كيف تصبح فاشلاً...؟!!!!!!!! نعم...كيف تصبح فاشلاً؟؟؟ أن يسعى الإنسان إلى النجاح فهذا شيء عادي وملموس في حياة الملايين . وما أكثر قصص النجاح التي ترويها الصحف وتبثها الشاشات وتذيعها محطات الإذاعة ويتفنن في عرضها الكتّاب والصحفيون والأدباء . ولكن ما أقل أن يتجه كاتب أو منتج أفلام إلى ترويج قصة بطلها فاشل وكأن الفشل شيء سهل يصل الناس إليه دون عناء . والواقع أن الفشل كالنجاح في حياة الناس ، يحتاج إلى الصبر والمثابرة والجهد العظيم . ولا يستطيع كل من هب ودب أن يصبح فاشلاً من غير أن يدرب نفسه ويصقلها حتى تكتسب خبرة ومراناً وقدرة فائقة على تفادي النجاح والمروق بسرعة إلى الفشل . وقد تظن - رزقك الله الريث وجنّبك العجلة - أن الفشل ممقوت ، والنجاح محبوب ، وفي هذا مغالطة كبيرة لأن النجاح له آثار جانبية شديدة الخطر على شخصية الإنسان الناجح ، فهو يعاني أشد المعاناة من الغرور الشخصي الذي قد يدمر صاحبه تدميراً . فما أن يحس الإنسان ببادرة من بوادر النجاح حتى توسوس له نفسه بأنه الأذكى والأقوى والأكفأ . . . وشيئاً فشيئاً يصبح نجاحه عبئاً عليه وعلى الآخرين . ومن ناحية أخرى يعاني الناجحون معاناة كبيرة من حسد الآخرين وحقدهم وقد تُحاك ضدهم المؤامرات وتُدبَّر لهم الدسائس ، وتُحفر في طريقهم أخاديد الفتن والكيد العظيم . وقد يصاب الناجحون بأمراض يسميها علماء النفس " أمراض الطموح " ، فما أن يصل أحدهم إلى منصب حتى يتطلع إلى ما بعده . وشيئاً فشيئاً يرتفع عنده ضغط الدم ، فالسكر ، فالقلب ، فالغضاريف . . فالمستشفى التخصصي !! فالعلاج على نفقة الدولة إن كان راقصا أو راقصة [ ومن في حكمهما ] والتعجيل بلقاء الحور العين إن كان من الناجحين المشاغبين !!. أما الفاشلون فإنهم في نعيم مقيم ، ورفاهية بريئة من الحسد . فهم يعيشون على هامش الحياة لا يحيط بهم الحاسدون والحاقدون ومرضى النفوس ، ولا يتألمون إذا تألم الناس ، ولا يعانون طموحاً ولا توابع الطموح من أمراض الضغط والسكر والتهاب المفاصل وتصلب الشرايين وترقب رضا الحكومة . غير أن هؤلاء الفاشلين لم يصلوا إلى هذه " الرحرحة " العقلية ، ولم تكن طريقهم مفروشة بالورود والرياحين ، وإنما قاسوا مقاساة عالية ، وعانوا معاناة قاسية حتى حققوا لأنفسهم هذا الفشل الذريع . وصاروا مضرب المثل في سوء التدبير وراحة البال !! وأول الطريق إلى الفشل - متعك الله بالصحة - أن تنام حين تحب أن تنام ليلاً أو نهاراً فلا يقلقك أن تغيب عن عملك ، فزملاؤك سيقومون بعملك خير قيام ولن تنقلب السماء على الأرض إذا فاتك التوقيع في دفاتر العمل يوماً أو يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع على حين لا يأتيك النوم بسهولة عندما تريده . فعليك إذاً أن تستجيب لداعي النوم متى دعاك ولا تنصرف عنه بدعوى أن وراءك عملاً فتخسر بذلك لذة لا تعادلها لذة . . هي لذة النوم والشخير إذا كنت من المشخرين . وعليك - إذا أردت أن تضمن لنفسك الفشل - أن تخلف مواعيدك أو بمعنى أدق ، أن تستمتع بوقتك بحرية لأن المواعيد تقيد حرية الإنسان فتقتل في نفسه عناصر الإبداع . فقد تكون مستغرقاً في تفكير عميق ثم يزعجك تذكر موعد عليك الوفاء به . فتقطع تفكيرك قطعاً وتهرع إلى هذا الموعد قلقاً مضطرباً فيفوتك ما كنت فيه من تفكير ويعسر عليك أن تعود إليه إذا أردت . فلتظل فيما أنت فيه وليتعلق الطرف الآخر الذي ينتظرك فسيجد حتماً ما يشغله عنك . . كما أنك قد تذهب إليه فلا تلقاه وحينئذ تكون قد خسرت الاثنتين : متعة ما كنت فيه ، وفرصة الوفاء بالوعد فتعود كسيفاً محسوراً . ثم عليك - إذا كنت مصمماً على الفشل كمنهج حياة - أن تشرع في أكثر من عمل في وقت واحد ثم لا تتم عملاً مما شرعت فيه . بل تظل تدور بين عدة اهتمامات فتشغل البال بموضوعاتك المتعددة فتعيش بذلك في قلق جميل يمنحك النشاط الذهني المتجدد ، فينتقل فكرك من مجال إلى مجال ، وتتناطح في رأسك قضية مع قضية ، فينشط عقلك ، ويزدهر تفكيرك . أما تركيزك في موضوع واحد من ساعة أن تبدأ فيه إلى أن تنتهي منه ، فإنه يفضي بك إلى الملل ، وتصبح حياتك خارج هذا الموضع فراغاً في فراغ . فأنت بهذا الصنيع لا تضمن تشتت ذهنك فحسب ، بل تضمن إلى جانب ذلك عدم إنجاز شيء مطلقاً . وهذا أضمن طرق الفشل العظيم . فإذا سألتني - نوّر الله بصيرتك - عن السبيل إلى التمتع بالحياة كيف يتأتى مع تحقيق الفشل أجبتك بان التمتع بالحياة في حقيقته أمر نسبي تختلف فيه أذواق الناس ورؤاهم . فكما يسعد الناجحون - لفرط غبائهم - بما حققوا من نجاح ، فكذلك يستطيع الفاشلون أن يفخروا بما توصلوا إليه من فشل . لأن الفشل إذا كان هدفاً للإنسان كان مجرد تحقيقه وسيلة للسعادة . فالسعادة والاستمتاع بالحياة لا يشعر بهما الإنسان إلا إذا حقق أهدافه بغض النظر عن ماهية تلك الأهداف ولعلك - هداك الله - لا تنكر أن كتبة الشكاوي الكيدية يسعدون كلما أصابت شكاواهم بريئاً أو نالت من خصمهم نيلاً ويحسون أن حياتهم ثرية شائقة ممتعة . ويشاركهم الإحساس بهذه السعادة سافكو الدماء ، والمشاغبون ، والداعون إلى تطبيع العلاقات مع الأعداء ، ومسلّكو المجاري ، وشمامو الهيروين ومهربو المخدرات . والجراحون الكبار ، والمحامون المشهورون ، وخبراء التزوير والتزييف ، كل أولئك وغيرهم لهم مبرراتهم الخاصة للشعور بالسعادة والتمتع بالحياة . فلماذا لا يتساوى معهم محترفو الفشل والساعون إليه والحريصون عليه ؟ أوليسوا قد وضعوه هدفاً لهم يجرون وراء تحقيقه ويصرون على نيله كل الإصرار ؟ فما بالنا ننكر عليهم سعادتهم إذا أصابوا ما يريدون وحققوا ما يبتغون ؟ إنه لمن السهل عليك - وأنت بذلك بصير - أن تكون عظيماً أو ناجحاً أو مشهوراً . فيكفي أن تنقذ غريقاً أو ترد على عدو بمثل صنيعه ، أو تشيع حولك جوّاً من المرح والتفاؤل ، كل ذلك قد يكفل لك سعادة مزيفة ويضمن لك مديح الآخرين . :: Manqol.com :: ولكن : أن تكون فاشلا فهذه مسألة شائكة وغاية لا تتحقق بسهولة فالفشل- كالعظمة- له شروط وضوابط وأصول ولا يستطيع كل أحد أن يصل إليها بمجرد التمني . وقديماً قال المتنبي : ذو العقل يشقى - في النعيم - بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم وقال بعض المرحرحين : " الملك هو من لا يعرفه الملك