بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة الأكارم ، مع درس جديد من دروس فقه السيرة النبوية .
أيها الإخوة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان حكيماً غاية الحكمة في تصرفه في وضع الحجر الأسود في مكانه ، عقب ذلك أصبح عند قومه الصادق الأمين ، والشيء الذي يلفت النظر أن النجاشي حينما سأل سيدنا جعفر عن الإسلام فقال : (( أيها الملك ، كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، و نقطع الرحم ، ونسيء الجوار ، ـ الآن دققوا ـ حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه )) .
[أحمد عن أم سلمة]
كأن هذه الصفات الثلاث الصدق والأمانة والعفاف أركان القيم الأخلاقية ، هذا الإنسان إن حدثك فهو صادق ، وإن عاملك فهو أمين ، وإن استثيرت شهوته فهو عفيف ، نعرف أمانته وصدقه وعفافه ، أما النسب فتاج يتوج به المؤمن ، ولا قيمة للنسب من دون إيمان ، والدليل :
( سورة المسد ) .
أيها الإخوة ، قد يسأل سائل : لماذا التركيز على السيرة النبوية ؟ الحقيقة ليس التركيز على شخص النبي مع أنه سيد الخلق ، وحبيب الحق ، وسيد ولد آدم ، ولكن التركيز على منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن النبي وحده أقواله تشريع ، وأفعاله تشريع ، وإقراره تشريع ، وكمله الله عز وجل وعصمه من أن يخطئ في أقواله وفي أفعاله وفي إقراره ، وهو قدوة للبشر ، بل إن البشر خُلقوا ليكونوا على شاكلة محمد صلى الله عليه وسلم ، فالبحث في سيرة النبي بحث في المنهج القويم الذي ينبغي أن يتبعه الإنسان العاقل ، نحن في هذه الدروس نبحث عن منهج أمثل كي نسلكه ، وكي يكون النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لنا .
إخواننا الكرام ، يقول علماء السيرة : الله جل جلاله كان يكلأ النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحفظه ويحوطه من جاهلية الجاهلية ، يا ترى هل هذا شيء خاص بالنبي ؟ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ـ دققوا ـ : (( كلٌّ ميسَّر لما خُلق له )) .
[ متفق عليه ] .
يعني أي إنسان على الإطلاق (( ميسَّر لما خُلق له )) ، لماذا خُلق الإنسان ؟ أو لمَ خُلق الإنسان ؟ خُلق لجنة عرضها السماوات والأرض ، الدليل :
( سورة هود الآية : 119 ) .
فما منا واحد من ذكر وأنثى إلا وخُلق للجنة ، إلا وخُلق ليسعده في الدنيا والآخرة ، لذلك ولأن الله يعلم حقيقة الإنسان ، وخصائص الإنسان ، فالله جل جلاله ييسر كل مخلوق لما خُلق له ، أي ييسره للجنة ، فقد يقتضي أن تكون من أب معين ، ومن أم معينة ، وقد يقتضي أن تكون في زمن معين ، وقد يقتضي أن تكون في مكان معين ، وقد يقتضي أن تكون ذكراً ، وقد يقتضي أن تكون أنثى ، وقد يقتضي أن تكون لك ملامح خاصة ، فكل دقائق حياتك بدءاً من كونك ذكراً أو أنثى ، إلى أمك وأبيك ، إلى مكان ولادتك ، إلى زمان ولادتك ، إلى خصائص اسمك ، إلى قدراتك ، إلى استعداداتك ، هذا كله من تصميم الله عز وجل ، هذا كله من تصميم الله عز وجل ليكون عوناً لك لما خُلقت ، كل واحد منا محوط بعناية الله ، كل واحد منا مُيسر للطريق الأمثل الذي ينتهي به إلى الجنة ، هذه حقيقة مطلقة ، (( كل ميسر لما خُلق له )) ، أنت خُلقت للجنة ، أنسب شيء لك أن تكون كذا أو كذا ، في المكان الفلاني ، في الزمان الفلاني ، من الأب الفلاني ، من الأم الفلانية ، بخصائص معينة ، بوسامة أو بدمامة بذكاء أو بقلة ذكاء ، هذا كله في خدمة هدفك الذي خُلقت من أجله وهو الجنة ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، وكلما ازددت إيماناً ازددت رضا عن الله عز وجل .
( سورة البينة الآية : ) .
رجل يطوف حول الكعبة يقول : يا رب ، هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي ، قال يا هذا هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال يا سبحان الله من أنت ؟ قال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه ؟! فقال الإمام الشافعي : إذا كان سرورك بالقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله .
علامة إيمانك أن ترضى عن الله وقت الشدة ، في المكاره ، في إدبار الدنيا ، في الفقر أحياناً ، في المرض أحياناً ، فلذلك إذا قلنا : إن الله سبحانه وتعالى يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ، ويكلأه ويحفظه من جاهلية الجاهلية فكل واحد منا موضع عناية الله عز وجل ، بل يمكن أن نقول : إن الإنسان في العناية المشددة ، لك رب كريم يرعاك رعاية تامة فبطولتك أن ترضى عنه في المكاره كما في إقبال الدنيا .
الآن الإنسان حينما يتحرك ، حينما يدرس ، أو حينما يعمل ، أو حينما يتاجر ، أو حينما يسافر ، أو حينما يتزوج ، هذه الحركة حركة الإنسان في الحياة تكشف معدنه ، في الامتحان يدرس ويكتب ، أو يغش بالامتحان ، في التجارة يصدق أو يكذب ، ورد في بعض الآثار : (( إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يطروا ، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ، وإذا كان لهم لم يعسروا )) .
[ رواه الحكيم عن معاذ ] .
في الدراسة هناك امتحانات ، في التجارة هناك امتحانات ، في السفر هناك امتحانات ، في الزواج هناك امتحانات ، فحركة الإنسان في الحياة مجال لامتحانه .
( سورة المؤمنين ) .
النبي صلى الله عليه وسلم اشتغل بالتجارة ، وقد روي أنه شارك السائب ابن أبي السائب قبل بعثته ، كان له شريك ، وكان تاجر ، فلما كان يوم الفتح فتح مكة ، جاءه السائب فقال له : (( مرحباً بأخي وشريكي ، كان لا يداري ولا يماري )) .
[ رواه وأحمد والطبراني عن أبي السائب ] .
يعني لا يجادل ولا يدافع ، فهذا الشريك وصف النبي صلى الله عليه وسلم ، لذلك حينما أقول لكم : النبي صلى الله عليه وسلم قدوة اشتغل في التجارة ، وله شريك ، وكان شريكاً مضارباً بمال خديجة ، ورعى الغنم ، وذاق مر الحياة وحلوها ، وذاق النصر والقهر ، والغنى والفقر ، والصحة والمرض ، وموت الولد ، وطلاق البنات ، فكل ما تعتري الإنسان في حياته ذاقه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان مثلاً أعلى .
أيها الإخوة ، دققوا في هذه القاعدة التي سأضعها بين أيديكم ، البطولة ليس أن تنجو من مشكلة أو من مصيبة ، أو من محنة ، أو من امتحان ، أو من ابتلاء ، البطولة أن تقف الموقف الكامل من هذا الابتلاء ، قد يبتلى الإنسان بزوجة سيئة ، بطولته لا أن تكون زوجته جيدة ، قد يبتلى بزوجة سيئة ، ولكن حينما يقف الموقف الكامل منها فيصبر عليها فيرقى عند الله .
حتى إنه يروى أن أحدهم كانت تحته زوجة سيئة جداً ، فقيل له : طلقها ، قال : والله لا أطلقها فأغش بها المسلمين .
قد يبتلى بابن متعب ، قد يبتلى بجار ، قد يبتلى بصديق ، قد يبتلى بالفقر ، قد يبتلى بالمرض ، قد يبتلى أن يفقد حريته لأمد ، فليست البطولة ألا تصيبك مصيبة ، ولكن البطولة أن تقف الموقف الكامل من أي شيء يصيبك .
فخلاله صلى الله عليه وسلم كانت عذبة ، وشمائله كانت كريمة ، وفكره كان صائباً ، ورأيه كان راجحاً ، ومنطقه كان صادقاً ، ونهجه كان أميناً ، حتى وصلت كمالاته إلى الذروة ، لذلك أثنى الله على خلقه فقال :
( سورة القلم ) .
وقد يكون الإنسان ذا خُلق ، أما أن يكون على خُلق ، أيْ متمكن فصعب ، أحياناً الإنسان يستفز ، فينشأ عنده صراع ، ينتقم أو لا ينتقم ، لو أن في النهاية انتصر على نفسه ، ولم ينتقم ، نقول : فلان ذو خُلق ، أما إذا كان على خُلق ، أي ليس عنده صراع ، الموقف الكامل بديهي عنده ، هو في أعماق الكمال ، هو في قيم الكمال ، قال تعالى : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ .
أيها الإخوة ، حينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم كان تاجراً ، وشريكاً للسائب بن السائب ، وكان لا يداري ولا يماري ، لا بد من وقفة متأنية عنده المداراة والمداهنة ، ما هي المداهنة ؟ المداهنة أن تضحي بدينك من أجل دنياك ، مداهنة .
أن تضحي بفرائضك ، أن تضحي بطاعتك ، أن تضحي بكلمة الحق تلقيها في موطن صعب ، فحينما تضحي بدينك من أجل دنياك فهي المداهنة ، أما حينما تضحي بدنياك من أجل دينك فهي المداراة ، فالمؤمن يداري ولا يداهن ، والمنافق يداهن ولا يداري ، قد ينزل المؤمن عن بعض حقه ، يعني تطييباً لقلب خصمه ، قد ينزل الجار عن بعض حقه تطييباً لقلب جاره ، يتنازل عن دنياه من أجل رأد الصدع ولمّ الشمل وتطييب القلوب ، أما المنافق فيضحي بدينه من أجل دنياه .
شيء يلفت النظر ، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم عصمه الله من الكفر ، قبل البعثة ، وجنبه عبادة الأوثان التي عبدها قومه ، فلم يعبدها ، ولم يقدم لها القرابين ، ولم يكن يأكل مما يذبح على النصب ، وكان يستمسك بإرث إبراهيم .
في الدرس الماضي بينت لكم أنه قبل بعثة النبي سيدنا إبراهيم له إرث ، ففي حجه وفي نكاحه ، وفي علاقاته شرع إبراهيم له آثار في الجالية ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يستمسك قبل البعثة بإرث إبراهيم ، فكان لم يعبد صنماً ، ولم يقدم القرابين ، ولم يكن يأكل مما يذبح على النصب ، وكان في حجه ، وفي منكحه ، وفي بيوعه متمسكاً في إرث سيدنا إبراهيم .
كان عليه الصلاة والسلام يطوف بالكعبة المشرفة ، وقد طاف معه مولاه زيد بن حارثة مرة ، فلمس زيد بعض الأصنام ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد حلف زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ما مس منها صنماً حتى أكرمه الله بالوحي ، وكان التعري عند الطواف مألوفاً في الكعبة ، التعري كلياً عند الطواف كان مألوفاً في الكعبة .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم عصم أن يطوف عرياناً ، إذاً كان عليه الصلاة والسلام قبل البعثة ، وقبل نزول الوحي متمسكاً بإرث سيدنا إبراهيم أب الأنبياء .
مرةً استخدم أجيراً ، فتعرى هذا الأجير ليغتسل أمام الملأ ، فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الأجير : (( لا أراك تستحي من ربك خذ إجارتك لا حاجة لنا بك )) .
[ رواه عبد الرزاق عن ابن جريج ] .
فقبل البعثة ، وقبل الوحي كان عليه الصلاة والسلام قمة في الحياء ، وقمة في الخجل ، وقمة في الورع .
اشترك مع عمه العباس في نقل الحجارة لما جددت قريش بناء الكعبة ، كما ذكرت في الدرس الماضي ، فاقترح عليه عمه العباس أن يرفع إزاره ، ويجعله على رقبته ليقيه أثر الحجارة ما دام بعيداً عن الناس ، فلما فعل سقط على الأرض مغشياً عليه ، فلما أفاق طلب أن يشدوا عليه إزاره ، كان أشد حياء من العذراء في حجرها ، ومن علامات قيام الساعة ـ دققوا أيها الإخوة والأخوات ـ أن يرفع الحياء من وجوه النساء ، وأن تذهب النخوة من رؤوس الرجال ، وأن يمتلئ قلوب الأمراء بالقسوة ، لا رحمة بل قسمة .
شيء آخر أيها الإخوة ، يقول عليه الصلاة والسلام : (( الديوث لا يدخل الجنة ، قيل له من الديوث ؟ قال الذي لا يغار على عرضه أو يرضى الفاحشة في أهله )) .
النبي عليه الصلاة والسلام عرف بالصدق والأمانة ، وصلة الأرحام ، ومساعدة الضعفاء ، والبذل في الخير ، فكانت قريش تلقبه بالأمين .
دققوا أيها الإخوة في وصف السيدة خديجة .
بالمناسبة : الإنسان مقسم إلى ثلاثة أثلاث ، ثلث ـ وثلث ـ وثلث ـ فالثلث الأول يعرفه كل الناس ، فلان الفلاني ابن فلان ، طويل ، قوي ، مثقف ، طبيب ، مهندس ، تاجر ، عامل فلاح ، هذا الثلث الأول ، وثلث آخر لا يعرفه إلا المقربون إليه ، من هؤلاء زوجته ، من هؤلاء شريكه ، من هؤلاء من هو معه ليلاً نهاراً ، وثلث ثالث لا يعلمه إلا الله ، والخطورة دائماً في هذا الثلث الأخير ، فالإنسان له الظاهر ، والله يتولى السرائر .
فالسيدة خديجة من ألصق الناس به زوجته ، لما جاءه الوحي ، وخشي النبي شيئاً وذكر للسيدة خديجة وهي زوجته ، قالت : والله لا يخزيك الله أبداً .
دققوا أيها الإخوة ، وصدقوا أن كل واحد منا إذا كان على بعض هذه الصفات لا يخزيه الله أبداً ـ قالت له : والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل الضعيف ، وتكسب المعدوم وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الدهر .
بالفطرة إذا كنت صالحاً ، إذا كنت منصفاً ، إذا كنت محسناً ، إذا كنت كريماً إذا كنت صادقاً ، والله لا يخزيك الله أبداً .
أيها الإخوة ، مرة ثانية ما العبرة من هذه السيرة ؟ لا أن نستمع إلى شيء وقع ، ولن يقع ، ينبغي أن نستمع إلى قواعد ، وإلى علاقات ، وإلى قوانين ، والله لا يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ، من هم أصدقاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ؟ قالوا : قل لي من تصاحب أقل لم من أنت ، الإنسان دائماً يصاحب من كان على شاكلته ، فالكامل يحب الكامل والصادق يحب الصادق ، والأمين يحب الأمين ، والعفيف يحب العفيف .
بالمناسبة ، كقاعدة علمية : كل شخصية فيها تقريباً ألف سمة ، والشخصية الثانية فيها ألف سمة ، كم سمة مشتركة بين الشخصيتين ؟ هذه وراء المحبة والألفة ، فكلما زادت النقاط المشتركة بين شخصيتين ازدادت المحبة والألفة ، فأنت مثلاً يمكن أن تجلس مع أخ مؤمن عشر ساعات دون أن تمل منه ، السبب لأن نقاط التشابه في شخصيتك تقابل نقاط التشابه في شخصيته ، هناك نقاط مشتركة بين الشخصيتين .
أيها الإخوة ، من أصدقاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أبو بكر الصديق ، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، هؤلاء أصدقاءه قبل البعثة ، وأقول لكم : لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، ولا تصاحب إلا من ينهض بك إلى الله حاله ، ويدلك على الله مقاله ، لذلك اعتنِ عناية فائقة بأصدقائك ، هم عونك على طريق الإيمان ، يوم القيامة :
( سورة الفرقان ) .
لذلك أيها الإخوة ، أهم شيء في الحياة أن يكون أخ لك في الله ينصحك ، وتنصحه ، ويرشدك وترشده ، ويأخذ بيدك وتأخذ بيده ، هؤلاء الثلاثة عُرفوا بالأخلاق العالية ، والنظرة السليمة ، والبعد عن الرذائل ، والتثقف بثقافة حسنة من معرفة الأحساب والأنساب ، كما عُرفوا بإكرام الضيف ، والإنفاق بالخير ، وهذه الخصال الحميدة قربتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا أصدقاءه قبل البعثة .
أقول لكم من أعماق قلبي : اعتنوا بأصدقائكم ، ابحث عن صديق تزداد به علماً ، وتزداد به قرباً من الله .
بالمناسبة أيها الآباء ، أيتها الأمهات ، دققوا في أصدقاء أولادكم ، في الدراسة النفسية أن الطفل أو الشاب يتأثر 40 % من مجموع التأثير بمعلميه ، وأبيه وأمه ، ومرشده ، وكل من معه ، ويتأثر 60 % من أصدقاءه ، فالأب الصالح ، والأم الصالحة تدقق في أصدقاء ابنها ، لأن هؤلاء الأصدقاء إما أن يأخذوه إلى الهلاك ، أو إلى الرقي في الدنيا .
أيها الإخوة ، بشارات النبي صلى الله عليه وسلم : في التوارة توراة السامرة ، وإنجيل برنابا ، في هذين الكتابين المقدسين نصوص صريحة تبشر بظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نص إنجيل برنابا على التصريح برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، مثال ذلك ما ورد في الإصحاح الحادي والأربعين عن إخراج آدم وحواء من الجنة ، حيث نص على ما يلي :
فاحتجب الله ، وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس ، فلما التفت آدم رأى مكتوباً فوق الباب لا إله إلا الله محمد رسول الله ، هذا في إنجيل برنابا .
وقد أيدت المخطوطات التي عُثر عليها في منطقة البحر الميت حديثاً ما ورد من إنجيل برنابا المذكورة .
وحين تحدث السيد المسيح عليه السلام إلى الحواريين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرهم أنه قادم إلى العالم ، سأله الحواريون ، ما معلم من عسى أن يكون ذلك الرجل الذي سيأتي إلى العالم ؟ أجاب يسوع بابتهاج قلب : إنه محمد رسول الله ، ومثل هذه البشارات تتكرر في إنجيل برنابا في مواضع كثيرة ، إذاً هناك بشارات في التوراة والإنجيل تبشر بظهور النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي الإصحاح الثاني من إنجيل لوقة قوله : الحمد لله في الأعالي ، وعلى الدنيا السلام ، وللناس أحمد ، هذا في إنجيل لوقة .
والإصحاح السادس عشر من إنجيل لوقة يرد قول المسيح : إن لم أنطلق يأتيكم الفار قليط ، شرح الفار قليط ، لفظ سرياني مشتق من فاران ، بمعنى مكة ، وجبل فاران هو جبل حراء ، والقليط بمعنى المتحنث المتعبد ، وتأتي بمعنى الحامد وأحمد ، هذا أيضاً في إنجيل لوقة ، أما القرآن الكريم فالآية فيه صريحة :
( سورة الصف ) .
إذاً الفقرة التي تلت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم البشارات التي في التوراة والإنجيل عن ظهور النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن أمضي في متاعبة هذه الفكرة أقول لكم هذه الآية :
( سورة البقرة الآية : 146 ) .
بربكم هل هناك معرفة أصدق ، وأقوى ، وأمتن ، وأعمق ، وأكثر بديهية من معرفة الأب لابنه ، هل هناك أب على وجه الأرض يقول لابنه من أنت ؟ ﴿ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ ، أما صفات النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته فقد وردت في كل من التوراة والإنجيل بشكل صريح ، كما أخبر الله تعالى في الكتاب العزيز بقوله :
من ؟ رسول الله :
( سورة الأعراف ) .
نصوص كثيرة في التوراة والإنجيل ، وآيتان واضحتان صريحتان صارختان في القرآن الكريم تؤكد ظهور النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم ، وتؤكد صفات النبي صلى الله عليه وسلم .
إذاً : فالأخبار متوافرة بمعرفة أهل الكتاب بصفة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أخبر الله تعالى بذلك عن أهل الكتاب كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى :
( سورة البقرة ) .
أيها الإخوة ، هناك فكرة دقيقة جدا ، يقول ابن إسحاق عن رجال من الأنصار : إن مما دعانا إلى الإسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لما كنا نسمع من رجال يهود ، كنا أهل شرك وأصحاب أوثان ، وكانوا هم أهل كتاب ، عندهم علم ليس عندنا ، وكانت لا تزال بيننا و بينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا : إنه تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وارم ، ولاشك أن يهود المدينة كانوا يعرفون أن زمان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد اقترب ، لكنهم توهموا أنه منهم ، وكانوا يزعمون أنه منهم ، ويتوعدون به العرب وقد بين الله سبحانه وتعالى أنهم يعرفونه بصفاته ، وإنما أنكروا نبوته وجحدوها لما تبين لهم أنه من العرب قال تعالى : ﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ .
ملك الروم هرقل كان يقول حينما استلم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم : وقد كنت أعلم أنه خارج ، ولم أكن أظن أنه منكم ، كنت أعلم أنه خارج ، يعني سيظهر نبي ، ولم أكن أظن أنه منكم أيها العرب .
أيها الإخوة ، في هذا الدرس تحدثتا عن بشارات النبي في كتب أهل الكتاب التوراة والإنجيل ، وعن أخلاق النبي صلى الله عليه وسام وعن أصدقائه قبل البعثة .
وإلى لقاء أخر في موضوع فقه السيرة النبوية .
والحمد لله رب العالمين