بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية ، درجت كتب السيرة أنها تتحدث بعد الوحي الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، تتحدث عن فحوى الدعوة الإسلامية ، لذلك هذا الدرس مخصص لإلقاء الضوء على مضامين هذه الدعوة الإسلامية .
أولاً : كمقدمة فلسفية الجماد شيء يشغل حيزاً له أبعاد ثلاثة ، له طول وعرض وارتفاع ، وله وزن ، أليس كذلك ؟ شيء يشغل حيزاً ، له أعاد ثلاثة ، طول وعرض وارتفاع ، وله وزن .
أما النبات فشيء يشغل حيزاً ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، لكنه ينمو .
أما الحيوان فشيء يشغل حيزاً ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، وينمو ويتحرك .
أما الإنسان فشيء يشغل حيزاً ، وله أبعاد ثلاثة ، وله وزن ، وينمو ، ويتحرك ، ويفكر ، لذلك ميز الله الإنسان بالقوة الإدراكية ، وما لم يلبِ الإنسان حاجته عقله إلى العلم هبط من مستوى إنسانيته إلى مستواً لا يليق به ، وما لم يلبِ الإنسان حاجة عقله إلى العلم هبط من مستوى إنسانيته إلى المستوى الذي لا يليق به ، لذلك كانت أول كلمة نزلت من القرآن الكريم ، وأول كلمة جاء بها الوحي :
( سورة العلق الآية : 1 ) .
أي تعلم ، لأن أن الإنسان خُلق ليعرف الله ، الدليل :
( سورة الطلاق ) .
علة وجودك في الأرض أن تعرف ربك من خلال خلقه ، ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ ، لذلك أول كلمة نزلت بالوحي ، ﴿ اقْرَأْ ﴾ ، أي تعلم .
إن أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإن أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإن أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أن قد علم فقد جهل .
أيها الإخوة ، أزمة أهل النار وهم في النار الجهل :
( سورة الملك ) .
لأن كل إنسان مجبول على حب وجوده ، وعلى حب سلامة وجوده ، وعلى حب كمال وجوده ، وعلى حب استمرار وجوده ، ولا يتحقق هذا إلا إذا طبق تعليمات الصانع الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها هي الجهة الصانعة ، ﴿ اقْرَأْ ﴾ ، أي تعلم ، الآن بالعالم ما يطبع في اليوم الواحد من كتب بلغة واحدة لا نستطيع أن نقرأها في 200 عام ، ماذا نقرأ ؟ ﴿ اقْرَأْ ﴾ ، ماذا نقرأ ؟ قال :
( سورة العلق ) .
يجب أن يكون الهدف أن تؤمن بالله ، ليس هناك علم من أجل العلم فقط ، العلم من أجل أن تعرف الله ، وأن تعبده ، وأن تسلم ، وتسعد في الدنيا والآخرة .
( سورة الذاريات ) .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ، هذه القراءة الأولى ، ما لم تكن القراءة تتجه نحو الإيمان بالله فلا قيمة لهذه القراءة ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ومن أذن لا تسمع ، وأعوذ بك من هؤلاء الأربع )) .
[الترمذي]
دخل النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده ، فإذا رجل تحلق الناس حوله ، سأل سؤال العارف من هذا ؟ قالوا : هذا نسابة ، فقال : وما نسابة ؟ ـ هو يعرف ، هذا اسمه سؤال العارف ـ قال : وما نسابة ، قال : يعرف أنساب العرب ، فقال عليه الصلاة والسلام : ذلك علم لا ينفع من تعلمه ، ولا يضر من جهل به .
إذاً ما لم يكن الهدف من طلب العلم الإيمان بالله ، الإيمان بالله خالقاً ، ومربياً ، ومسيراً ، الإيمان بالله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، الإيمان بأن أسماء الله تعالى حسنى ، وأن صفاته فضلى ، فهذا العلم لا يُعتد به ، بل هو حرفة من الحرف ، أبداً .
عندنا حِرف يدوية ، وعندنا حِرف فكرية ، آلاف الحِرف تعتمد على الفكر ، لكن العلم الذي أراده الله عز وجل هو العلم به ، العلم الذي يسمو بالإنسان .
بالمناسبة أيها الإخوة ، هناك علم بخلقه ، وهناك علم بأمره ، وهناك علم به ، فالعلم بخلقه اختصاص جامعات العالم ، الفيزياء ، والكيمياء ، والرياضيات ، والمنطق ، وعلم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم التربية ، والطب ، والهندسة ، والفلك ، والجغرافيا ، والتاريخ واللغة ، واللغات الأجنبية ، هذا علم بخلقه ، وجامعات العالم متخصصة في هذه العلوم ، أما العم بأمره الحلال ، والحرام ، وأحكام الفقه ، والأحوال الشخصية ، فقه البيوع ، وفقه المواريث ، وإلخ ... هذا العلم بأمره من اختصاص كليات الشريعة في العالم الإسلامي ، أما العلم به فهو شيء آخر ، العلم به يقتضي المجاهدة ، ولا يقتضي المدارسة ، العلم بخلقه ، والعلم بأمره يقتضي المدارسة ، أما العلم به فيقتضي المجاهدة ، وقد قال بعض العلماء الكبار : " جاهد تُشاهد " .
أنت حينما تطبق منهج الله عز وجل ، وحينما تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وحينما تضبط إنفاقك وإيرادك ، وحينما تضبط جوارحك ، وحينما تضبط بيتك ، وحينما تضبط عملك ، عندئذٍ يسمح الله لك أن تعرفه معرفة تسعد بها في الدنيا والآخرة .
إذاً : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ، العلم لا مبرر له إلا أن يكون وسيلة لمعرفة الله ، ثم لطاعته ، ثم للسلامة والسعادة في الدنيا والآخرة ، هذه القراءة الأولى القراءة الإيمانية ، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ ، الغرب كله مع النعمة ، لكن المؤمن مع المنعم ، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ، من خلق الإنسان ؟ من خلق الحيوان ؟ من خلق النبات ؟ الشجرة تعمل بصمت ، بلا صوت ، بلا عادم ، بلا دخان ، بلا ضجيج ، تعطيك ثمار شهية بألوانها ، وروائحها وحجمها ، وقوامها ، وفائدتها ، من خلق البقر ؟ تعطيك الحليب ، تعطيك مشتقات الحليب تسعد بها ، من خلق الفواكه والثمار ؟ من خلق السماوات والأرض ؟ من خلق النجوم ؟ من خلق الأطيار ؟ من خلق الأسماك ؟ من خلق أنواع النباتات ؟ نبتات الزينة ، من خلق هذا الطفل الذي يملئ بيتك فرحة ؟ من خلق هذا ؟ ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ، هذا الخلق يدل على علم ، وعلى حكمة ، وعلى رحمة ، وعلى قدرة ، وعلى جمال ، إذاً ينبغي أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، ينبغي أن تقف عند هذه الآيات .
إخواننا الكرام ، مثل واضح جداً أن الإنسان إذا كان فقيراً ، ولم يتح له في كل حياته أن يلعق لعقة عسل واحدة ، لكنه قرأ كتباً عن النحل ففاضت عيانه بالدموع من عظمة الله عز وجل في خلق النحل والعسل ، هذا الإنسان الفقير الذي لم يذق طعم العسل حقق الهدف الأول من خلق النحل والعسل ، لأنه تعرف من خلالهما إلى الله ، والذي كان غنياً مترفاً ، وأكل من العسل كميات كبيرة ، ولم يعرف ربه من خلال خلقه فهذا عطل الهدف الأكبر من خلق النحل والعسل ، فلذلك لما النبي عليه الصلاة والسلام رأى هلالاً قال : (( هلال خير ورشد)) .
[ أخرجه أبو داود عن قتادة] .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ، قد تقول : أنا كيف أعرف المجرات ؟ هناك 230 ألف مليار مجرة ، أرقام يصعب تصديقها ، وكل مجرة فيها ملايين الملايين ، والكون لا نهاية له ، وبعض المجرات تبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية ، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ، نقول لك : أنت ينبغي أن تتعرف إلى الله من خلال خلقه ، ولكن عندك آية بين جنبيك .
ألست متزوجاً ؟ تقول : نعم ، عندك أولاد ؟ تقول : نعم ، طيب هذا الابن كيف أصبح طفلاً سوياً ، في اللقاء الزوجي الإنسان يفرز أكثر من 300 مليون نطفة إلى 500 مليون ، والنطفة الواحدة لا ترى بالعين ، تحتاج إلى مجهر ، نطفة واحدة تدخل إلى بويضة ، والبويضة حجمها كحجم حبة الملح ، ضع لعابك على طرف إصبعك ، وضعه على ملح بأقل ضغط ، ترى حبات صغيرة لا ترى بالعين المجردة ، البويضة حجمها كحجم حبة الملح ، والنطفة أصغر بكثير ، فهذا المخلوق ، دماغ 140 مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد ، على 14 مليار خلية قشرية ، على 300 ألف شعرة ، على 130 مليون عصية ومخروط بشبكية العين ، على 800 ألف عصب بالعصب البصري ، على 35 مليون عصارة هاضمة بالمعدة على طريق في الكيتين طوله 100 كيلومتر ، مليون نترون ، على أوعية دموية طولها 150 ألف كيلومتر ، على أسناخ رئوية مساحتها 200 متر مربع .
( سورة التين ) .
الآية بين يديك .
( سورة البلد ) .
يا أيها الإخوة الكرام ، أنت حينما تعكف على جسمك ، ما هذه الحكمة الرائعة أن الإنسان ليس له أعصاب حسية في شعره ؟ لو فيه أعصاب حسية بشعره أين يذهب ؟ والله إلى المستشفى ، اعمل عملية حلاقة ، لأنه تحتاج إلى تخدير كامل ، ألا تنظر إلى حكمة أن الشعر ليس به أعصاب حس ، والأظافر كذلك ، توزع الأعصاب ، شيء لا يحتمل ، هناك شعر في الأنف ، لكن ليس في بالفم شَعر ، فكرت في هذا ؟ لو في الفم شعر شيء لا يحتمل ، وحلاقته صعبة ، يمكن أن يقص لسانه الحلاق في أثناء الحلاقة ، هناك أناس لابد لهم مِن قص لسان أساساً ، ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ .
هذه المثانة ، لو ما فيها عضلات لاحتاج الإنسان إلى إفراغها إلى ربع ساعة ، وقد لا يستطيع ، أما بالعضلات ففي دقائق ، حكمة بالغة ، والله لو أمضينا سنوات في الحديث عن حكمة خلق الإنسان لا ننتهي .
﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ ﴾ ، بالميليمتر مربع في العين مئة مليون مستقبل ضوئي ، بينما أعلى آلة تصوير رقمية احترافية في الميليمتر مربع عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، أما في العين البشرية فهناك مئة مليون مستقبل في الميليمتر المربع .
فالله عز وجل قال : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ ، علقة ، طفل ، دماغ ، عينان ، أذنان ، أنف ، فم ، لسان مريء ، ممكن أن تعلق إنسانًا من رجليه ، واسقه شربة ماء ، هذه الشربة تصعد نحو الأعلى ، جرب ، لو علقت إنسانًا من رجليه ، ثم سقيته الماء ، الماء ينتقل إلى المعدة ، عن طريق عضلات بالمريء ، تتقلص بشكل متزامن ، فتنقل الماء إلى المعدة ، وأنت نائم نوم عميق تأتي إشارة من الفم أن اللعاب كثر ، إشارة إلى الدماغ ، الدماغ مستيقظ ، يتخذ قرار إغلاق القصبة الهوائية ، وفتح المريء ، يبلع ريقه ، وهو نائم كم مرة مئات المرات ، أما عند طبيب الأسنان فيقول لك : افتح فمك ، الريق ينزل ، يضع لك شراقة ، أما في أثناء النوم من حين لأخر فيأتي أمر للسان المزمار يغلق فتحة الهواء ، ويفتح فتحة المريء ، يبلع الإنسان ريقه ، وأنت نائم تأتي إشارة من العضلات التي تحت الجهاز العظمي أنه انضغطنا ، الأوعية ضاقت ، ضعفت التغذية ، يأتي أمر للعضلات الإنسان يتقلب على جهة ثانية ، الله قال :
( سورة الكهف الآية : 18 ) .
لولا التقلب الإنسان يتسلخ لحمه ، ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ ، هذه القراءة قراءة الإيمان ، إذاً العلم في خدمة الإيمان ، ﴿ اقْرَأْ ﴾ .
مرة ثانية .
هذه قراءة شكر وعرفان ، أول قراءة قراءة بحث وإيمان ، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان .
لا شك أن أحد إخواننا الكرام فتح كتابًا ، وقرأ أنه تم طبعه في عام 1932 ، هو ولد 1938 ، في أثناء طبع هذا الكتاب كان شيء في الأرض اسمه سعيد نورسي ؟ لا .
( سورة الإنسان ) .
متى طبع ؟ كلنا جميعاً في عام 1900 لنا وجود ؟ لنا قيد نفوس بالنفوس ؟ معنا هويات ، ما لنا وجود أساساً ، الله عز وجل منحك نعمة الإيجاد ، ثم منحك نعمة الإمداد ، أولاً ألقى محبتك في قلب والديك ، أمداك بالطعام والشراب والدفء ، وما شاكل ذلك ، فهناك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ ، القراءة الأولى قراءة بحث وإيمان ، القراءة الثانية قراءة شكر وعرفان ، إذاً تتعلم من أجل أن تؤمن ، وتتعلم من أجل أن تشكر .
الآن أنت حينما تؤمن ، وحينما تشكر حققت الهدف من وجودك ، لذلك قال تعالى :
( سورة النساء ) .
إذا آمنتم ، وشكرتم يتوقف العلاج الإلهي ، تتوقف المصائب ، يتوقف كل شيء ، لأنك إن حققت الهدف من وجودك فلا داعي لكل المصائب ، هذه القراءة الثانية : ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾ ، لكن الله من أجل أن تعرفه منّ عليك بنعمة البيان .
( سورة الرحمن ) .
البيان أن تُعبر عن حاجاتك ، وعن أفكارك ، وعن مشاعرك شفهياً ، هذا البيان الشفهي ، والبيان أن تتلقى أفكار الآخرين ومشاعرهم ، وحاجاتهم شفهياً ، هذا الاستماع ، لكن الإلقاء والاستماع يحتاج إلى لقاء ، لكن أنت حين تكتب مقالاً ، أو تؤلف كتاباً ، يأتي إنسان لم يلتقي بك ، لكنه قرأ كتابك فانتفع به ، إذاً :
بالقلم تتنقل المعارف من مكان إلى مكان ، ومن عصر إلى عصر ، ومن مصر إلى مصر ، وبالترجمة تنتقل المعارف من أمة إلى أمة ، كلمة بليغة جداً : ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ، أعطاك البيان ، كم لغة في الأرض ؟ ثلاثة آلاف لغة ، الإنجيل إلى كم لغة مترجم ؟ إلى 1300 لغة ، القرآن الكريم إلى كم لغة مترجم ؟ إلى 30 لغة فقط ، وحي السماء ، أرأيت إلى عنايتهم بكتابهم ، وإلى تقصيرنا بكتابنا ، ﴿ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ، صار هناك إلقاء ، واستماع ، وكتابة ، وقراءة ، وترجمة ، هذه المعارف نقلت إلى أي مكان ، إلى أي زمان ، إلى أي عصر ، إلى أي مصر ، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ، الأولى قراءة بحث إيمان ، والقراءة الثانية قراءة شكر وعرفان .
القراءة الثالثة : قراءة وحي وإذعان ، من أين نأتي بها ؟ ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ .
أنت إذا نظرت إلى الشمس تعلم أن لها خالقاً ، لكن أحكام الزكاة من أين أتتنا ؟ من الوحي ، أحكام الزواج من أين أتتنا ؟ من الوحي ، المحرمات من النساء من أين أتانا ذلك ؟ من الوحي ، المحرمات من الطعام ؟ من الوحي ، العبادات ، أداء الصلوات ، أحكام الحج أحكام العمرة ، المعاملات ، القرض ، والحوالة ، والكفالة ، من وحي من السماء ، هذه قراءة ثالثة ، فأنت ينبغي أن تقرأ قراءة بحث وإيمان ، ثم ينبغي أن تقرأ قراءة شكر وعرفان ، ثم ينبغي أن تقرأ قراءة وحي وإذعان ، واضح ؟
مضمون الدعوة : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ .
إخواننا الكرام ، أي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به بالوحي ، أنت عندك محل تجاري ، وبحاجة إلى ميزان ، فاشتريت ميزانا من أرقى الأنواع ، لكن هذا الميزان مصمم لمحل تجاري من خمسة غرامات إلى خمسة كيلو ، خطر في بالك أن تزن به سيارتك ، وضعته بالأرض ، ومشيت فوقه ، كسرته ، أخي لم يشتغل هذا الميزان ؟ أنت استخدمته بخلاف تعليمات الصانع ، هذا الميزان محدود من خمسة غرامات إلى خمسة كيلو ، سيارتك وزنها طن وربع ، لكن باعتبار الميزان هذا لا يستطيع أن يزن سيارتك الشركة الصانعة محترمة جداً ، كتبت لها وزنها على مكان بالسيارة ، قالت : لك 1392 كيلو وزنها .
فأي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به ، فعندنا بالوحي الحديث عن نشأة العالم ، آدم وحواء ، لا قرد وقردة ، فرق كبير .
مرة داعبت إنسانا ، قلت : والله أنا مجدداً اقتنعت بنظرية داروين ، فصاح ، أعوذ بالله ، اقتنعت بها ، لكن اقتنعت بها معكوسة ، نظرية داروين كان قردا صار إنسانا ، أنا قناعتي كان إنسان صار قردا الآن ، ما معنى قرد ؟ يعني همه بطنه ، ما معنى خنزير ؟ همه فرجه ، فإذا الله عز وجل قال :
( سورة المائدة الآية : 60 ) .
صار همهم الطعام والجنس ، والآن كل واحد بالحياة همه الطعام والجنس قرد على خنزير .
" الديوث لا يدخل الجنة ، قالوا : من الديوث ؟ قال : الذي لا يغار على عرضه " .
زوجته تمشي إلى جانبه ، وكأنها عارية ، من ثيابها الضيقة ، أليس كذلك ؟ ثياب المرأة يجب أن تكون فضفاضة ، وأن تكون سميكة ، فأما أن تكون الثياب رقيقة فتشف عن لون البشرة ، وإما أن تكون ضيقة فشتف عن حجم أعضائها ، فالذي يرضى الفاحشة في أهله أو لا يغار على عرضه هذا ديوث .
أيها الإخوة ، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ .
عندنا قراءة رابعة ، أول واحدة قراءة بحث وإيمان ، والثانية قراءة شكر وعرفان ، والثالثة قراءة وحي وإذعان .
الرابعة : قراءة عدوان وطغيان ، قنبلة خارقة حارقة ، لو ألقيناها على ملجأ سماكته متر اسمنت مسلح ، أولاً تخرق هذه المسافة ، وتحترق في داخل الملجأ ، تقتل ألف واحد ، خارقة حارقة ، هناك قنبلة انشطارية ، هناك قنبلة ذكية ، هناك سلاح جرثومي ، هناك سلاح كيميائي ، هناك قنابل نابالم ، هناك صواريخ مدمرة ، هذا العلم علم إفناء البشرية ، علم السيطرة على الكون ، علم نهب الثروات ، هذا علم أيضاً ، لكن وراءه شياطين ، وراءه وحيدو القرن ، ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ .
الله عز وجل أعطانا أنموذجا لقوم طغاة ، نموذج متكرر ، إنهم قوم عاد .
( سورة الفجر ) .
تفوق في شتى المجالات ، تحتار ، جيش قوي ، فن واسع جداً لإفساد أهل الأرض ، على المطارات ، على الطرقات ، على المعامل ، على الاقتصاد ، على عملة غالية جداً ، ﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ ، مع التفوق في شتى المجالات غطرسة .
( سورة فصلت الآية : 15 ) .
تفوق وغطرسة كما ترون .
شيء آخر ، الله عز وجل ما أهلك قوماً إلا وذكرهم أنه أهلك من أشد منهم قوة ، إلا عاداً حينما أهلكها قال :
يعني ما كان فوق عاد إلا الله ، أعطانا الله مثلا ، ماذا فعلت عاد ؟ قال :
عندهم أداتان فعالتان ، عندهم قصف ، وعندهم إفساد بالأفلام ، أبداً ، جهة شكلها خماسي تقصف ، وجهة نساء كاسيات عاريات لإفساد البشر ، هل أفسدوا بلادهم ؟ لا ، ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ ﴾ كلها ، ليس في بلادهم ، دقق في كلام الله عز وجل ، ﴿ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾ .
سرعة الريح الآن كم ؟ 160 ، لا تبقي ولا تذر .
( سورة الحاقة ) .
طيب ، ماذا فعلوا ؟ قال :
( سورة الشعراء ) .
تفوق عمراني يفوق حد الخيال ، وتفوق صناعي يفوق حد الخيال ، قال :
تفوق عسكري يفوق حد الخيال ، هذه ثلاثة ، تفوق علمي :
( سورة العنكبوت ) .
من تفوق عمراني ، إلى تفوق صناعي ، إلى تفوق عسكري ، إلى تفوق علمي ، إلى غطرسة ، إلى إفساد وطغيان ، إلى تفوق في شتى الميادين .
هناك إشارة دقيقة جداً ، قال تعالى :
( سورة النجم ) .
معنى ذلك هناك عاد ثانية ، ترونها وتسمعون أخبارها كل يوم ، وهي أتت من أجل الحرية والديمقراطية طبعاً ، هذه عاد الثانية ، فلذلك قوم عاد في القرآن يمثلون الأمم الطاغية متفوقون في العلم كثيراً ، ما نوع علمهم هذا ؟ نوع رابع ، أول علم بحث وإيمان ، الثاني شكر وعرفان ، الثالث وحي وإذعان ، الرابع عدوان وطغيان ، هذا العلم الذي يعد جريمة في حق الإنسان .
أيها الإخوة الكرام ، هذا مضمون سورة اقرأ التي نزلت أول ما نزلت من وحي السماء : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ، لكن الإنسان حينما يغفل عن الله عز وجل يقول الله عز وجل : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ .
هو الإنسان في قبضة الله ، في أية لحظة هو في قبضة الله ، ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ ، إذا استغنى عن طاعة الله يطغى ، فلذلك قال تعالى :
( سورة الليل ) .
إخواننا الكرام ، صدقوا أن البشر الآن على اختلاف مللهم ، ونحلهم ، وألوانهم ، وأعراقهم وأجناسهم ، ومذاهبهم ، وطوائفهم ، ودياناتهم ، لا يزيدون عن نموذجين ، أول نموذج : ﴿ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ نصدق أنه مخلوق للجنة ، فبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، وبناء على هذا التصديق بنى حياته على العطاء ، يعطي كل شيء ، يعطي وقته ، وماله ، وجهده ، وخبرته ، ووقته ، هذا الإنسان الأول الذي صدق أنه مخلوق للجنة فبناء على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله ، وبناء على هذا التصديق بنى حياته على العطاء الرد الإلهي ن﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ نييسر لما خلق له من الجنة ، والله يختار له شكل معين قدرات معينة ، جنس معين ، أب معين ، أم معينة ، حرفة معينة ، دخل معين ، إمكانات معينة ، كي تكون له عون على بلوغ الجنة .
النموذج الثاني :﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ ، بخل ، واستغنى ، هذا النموذج الثاني كذب بالحسنى ، صدق بالدنيا ، قال لك : الدنيا هي كل شيء ، هي محط رحالهم ، ونهاية آمالهم ، بناء على هذا التكذيب بالآخرة والتصديق بالدنيا استغنى عن طاعة الله ، وبناء على هذا التكذيب بالآخرة والتصديق بالدنيا بنى حياته على الأخذ ، إذاً يبني مجده على أنقاض الآخرين ، ويبني قوته على ضعفهم ، ويبني أمنه على خوفهم ، ويبني غناه على فقرهم ، ثم يبني حياته على موتهم ، هذا الإنسان يسير لخلاف ما خلق له ، يسير إلى الشقاء في الدنيا والهلاك في الآخرة ، إذاً ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ هذه السورة أول سورة نزلت من وحي السماء ، وفيها إشارات إلى مضامين الدعوة الإسلامية .
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتقل في درس قادم إلى الدعوة السرية ، كيف بدأت الدعوة ، أول ما بدأت سرية إلى أن مكن الله المؤمنين ، وأصبحت دعوة جهرية .
والحمد لله رب العالمين