اقرأ أبناءك

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أحمد محمد الشيبة | المصدر : www.yanabeea.net

 

هل راقبت يوما لاعبَين في ملعب كرم القدم يتمتعان بفهم عال لبعضهما؟ كل واحد منهما يفهم الآخر، يرمي له الكرة في المكان المناسب، يمرر له حيث يتقن التسديد، هل تذمرت يوما من جهاز اشتريته وكنت فرحا جدا باقتنائه، ولكنك حينما حاولت استعماله لم تعرف كيف؟ ولم يساعدك حتى الدفتر التوضيحي له على فهمه؟ هل تسعد وتشعر بالأريحية حينما تلتقي شخصاً ما تعرف أنه يفهم كلامك جيدا ولا يحمله المحمل الخاطئ، ولا يفسر تفسيرات تذهب بود العلاقة بينكما؟
 
كلنا يرتاح لذلك الشخص، ونقول عنه (يفهمها وهي طايرة) إنه لا يرهقنا حين نتواصل معه، نشعر أننا بأمان حينما نتكلم معه ونعبر عن مشاعرنا بكل جرأة دون حذر من هفوة قد تخرج دون قصد، ونحن على العكس من ذلك، نكره الجلوس مع شخص يتعامل معنا بريبة، يفسر أقوالنا وأفعالنا بشكل خاطئ كأنه يتصيد لنا الأخطاء، ويتحين الفرص للمشاكل، هذا الشخص يؤرقنا الجلوس معه، ونشعر بالتوتر كلما طلب منا التعبير عن آرائنا ومشاعرنا، نشعر بألف حاجز بيننا وبينه، وبكل بساطة نشعر أنه ذلك الجهاز الغامض الذي لا نعرف كيف نتعامل معه، أو من أين سيصيبنا الضرر منه، ومن المؤسف جداً أن تكون مضطراً للتعامل مع من لايفهمك، وتعرف أنك مجبر للبقاء بجانبه، إن هذا الشعور هو نقل حي لمشاعر الأبناء الذين يعيشون مع أمهات وآباء لايفهمونهم، ولا يستطيعون قراءتهم، فهم يشعرون بأن هناك حاجزا بينهم وبين ذويهم، وفي اللحظة التي لا يستطيعون فيها التعبير عن مشاعرهم بشكل جيد، قد يصرخون بوجه أحد والديهم: «أنتم لاتفهمونني».
 
قابلت الكثير من الحالات التي تشتكي من تصرفات أبنائها، الكثير منها يواجه مشكلة عدم الفهم، إحدى الحالات كانت لطالب يبلغ من العمر 13 سنة، كان ولدا ذكيا نبيها جاءت به أمه وهي تعاني من كثرة تمرده. هذا الولد الذي لم يعد يسمع كلامها وبدأ صوته بالارتفاع بسوء أدب، كانت الأم متشنجة جداً وهي تحكي معاناتها مع ابنها، وتختم بقولها:
«إنني لا أفهم لماذا يتصرف كل هذه التصرفات! لم أربه على هذا النحو، وأنا أوفر له كل ما يحتاج»، جلست مع ذلك الولد النبيه لوحدنا لكي يشرح لي المشكلة مع والدته، ولماذا يعاملها بهذه الصورة، تكلم كلاما لم يطل كثيراً ملخصه أن «والدتي لاتسمعني أبداً، وهي لا تفهم ما أقول».
كل ما فعلته هو أني طلبت من الأم أن تسمع إلى كلام ابنها دونما مقاطعة، ولاتبريرات لما يحمله من مشاعر نحوها مهما طال كلامه.
 
تركتهما في مكتبي مدة ربع ساعة لكي أعود لهما فأجدهما يبكيان والأم تمسح على رأس ابنها، قاطعت ذلك المشهد العاطفي متعمداً، لكي أنقلهما من جو العاطفة المجرد إلى العقلانية الممزوجة بالعاطفة. فقلت: ها .... ما الذي وصلتما له؟
قالت الأم: لم أكن أعرف بأن ابني يعاني من عدم فهمي له، وعدم إعطائه الفرصة ليقول ما يريد، لقد برر لي أكثر من ثلاثة مواقف حدثت مؤخراً وكان ذلك مقبولا، بيد أني في لحظة الخطأ ـ الذي ظننته خطأ ـ عنفته فتشاجر معي وخرج من المنزل أكثر من مرة، لم أكن أفهم ذلك، لم أكن أفهمه.
 
نعم لقد كانت تلك هي المشكلة، إنها لاتفهمه، ولاتفهم طبيعة المرحلة التي يعيشها، كم من أم تضرب أبناءها في سن السنة والسنتين جراء كسر الأواني، ولو علمت لماذا يكسر الطفل في هذا السن لما فعلت.
 
كم من أب يغضب ويعنف أبناءه في سن الثالثة حينما تفرط حركتهم ويقومون ببعض الأعمال الفوضوية، ولو علم لماذا لما فعل.
 
كم من أم يحترق قلبها حين تتصل بابنها المراهق فلا يرد عليها وهو بين زملائه، ولو علمت لماذا لما احترق قلبها.
 
معظم تصرفات أبنائنا طبيعية حسب المرحلة التي يعيشونها، ولكننا نتعامل معها بشكل غير طبيعي، والدليل على ذلك أن معظم الأخطاء في التربية تقع مع الطفل الأول، والذي لا يفهم بشكل جيد بحكم أنه التجربة الأولى.
 
إن الفرق هنا بين الذي يقرأ أبناءه بشكل صحيح والذي لا يقرأهم، هو أن الذي لا يقرأ ينظر إلى الأفعال ويستمع إلى الأقوال مجردة، دون إضافة أي روح لها. فالطفل الذي يعاند سيء الأخلاق، والمفرط الحركة فوضوي، ومن يرفع صوته غير مؤدب.
 
أما القارئ التربوي المتميز فهو يمزج بين التصرف وشخصية الطفل والمرحلة التي يعيشها والموقف الذي يحكمه، وهو سريع القراءة تنتظم عنده الأمور بسرعة كبيرة، ولذلك نجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو المربي الأول، يضع قوانين لكل سن ويعلمنا كيفية التعامل معه، وهو يتعامل مع البيئات بحسب ما تنتج من مخرجات، فلا يغضب على الأعرابي الذي يجر قميصه، وهو يتعامل مع فورة مرحلة الشباب بالفهم والاستيعاب فيحتوي ذلك الشاب الذي طلب منه أن يأذن له بالزنا، وهو يجيب كل شخص بما يحتاج، فالسؤال واحد: «ما أحب الأعمال إلى الله»، يسأله أكثر من صحابي، وتكون لكلٍ إجابة بحسب ما يحتاج ليتم نواقصه.
 
إننا إذا استطعنا أن نقرأ أبناءنا بشكل صحيح فنحن بذلك نبني جسور التواصل المستديمة، ونكوّن اللغة المشتركة التي نستطيع أن نوصل بها المعلومة، ونريح أنفسنا من عناء الضغط النفسي جراء التفسيرات الخاطئة.