سورة الطُّور
التسميَــة
حال الكفرة الأشقياء
حال المؤمنين السعداء
أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتذكير قومه بالقرآن
إثبات قدرة الخالق وعجز المخلوق
إخبار الله عن شدة طغيان الكفار وعنادهم
بَين يَدَي السُّورَة
* سورة الطور من السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة الإِسلامية، وتبحث في أصول العقيدة وهي "الوحدانية، الرسالة، البعث والجزاء".
* ابتدأت السورة الكريمة بالحديث عن أهوال الآخرة وشدائدها، وعما يلقاه الكافرون في ذلك الموقف الرهيب "موقف الحساب" وأقسمت على أن العذاب نازل بالكفار لا محالة، لا يمنعه مانع ولا يدفعه دافع، وكان القسم بأمور خمسة تنبيهاً على أهمية الموضوع.
* ثم تناولت الحديث عن المتقين وهم في جنات النعيم، على سرر متقابلين، وقد جمع الله لهم أنواع السعادة "الحور العين، واجتماع الشمل بالذرية والبنين، والتنعم والتلذذ بأنواع المآكل والمشارب من فواكه وثمار، ولحوم متنوعة مما يشتهى ويستطاب" إلى غير ما هنالك من أنواع النعيم، مما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
* ثم تحدثت عن رسالة محمد بن عبد الله صلوات الله عليه، وأمرته بالتذكير والإِنذار للكفرة الفجار، غير عابئ ما يقوله المشركون وما يفتريه المفترون حول الرسالة والرسول، فليس محمد صلى الله عليه وسلم بإِنعام الله عليه بالنبوة وإِكرامه بالرسالة بكاهن ولا مجنون كما زعم المجرمون.
* ثم أنكرت السورة على المشركين مزاعمهم الباطلة في شأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وردَّت عليهم بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة التي تقصم ظهر الباطل، وأقامت الدلائل على صدق رسالة محمد عليه السلام.
* وختمت السورة الكريمة بالتهكم بالكافرين وأوثانهم بطريق التوبيخ والتقريع، وبينت شدة عنادهم، وفرط طغيانهم، وأمرت الرسول صلى الله عليه وسلم بالصبر على تحمل الأذى في سبيل الله حتى يأتي نصر الله.
التسميَــة:
سميت "سورة الطُّور" لأن الله تعالى بدأ السورة الكريمة بالقسم بجبل الطور الذي كلَّم الله تعالى عليه موسى عليه السلام، ونال ذلك الجبل من الأنوار والتجليات والفيوضات الإِلهية ما جعله مكاناً وبقعةً مشرفة على سائر الجبال في بقاع الأرض.
{وَالطُّورِ(1)وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(2)فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ(3)وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ(4)وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ(5)وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ(6)إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ(7)مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ(8)يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا(9)وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا(10)فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ(11)الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ(12)يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا(13)هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ(14)أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ(15)اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(16)}
{ وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} أقسم تعالى بجبل الطور الذي كلَّم الله عليه موسى، وأقسم بالكتاب الذي أنزله الله على خاتم رسله وهو القرآن العظيم المكتوب {فِي رَقٍّ} أي في أديمٍ من الجلد الرقيق { مَنْشُورٍ} أي مبسوط غير مطوي وغير مختوم عليه قال القرطبي: أقسم الله تعالى بالطور - وهو الجبل الذي كلم الله عليه موسى - تشريفاً له وتكريماً، وتذكيراً لما فيه من الآيات، وأقسم بالكتاب المسطور أي المكتوب وهو القرآن يقرأه المؤمنون من المصاحف، ويقرأه الملائكة من اللوح المحفوظ، وقيل يعني بالكتاب سائر الكتب المنزلة على الأنبياء لأن كل كتاب في رقٍّ ينشره أهله لقراءته، والرقُّ ما رُقّق من الجلد ليكتب فيه {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} أي وأُقسم بالبيت المعمور الذي تطوف به الملائكة الأبرار، وهو لأهل السماء كالكعبة المشرفة لأهل الأرض، وفي حديث الإِسراء (ثم رفع إِليَّ البيت المعمور، فقلت يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كلَّ يوم سبعون ألف ملك، إِذا خرجوا منه لم يعودوا إِليه آخر ما عليهم) وقال ابن عباس: هو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة - أي مقابلها وحذاءها - تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إِليه {وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} أ ي والسماء العالية المرتفعة، الواقفة بقدرة الله بلا عمد، سمَّى السماء سقفاً لأنها للأرض كالسقف للبيت ودليله {وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً} وقال ابن عباس: هو العرش وهو سقف الجنة {وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ } أي والبحر المسجور الموقد ناراً يوم القيامة كقوله {وإِذا البحار سُجرت} أي أضرمت حتى تصير ناراً ملتهبة تتأجج تحيط بأهل الموقف { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} هذا جواب القسم أي إِن عذاب الله لنازل بالكافرين لا محالة قال ابن الجوزي: أقسم تعالى بهذه الأشياء الخمسة للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن عذاب المشركين حق {مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} أي ليس له دافع يدفعه عنهم قال أبو حيان: والواو الأولى للقسم وما بعدها للعطف، والجملة المقسم عليها هي {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} وفي إِضافة العذاب للرب لطيفة إِذ هو المالك والناظر في مصلحة العبد، فإِضافته إِلى الرب وإِضافته لكاف الخطاب أمانٌ له صلى الله عليه وسلم وأن العذاب واقع بمن كذبه، ولفظ واقع أشد من كائن، كأنه مهيأ في مكان مرتفع فيقع على من حلَّ به {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} أي تتحرك السماء وتضطرب اضطراباً شديداً من هول ذلك اليوم {وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} أي تنسف نسفاً عن وجه الأرض فتكون هباءً منثوراً كقوله {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً} قال الخازن: والحكمة في مور السماء وسير الجبال، الإِنذارُ والإِعلام بأن لا رجوع ولا عود إِلى الدنيا، وذلك لأن الأرض والسماء وما بينهما من الجبال والبحار وغير ذلك إِنما خلقت لعمارة الدنيا وانتفاع بني آدم بذلك، فلما لم يبق لهم عودٌ إِليها أزالها الله تعالى وذلك لخراب الدنيا وعمارة الآخرة {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} أي هلاك ودمار وشدة عذاب للمكذبين أرسلَ الله في ذلك اليوم الرهيب {الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي الذين هم في الدنيا يخوضون في الباطل غافلون ساهون عما يراد بهم {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي يوم يُدفعون إِلى نار جهنم دفعاً بشدة وعنف قال في البحر: وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيدي الكفار إِلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إِلى أقدامهم، ويدفعون بهم دفعاً إِلى النار على وجوههم وزجاً في أقفيتهم حتى يردوا إِلى النار، فإِذا دنوا منها قال لهم خزنتها {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} أي هذه نار جهنم التي كنتم تهزءون وتكذبون بها في الدنيا {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} أي وتقول لهم الزبانية تقريعاً وتوبيخاً: هل هذا الذي ترونه بأعينكم من العذاب سحرٌ، أم أنتم اليوم عميٌ كما كنتم في الدنيا عمياً عن الخير والإِيمان؟ قال أبو السعود: وقوله تعالى {أَفَسِحْرٌ هَذَا} توبيخ لهم وتقريع حيث كانوا يسموه القرآن الناطق بالحق سحراً فكأنه قيل لهم: كنتم تقولون عن القرآن إِنه سحر أفهذا العذاب أيضاً سحر أم سُدَّت أبصاركم كما سدَّت في الدنيا؟ {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} أي قاسوا شدتها فاصبروا على العذاب أو لا تصبروا، وهو توبيخ آخر {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} أي يتساوى عليكم الصبر والجزع لأنكم مخلدون في جهنم أبداً { إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } إنما أي إِنما تنالون جزاء أعمالكم القبيحة من الكفر والتكذيب، ولا يظلم ربك أحداً.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ(17)فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(18)كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(19)مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ(20)وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21)وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ(22)يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ(23)وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ(24)وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ(25)قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ(26)فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ(27)إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ(28)}.
ولما ذكر حال الكفرة الأشقياء ذكر حال المؤمنين السعداء على عادة القرآن الكريم في الجمع بين الترهيب والترغيب فقال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} أي إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هم في الآخرة في بساتين عظيمة ونعيم مقيم خالد {فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أي متنعمين ومتلذذين بما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة وأصناف الملاذ من مآكل ومشارب، وملابس ومراكب، وغير ذلك من ملاذ الجنة {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أي وقد نجاهم ربهم من عذاب جهنم وصرف عنهم أهوالها قال ابن كثير: وتلك نعمة مستقلة بذاتها مع ما أضيف إِليها من دخول الجنة، التي فيها من السرور ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي يقال لهم: كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً، لا تنغيص فيهولا كدر، بسبب ما قدمتم من صالح الأعمال .. ثم أخبر تعالى عن حالهم عند أكلهم وشربهم فقال {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} أي جالسين على هيئة المضطجع على سرر من ذهب مكلَّلة بالدر والياقوت، مصطفة بعضها إِلى جانب بعض، قال ابن كثير: {مَصْفُوفَةٍ} أي وجوه بعضهم إِلى بعض كقوله {على سررٍ متقابلين} وفي الحديث (إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنةً ما يتحول عنه ولا يملُّه، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذات عينه) {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} أي وجعلنا لهم قرينات صالحات، وزوجات حساناً من الحور العين، وهنَّ نساء بيض واسعات العيون - من الحَوَر وهو شدة البياض، والعينُ جمع عيناء وهي كبيرة العين - والبياضُ مع سعة العين نهاية الحسن والجمال {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} أي كانوا مؤمنين وشاركهم أولادهم في الإِيمان {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي ألحقنا الأبناء بالآباء لتقرَّ بهم أعينهم وإِن لم يبلغوا عملهم قال ابن عباس: إِن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإِن كان لم يبلغها بعمله لتقرَّبهم عينه وتلا الآية قال الزمخشري: فيجمع الله لأهل الجنة أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي وما نقصنا الآباء من ثواب عملهم شيئاً قال في البحر: المعنى أنه تعالى يُلحق المقصِّر بالمحسن ولا ينقص المحسن من أجره شيئاً {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} أي كل إِنسان مرتهن بعمله لا يُحمل عليه ذنب غيره سواء كان أباً أو إبناً وقال ابن عباس: ارتهن أهل جهنم بأعمالهم، وصار أهل الجنة إِلى نعيمهم وقال الخازن: المراد بالآية الكافر أي كل كافر بما عمل من الشرك مرتهن بعمله في النار، والمؤمن لا يكون مرتهناً بعمله لقوله تعالى: {كل نفسٍ بما كسبت رهينة إِلا أصحاب اليمين} .. ثم ذكر ما وعدهم به من الفضل والنعمة فقال {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي وزدناهم - فوق ما لهم من النعيم - بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويُشتهى {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي يتعاطون في الجنة كأساً من الخمر، يتجاذبها بعضهم من بعض تلذذاً وتأنساً قال الألوسي: أي يتجاذبونها تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامى في الدنيا لشدة سرورهم {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} أي لا يقع بينهم بسبب شربها هذيان حتى يتكلموا بساقط الكلام، ولا يلحقهم إِثم كما يلحق شارب الخمر في الدنيا قال قتادة: نزّه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها صُداع الرأس، ووجع البطن، وإِزالة العقل، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام الفارغ الذي لا فائدة فيه، المتضمن للهذيان والفحش، ووصفها بحسن منظرها، وطيب طعمها، فقال {بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غولٌ ولا هم عنها يُنزفون} ثم قال تعالى {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ} أي ويطوف عليهم للخدمة غلمان مماليك خصصهم تعالى لخدمتهم {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} أي كأنهم في الحسن، والبياض، والصفاء اللؤلؤ المصون في الصدف قال القرطبي: وهؤلاء الغلمان قيل هم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة، وليس في الجنة نصب ولا حاجة إِلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على غاية النعيم {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي أقبل أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، تلذذاً بالحديث، واعترافاً بالنعمة {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي قال المسؤولون: إِنا كنا في دار الدنيا خائفين من ربنا، مشفقين من عذابه وعقابه {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} أي فأكرمنا الله بالمغفرة والجنة، وأجارنا مما نخاف، وحمانا من عذاب جهنم النافذة في المسام نفوذ الريح الحارة الشديدة وهي التي تسمى {السَّمُومِ} قال الفخر الرازي: والآية إِشارة إِلى أن أهل الجنة يعلمون ما جرى عليهم في الدنيا ويذكرونه، وكذلك الكافر لا ينسى ما كان له من النعيم في الدنيا، فتزداد لذة المؤمن حيث يرى نفسه انتقلت من الضيق إِلى السعة، ومن السجن إِلى الجنة، ويزداد الكافر ألماً حيث يرى نفسه انتقلت من النعيم إِلى الجحيم {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} أي قال أهل الجنة: إِنا كنا في الدنيا نعبد الله ونتضرع إِليه، فاستجاب الله لنا فأعطانا سؤلنا {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} أي إِنه تعالى هو المحسن، المتفضل على عباده بالرحمة والغفران، وهو كالتعليل لما سبق، عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قرأت هذه الآية {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ* إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فقالت: اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم إِنك أنت البر الرحيم.
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ(29)أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ(30)قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ(31)أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ(32)أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ(33)فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ(34)}
سبب النزول:
نزول الآية (30):
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ }: أخرج ابن جرير وابن إسحاق عن ابن عباس: أن قريشاً لما اجتمعوا في دار النَّدْوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قال قائل: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك، كما هلك من قبله من الشعراء: زهير والنابغة والأعشى، فإنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ}.
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} أي فذكّر يا محمد بالقرآن قومك وعظهم به، فما أنت بإِنعام الله عليك بالنبوة وإِكرامه لك بالرسالة {بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ} أي لست كاهناً تخبر بالأمور الغيبية من غير وحي، ولا مجنوناً كما زعم المشكرون، إِنما تنطق بالوحي .. ثم أنكر عليهم مزاعمهم الباطلة في شأن الرسول فقال {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي بل أيقول المشركون هو شاعر ننتظر به حوادث الدهر وصروفه حتى يهلك فنستريح منه؟ قال الخازن: وريبُ المنون حوادث الدهر وصروفه، وغرضهم أنه يهلك ويموت كما هلك من كان قبله من الشعراء، والمنون اسم للموت وللدهر وأصله القطع، سميا بذلك لأنهم يقطعان الأجل {قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} أي قل لهم يا محمد: انتظروا بي الموت فإِني منتظر هلاككم كما تنتظرون هلاكي، وهو تهكم بهم مع التهديد والوعيد {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا}؟ أي أم تأمرهم عقولهم بهذا الكذب والبهتان؟ قال الخازن: وذلك أن عظماء قريش كانوا يصفون بالأحلام والعقول، فأزرى الله بعقولهم حين لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل، وهو تهكم آخر بالمشركين {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي بل هم قوم مجاوزون الحد في الكفر والطغيان، والمكابرة والعناد {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ} أي أم يقولون إن محمداً اختلق القرآن وافتراه من عند نفسه قال القرطبي: والتقوُّل تكلف القول، وإِنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر، يقال: قوَّلتني ما لم أقل أي ادعيته عليَّ، وتقوَّل عليه أي كذب عليه {بَل لا يُؤْمِنُونَ} أي ليس الأمر كما زعموا بل لا يصدقون بالقرآن استكباراً وعناداً ثم ألزمهم تعالى الحجة فقال {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} أي فليأتوا بكلامٍ مماثلٍ للقرآن في نظمه وحسنه وبيانه، إِن كانوا صادقين في قولهم إِن محمداً افتراه، وهو تعجيزٌ لهم مع التوبيخ.
{أَمْ خُلِقوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ(35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ(36)أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ(37)أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ(38)أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ(39)أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(40)أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ(41)أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ(42)أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(43)}.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أي هل خُلقوا من غير ربٍ ولا خالق؟ قال ابن عباس: من غير ربٍ خلقهم وقدَّرهم {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أي أم هم الخالقون لأنفسهم، حتى تجرءوا فأنكروا وجود الله جلّ وعلا؟ {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} أي أم هم خلقوا السماوات والأرض؟ وإِنما خصَّ السماواتِ والأرض بالذكر من بين سائر المخلوقات لعظمها وشرفها، ثم بيَّن تعالى السبب في إِنكارهم لوحدانية الله فقال {بَل لا يُوقِنُونَ} أي بل لا يصدقون ولا يؤمنون بوحدانية الله وقدرته على البعث ولذلك ينكرون الخالق قال الخازن: ومعنى الآية هل خُلقوا من غير شيءٍ خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق ضروري، فإِن أنكروا الخالق لم يجز أن يوجدوا بلا خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشدُّ، لأن ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإِذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم خالقاً فليؤمنوا به، وليوحدوه، وليْعبدوه، وليْوقنوا أنه ربهم وخالقهم {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ}؟ أي أعندهم خزائن رزق الله ورحمته حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها عمن شاءوا؟ قال ابن عباس: {خَزَائِنُ رَبِّكَ} المطر والرزقُ وقال عكرمة: النبوة {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ}؟ أي أم هم الغالبون القاهرون حتى يتصرفوا في الخلق كما يشاءون؟ لا بل الله عز وجل هو الخالق المالك المتصرف وقال عطاء: {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} أم هم الأرباب فيفعلون ما يشاءون ولا يكونون تحت أمر ولا نهي؟ {أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}؟ أي أم لهم مرقى ومصعد إِلى السماء يستمعون فيه كلام الملائكة والوحي فيعلمون أنهم على حقٍّ فهم به مستمسكون؟ {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي فليأت من يزعم ذلك بحجة بينة واضحة على صدق استماعه كما أتى محمد بالبرهان القاطع .. ثم وبخهم تعالى على ما هو أشنع وأقبح من تلك المزاعم الباطلة وهو نسبتهم إِلى الله البنات، وجعلهم لله جل وعلا ما يكرهون لأنفسهم فقال {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ}؟ أي كيف تجعلون لله البنات - مع كراهتكم لهن - وتجعلون لأنفسكم البنين؟ أهذا هو المنطق والإِنصاف؟ قال القرطبي: سفَّه أحلامهم توبيخاً لهم وتقريعاً والمعنى أتضيفون إِلى الله البنات مع أنفتكم منهن، ومن كان عقله هكذا فلا يُستبعد منه إِنكار البعث وقال أبو السعود: تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولهم، وإِيذانٌ بأن من هذا رأيه لا يكاد يُعد من العقلاء، فضلاً عن الترقي إِلى عالم الملكوت، والاطلاع على الأسرار الغيبية، والالتفات إِلى الخطاب لتشديد الإِنكار والتوبيخ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} أي هل تسألهم يا محمد أجراً على تبليغ الرسالة وتعليم أحكام الدين؟ {فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} أي فهم بسبب ذلك الأجر والغُرم الثقيل الذي أوجبته عليهم مجهدون ومتعبون فلذلك يزهدون في اتباعك، ولا يدخلون في الإِسلام؟ فإِن العادة أن من كلف إِنساناً مالاً وضربَ عليه جُعلاً يصير مثقلاً وغارماً بسببه فيكرهه ولا يسمع قوله ولا يمتثله {أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}؟ أي أعندهم علم الغيب حتى يعلموا أنَّ ما يخبرهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمور الآخرة والحشر والنشر باطلٌ فلذلك يكتبون هذه المعلومات عن معرفةٍ ويقين؟ قال قتادة: هو ردٌّ لقولهم {شاعر نتربص به ريب المنون} والمعنى أعَلموا أن محمداً يموتُ قبلهم حتى يحكموا بذلك؟ وقال ابن عباس: أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه، ويُخبرون الناس بما فيه؟ ليس الأمر كذلك فإِنه لا يعلم أحدٌ من أهل السماوات والأرض الغيب إِلا الله {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} ؟ أي أيريد هؤلاء المجرمون أن يتآمروا عليك يا محمد؟ قال المفسرون: والآية إِشارة إِلى كيدهم في دار الندوة وتآمرهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {وإِذْ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك} {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} أي فالذين جحدوا رسالة محمد هم المجزيون بكيدهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم، ووباله راجع على أنفسهم كقوله {ولا يحيق المكرُ السيء إِلا بأهله} قال الصاوي: وأوقع الظاهر {فَالَّذِينَ كَفَرُوا} موقع المضمر تشنيعاً وتقبيحاً عليهم بتسجيل وصف الكفر {أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}؟ أي ألهم إِله خالق رازق غير الله تعالى حتى يلجأوا إِليه وقت الضيق والشدة؟ ويستنجدوا به لدفع الضُّرِّ والعذاب عنهم؟ {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزَّه وتقدَّس الله عما يشركون به من الأوثان والأصنام قال الإِمام الجلال: والاستفهام بـ "أم" في مواضعها الخمسة عشر للتوبيخ والتقريع والإِنكار.
{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ(44)فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ(45)يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ(46)وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(47)وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ(48)وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ(49)}
ثم أخبر تعالى عن شدة طغيانهم وفرط عنادهم فقال {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} أي لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء نزلت عليهم لم ينتهوا ولم يرجعوا، ولقالوا في هذا النازل عناداً واستهزاءً: إِنه سحاب مركوم {يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} أي إِنه سحاب متراكم بعضُه فوق بعض قد سقط علينا قال أبو حيان: كانت قريشٌ قد اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اقترحت من قولهم {أو تُسقط السماء كما زعمت علينا كِسفاً} فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً حسب اقتراحهم لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه ويقولوا: هو سحابٌ مركوم أي سحاب تراكم بعضه فوق بعض ممطرنا، وليس بكسفٍ ساقطٍ للعذاب {فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} أي اتركهم يا محمد يتمادون في غيهم وضلالهم، حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب - يوم القيامة - الذي يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم ويسلب ألبابهم {يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أي يوم لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا ولا يدفع عنهم شيئاً من العذاب {وَلا هُمْ يُنصَرُونَ} أي ولا هم يُمنعون من عذاب الله في الآخرة {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} أي وإِن للذين كفروا عذاباً شديداً في الدنيا قبل عذاب الآخرة قال ابن عباس: هو عذاب القبر وقال مجاهد: هو الجوع والقحط سبع سنين {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون أن العذاب نازل بهم {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي اصبرْ يا محمد على قضاء ربك وحكمه، فيما حمَّلك به من أعباء الرسالة {فَإِنَّكَ بِأَعْينِنَا} أي فإِنك بحفظنا وكلاءتنا نحرسك ونرعاك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أي ونزِّه ربك عما لا يليق به من صفات النقص حين تقوم من منامك ومن كل مجلس بأن تقول: سبحان الله وبحمده قال ابن عباس: أي صلِّ للهِ حين تقومُ من منامك {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أي ومن الليل فاذكره واعبده بالتلاوة والصلاة والناسُ نيام كقوله {ومن الليل فتهجَّد به نافلةً لك} {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أي وصلِّ له في آخر الليل حين تدبر وتغيب النجوم بضوء الصبح قال ابن عباس: هما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر وفي الحديث (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).