خصخصة التعليم بين تحقيق الجودة وضياع الهوية

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. عيسى بن خليفة السويدي | المصدر : www.yanabeea.net

 

وضعنا السكاني الشاذ في دولة الإمارات أصبح مهدداً رئيساً لهوية أبناءنا وانتماءهم إلى وطنهم. وغربتهم في وطنهم تزداد غربةً يوماً بعد يوم. والمدرسة الحكومية، المصدر الأول لتعليم الأبناء معاني حب الوطن والتمسك بهويته، تعاني من آفات لا تقوى بسببها على أداء دورها فالهوية في بلادي تعيش محنة حقيقية.
 
المدرسة الحكومية أدت دورها مشكورة خلال فترات طويلة لكنها أصبحت لا تواكب متطلبات حياتنا الحديثة في دولة الإمارات العربية المتحدة. محاولات وزارة التربية والتعليم للإصلاح كثيرة لكنها لم تؤدي إلى النتائج المرجوة بل على العكس من ذلك تزايد عدد المواطنين الباحثين لأبنائهم عن مدارس خاصة تلبي احتياجاتهم.
 
إزاء هذا الوضع، قررت الحكومة في أبوظبي ممثلة بالمجلس الأعلى للتعليم، التعاقد مع مجموعة من الشركات التعليمية الأجنبية لإدارة ثلاثين مدرسة حكومية في الإمارة. اختار مجلس التعليم جلب نظم تعليمية متكاملة (معلمين، مناهج، إدارة..الخ) لإنقاذ الوضع التعليمي المترهل في المدارس الحكومية في الإمارة.
 
هذا الواقع الجديد يفرض علينا السؤال التالي:
 
هل نختار تعليم ذو هوية وطنية مخرجاته ضعيفة أو تعليم ذو هوية أجنبية مخرجاته جيدة؟
 
الخياران، بلا أدنى شك، أحلاهما مر فنحن بين مخرجات تربوية ضعيفة أو تآكل ما تبقى من هويتنا، لكنني أعتقد أن تحقيق الجودة التربوية والحفاظ على الهوية الوطنية ممكن حتى مع الشركات التعليمية الأجنبية إذا أخذنا بعين الاعتبار مجموعة من الأمور.
 
الأمر الأول هو التأكيد على أننا نريد من المعلم الأجنبي كل شيء إلا ما خالف عاداتنا وقيمنا. ولا أظن أنه سيعارض لأن هدفه النهائي من ترك وطنه والمجيء إلينا هو المادة وهو حق مشروع لا غبار عليه وبالتالي سيلتزم بما نريد منه لأن المخالفة تعني فسخ عقده ولا أظن أنه سيجازف بمصلحته المادية ، المهم أن نبادر ولا نتردد في فرض ضوابطنا عليه.
 
الأمر الثاني أن تحدد كل شركة تعليمية أهداف تربوية واضحة ودقيقة، حسب المعايير الدولية المعروفة، لكل مرحلة من المراحل التعليمية وتأتي جهة محايدة لقياس أداء هذه الشركات التعليمية حتى نطمئن أنها تقوم بالدور المناط بها.
 
الأمر الثالث أن يكون ضمن مهام هذه الشركات التعليمية إجراء الدراسات الميدانية التربوية التي تشخص الواقع التربوي عند طلابنا وتقدم الحلول اللازمة للمشكلات المختلفة.
 
الأمر الرابع، وهو الأهم، أن يكون بقاء الأجنبي في مدارسنا الحكومية محدود بفترة زمنية معينة يتم خلالها تدريب وتأهيل عناصر مواطنة تحل محل المعلم الأجنبي في تدريس كل المواد دون استثناء بما فيها اللغة الإنجليزية. التجربة أثبتت أن المعلمة المواطنة لديها القدرة أن تتميّز وأن تبدع في مجالها وأنها سريعة التعلم وهي تستطيع أن تحل محل الأجنبي في فترة قصيرة لو حصلت على التدريب والتشجيع اللازمين.
 
لن يستطيع المعلم الأجنبي غرس قيمنا وهويتنا المهددة في نفوس الطلاب كما يفعلها المعلم المواطن لأن ببساطة فاقد الشيء لا يعطيه. لا يساورني شك أن أغلب المعلمين المواطنين يعمل لله ومن ثم لوطنه قبل أن يعمل من أجل المادة الأمر الذي سيدفعه للتفاني لخدمة وطنه وأبناء وطنه دون كلل أو ملل.
 
في النهاية أود أن أحذر من أمر مهم وهو تعميم مشروع الخصخصة قبل التجريب والتثبت من نجاح التجربة. مشاريع خصخصة التعليم في الولايات المتحدة الأمريكية لا زالت مثار جدل وانقسام بين التربويين. الدراسات التربوية لم تجمع حتى الآن على أن الخصخصة هي الحل الأمثل لإصلاح التعليم فبعضها يخلص إلى أن الخصخصة مفيدة وبعضها ينتهي إلى نتيجة مفادها أن الخصخصة لا تخدم التعليم. كما لا يزال الجدل قائماً في الولايات المتحدة الأمريكية حول خصخصة التعليم بالطريقة التي يتبناها مجلس أبوظبي للتعليم. بعض الولايات تبنت الفكرة والبعض الآخر إما رفضها أو تراجع عنها. اضطرت بعض المناطق التعليمية في الولايات المتحدة إلى عدم التجديد لشركة مدارس أديسون Edison Schools أكبر شركة أمريكية لإدارة المدارس بسبب فشلها تحقيق الأهداف التربوية الموضوعة لها.
 
لا شك ان التعليم في الدولة يحتاج إلى تغيير شامل خاصة في ظل التحديات السكانية التي أشرنا إليها. لكننا لا نريد تعليم يبعد أبناءنا عن هويتهم وانتماءهم لوطنهم مع ذلك يمكننا إتاحة الفرصة للأجنبي لتعليم أبناءنا بشكل لا يتعارض وقيّم مجتمعنا وثوابت عقيدتنا الإسلامية إلى حين يؤهل المعلم المواطن ليصل إلى مستوى المعلم الأجنبي