ما يحبه الناس وما يكرهونه
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
أ. محمد سيف عبد الله
| المصدر :
www.yanabeea.net
لابد للشاب الداعية أن يتعرف على ما يحبه الناس فهم ميدانه للدعوة .
فهناك قاسم مشترك بين البشر جميعا ، بصفتهم بشر، ان لديهم أحاسيس ومشاعر، مهما اختلفت ثقافتهم ودرجاتهم العلمية وأفهامهم، ومن ثم يصبح هناك قاسم مشترك يحبه الناس جميعا ، أخر يكرهه الناس جميعا ، وهي فطرة الله التي فطر الله الناس عليها، فعلى الشاب الداعية أن يعلم تلك الأمور ويكون أحرص الناس عليها لكونه أحوج الناس إلى النفاذ إلى تلك القلوب والمشاعر ، وبعض هذه المشاعر نافذة إلى أعمق القلب أكثر من غيرها.
1ـ الناس تحب من يوليها اهتماما :
لابد أنك زرت أحد أصدقائك يوما ما، ووجدت ارتياحا لتلك الزيارات، وربما تعجبت إذا تجد نفسك في شوق إلى تلك الزيارة، وربما جلست لتفكر يوما ما السر في اشتياقي لهذه الزيارة، وما الفرق بين ذلك البيت وغيره من البيوت، ربما وجدت الجواب في ذلك الود الذي يبديه لك أهل هذا البيت، وذلك الإنصات والشغف إلى حديثك، وتلك الذاكرة التي تعي عنك ما تقول وتفعل ، وتلك الحفاوة التي تستشعرها من قبلهم .
إن الناس تحب من يحبها، إذا إن لدى الإنسان حاجة يسميها علماء النفس "الحاجة إلى التقدير" تلك الحاجة ربما دفعت بعض الناس إلى ترك عملهم مع جودة رواتبهم، ويذهبون إلى عمل آخر ذي عناء لسبب واحد أنه يجد له مجهودا ودورا يقدر من أجله.
وكما قيل" إن الرغبة في الأهمية هي أعمق حافز في الطبيعة الإنسانية" ،" وليس هنالك ما يقبل إمكانات الموظف مثل شعوره بأن رؤساءه غير مبالين بأعماله ، إن مجرد سماعك باهتمام لحديث شخص يشكو من مشكلته يحببك إليه، حتى وإن لم تحلها له.
2ـ وتحب من يثني عليهم ويقدرهم:
ما أعظمها من بداية ، وما أسحره من أثر، وما أدومه من تأثير، لكم أنتفع الإسلام بخالد بن الوليد رضي الله عنه ، فهذه رسالة يبعث بها أخوة إليه، يقول له فيها : قد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك ، وقال:أين خالد؟ فقلت يأتي الله به. فقال : مثله جهل الإسلام ؟ ولو جعل جده مع المسلمين كان خيرا له ولقد مناه على غيره...]
يقول خالد: فلما جاءني كتابي نشطت للخروج ، وزاني رغبة في الإسلام، وسرني سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عني. وعندما أسلم قال رسول الله: "الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلا ، رجوت أن لا يسلمك إلا إلى خير" .
فلماذا لا تكون البداية بهذا التقدير المخلص والثناء الصادق؟! فالكلمة الطيبة صدقة، راقب أخاك وقل له:ما أحسن سعيك في الدعوة ، وعملك المخلص لله ... ولكن أرجو أن تحافظ على المواعيد وانظر هنالك أي سحر قد تحقق، وأي أثر قد تكون" .
إن بعض الدعاة من كثرة قراءاتهم حول الخوف من الكبر والاستعلاء ، يقومون ــ إراديا أو لا إرادياــ بإذلال وتهميش أي دور أو عمل يقوم به، وتنزيله عن قدره اللائق به ، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول :"أنزلوا الناس منازلهم" صحيح مسلم وأبو داود عن السيدة عائشة .
"يذكر الأستاذ عباس السيسي أن الحاج عبد الرزاق هويدي أستأذن في السفر إلى بلده، فلما سأله الأستاذ حسن البنا عن سفره المفاجئ أخبره أن جده مريض ويريد أن يعوده ، فدعا له البنا ، طلب من الحاج عبد الرزاق أن يبلغ جده خالص تمنياته له بالشفاء، وفي اليوم التالي فوجئت عائلة هويدي بالأستاذ البنا يحضر لزيارة جدهم الكبير ، وكانت مفاجأة أثارت اهتمام العائلة جميعا، فأسرعت ترحب بمعدمه ، وشباب عائلة هويدي لهم ميول سياسية متباينة ، فمنهم الوفدي ومنهم السعدي ، وحول سرير الجد الكبير دارت بعض الأحاديث الخفيفة ، وتكلم الجد بكلمات ترحيب للأستاذ البنا، ونوه بفضله إذ جعل عبد الرزاق شخصية إسلامية مؤمنة , فرد الأستاذ البنا قائلا :"إنه لا فضل لنا في ذلك ، إذ إننا، والحمد لله ، نرزق من كل عائلة كريمة بمن يمثل هذه العائلة" ، ونزلت هذه الكلمات الرقيقة الواعية على قلوب الجميع بردا وسلاما وتذوقوا فيها قيمة الدعوة والداعية" .
3ـ وتحب من يحفظ أسمائهم:
" حفظ الأسماء عامل مهم ومؤثر، وبدونه لا يحدث التحام ولا تتولد ثقة بين الأفراد. فهو أول خطوة وأول خيط يربط بين قلوب ، إنه الخيط الذي يجمع بين حبات العقد، وبه يمكن ربطها إذا انفصلت أو تفرقت . وكل إنسان يحب أن ينادى باسمه بل بأحب الأسماء إليه. ولما كان لحفظ الأسماء شأن كبير، كان لزاما أن أتقرض هنا إلى الطريقة التي تساعد على ذلك :
أولا: لابد أن تكون عند الأخ رغبة وحرص على حفظ الأسماء.
ثانيا:عندما يبدأ التعارف يكون يقظا يفتح قلبه وعقله لاستقبال الاسم ــ جميعه أو بعضه ــ ثم يتابعه في الذاكرة حتى يثبت ويبدأ في الحال باستعمال الاسم مع محدثه .
ثالثا: الاسم يتكون من ثلاثة مقاطع ، اسم الشخص واسم والده ولقب العائلة والاسم القريب إلى قلب محدثك هو اسمه الشخصي أو كنيته ، فإذا أضفت إليه لقب العائلة يكون أحرى وأحسن ، وكثيرا ما يكون لقب العائلة فيه غرابة ، وبهذا يسهل حفظه مثل (السيسي) .. أما الأسماء العادية مثل (محمد، وعلى، وحسن، وسعد...) فإنها تحتاج إلى تركيز.
رابعا: عندما تتعرف على اسم جديد فالواجب أن تقرنه بما تعرف من أسماء أشخاص سابقين حتى يسهل عليك حفظه .
خامسا: عند التعارف من الضروري أن تركز على صورة وهيئة من تتعرف عليه، هل له لحية ، هل يلبس نظارة ، لونه ، صوته ن قامته، ثم وظيفته، والمناسبة التي تم فيها اللقاء .
سادسا: وحتى يمكن تثبيت الأسماء في الذاكرة ، فلا بأس بأن تكتب أسم من تعرفه ثم تحاول دائما ان تناديه باسمه إذا لقيته، وأن تراسله إذا كان في سفر ، ولذلك أثر كبير في تدعيم الصلة وتقويتها ، فضلا عن أن الرسالة وسيلة تربية وتكوين .
سابعا: أن تتذكر حين تلقاه بعد ذلك كل ما سبق، ثم المناسبة والمكان الذي لقيته به أول مرة ، وهذا يساعدك على سرعة مناداته باسمه.
ثامنا: إن التعرف أو التعارف مع أي إنسان سوف يفتح لك مجالات جديدة للتعرف على أصدقائه وأقاربه ، وهكذا تتوالى الأسماء حتى تتكون عندك حصيلة تتسع بها دائرة معارفك ، وليس في ذلك من أهمية في حفظ الأسماء سوى متابعتها بالسؤال عنها ورعايتها والقيام بواجبها وعدم التفريط في حقوقها. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"من الجفاء أن يدخل الرجل منزل أخيه فيقدم إليه شيئا فلا يأكله، والرجل يصحب الرجل في الطريق فلا يسأله عن اسمه واسم أبيه..." (رواه الديلمي) .
4ـ وتحب من يبث فيهم الأمل:
"بعض الناس يسرفون في التشاؤم وتضخيم السلبيات ، ولا يتذكرون الإيجابيات ولا حسنات ، فالدنيا عندهم دائما مظلمة سوداء، فهم كالخفافيش لا يحسنون العيش إلا في الظلام ، وتزداد المشكلة سوءا عندما ينقلون مشاعرهم وقناعاتهم المظلمة إلى الآخرين ، فيساهمون في تثبيطهم ، ويكونون معول هدم وتيئيس لمن حولهم من الأفراد" (الكنز الذي لا يكلف درهما . د/ علي الحمادي ، دار ابن حزم ص12) .
إن كثيرا من الناس يحسن فن تيئيس الناس وبث الإحباط فيهم حتى بعض الدعاة تحت محاولة إظهار الوضع الذي يحيط بالأمة وهو فن سهل التعلم بسيط الأدوات وإليك أدواته الأولية :
*أن تجمع من أوراق الواقع ــ وما أكثر تلك الأوراق ــ وتضعها كاملة أمام عين المستمع حتى تسد عليه كل بصيص من نور.
*أن تقطع عنه كل سبل الأمل بأن تظهر له أننا كان من الممكن أن نستدرك ما أصابنا قبل ذلك ، أما الآن فالأمر قد خرج من أيدينا.
*أن تبين له أن أعداءنا لهم سنوات يعدون بجهد جهيد ، وعمل دؤوب متواصل ، وإزاء ذلك لم يكن منا سوى النوم والغرق في الملذات والشهوات.
*أن تصغر له كل نصر، وأن تركز على عامل إضعافه بعد قوته.
*أن تلصق كل كلامك بالمعاني الأرضية مبعدا هذا الكلام عن المقاييس الربانية، وتدخل عنصر المشيئة الإلهية .
وإذا أردت المزيد فستجده مبثوثا فيما ألف الشيطان الرجيم من حيل ومزالق ، وما يبثه في نفوس الذين تملك منهم ، فارجع إليه ثم ..
إن الداعية من هذا الباب كثيرا ما يلقى في نفوس الناس الفتور والإحباط ، وإن الناس لا تحب أن تقابل من ييئسهم وتحب من يبث فيهم الأمل ويبعد عنهم وطأة الواقع بلمسة اليقين.
وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى ابن هشام في سيرته وهو يبشر عدى بن حاتم بأن المستقبل لهذا الدين فيقول له:"لعلك يا عدي إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى حاجتهم ، فو الله ليوشكن المال أن يفيض حتى لا يوجد من يأخذه ، ولعلك إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فو الله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور البيت لا تخاف ، ولعلك إنما يمنعك من الدخول أنك ترى الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ،قال عدي :فأسلمت".
5ـ وتحب من يتواضع لهم:
إن التواضع كما قيل : رأس صفات المتقين ، وإن آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الرياسة، وإن التواضع في عصرنا هذا كالزئبق الأحمر، وإن الكبر أصبح ينطلى على كثير من الناس تحت شعارات عديدة، ولكن ما زالت الفطر السليمة تفضحه .
"ولا يكذب المرؤوسون على رئيسهم المتواضع بل يفتحون له قلوبهم ويعترفون له بضعفهم ليكون لهم طبيبا" .
(إن التعالي على الناس يولد البغض والكراهية، وبالتالي عدم التقبيل ، وقد ذم الله المتكبرين في أكثر من موضع وأمر الدعاة والعاملين لهذا الدين بالتواضع ، على لسان لقمان، وهو يقظ ابنه فقال تبارك وتعالى :[ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور] لقمان :18 ، وقيل لعبد الملك بن مروان: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن قدره، وزهد عن رغبه, وترك النصرة عن قوة ، وقال الصديق رضي الله عنه : وجدنا الكرم في التقوى ، والغنى في اليقين ، والشرف في التواضع .
وإليك بعض مظاهر من الأخ لأخيه المسلم:
*عدم التعالي بسبب منصب أو مال أو علم أو معرفة أو قوة جسدية.
*الاستماع لحديثه دون مقاطعة.
*النزول عند رأيه إذا حدث خلاف فيما لا نص فيه ، خاصة في الأمور الدنيوية .
*قضاء الحوائج إذا كان لا يستطيع .
*المسارعة في الاسترضاء إذا حدث ما يعكر الصفو.
*البدء بالسلام والزيارة والسؤال.
*المساعدة إذا احتاج .
6ـ وتحب من يثق في نفسه:
"دائرة الثقة ودائرة الانزواء: الصفات التي تراها في نفسك هي أنت وهي التي تحدد موقفك من الحياة.. تخيل صفاتك ومواقفك وكأنها سلسلة متصلة أو دائرة تدور حول نفسها وتعزز توقعاتك من نفسك وترسخ الصفات التي تظنها فيك والنتائج التي تفرزها إذن اختر الدائرة التي تريد أن تنتمي إليها" .
7ــ وتحب من يعطي الأمور حجمها الحقيقي :
من الأمور التي تفشت في الدعاة هجرة البساطة وترك التقيد، فلا تكاد تكلم واحدا عن أمر إلا وخيل لك ان هذا الأمر له أبواب ومداخل وشبابيك و...و... ، ونستطيع أن نقول إننا أصبنا بحمى الفرقعات الصحفية والتي تغزو كثيرا من وسائل الدعاية والإعلام، فكثيرا ما نعطي الأمور حجما لا تتحمله، صحيح أن ذلك قد ينبت من حرص الداعي على إطالة الحديث مع من حوله، لن لابد أن يكون ذلك مع مراعاة عدم تضخيم الأمور وتهويلها.
8ـ وتحب الوقور:
"رغم أهمية المزاح، وحاجة الناس إلى الترويح ، وحبهم وتقديرهم لأصحاب القلوب المرحة، إلا أنه من المهم الاعتدال والتوسط فيه ، فلا إفراط ولا تفريط.
إن كثرة المزاح والمداومة عليه تقسي القلب، وتذهب الهيبة، وتحط من قيمة الإنسان، وتجعله مجالا للسخرية، والاستخفاف من قبل الآخرين، كما أنها توقعه في الزلل ولخطأ وكثرة الهفوات ، لذا ينبغي الحذر من التمادي في المزاح والإسراف في الترفيه والضحك.. قال محمد بن المنكدر (قالت لي أمي يا بني لا تمازح الصبيان فتهون عندهم)... وقال سعيد بن العاص لابنه(يا بني لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا الدنئ فيجترئ عليك) وقيل:(لكل شئ بذور العداوة المزاح وقيل أيضا: المزاح مسلبة للنهى مقطعة للأصدقاء) .
إنني تعجبت حين رأيت كتابا صغيرا قد حوى المواقف التي ضحك فيها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته الشريفة، ولو أن أحدنا أراد أن يسجل مواقف ضحكة في عام واحد من عمره، لاحتاج إلى مجموعة من الكتبة كي يساعدوه في تأليف مجلداته، ولكن وقارنا تضبطه المعادلة الآتية:
وقار مع إخلاص مع تواضع مع تبسم وطلاقة وجه وروح خفيفة مرحة وهذا ما يصح أن نطلق عليه السهل الممتنع.
9ـ وتحب الكريم
إذا اتصفت به فيعدك السلف أن تخفي على الناس عيوبك ، فلقد قالوا"من كان كريما خفيت على الناس عيوبه": قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم :"إن السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة بعيد من النار، وإن البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار، وجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل" . أخرجه الترمذي وقال غريب