طبيب يربي ؟؟

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : أ.أحمد محمد الشيبة | المصدر : www.yanabeea.net

" لو كنت والدك لرميتك من الطابق الخمسين "، هكذا قال الطبيب لذلك ‏الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره، وكنت واقفًا أنا وزوجتي خارج ‏غرفة الطبيب بانتظار رؤيته.‏

 
‏ ترى ما الذي دفع ذلك الطبيب لأن يهدد الطفل ذلك التهديد المخيف؟‏
‏ إن حجم العقاب الذي يتكلم عنه يوحي بإن الجرم كبر جدًا حتى أنه لا ‏يتغتفر، ما الذي جعل ذلك الطبيب الرحيم يكون قاسيًا في لحظة كان الولد ‏ذي العشر سنوات مصاب بضيق الصدر ولا يكاد يتنفس.‏
‏ إن الجواب على هذين السؤالين يتطلب معرفة أحداث الزيارة من أولها.‏
 
وإليكم الحوار الذي تم بين الأم والطبيب أمام أبنهما المريض:‏
 
الأم : دكتور، إن أبني يعاني من ضيق في الصدر وعدم القدرة على التنفس، ‏وهذه هي المرة الثانية التي آتي بها معه إلى المستشفى منذ يوم أمس.‏
الطبيب: منذ متى يعاني من هذه المشكلة؟
الأم: منذ يومين.‏
الطبيب: هل تناول أي أدوية؟
الأم: نعم يا دكتور، ولكن المشكلة أنه يأتي من الخارج بعد لعبه وهو مبلل، ‏ويفتح المكيف ويقف أمامه لكي يتبرد، وكم قلت له أن لا يفعل ذلك ولكنه ‏يكررها مرارًا.‏
الطبيب للولد: أين تسكن؟ في أي طابق؟
الولد: لا نحن نسكن في بيت وليس في عمارة.‏
الطبيب: " لو كنت والدك لرميتك من الطابق الخمسين "‏
 
‏ هذا هو الحوار، وهذا هو الجرم الذي قام به ذلك الطفل لكي‏
‏ يستحق - في نظر طبيبنا المثقف - رمي الطفل من الطابق الخمسين.‏
 
‏ ماذا نتوقع أن تكون ردة فعل الطفل حين سماعه هذه الكلمات؟ جزمًا لم ‏يدر في خلده أن يقول: " يا ليتك كنت والدي!! " أو " يا للوالد الحنون "‏
إن من المهم أن نعلم أن هذه العبارات تنحت في عقول أبائنا خاصة وهم في ‏هذا السن الصغير، إنها تكون خبراتهم ومعتقداتهم، تعطيهم المفاهيم والقيم ‏التي يعيشون وفقها. فقد لا يكون كلام ذلك الطبيب معقولا لدى الطفل، ‏ولكنه يكفي أن يبني في عقله صورة لتلك المهنة – الطبيب - أنها مهنة ‏القساوة والمجرمين بيد أنها في الحقيقة تحمل الرحمة والرأفة بالناس.‏
 
‏ وبحكم أن لكل إنسان ظروفه الخاصة، فإن هذا الطفل لا يعلم كيف هي ‏علاقته بوالده، أهي جيدة أم سيئة؟
 فما الذي بثته تلك الكلمات في نفس ‏الطفل من نظرة للأباء؟
هل أكدت له أن كل الآباء قساة ولا يرحمون؟
 أم أنه ‏ظن أن أباه الرحيم ممكن أن يتحول إلى وحش مجرم؟.‏
 
‏ لذلك أود أن أقول إن أصحاب هذه المهن التي تعتمد في أساسها على ‏التعامل مع البشر لا بد و أن يتقنوا مهارات وفنون التعامل مع الناس وكيفية ‏إرشادهم وإن كنت أعلم أن مناهجهم الدراسية تحتوي على ذلك في فترة ‏الجامعة، إلا أنني أظن أن هذه المعاني المهمة تغيب مع الانغماس في ‏الوظيفة والانشغال بالأمراض والأدوية، ولذلك فإنهم بحاجة إلى تأهيل دائم ‏ومستمر، وتطوير و تجديد في مجال التعامل مع الناس، كما هو الحال مع ‏أي وظيفة أخرى تتعامل مباشرة مع البشر.‏
 
‏ ولا شك بأن الطبيب يمثل عاملا مهمًا في حياة الطفل، حيث أن الأطفال ‏أكثر المترددين على العيادات، وهم الذين يعتبرون أن كلام الطبيب شيء ‏مقدس وصحيح دائمًا،ومن ثم فإن الأطباء الذين يتعاملون مع الأطفال وجب ‏أن يتملكوا أعلا المهارات في التعامل معهم، وذلك لعظم تأثيرهم في حياتهم ‏وشخصياتهم.‏
 
‏ أما من جهة الوالدين فإنهم كما يحرصون على انتقاء الطبيب الماهر ‏مهنيًا لعلاج أبنائهم، فلا بد أن يحرصوا أن يكون ذلك الطبيب ماهرًا في ‏التعامل مع أبنائهم.‏
 
‏ فالممارسات الخاطئة تربويًا من الطبيب تؤثر حتى في تعامل الطفل مع ‏والديه، فالطبيب الذي يسخر مثلا من الوالدين أمام أب نائهم قد يضعف من ‏احترام الابن لهما، فيحرصان على أن أن يكون الطبيب قادرا على إقامة ‏علاقة مهنية جيدة مع الطفل، وكسب قلبه، وإكسابه المهارات اللازمه ‏للتعامل مع المرض، مع مراعاة عدم الوقوع في إساءات تربوية أو نفسية ‏للطفل، فإن صادف الوالدان موقفًا غير تربوي لطبيب فينبهان الطبيب على ‏ذلك الخطأ الذي وقع فيه ويحاولان تصحيحه بالطريقة المناسبة التي تدعم ‏تربية أبنائنا، وتجعل من المستشفى والعيادة شريكًا في بناءٍ سليم لشخصيات ‏وسلوكيات أبنائنا