لتربية الناجحة أهنئك سيدتي على حبِّك للاطلاع والقراءة، وتطوير نفسك، وهو ما قد تكسل عنه كثير من الأمهات، لكن أريد من الأمهات العزيزات ألا يستعجلن النتائج، فنحن نتعامل مع نفس بشرية كثيرة التفاصيل والتعقيدات، ولكن هل سألتِ نفسك يا ترى كم مضى على تجربتك في تغيير سلوك طفلك؟ أيام.. أسابيع.. شهور؟ غير كافية كلها، تغيير الأطفال يحتاج إلى صبر ومثابرة، إن كل زرعة تنمو حسب طبيعتها، فهناك أشجار تحتاج إلى سنوات لتعطي أول ثمارها، وأخرى تعطي ثمارها بعد أيام، وأخرى بعد أسابيع، وهكذا... فإن كل سلوك نبنيه في أبنائنا يحتاج إلى معرفة الوقت الذي يحتاج، وإلى صبر وعدم استعجال، وإلى استعانة بالله عز وجل، فنحن نرمي البذرة ونتعهدها، أما انشقاقها للإنبات فهو أمر ليس لأحد دخل به سوى الله سبحانه وتعالى. وأريد منك أولاً سيدتي تحويل تركيزك على السلبيات إلى الانتباه للإيجابيات والتركيز عليها؛ لنستلهم الطاقة من الجزء الممتلئ من الكوب على الجزء الفارغ منه، فلدى أطفالك بدون شك شخصيات جميلة فيها جوانب مضيئة كثيرة لا تنتبهين لها أحيانًا. ألم تسمعي المثل المصري القائل: "إن حبيبك يبتلع لك كل أخطائك حتى ولو كانت حصى"؟ إنه التقبل الذي يعين على الاحتمال والصبر على طول العلاج. وأريد أن أذكِّرك أنه كلما كانت علاقتك مع أبنائك دافئة وحنونة كان تجاوبهم أعلى، والأمهات والآباء يملكون قدرًا عظيمًا من الحنان قد لا يعبِّرون عنه لأبنائهم، بل تكاد تمضي الأسابيع والأيام دون قُبْلة من الأم أو إعطاء بعض الحنان من الأب. إننا حينما نقبِّل أبناءنا، وندعم إنجازاتهم وتصرفاتهم الإيجابية، كلما ازداد لديهم الشعور بالكفاءة والثقة بالنفس والتقييم الذاتي للسلوك. وهناك عامل آخر لا بد من وضعه في الاعتبار والاستفادة منه، وهو أن الأصدقاء في هذه المرحلة يحتلون مكانة مهمة لدى الأطفال، وتنشأ لدى الطفل رغبة قوية للانتماء إلى أصدقاء، وتصبح الصداقة أهم علاقة لديهما، ويلعب الإخوة بشكل خاص دورًا مهمًّا فيها، فهم يوفِّرون لبعضهم البعض المساندة، والطمأنينة، والتسلية، وكل هذه الصداقات خارج وداخل البيت تعلِّم الأطفال الالتزام العاطفي تجاه الآخرين، ومعاني الوفاء، والقيم الاجتماعية الأخرى، ويبدو أنها تعلِّم التكيف مع الناس والتعامل اليومي مع سلوكيات الآخرين، وستبرز فائدة الصداقات في سن المراهقة. والآن سيدتي لنتحدث عن أبرز مشكلة لدى أطفالك وهي سوء استخدام الوقت: لنعلم أولاً أن معظم الأطفال لا يدركون مفهوم الزمن بشكل حقيقي حتى سن العاشرة، ولا يكونون قادرين على استخدام الوقت بشكل مناسب، أو أن يكونوا دقيقين من تلقاء أنفسهم؛ لذلك من الطبيعي في هذا العمر أن يكونوا بحاجة إلى توجيه ومساعدة في التخطيط لأوقاتهم لكي ينهوا أعمالهم في وقتها المحدد. لكن هناك عدة أسباب متنوعة تكمن وراء سوء استخدام الوقت، نذكر منها ما يخص أطفالك: - التعبير عن الرغبة بالاستقلالية وتأكيد الذات، فيسيء استخدام الوقت، وكلما زاد الضغط من قبل الأبوين زاد تباطؤ الطفل في محاولة للسيطرة على الموقف، وليحظى بالاهتمام، وكلما زاد اهتمام الأهل بالطفل بسبب تضييعه لوقته عزَّزوا لديه وشجَّعوه على تضييع الوقت، وتتفاقم المشكلة كلما ازدادت السيطرة والشدَّة من قبل الأبوين، وهناك مثل برتغالي يقول: "الأم النشيطة تجعل ابنتها كسلانة...". - سيدتي أقترح عليك "طول البال" والمثابرة على معالجة هذه المشكلة، وإليك اقتراحاتي: - إيقاف الشكوى والتذمر والتوبيخ، والبدء بمساعدة الأطفال عمليًّا، وبمشاركة منك، كيف يلبس كل واحد منهم، ويرتِّب، ويأكل، ويدرس، وبشكل مجزّأ، وسهل، وأكثر كفاءة، وأظهري لطفلك أنك تريدين مساعدته على الإنجاز، فالمشاركة طريقة لا تعلِّمه الاتكالية كما نعتقد، ولكنها تعلم الطفل بالقدوة. - وأيضًا مكافأة الطفل على عدم تأخره أحيانًا بدل الصراخ عليه، وتوبيخه عند التأخر (تشجيع الإيجابيات)، وهناك مثل لاتيني يقول: "الأم الصاخبة توجد الأم الكسولة". - اتركي طفلك يتحمل نتائج أعماله المترتبة على إضاعة الوقت، دعيه يتأخر أول مرة دون أن تُظْهري توترك أو دون تدخل منك - ويحتاج ذلك إلى ضبط نفسك - يتعرض إلى توبيخ المعلم، أو إذا فاتته حافلة المدرسة، فيضطر إلى ركوب سيارة الأجرة على نفقته هو، أو يفوته الإفطار، وهكذا... - لاحظي مزاجك الشخصي أنت ووالده: هل يؤدي مزاجك إلى إيجاد جو من الاهتمام المتبادل؟ ليكن الأبوان مصدر بهجة وتشجيع في الصباح، وسعادة، وتفهم قبل النوم، خاصة إذا اتبع الوالدان أسلوب قراءة قصة في ساعة محدَّدة، ثم إطفاء الضوء في الغرفة، سيكون أفضل من الأوامر والتوبيخ، فيذهب الأطفال إلى غرفتهما قلقين متوترين. - استخدام لعبة "اهزم الساعة" والتسابق معها، بربط المنبِّه في ساعة معينة والتسابق في ارتداء ملابس المدرسة مثلاً قبل أن يرنَّ المنبه، وهكذا يمكن أن نحلَّ المشكلة بلعبة بدل النكد اليومي صباحًا وعند النوم. - أن يكون الأهل أنفسهم قدوة في استخدام الوقت، وعدم التلكؤ، وتضييع الزمن بلا فائدة، فكلما رأيا والداهما يقدِّران الوقت عمليًّا خلال الحياة اليومية فإنهما يتعلمان بالقدوة أهميته. وأخيرًا، أن نذكِّر أبناءنا أن الوقت نعمة من نعم الله تعالى لا يجوز (قتله) و(تضييعه)، بل إحياؤه وجعله أكثر استثمارًا، وإنتاجًا، وبهج