أهمية تدريس التربية الإسلامية في عالم متحول

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : د. عبدالحسين الجبوري | المصدر : www.tarbya.net

أهمية تدريس التربية الإسلامية في عالم متحول 
د. عبدالحسين الجبوري 
تربية نت 
29/07/2005
  

 

 

تستقبل المدرسة الابتدائية الأطفال فيها في السادسة من العمر، وفي المدرسة يحاول الطفل إشباع حاجته المتنوعة، وتظهر رغبته بشكل اكبر نحو اكتساب الخبرات والمهارات التي لم يألفها سابقا، وهذه الخبرات قد تكون إيجابية أو سلبية، وتحاول المدرسة جاهدة تصحيح الأخطاء التي سبق ان تعلمها وبالمقابل تعزيز ممارسة الصحيح من الأفعال و الأقوال.

 

إن هذه العملية لا تتم من فراغ بل من خلال أهداف مرسومة مسبقا ومناهج دراسية تخضع بين الحين والآخر للتقويم بأشكاله المتنوعة علاوة على ذلك فأن القائمين على التربية لا يألون جهدا في انتقاء المعلمين الأكفاء فضلا عن الاهتمام باستكمال تأهلهم عن طريق تزويدهم بالخبرات الجديدة لما له من دور أساسي وبارز في عملية التعليم والتعلم بوصفه حلقة اتصال بين التلميذ والمنهج.

 

وينبغي أن يكون من يعمل بالتعليم خير قدوة للتلميذ لا نهم يحاكوه في أفعاله ويمكنهم ان يتحملوا قدر من المسؤولية وان يفهموا التناقض في الأقوال والأفعال وعلى المعلم أن يتجنب التناقض بين الفعل والقول ويجب استثمار وسيلتي الثواب والعقاب لدفع التلاميذ إلى الفضائل وتحذيرهم من عواقب الرذائل.

 

ومن مسؤولية المعلم تحديد الأفعال الفاضلة والأفعال السيئة وتحديد ما هو جميل وقبيح والتفريق بين الحلال والحرام وان يكون ذلك مفهوما وواضحا في أذهان التلاميذ.

 

ويتفق التربويون على ان المعلم هو أحد العوامل الرئيسة المؤثرة في سلوك التلاميذ وشخصياتهم ان لم يكن أهمها وانه جزء لا يتجزأ من البيئة المدرسية وبدونه لا يمكن تحقيق مواقف تعليمية جديدة وعلى عاتقه مسؤولية نجاح المدرسة وأهدافها.

 

ولكي يؤدي المعلم مهمته على النحو الأكمل لابد من تهيئة المناهج الدراسية، إذ تعتمد التربية في تطبيق خططها وبرامجها على المنهج المدرسي لأنه يمثل العمود الفقري للتربية وتبعا لهذه الأهمية كان لابد لأي نظام تربوي ان يتبنى منهجا مدرسيا معينا يستطيع ان يعكس الفلسفة التي يؤمن بها من اجل تربية الناشئة وفي أسس سليمة مدروسة يستطيع في ضوئها ان يبلور شخصية التلميذ من النواحي العقلية والجسمية والانفعالية ليكون المعلم بموجبها قادرا على ان يؤثر إلى حد كبير في شخصية تلاميذه محققا نمو متكاملا لديه.

 

إن المدرسة الابتدائية في رسالتها تهدف إلى تحقيق النمو السليم للتلاميذ اذ تعمل على تحقيق أهداف المجتمع وهذا يتطلب عملية منظمة لان كل المجتمعات على وجه الأرض مهما كبرت أو صغرت ومهما كانت بسيطة أو معقدة لا تترك تربية أفرادها تتجه بحسب المصادفة والأهواء ففي ذلك ضرر كبير عليها وعلى كيانها وبقائها ولابد ان يكون هدف أو جملة أهداف ضمنية تسعى تلك المجتمعات لتحقيقها ويمكن تأكيد على رسالة المدرسة من خلال التربية الإسلامية التي تسعى إلى سعادة الفرد في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله تعالى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا).

 

إن المدرسة حينما تهتم بالتربية الإسلامية تنطلق من المفهوم الإسلامي العظيم لتلك التربية والمتضمن التخلي عن الأوصاف المذمومة والتحلي بالأوصاف الحميدة فهي تتعلق بالعقل وتقوية للجسم وتزكية للنفس وتطهير للقلب دون ان يكون قد ضحى بأي من القوى على حساب قوة أخرى فهي عملية توازن وتناسب وتناسق وانسجام بين قوى النفس وعلاقتها بالله سبحانه وتعالى والكون والحياة والناس جميعا.

 

ولو تأملنا حديث الرسول محمد صلى الله عليه وعلى اله في خضم هذا العالم المتغير نجد مدى أهمية السيرة النبوية لنا كدليل حياتي اذ ورد في الحديث النبوي الشريف (ليس خيركم من ترك الدنيا للآخرة ولا الآخرة للدنيا ولكن خيركم اخذ من هذه وهذه).

 

ونحن نعيش تحولات في مجتمعنا نتيجة للتطور التكنولوجي وعصر المعلوماتية وثقافة الانترنيت وأجهزة الفيديو وأجهزة الستلايت التي أصبحت في الغرف الخاصة في البيت وخاصة في غرف النوم وما يعرض في تلك الزوايا البعيدة عن الرقابة الأسرية من أفلام يندى لها الجبين وتمهد للانحراف والرذيلة يتطلب من المدرسة ان تهتم بالتربية الدينية التي تعد أسمى أنواع التربية أكثرها عطاءاً للإنسان فالتربية الدينية تهدف إلى تحقيق النمو الروحي والتهذيب النفسي وتنمية السلوك وتعويد النفس على العادات الصالحة والأخلاق الفاضلة والمثل الكريمة.

 

إن التربية الإسلامية تؤكد على ان كل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وارشاد إنما يقصد به أعداد الإنسان ليكون عبدا خالصا لله لا لأحد سواه ولهذا كان روح الإسلام وجوهره التوحيد الذي معناه ان يعلم الإنسان لا اله ألا الله وان يفرده تعالى بالعبادة والاستعانة فلا يشرك به أحد ولا يشرك معه شيئا وهذا يتم من خلال التمسك بالقرآن الكريم لأنه كتاب الله كتاب تربية وتوجيه مهمته إنشاء الأمة المؤمنة التي تنشد الأخلاق الفاضلة.

 

ووصفت الآية الكريمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..)

 

إن المدرسة لو تمسكت بالقرآن الكريم في مناهجها الدراسية ليس تكرار الآيات دون الفهم البني على المعرفة بل دراسة علمية فان ذلك يسهل على المدرسة بناء الإنسان الصالح لان ذلك هدف يسعى القرآن أليه لكونه يحدد مواصفات هذا الإنسان بدقة ووضوح ويرسم المنهج الذي يتضمن ان اكرم الناس هو التقي الورع ووصف ذلك (إن أكرمكم عند الله اتقاكم).

 

إن اهتمام المدرسة بالتربية الإسلامية في هذا العصر يعد ضرورة ملحة لتواكب المتغيرات السياسية والثقافية والاجتماعية وتواجه الحملات التبشيرية التي تحاول النيل من الإنسان المسلم أو تعوق مسيرة بنائه

 

لذلك فالمدرسة الابتدائية مطالبة اليوم اكثر من قبل بالاهتمام بتدريس التربية الإسلامية ليكون درسا ذا اهمية وليس التدريس التقليدي الذي يعتمد تلقين القيم الدينية على مستوى الإلقاء والانفعال والحفظ والاستظهار دون محاولة ترجمتها إلى سلوك وممارسة يومية أننا نسمع هنا وهناك أصوات تتداول في الكتب ووسائل الأعلام مفادها الدين لله والوطن للجميع نحن ليس ضد مضمون هذه الفكرة بل ضد أسلوب تسويق هذه الفكرة لأبناء المجتمع بطريقة تجعل الفرد يعمل ما يشاء فلا يختلف من يمتلك البصيرة على ان الوطن أغلى من الروح والدين اعز منها.

 

إن ترك الإنسان يفعل ما يشاء تحت عناوين مختلفة مرة باسم الحضارة وتارة أخرى باسم التطور ويردد البعض ما يقال ان الدين أفيون الشعوب يجعل مجتمعنا المسلم على حافة الهاوية فالإسلام يمتلك التسامح والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والانضباط والنظام لذا نوجه دعوتنا إلى مدارسنا ان تهتم بموضوع التربية الإسلامية وتعطيه أهمية لا تقل عن الدروس الأخرى.