مع صاحبه سألاها : هل عندك شيء نشتريه ؟ فقالت : والله لو عندنا شيء ما أعوزتكم إلى القرى ، لو عندنا شيء نبيعكم إياه ما حملتكم على أن تسألوني ، لأطعمتكم من تلقائي نفسي ، لأن صفة الكرم والشجاعة من أبرز صفات   الصحراء .

ثمة إنسان في الصحراء كان من لصوص الخيل ، وأرض تصنع الألم من شدة الحر ، مرّ به فارس على فرسه ، فرقّ له ، ودعاه إلى ركوب الخيل ، فما إن ركب هذا اللص الخيل حتى دفع صاحبها نحو الأرض ، وعدا بها لا يلوي على شيء ، قال له صاحب الفرس : يا هذا ، وهبتُ لك الفرس ، ولن أسأل عنها بعد اليوم ، ولكن إياك أن تشيع هذا الخبر في الصحراء ، فتذهب منها المروءة ، وبذهاب المروءة يذهب أجمل ما في الصحراء .

والآن الذين يمنعون الماعون ، تقترض فلا تؤدي ، يقترض فلا يؤدي ، الآن معظم الناس يمتنعون عن الإقراض الحسن ، هذا الذي اقترض ، ولم يؤدِ منع الماعون ، هذا الذي استعار حاجة فأتلفها منع الماعون ، أنت حينما تسيء لمن أحسن إليك تمنع الماعون .

أيها الإخوة ، ثم قالت : والشاء عازب ، معنى عازب لا يدرّ ضرعها ، وكانت سنة شهباء ، أي لا نبات فيها ولا مطر ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة ، يعني في جانب الخيمة ، فقال : ما هذه الشاة ؟ قالت : خلّفها الجهد عن الغنم ،  أي التعب والمشقة والنصب ، فقال : هل بها من لبن ؟ قالت : هي أجهد من ذلك ، هي أضعف من أن تعطي اللبن ، فقال عليه الصلاة والسلام بأدب جم : أتأذنين لي أن أحلبها ؟ قالت : نعم ، بأبي أنت وأمي ، إن رأيت بها حليباً فاحلبها ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة ضرعها ، مسح ضرعها وسما الله ودعا ، فتفاجت عليه ، معنى تفاجت أي فرقت ما بين رجليها كي يسهل عليه حلب ضرعها ، فتفاجت عليه ودرت ، فدعا بإناء لها يربض الرهط ، معنى يربض أي يشبع يروي ، الرهط أهلها زوجها وأولادها ، فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها ، سقى أم معبد ، لم يشرب هو ، سقاها أولاً فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى رووا ، ثم شرب هو ، ساقي القوم آخرهم شرباً ، وحلب فيها ثانياً فملأ الإناء ، ثم غادره عندها ، وارتحلوا ، فما لبس أن جاء زوجها يسوق أعنزاً عجافاً ، أي هزيلة من شدة الجوع ، وتساوتن هزالاً ، أي كل عنزة تشبه أختها في هزالها ، لأن السنة شهباء ، قاحلة  فلما رأى اللبن ، قال أو معبد : من أين هذا والشاء عازب لا تدرّ ؟! ولا حلوبة في البيت ، قالت : والله مر بنا رجل مبارك ، ومن حديثه كيت وكيت ، قال : والله إني أراه صاحب قريش الذي تطلبه ، وضعوا مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، صِفِيه لي يا أم معبد .

وصف أم معبَد للنبي صلى الله  عليه وسلم الخَلْقية والخُلقية  :

هذا هو درس اليوم صفيه لي يا أم معبد ، ومرة واحدة في درس السيرة نصف شكل النبي عليه الصلاة والسلام ، ومن أدق وصف ورد عن أم معبد ، لكن أصحابه الكرام من شدة هيبته ، ومن شدة مكانته إذا جلسوا معه كأنهم على رؤوسهم الطير ، لن يصفوا ، لكن أم معبد وصفته  قالت :

<< هذا الرجل ظاهر الوضاءة ، الوضاءة ؛ النظافة والحُسن ، ظاهر الوضاءة ، أبلج الوجه ، الكلمة كالكائن الحي ، يولد ويشب ويهرم ويموت >> .

هناك كلمات كثيرة جداً في التاريخ العربي الآن ليست مستخدمة ، أضرب لكم مثلا ، قال بعض الشعراء في الجاهلية :

مدخوصة بنحيص الدحص باذلها            له صريفٌ صريفُ القعو في المسد

                                   ***

هل فهمتم شيئًا ؟ هذه لغة عربية ، كلها كلمات الآن غير مستعملة ، فهذا الوصف رائع جداً ، إلا أن أكثر كلماته تحتاج إلى شرح .

<< رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة ، يعني نظيفاً ، حَسن الوجه ، أبلج الوجه ، وجه مشرق ، ليس عبوساً قمطريرا ، حسن الخلق ، كامل ، لم تعبه سجلة ، ما هي السجلة ؟ ضخامة البطن ، لم تعبه سجلة ، ما له بطن كبير ، التجار أحياناً يستخدمون البطن الكبير بمعنى آخر ، ولم تزرِ به صعلة ، الصعلة صغر الرأس ، ليس بطنه كبيراً ، ولا رأسه صغيراً  وسيم ، وسيم يعني جميل .

وأجمل منك لم ترَ قط عينٌ          وأكمل منك لم تلد النساءُ

خلقت مبرأ من كل عيـبٍ          كأنك خلقت كما تشـاءُ

***

وسيم قسيم ، معنى قسيم له من كل أنواع الحسن قسم ، والحسن قد يكون طولا ، وقد يكون بياضًا ...إلخ ، له من كل أنواع الحسن نصيب ، قسم ، في عينيه دعج ، عيناه واسعتان ، وبياضها شديد النصوع ، وسواد بؤبؤها شديد السواء ، وهذا هو الحور في اللغة شدة بياض العين مع شدة سوادها ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره وطف ، والأشفار رموش عينه طويلة ، وفي أشفاره وطف ، وفي صوته صحل ، بحة ، الآن كبار قراء القرآن الكريم له بحة محببة جداً ، بحة الصوت فيها أنس ، النفس تطرب لهذه البحة ، في صوته صحل ، وفي عنقه سطع ، عنقه طويلة ـ في رأس ملزوق بالكتف وفي عنق جميل ـ  وفي لحيته كثاثة ، شعره غزير ، أكحل في سواد في جفنه ، طبيعي من دون كحل أكحل ، أزج ، ومن أدق ما قال العلماء وعلماء اللغة في أزج : يعني حواجبه طويلة ورقيقة ومنقطعة بين العينين ، بياض ناصع بين الحاجبين ، حاجب طويل ورقيق ومعرج ، أقرن يميل مع العين ، طويل ورقيق ومنعرج ، وبين الحاجبين بياض ناصع ، أزج أقرن ، شديد سواد الشعر ، إذا صمت علاه الوقار ، من رآه بديهة هابه ، ومن عامله أحبه .

دخل عليه رجل أصابته رعدة ، قال : هوّن عليك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة ، حتى أن أصحابه الكرام قالوا : من رآه بديهة هابه ، ومن عامله  أحبه .

إذا صمت علاه الوقار ، وإذا تكلم علاه البهاء ، أجمل الناس ، وأبهاهم من بعيد  ، هناك إنسان تراه عن بُعد جميلا ، إذا اقترب منك والعياذ بالله ، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ، وأحسنهم وأحلاهم من قريب ، جميل على البعد وعلى القرب ، حلو المنطق ، كلامه جذاب بالتعبير الحديث ، متحدث لبق ، يأسر القلوب بكلامه ، لا ندْر ، معنى ندر أي قليل الكلام ، قد تسأل الطبيب : ما الوضع ؟ أخذ مبلغًا كبيرًا ، لا يتكلم ولا كلمة ، خذ الدواء فقط ، المريض يحب أن يفهم ما وضعه ، هل الحالة صعبة ؟ سهلة ؟ علاجها سهل ؟ عيب بالإنسان في قلة كلامه ، هناك إنسان قلة كلامه جفاء لمن حوله ، وإنسان لا يحتمل من كثرة كلامه ، كان عليه الصلاة والسلام حلو المنطق ، منطقه لا ندر ولا هدر ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن كأنه عقد ، الحبة الأكبر ، الأصغر ، الأصغر ، نظم الكلام فن ، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ، ربعة ، لا هو طويل تشنأه العين من طوله ، ولا هو قصير تقتحمه العين من قصره ، لا هو قصير يقتحم ، ولا طويل يصعب أن تنظر إليه .

قال رجل قصير لرجل طويل : الطقس عندك كيف فوق ؟ لأن ثمة مسافة طويلة .

ربعة ، أي ليس بالطويل ولا بالقصير ، معتدل ، لا تقتحمه عين من قصر ، ولا تشنأه عين من طول ، غصن بين غصنين ، فهو أنضر الثلاثة منظراً ، معه اثنان حادي الإبل وسيدنا الصديق ، الغصن بين غصنين ، النبي الكريم كغصن أنضر الأغصان الثلاثة ، أجملهم وأحسنهم قدراً ، له رفقاء يحفون به ، إذا قال استمعوا لقوله ، وإذا أمر تبادروا إلى أمره  محفود ، أي التف الناس حوله ، محشود مخدوم ، لا عابس ولا مفند ، هناك إنسان ينتقد دائماً مُتعب ، ظله ثقيل ، كل شيء ينتقده ، لا عابس ولا مفند ، لا ينتقد ، قال أبو معبد : والله هذا صاحب قريش ، يعني هذه الصفات الكاملة .

بالمناسبة أيها الإخوة ، هذا الإنسان الكامل ، الجميل ، الرحيم ، الكامل  المتواضع ، الأخلاقي ، الذي يوحى إليه ، الذي معه القرآن ، الذي آتاه الله المعجزات  الفصيح ، الحكيم ، كل هذه الكمالات قال له الله أنت أنت بالذات ، على كل هذه الخصائص :

(سورة آل عمران الآية : 158) .

فالواحد لو لم يكن نبياً ، ولا رسولاً ، ولا يوحى إليه ، ولا معه قرآن ، ولا معجزات ، وليس فصيحاً ، وليس جميلاً ، ومع ذلك فهو غليظ قال له :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾ .

أنتَ أنت بالذات :

﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾ .

( سورة آل عمران ) .

قال أبو معبد : هذا والله صاحب قريش الذي تطلبه ، ولقد هممت أن أصحبه  ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا ، وأصبح النبي عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى   المدينة .

هذا أدق وصف مر بالسيرة النبوية للنبي عليه الصلاة والسلام في شكله أولاً ، وفي أخلاقه ، وفي تواضعه  وأدبه ، وحسن صحبته مع إخوانه .

هذا الدرس الوحيد في فقه السيرة متعلق بشكل النبي عليه الصلاة والسلام ، وقد جمعت لكم بعض الأحاديث الشريفة حول خَلقه صلى الله عليه وسلم ، وقد علمنا النبي الكريم أن أحدنا إذا وقف أمام المرآة ، ورأى شكله حسناً ، له عينان ، وله أنف طبيعي ، وله حجم معتدل ، شكله تام ، كان عليه الصلاة والسلام يقول :

(( اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي )) .

[ أحمد عن عائشة]

لأنه قيل :

جمال الجسم مع قبح النفوس         كقنديل على قبر المجوس

***

 أحد الناس كان أنيقًا جداً ، جميل الصورة ، تكلم كلامًا بذيئًا ، فقال له أحدهم : إما أن تتكلم وفق هندامك ، وإما أن ترتدي ثياباً وفق كلامك .

أحاديث في وصف النبي عليه الصلاة والسلام :

إخواننا الكرام ، تجلس مع مؤمن والله لا أبالغ 30 عامًا ، تصحب مؤمناً 30 عامًا لا تستمع منه إلى كلمة نابية ، أبداً ، لسانه مضبوط .

(( قلت : يا رسول الله ، أنؤاخذ بما نقول ؟ فقال : ثكلتك أمك يا ابن جبل وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟ )) .

[ أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ ] .  

(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم      لسانه )) .

[ أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت والخرائطي في مكارم الأخلاق ] .

(( مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه)) .

[ رواه عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي اللّه عنه ] .

(( وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالاً يَهْوِي بِها في جَهَنَّم سيعين خريفاً )) .

[ رواه البخاري عن أبي هريرة ] .

كان عليه الصلاة والسلام :

(( أحسن الناس وجها ، وأحسنهم خلقا ، ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير )) .

[ متفق عليه ] .

كل واحد منا إذا كمل الله عز وجل خَلْقه فعليه أن يسعى ليكمل أخلاقه .

وكان عليه الصلاة والسلام : أبيض مليح الوجه ، ولا تنسوا مرة ثانية الدعاء المأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام إذا وقف أحدكم أمام المرآة ، ورأى شكله حسناً أن يقول : (( اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي )) .

[ أحمد عن عائشة]

وكان عليه الصلاة والسلام مربوعاً ، عريض ما بين المنكبين ، كث اللحية   تعلوه الحمرة ، بالتعبير الدارج على كل خد وردة ، تعلوه حمرة ، لقد رأيته في حُلةٍ ، يقول راوي الحديث : رأيته في حُلةٍ ما رأيت أحسن منه .

إخواننا الكرام ، الإنسان بحاجة إلى الجمال ، إذا رتب بيته ، نظف بيته ، رتب محله التجاري ، أنا لا أقول : أن تشتري أشياء غالية ، لكن الجمال لا يحتاج إلى جِمال ، بل يحتاج إلى ذوق فقط ، المسلم كما وجه النبي عليه الصلاة والسلام قال :

(( حسنوا لباسكم ، وأصلحوا رحالكم ، حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس )) .

[الحاكم في المستدرك عن سهل بن الحنظلية ] .

كان عليه الصلاة والسلام :

(( ضخم الرأس ، واليدين ، والقدمين ، حسن الوجه ، لم أرَ قبله ولا بعده مثله )) .

[ رواه البخاري ] .

وكان عليه الصلاة والسلام :

(( وجهه مثل الشمس والقمر ، وكان مستديرا )) .

[ رواه مسلم عن جابر بن سمرة ] .

كان عليه الصلاة والسلام  :

 

(( إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر )) .

[ متفق عليه ].

 لذلك ورد في بعض الأحاديث :

(( إذا كان الوجه الحسن رجلاً لكان رجلاً صالحاً )) .

وكنا نعرف ذلك ، مسرور .

وكان عليه الصلاة والسلام :

(( لا يضحك إلا تبسما )) .

[ رواه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم في المستدرك عن جابر بن سمرة ].

هناك ضحك فيه قلة أدب ، يضحك الإنسان ، لكن كان ضحكه تبسمًا ، هناك شخص يقلب للوراء ، وعن عائشة قالت :

((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته ، إنما كان يتبسم )) .

[ أخرجه الشيخان والترمذي عن عائشة رضي الله عنها ] .

الإنسان أحيانا يضحك فيفتح فمه ، ترى أعمق حلقه ، تقول السيدة عائشة :

 ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى لهواته ، إنما كان يتبسم )) .

ويقول سيدنا جابر :

(( فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى الْقَمَرِ ، وَعَلَيْهِ حُلّةٌ حَمْرَاءُ ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ )) .

[ رواه المحفوظ عن جابر بن سمرة ] .

الله عز وجل جميل ، ويكسب المؤمن جمالا ، ولو كان ملونًا ، سيدنا بلال ملون ، أنا متأكد أن في وجهه نورًا ، والإنسان يكون لونه أحيانا فاتح جداً ، واستوفى الجمال البشري ، لكن فيه ذنوب ومعاصٍ وآثام وخبث ، فتجد في وجهه فتورًا وغبرة .

(سورة عبس ).

أيها الإخوة ، أبو طالب وصف النبي عليه الصلاة والسلام شعراً قال :

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه          ثمال اليتامى عصمة للأرامل

                                ***

يطعم اليتامى ، ويمنع الأرامل من أن تُظلمن .

أيها الإخوة الكرام ، الحياة الدنيا كما يقال : ساعة اجعلها طاعة ، والنفس طماعة عودها القناعة ، والإنسان بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، ومن أدق تعريفات الإنسان أنه زمن ، أو أن أثمن شيء يملكه هو الزمن ، وأن الزمن رأس ماله ، وأن هذا الزمن إما أن ينفق استهلاكاً ، وإما أن ينفق استثماراً ، فإذا طلبت العلم ، وتعرفت إلى سيد الخلق ، وسرت على منهجه ، أنشأ الله له حق عليه أنا أخاطب الشباب ، المستقبل مخيف  لكنك إذا كنت مع الله مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يعامل الشاب المؤمن كما يعامل الشاب المتفلت ، قال تعالى ، دققوا في هذه الآية أيها الشباب ، سمعتَ خبرًا أنه مما يلفت النظر أن رواد المساجد في دمشق ـ خبر أذيع قبل يومين ـ من الشباب ، وأنا أخاطب الشباب ، وريح الجنة في الشباب :

( سورة الجاثية الآية : 21 ) .

مستحيل وألف ألف مستحيل أن يعامَل شاب مؤمن يخاف من الله كما يعامَل شاب فاسق .

(( ما من شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب )) .

[ أخرجه أبو المظفر السمعاني في أماليه عن سلمان ] .

(( إن الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة ، يقول : انظروا إلى عبدي ، ترك شهوته من أجلي )) .

[ أخرجه ابن السني الديلمي في مسند الفردوس عن طلحة ] .

إذاً : ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي منادٍ : " يا ابن آدم ، أنا خلق جديد ، وعلى عملك شهيد ، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة " .

حضور درس فقه السيرة مما يجب على كل مسلم ، لماذا ؟ ليعرف عن النبي أخلاقه ، ليعرف عن النبي شمائله ، ليعرف عن النبي رحمته ، ليعرف عن النبي تواضعه ليعرف عن النبي حكمته ، ليعرف عن النبي عفته .

سيدنا جعفر لما سأله النجاشي حدثنا عن نبيكم ، قال : (( أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الرحم ، ونسيء الجوار   حتى بعث الله إلينا رجلاً نعرف أمانته ، وصدقه ، وعفافه ، ونسبه )) .

( أحمد عن أم سلمة )

والحمد لله رب العالمين