الحمد الذي من علينا بتنزيل كتابه على أشرف الأنبياء والمرسلين بلسان عربي مبين والصلاة والسلام على أفضل رسله وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيد إلى يوم الدين
أما بعد...
ففي مطلع الأجازات الصيفية، تمتاز بلادنا الحبيبة بكثرة حلق تحفيظ القرآن الكريم في المساجد والجوامع ودور التحفيظ النسائية، ثم تخفق قلوب أهل الخير والصلاح وقد تطلعت نفوسهم إلى أن ترتع في تلك الرياض اليانعة.
ومجالس الذكر المزكية للنفوس.
وهم على أحول: فمنهم من قصد إحسان التلاوة وتطبيق أحكام التجويد ومنهم المبتدئ في الحفظ، ومنهم من عزم على الضبط لما حفظه من سنوات، ومنهم من تأهل للإجازة من أحد القراء.
وفي هذه العجالة أود أن أنبه أخواني؛ مرتادي حلق تحفيظ كتاب الله إلى أمور يجدر التنبه عليها.
وهي كما يلي:
* إدراك الفضل العظيم
اعلم أخي طالب العلم أنك مع الله في تجارة عظيمة ومكاسب لن تبور؛ لأن الباري سبحانه خزائنه ملئ، وفضله على عباده عظيم، ليس له حد، قال سبحانه: (( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ )) ( فاطر : 29/30) .
وأنت ممن تتعلم كتاب الله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) (وأنت ممن يقال له يوم القيامة أقرأ ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية كنت تقرأها في الدنيا). وفضائل تعلم كتاب عديدة لا يمكن حصرها ويمكن الرجوع إليها.
* إخلاص النية لله تعالى
الإخلاص للعبادة كالروح من الجسد وطاعة بلا إخلاص جسد بلا روح. فلا بد لمن يرتاد هذه الحلق أن يحتسب الأجر عند الله وأنه لم يقدم إليها الا بقصد التعلم فلا ينازع هذه النية أي مقصد من المقاصد
ولا يكون ذهابه وإيابه محاكاة ومصانعة لأحد من الناس واسأل نفسك قبل القدوم عليها ما ذا أريد من هذا العمل حتى تتجلى عندك حقيقة الإخلاص ومما يجلي حقيقة الإخلاص ( الصبر والمواظبة )
* الصبر والمواظبة
النفس ميالة إلى الملل والسآمة ولابد من أخذها بالعزيمة والصبر وتوطينها على ذلك بأمرين
- المجاهدة في دفع الوساوس والخواطر المشتتة للذهن
- التقليل من المشاغل والارتباطات أثناء قيام دورة الحلق وهي مدة قصيرة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين. وهنا أسجل معادله وحقيقة ظاهره وهي: كلما قلل الطالب من المشاغل والارتباطات وجمع قلبه على كتاب الله وتدبر آياته كلما سهل عليه الحفظ واستقر، والعكس بالعكس
* القراءة الصحيحة للآيات
لابد من القراءة الصحيح للآيات إما على شيخ أو معلم أو الأب أو ألام ومن الخطأ أن تحفظ الآية وأنت لا تحسن قراءتها بمن المصحف. وقراءة كتاب الله ليست كقراءة أي كتاب فلابد بالتلقي وهذ أمر في غاية الأهمية.
وكم رأينا من الطلاب الذين اعتمدوا على قرأتهم من المصحف، أو يكونوا قرأوا في بداية المراحل الدراسية، وحفظوا أجزاء كثيرة، ثم اكتشفوا أخطاء لم تخطر لهم على بال؛ لأنهم لم يقرأوا القراءة الصحيحة من البداية. فاختصر الوقت وابدأ من الآن. ولا تبدأ حفظا للآية إلا بعد عرضا على المقرئ.
* تطبيق أحكام التجويد
نزل القرآن مجودا على قلب رسول الله صلى الله علية وسلم، ولابد أن نقرأ كما قرأ.
وأضف على هذا أن من يقرأ مطبقا ً لإحكام التجويد يلاحظ أمور.
منها: تحسن التلاوة في أذن السامع، ويظهر هذا بإظهار الغنن وتطبيق مخارج الحروف.
ومنها: المساعدة على الحفظ يتضح ذلك عندما تلاحظ أثناء تطبيق أحكام النون الساكنة والتنوين أنك تأتي بالحرف الذي يقع بعدها وأنت لاتشعر لأن الفم يتهيأ لذلك.
ولا ينبغي التساهل في هذا التطبيقات لأنها تساعد على الحفظ والإتقان. وتحتاج إلى وقت ليس بالطويل
* الحفظ جملة جملة، عبارة عبارة
احرص على أن تقف على معنى تام ثم ابدأ التكرار ولا تقطع المعنى
مثاله: قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً )) (مريم :96)
فلا تقف عند (أمنوا) بل قف عند ودا ثم كرر لأنك لو وقفت عند ((الَّذِينَ آمَنُوا)) سينقطع المعنى وتكون جملة غير تامة أما لو وقفت على آخر الآية فإنك سوف تكمل المعنى
أما الآية الطويلة التي يصعب أن تقرأها بنفس واحد فحاول أن تقف على معنى تام، ثم تكرر بعد ذلك
* مراعاة ترابط الآيات يعضها ببعض
عند الحفظ حاول أن تجعل في ذهنك جمله من الآيات مرتبطة بعضها ببعض بالمعنى ولاتجزءها في ذهنك كما في آيات أصحاب اليمين وأصحاب الشمال في سورة الواقعة.
لاحظ أن تسلسل الآيات يذكر بعضها ببعض. طبق هذا المثال في مواضع كثيرة من القرآن، فإنك سوف تجد آيات كثيرة على هذا النحو
* رفع الصوت بالقراءة والتكرار
الأذن لها دور كبير في ضبط حفظ الحافظ، لأن الآيات تقرع المسامع بوضوح ثم يقوم الذهن بتخزين المعنى وإدراكه أما القراءة بصوت منخفظ يكون التركيز على المعنى فقط ويلُغى دور الأذن.
هذا في الغالب وفد يعتاد بعض الحفظة على الصوت المنخفظ ويركز على المعنى
* اختيار الوقت المناسب
ابدأ الحفظ بعد أخذ حظك من النوم بقدر كافي حتى يمكن أن تستوعب معاني الآيات. فلا يمكن أن تأتي بمجهد يحتاج إلى الرارحه ثم تحمله ما لا يحتمل خاصة في العمليات التي تحتاج إلى جهد ذهني. وعملية الحفظ متعلقة بحواس الإنسان وهي مناطق حساسة تتأثر وتؤثر في عملية الإدراك ولا تعتمد على مجهودات عظليه
فلا مجال للمجاهد ة والضغط في هذا الجانب
* تمرين الذاكرة
تعتمد سعة الذاكرة على استمرار الطالب في عملية الحفظ وكلما جاهد نفسه في الاستمرار كلما سهل عليه الحفظ وبقي المحفوظ مدة طويلة أما لو طال العهد في تمرين الذاكرة فإن الذاكرة سوف تكسل ويقل استيعابها.
ولا يقتصر هذا على الجديد من المحفوظات بل حتى القديم منها.
وقد تعارف الناس على صعوبة الحفظ في الكبر وسهولته في الصغر ويقولون الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر وهذا صحيح لكنه ليس على إطلاقه وقد يوجد من يبتدأ حفظ القرآن الكريم بعد الثلاثين من عمرة ومن يبتدأ طلب العلم وحفظ المتون بعد الأربعين.
والمعول على قوة الذاكرة وضعفها هو قله المشاغل والتفرغ للحفظ وقبل ذلك كله التقوى وإرادة الله والدار الآخرة والإرادة الجازمة واللهج بدعاء الله أن يثبت الحفظ في قلبه.
نعم قد يكون من الناس من يتعذر عليه الحفظ ولو كرر مرارا ويجد الصعوبة في الصغر والكبر.
ومن هنا نعرف أن سعة الذاكرة وقوتها لا تخضع أسبابها للصغير فقط بل لعوامل أخرى وهي السالفة ذكرها.
وأختم هذه التوجيهات بالتذكير بأن القرآن روح، ولا جسد بل روح، بل جثة هامدة، وكلما حفظت من كتاب الله وتدبرت آياته ازدت إيمانا، وتخلقت بخلق أهل الإيمان لأن القرآن شفاء لما في القلوب من الحسد والحقد والكبر والنفاق والجهل .
تأمل كيف غير القرآن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعهم من عبادة الشجر والحجر وعبادة الأصنام إلى عبادة الخالق الديان.
كان أحدهم يصنع الصنم من التمر ويسجد له فإذا جاع أكله.
وكان أحدهم يجمع الكثبان من الرمل وجعلها على هيئة صنم ويأتي بالشاة فيحلبها علبة ثم يسجد له، فلما نزل القرآن على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جمعوا قلوبهم عليه وتفتقت أذهانهم على معاني وحقائق وقصص غيرت سلوكهم وهذبت أخلاقهم
وعلى هذا أعظم معجزة على وجه الأرض هو القرآن الكريم فمن رام الثبات على الدين والتخلق بأخلاق المؤمنين فعليه بحفظ كتاب الله وتدبر آياته
أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلني وإخواني من أهل الله وخاصة وأهل الله وخاصة هم أهل القرآن
كما أسأله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا إنه خير مسؤول وصلى الله وسلم على نبينا محمد