كيـــف نشــــــــأت اللغـــــات وتعـــددت؟ من آيات الله التي لفت الانتباه إليها –سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز تعدد لغات الناس وألسنهم، رغم أن أصلهم واحد، وأبوهم آدم عليه السلام. قال الله تعالى : { ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمين }
فكيف نشأت تلك اللغات؟ وتفرعت كل ذلك التفرع؟ وماهي اللغة الأم للبشرية؟ وكم عددها الآن الرئيسي منها وغير الرئيسي؟ وهل تتغير اللغات وتتطور؟ وهل ينقرض البعض منها؟ وكيف يتعلم الإنسان الكلام بلغته؟ وما أسباب التشابه في كثير من الكلمات في بعض اللغات؟ وكيف ولدت اللغة العربية؟ وهل تطورت عن الوضع الذي ولدت به؟ وما مكانة اللغة العربية الآن بين اللغات عند علماء دراسة اللغات؟ وبماذا تتميز هذه اللغة عما سواها؟ كل هذه أسئلة نحاول الإجابة عليها في هذا المبحث. علم الفيلولوجيا: هذا اسم علم دراسة اللغات، والذي يتخصص فيه مئات الخبراء والدارسين، واللغة كما يعرفها هذا العلم هي: أصوات يعبر كل جيل من الناس عما في وجدانهم، أو هي الكلام المصطلح عليه بين كل قوم. ويدعي البعض أن كلمة (لغة) في العربية مأخوذة من لفظة (لوغوس) اليونانية ومعناها (كلمة). عدد اللغات الآن، وأهمها: يقدر علماء الفيلولوجيا عدد اللغات المنطوقة الآن عند البشر بثلاثة آلاف لغة، كثير منها لغات محدودة ينطق بها عدد قليل من الناس، واللغات الرئيسية التي يتكلم بها أكثر من مليون شخص للغة الواحدة تزيد قليلا على المائة لغة. من تلك اللغات تسع عشرة لغة كبرى يزيد عدد المتكلمين بكل منها عن خمسين مليون شخص، وهي: في جنوب آسيا:الهندية، والأوردية، والبنغالية، والبنجابية، والتاميلية، والماراثية، والتيلوجية. وفي بقية آسيا: الصينية، الملايوية-أندنوسية، واليابانية، والكورية. وفي أوروبا: الروسية، والإيطالية، والألمانية. يضاف إليها الخمس لغات العابرة للحدود التي يتحدث بها سكان العديد من الدول، وهي اللغات الأهم في العالم، وهي: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والإسبانية، والبرتغالية. تقسيم اللغات حسب غناها اللفظي والمعنوي: تنقسم اللغات إلى قسمين: أ- اللغات المنحطة: وهي الأقل تعبيرا عن المعاني، وأبسط ألفاظا، ومنها اللغات الإفريقية، ولغات الهنود الحمر، واللغات الصينية،ولغة البربر، ولغة الأحباش، وبعض اللغات القديمة مثل لغة قدماء المصريين، وغيرها. ب- اللغات المرتقية: وهي اللغات واسعة التعبير عن المعاني، وشاملة الألفاظ، وهي قسمان: 1- غير متصرفة: مثل اللغة التركية. 2- متصرفة: تقبل التصريف، وهي قسمان عظيمان: آرية، وسامية. اللغات الآرية: وتسمى اللغات (الهندوأوروبية)، وقد توصل العلماء بعد استقراء طويل أن أصل كل تلك اللغات واحد وهو اللغة الآرية المفقودة،والتي يذهب البعض –وإن كانت فرضية لم تثبت- إلى أنها كانت لغة قوم في شمال أوروبا في القرون الغابرة قبيل الطوفان أو بعده، وربما كانوا من نسل يافث بن نوح عليه السلام. وهذه اللغات الآرية يتكلم بها حوالي نصف البشر وهم سكان جنوب آسيا (شبه القارة الهندية)، وكذلك سكان أوروبا والسكان الجدد الحاليين للأمريكتين وأستراليا. وهذه اللغة قسمان:جنوبية وشمالية. أ- الجنوبية: وهي اللغات السنسكريتية، ومنها اللغات الهندية، والأفغانية، واللغة الفارسية، والكردية، والأرمنية. ب- الشمالية: وهي أنواع متعددة أهمها: 1- اللاتينية: ومنها الإيطالية والفرنسية والأسبانية والرومانية. 2- الجرمانية: ومنها اللغات الإنجليزية والألمانية والهولندية. 3- الإغريقية: ومنها اليونانية. اللغات السامية: وتسمى اللغات الأفروآسيوية، وهي لغات قديمة اندثر معظمها، ولكنها كانت لغات الحضارة الكبرى عبر التاريخ، وهي أقسام ثلاثة: أ) الآرامية: ومنها اللغات البابلية والكلدانية والسريانية، ويرى بعض علماء اللغات أنها لغة واحدة تطورت في مراحل زمنية متفاوتة. ب) العبرانية: ومنها اللغة العبرية الحالية لليهود، وكذلك الفينيقية والقرطاجية. ج) العربية: وهي اللغة الأرقى ولغة القرآن الكريم، وقد تفرعت عنها بعض لغات الحبشة في الأدوار السابقة لها. اللغة الأم للبشرية: كان اليهود قد أشاعوا عند الناس قبل الاكتشافات الأثرية أن لغتهم العبرانية هي اللغة الأم للناس، وأنها لغة آدم والقرون الأولى، وانتشر هذا الاعتقاد في أوروبا في القرون الوسطى. ولما جاءت الاكتشافات الأثرية وتشكل علم اللغات لم تقو تلك الدعوى على الصمود، حيث اكتشفت كتابات بلغات أخرى قبل الزمن الذي دونت فيه التوراة، وأرسل فيه موسى، بل قبل زمن إبراهيم عليه السلام، ولم يعثر على كتابات أو آثار عبرية من تلك الأزمان المتقدمة بتاتا. فقد وجدت سجلات مكتوبة باللغة الصينية ترجع إلى قبل ثلاثة آلاف وخمسمائةسنة، أي في حدود 1500 ق.م، كما وجدت سجلات بالكتابة الهيروغليفية المصرية القديمة قبل خمسة آلاف عام, أما أقدم سجلات مكتوبة ومعروفة حتى الآن فهي صور الكلمات السومرية المكتوبة قبل حوالي خمسة آلاف وخمسمائة عام، أي في حدود 3500 ق.م. وعلى هذا الأساس؛ وعلى أساس دراسات التشابه اللغوي والاشتقاقات اللغوية والصوتية في اللغات، وأسس علمية أخرى؛ يرى بعض علماء اللغات أن اللغة البابلية هي اللغة الأم للبشرية، وهي اللغة التي تكونت السومرية منها. كما أن هناك فرضيات أخرى للغة الأم منها السريانية والعربية. والراجح أن اللغة البابلية هي لغة الناس الأم بعد الطوفان، في حدود الألف الرابعة قبل الميلاد.
وهنا يتبادر السؤال المهم: كيف؛ ولماذا اختلفت اللغات وتنوعت؟ نشأت الحضارة الأولى في العراق بين نهري دجلة والفرات، وهي حضارة البشرية بعد الطوفان ولغة الناس حينئذ البابلية. وحصل أن الناس كثروا بعد ذاك فتفرقوا في الأرض في هجرات جماعية طلبا للعيش وبحثا عن الرزق، وكان من أول الهجرات تلك التي كانت إلى بلاد النيل، وإلى الصين، وكونت حضارات كبرى مشهورة. وبدأ الناس يجدون في أماكنهم التي وصلوها أشياء جديدة، فيسمونها بأسماء يخترعونها، وتكون الأسماء المخترعة مختلفة بين أصحاب كل حضارة، وتعتمد الإضافات على أصوات ما يرون ويسمعون، وبدأت تضاف مع الأيام كلمات أخرى واختصارات وألفاظ جديدة على حسب الحاجة، واشتد الخلاف مع مرور السنين. ثم أصبحت تتفرع من أصحاب كل حضارة لغات أخرى أيضا بسبب الهجرة والتباعد، فتبلبلت ألسن الناس. هذه هي النظرية العلمية الأقوى، وعليها أكثر علماء اللغات. وهناك أساطير مشهورة تمتلئ بها كتب التاريخ التي تقوم على روايات ولا تعتمد على الدراسات والاكتشافات –ومنها كتب التاريخ العربية القديمة- تروي بعضها قصة طريفة لا بأس من ذكرها. فيذكرون أن الناس كانوا على اللغة البابلية حتى زمن النمرود الذي طلب أن يبنى له معراج عظيم للسماء ليرى رب إبراهيم النبي حينذاك، فعندما صعد السقف خر عليه وعلى قومه فنتج من سقوطه وما أحدثه من خوف عند الناس وذهول شديد أن تبلبلت ألسن الناس، وتفرقت فأصبحت كل مجموعة منهم تتكلم بلغة لا يفهمها الآخرون، وتفرقت كل مجموعة بلغتها إلى بلد من البلدان، فكانت أساس اللغات. ورغم أن القصة تقوم على مجرد روايات منقطعة، لكن يمكن اعتبارها فرضية في هذا المجال لأمور: منها دعواها أن البابلية هي أساس اللغات، وهذا ما يذهب إليه بعض خبراء علم اللغات الحديث بتجاربه، بعد تدوينه في تلك الكتب بألف عام أو يزيد. ومنها ذكر أن ذلك حصل في زمن إبراهيم (أواخر الألف الثالث قبل الميلاد) وهو زمن قريب من زمن نظرية الحضارة الأولى السابقة(أوائل الألف الثالثة للميلاد). هذا بغض النظر عن قصة النمرود وما حصل له مع إبراهيم من مواجهات، ومحاولته بناء المعراج، وتلك قصص حقيقية عرج عليها القرآن تصريحا أو تلميحا، وانظر بعض التفاسير عند آية (فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) لكن أين دور الكتابة في المحافظة على اللغة في النظريتين السابقتين؟ متى نشأت الكتابة للغات؟: الرأي السائد عند علماء اللغات أن الكتابة لم تظهر إلا بعد اللغة المنطوقة بفترة طويلة، وأن الناس لم يكونوا يستخدمون الكتابة في عصورهم الأولى. ويرجع بعض علماء اللغة ظهور الكتابة لمنتصف القرن الخامس قبل الميلاد! لغة الإسبرانتو: وهي لغة عالمية حاول بعض العلماء اختراعها في القرن الماضي، لتعميمها على الناس كلهم، ودعمتها بعض الدول والمنظمات العالمية، وتعلمها مئات الآلاف من الناس حينذاك، ولم تستمر الفكرة إلا سنوات قليلة حتى ضعفت وتلاشت، لفقدانها الخصائص الثقافية التي في كل اللغات الحية القديمة. كيف يتعلم الناس اللغة؟: يتعلمونها بطريقة تلقائية، فيشعر الصغار بالحاجة للتعبير عن احتياجاتهم الخاصة؛ ومن ثم يبدأون الاستماع للكبار وتقليدهم، ثم يتعلمون تدريجيا انتقاء ونطق الأصوات المستخدمة في اللغة السائدة في مجتمعاتهم. نظرية تطور اللغات: بنية اللغة –أي لغة- لا تبقى ثابتة بدون تغير، فقواعدها ومفرداتها وأنماطها الصوتية كلها تتغير مع الاستعمال ومرور الأجيال. ويكون التغير عادة بطيئا جدا، وتحدث معظم التغييرات للأشياء التي تستجد ولما يتغير في الحياة. فمثلا لا يلاحظ الإنجليز تغير لغتهم من سنة إلى أخرى؛ ولكن إذا حاول الحاليون منهم قراءة نصوص إنجليزية قديمة فسيجدون أنها مختلفة عما يتحدثون به بقدر اختلاف الألمانية والدانماركية عنها. وهناك لغات تعتبر الآن ميتة رغم أنها أصول لبعض اللغات الحية لعدم وجود من يتكلم بها أو حتى يفهمها في الوقت الحالي، مثل السومرية والبابلية والحثية والأكادية والمصرية القديمة والعربية الحميرية. وحتى نحن معاشر العرب توجد لغات عربية قديمة لا يمكننا قراءة أو فهم كلمة منها، مثل اللغات المسندية كالحميرية والسبأية والمعينية والقتبانية رغم أنها كلها لغات عربية، ولكنها تكتب بحروف ورسومات أخرى. وحتى لو تعلم الإنسان قراءة تلك الحروف والمفردات فإنه لن يفهم من تلك اللغات –إذا قارنها بالعربية الحديثة- إلا حزءا يسيرا، وهو عبارة عن الكلمات التي مازالت حتى الآن على صورتها. بل حتى اللغة العربية في فترات الجاهلية يصعب على كثير من الناس فهم كثير من مفرداتها التي تعتبر الآن غريبة وتجاوزها الزمن وأصبحت لا تستخدم بسبب نظرية التطور في اللغات. ولننظر إلى هذا النص الشعري العربي من الجاهلية وهو من معلقة طرفة بن العبد التي كانت معلقة على الكعبة: أمـون كألواح الإران نصـأتهـا على لاحـب كأنـه ظهـر بـرجـد جـمالية وجناء تـردي كـأنهـا سـفنـجـة تبـري لأزعـر أربـد تباري عتاقا ناجيـات وأتبعـت وظيفـا وظيفـا فوق مور معبد تربعت القفين في الشول ترتعي حـدائق مـولي الأسـرة أغـيـد كأن علـوب النسع في دأيـاتها موارد من خلقاء في ظهر قردد كل هذا مما يؤكد نظرية تطور اللغات. وتبذل مجمعات اللغة العربية في العصر الحديث جهودا حثيثة لتعريب كثير من المصطلحات الناشئة مثل مصطلحات الحضارة الحديثة، ومنها كلمات الطائرة والقطار والسيارة والبرقية. مكانة اللغة العربية: اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطورا كبيرا وتغيرا في مراحلها الداخلية. وللقرآن الكريم فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها غدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل العبرية والحبشية. واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 300مليون إنسان كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية. ومن تأثير اللغة العربية على محيطها وعلى المسلمين أن هناك عدة لغات أخرى تكتب بالحرف العربي الحديث، ومنها: أ*- في آسيا: الفارسية والأوردية، والكردية، والملايو، والبشتو. ب*- في إفريقيا: الهوسا، والفلانية، والكانوري. ت*- كما توجد لغات بقت سنين عديدة تكتب بذلك الحرف حتى غيرت مؤخرا لأسباب متعددة منها: التركية، والصومالية، والسواحلية. أول ظهور للعربية: لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات عربية وأعراب وغيرها. وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري (شلمانصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب. ويذكر البعض –من علماء اللغات- أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية. ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سميت لغات عربية، وهي لغات متطورة من البابلية وغيرها، ومنها لغة عاد وثمود وسواهم، وكانت لغات متقاربة وتتطور حينا بعد حين، وتتغير. ومن تلك اللغات القديمة اللغة المهرية المستخدمة حتى الآن في ثمود وسوقطرى. ولم تكن تلك اللغات تكتب بالأحرف العربية التي نعرفها الآن، ولكنها مرت بعدة تحولات كما سيأتي. من هم العرب؟: كان لنوح عليه السلام عدة أبناء منهم سام الذي تنتسب إليه كل الشعوب السامية؛ ومنهم العرب. وكان لسام بن نوح خمسة أبناء وهم : ( إرم، ولاوذ، وأرفخشذ، وآشور، وعيلام ). والقوم الذين اصطلح لاحقا على تسميتهم عربا، يعودون للأبناء الثلاثة الأوائل. وينقسم العرب إلى عرب بائدة وعرب عاربة وعرب مستعربة. فأما إرم بن سام فمن نسله جزء من العرب البائدة، وبعض العرب العاربة. وأما لاوذ بن سام فمن نسله بعض العرب البائدة. وأما أرفخشذ بن سام فمن نسله بعض العرب العاربة وكل العرب المستعربة، ومن أحفاده إبراهيم عليه السلام؛ وجميع أبناءه ومنهم محمد صلى الله عليه وسلم. العرب البائدة: وهم العرب الذي كانوا في الجزيرة العربية في السنوات الغابرة ثم بادوا وانتهوا، ومنهم عاد المنتسبين لجدهم عاد بن عوص بن إرم، ويسمون عاد إرم، ومنهم ثمود وجديس وغيرهم من نسل إرم بن سام بن نوح. ومن نسل لاوذ بن سام بن نوح العمالقة وطسم وهم أصحاب الرس. العرب العاربة: ويسمون (القحطانية) وهم الذي كانت عندهم اللغة العربية القديمة، ومنهم أخذ العدنانيون العربية الحديثة. ومنهم سبأ وحمير ومعين وجرهم وهم من نسل عاد الذي يعود نسله لإرم بن سام. ومنهم حضرموت وعمان وهم من نسل أرفخشذ بن سام. فسبأ –مثلا- الذي ينتسب إليه قوم سبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود عليه السلام. وهود من نسل عاد ونبيهم، وهم من نسل إرم بن سام بن نوح. وقحطان بن هود هو الذي انتسب له القحطانيون، وقيل أنه أول من تكلم بالعربية، وقيل بل ولده يعرب بن قحطان، وهما جدان لمعظم العرب البائدة والعاربة، فمن أحدهما كان منشأ اللغات العربية القديمة. وهذه اللغات القديمة التي تطورت عصرا بعد عصر انقسمت إلى قسمين: أ*- لغات عربية جنوبية قديمة:عند أقوام جنوب الجزيرة العربية، مثل المعينية والسبأية والحميرية، وكانت تكتب بالحرف المسندي. ب*- لغات عربية شمالية قديمة:عند أقوام شمال الجزيرة العربية، مثل اللغات الثمودية واللحيانية والصفوية، وكانت تكتب بالحرف الثمودي. ولا يتيسر الآن لأحد منا أن يفهم شيئا من كتابة أولئك القوم سواء باللغة الشمالية أو الجنوبية، إلا بدراسة تلك الحروف والكتابات. العرب المستعربة: ويسمون (العدنانية)، وجدهم النبي إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، ويرجع نسب إبراهيم إلى أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام. وحين أمر الله إبراهيم عليه السلام أن يترك ولده إسماعيل عليه السلام في ذلك الوادي غير ذي زرع، كان إبراهيم يقوم بغرس العرب العدنانية الذين سيشكلون جزءا من العرب لاحقا. فعندما نبع ماء زمزم جاء قوم من جرهم القحطانيين فسكنوا مع إسماعيل هناك، وأخذ منهم العربية الجنوبية القديمة التي خلط شيئا منها مع لغة أبيه الكلدانية. ثم جاء العماليق وتزوج إسماعيل منهم، ثم تزوج من جرهم، كان له الكثير من الولد، وانتشر نسله. وكان من أحفاده –بعد عدة أجيال- رجل اسمه عدنان، إليه ينتسب أبناء إسماعيل. وقد تأثرت لغتهم باللغات العربية الشمالية الموجودة حولهم حينئذ ومنها الثمودية واللحيانية تأثرا ظاهرا. ونشأ من ذلك التزاوج بين اللغتين العربيتين الجنوبية (من جرهم والعماليق) والشمالية من (الثمودية واللحيانية) إضافة للمصطلحات الكلدانية اليسيرة (من إبراهيم) نشأت اللغة العربية الحديثة التي هي أم اللغة العربية الفصحى كما سيأتي. وقد استمرت أكثر من ألفي سنة حتى تطورت إلى اللغة العربية الفصحى، بعد أن مرت على سنة التطور والتغير. اللغة العربية الفصحى: تطورت اللغة العربية الحديثة عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من ألفي سنة من ولادتها أصبحت –قبيل الإسلام- تسمى (لغة مضر) وتستخدم في شمال الجزيرة وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها. بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة (لغة حمير)، نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك. وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لقريش ولغة لربيعة ولغة لقضاعة، وهذه تسمى لغات وإن كانت مازالت في ذلك الطور لهجات فحسب، ويفهم كل قوم غيرهم بسهولة، كما كانوا يفهمون لغة حمير أيضا وإن بشكل أقل. وكان نزول القرآن في تلك الفترة هو الحدث العظيم الذي خلد إحدى لغات العرب حينذاك، وهي اللغة التي نزل بها –والتي كانت أرقى لغات العرب- وهي لغة قريش. وسميت لغة قريش مذاك اللغة العربية الفصحى. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (وكذلك أنزلناه حكما عربيا...)،( وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا)،(وهذا لسان عربي مبين). تطور الكتابة العربية: أسلفنا أن اللغات العربية القديمة كانت تكتب بالخطين المسندي والثمودي. ثم دخل مع اللغة العربية الحديثة الخط النبطي المأخوذ من الفينيقيين، وقيل أنه نسبة لنابت بن إسماعيل عليه السلام. وأخذ ذلك الخط مكان الخط الثمودي في شمال الجزيرة، وأصبح الخط المعتمد في لغة مضر (العربية الحديثة)، أما لغة حمير (العربية القديمة الجنوبية) فحافظت على الخط المسندي. وأخذ الخط النبطي –الذي هو أبو الخط العربي الحديث- يتطور أيضا. وكان أقدم نص عربي مكتشف مكتوبا بالخط النبطي وهو (نقش النمارة) المكتشف في سوريا، والذي يرجع لعام 328م. ولنحاول المقارنة في هذا الجزء من ذلك النص مع الحروف العربية الحديثة: امرء القيس بن عمرو ملك العرب وفي الفترة السابقة للإسلام كانت هناك خطوط أخرى حديثة للغة مضر مثل الخط الحيري (نسبة إلى الحيرة)، والخط الأنباري (نسبة إلى الأنبار). وعندما جاء الإسلام كان الخط المستعمل في قريش هو الخط النبطي المطور، وهو الخط الذي استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة رسائله للملوك والحكام حينذاك، ويلحظ في صور بعض تلك الخطابات الاختلاف عن الخط العربي الحديث الذي تطور من ذلك الخط. وبعض المختصين يعتبرون ذلك الخط النبطي المطور عربيا قديما، وأقدم مكتشفات منه (نقش زبد) 513م، و(نقش أم الجمال) 568م. الخط العربي الحديث: كان الحجازيون أول من حرر العربية من الخط النبطي، وبدأ يتغير بشكل متقارب حتى عهد الأمويين حين بدأ أبو الأسود الدؤلي بتنقيط الحروف. ثم أمر عبد الملك بن مروان عاصما الليثي ويحيى بن يعمر بتشكيل الحروف، فبدأوا بعمل نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحه، ونقطة تحته للدلالة على كسره، ونقطة عن شماله للدلالة على ضمه. ثم تطور الوضع إلى وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للفتح، وياء صغيرة للكسر، وواو صغيرة للضم. ثم تطور الوضع للشكل الحالي في الفتح والكسر والضم. كما انتشرت الخطوط العربية وتفشت في البلاد والأمصار. من مميزات اللغة العربية: للغة العربية مميزات تميزها عن كل لغات العالم، ويجعلها نعمة حقيقية يتمتع بها العارفون بها والمحبون لها، منها: 1- أنها لغة القرآن الكريم التي اختار –عز وجل- أن ينزل بها آخر كتبه التي سيتعبد به إلى نهاية تاريخ البشرية. 2- أنها أقل لغات العالم تطورا منذ نزول القرآن الكريم، فلا توجد لغة مر عليها أكثر من ألف عام وما زال أهلها يمكنهم قراءة وفهم نصوصها بسهولة مثلها، وبعدها العبرية. 3- الإعراب ميزة للغة العربية، حيث يشمل كل المفردات من اسم وفعل وحرف، ورغم وجود الإعراب في بعض اللغات الأخرى مثل الهندية والعبرية والحبشية والجرمانية والمصرية القديمة، إلا أنه إعراب قاصر ببعض الكلمات دون بعض. 4- ومن المميزات ضبط الكلمة بالشكل من ضم وفتح وكسر، فكلمة علم -مثلا- يمكن أن تقرأ على سبعة أوجه حسب تشكيلها (عَلِم، عُلِم، عَلَّم، عُلِّم، عَلِّم، عِلم، عَلَم). وختــــــــاما: هذه هي لغتنا المقدسة، رأينا كيف تطورت عبر العصور حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، ويحس بجمالها الحقيقي وقيمتها من يدرسها ويتعلمها، وكفاها شرفا أنها لغة القرآن الكريم. أدري اني طولتها لاكن تحملوا هههههههههههه منقول ويمكن بالارشيف