الأسرة في الألفية الثالثة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. مهاتير محمد | المصدر : www.tarbya.net

 

ألقيت هذه الكلمة من خلال مشاركة د. مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق في فعاليات مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة.. وجاءت مشاركته في الجلسة الأولى للمؤتمر والتي جاءت تحت عنوان "الأسرة في الألفية الثالثة" - تحديات ورهانات. 
 
 
 
الأسرة في الألفية الثالثة..
 
د. مهاتير محمد
رئيس وزراء ماليزيا السابق
 
إن القيم والثقافات ليست شيئًا جامدًا، أنها تتغير مع الزمن كما تختلف من مكان إلى آخر وكذلك بين الناس الذين يأتون من أصول أثنية وعقائد دينية مختلفة.
 
تلاحظون أنه في عالم اليوم تتغير القيم بصورة سريعة لدرجة أننا لا نستطيع اللحاق بها، وقد لا يكون لدينا الوقت الكافي للتقييم واتخاذ القرار بخصوص قبول هذه القيم أو رفضها، لكن عدم قدرتنا على النظر فيها وتقيميها واتخاذ القرار المناسب قد يكون له عواقب خطيرة علينا.
 
نواة الأسرة
 
لعدة قرون وربما آلاف السنين كنا سعداء للغاية ومرتاحون للمفهوم الذي ربما لقي شبه اتفاق عالمي حول ماهية مكونات الأسرة ، هناك بعض الاختلافات في الآراء لكن حتى هذه الاختلافات تبقى هي أيضا شبه مستمرة بالنسبة لمعظمنا، فأن الأسرة تتكون من زوج وزوجة والأطفال، هذه هي نواة الأسرة.
 
لكن في معظم المجتمعات فإن الأسرة تمتد لتشمل أقرب الأقربين، الآباء والأمهات والأعمام والأخوال وأبناء العمومة والأصهار وبعض الأقارب ألبعيدي الصلة مثل أبناء العمومة من الدرجة الأولى والثالثة، لكن ما زالت صلة القرابة تحدد بصلة الدم عن الطريق الأب والأم.
 
في عدد من المجتمعات وبين المسلمين يوجد تعدد الزوجات، وفي بعضها وبالرغم من أن الزواج بزوجة واحدة فقط هو المسموح فإن وجود مؤسسة الطلاق وحدوث الموت لأي من الشريكين يعني أن الرجل قد تكون له عدة زوجات والمرأة لها عدة أزواج على الرغم من أن هذا لا يحدث في نفس الوقت. لذلك فإن أسرة الشخص قد تشمل أيضًا إخوة وأخوات غير أشقاء كذلك فإن عمليات زواج المطلقين والمطلقات قد ينتج عنها وجود أسرة تتكون من أطفال الزوج وأطفال الزوجة، بالإضافة إلى الأطفال الذين يتم إنجابهم نتيجة الزواج الجديد، وهناك أيضًا الأرامل من الجنسين الذين يتزوجون وينجبون أطفالاً. 
 
كل هذه الممارسات شرعية، أي مجازة من ناحية قانونية ودينية وعن طريق التقاليد والعادات. واضح جدًّا أن هناك العديد من الأفراد يمكنهم أن ينتمون إلى الأسرة، لكن توجد بينهم دائمًا صلة دم واضحة. الأطفال الذين يتم تبنيهم قد لا تكون لديهم هذه الصلة، لكن المجتمع والقانون يعتبرهم أعضاء شرعيين للأسرة مع بعض المؤهلات. 
 
تحديات ومعوقات 
 
لكن مؤخرًا أصبح هناك عدد من التعريفات الجديدة عن كيفية تكوين الأسرة. وبالتالي فإن الأزواج الذين يعيشون مع بعضهم البعض دون أن يكون بينهم عقد زواج، مع وجود أطفال أو بدون أطفال والأمهات الوحيدات اللاتي لديهن علاقات جنسية عابرة، مع فرد واحد أو عدة أفراد وليس لديهم ما يؤكد أبوتهم، وأي ثنائي من الشواذ الذين يتم الجمع بينهم بالزواج في بعض البلدان التي يجيز قانونها ذلك و يعترف بهم المجتمع ولديهم أطفال متبنون أو أطفال جاءوا نتيجة لعلاقات جنسية عابرة، وكذلك الأزواج الذين يكونون أساسًا إخوة كل هؤلاء يتم تعريفهم كأسر. ومن الواضح أن الشذوذ الجنسي وحتى زواج المحارم أصبحا يفقدان حاليًّا، وببطء، صفة الخطيئة أو عدم الشرعية بسبب الإيمان بحرية الفرد.
 
ومع كل هذه التعريفات الجديدة لكيفية تكوين الأسرة فإن الأعراف والقوانين المتعلقة بالأسرة ودورهم في المجتمع أصبحت مضطربة وغير مؤثرة في إحلال النظام داخل المجتمع الإنساني. هناك حالة من الانهيار الأخلاقي والفوضى تهاجم المجتمع الإنساني في الغرب المتحرر بين أعراق أوربية مسيحية اسميًّا.
 
وكالعادة فإن هذا الانهيار والتدهور يبدأ مع مجموعة قليلة وتتم معارضته مبدئيًّا، لكن سوف تقل هذه المعارضة عبر الزمن عندما يدافع المفكرون المتحررون عن الحرية وحقوق الأفراد. وكلما قلت المعارضة فإن مجموعات أكثر سوف تتبنى وتمارس الحريات الجديدة وبمرور الوقت تصبح هذه هي الأعراف والقيم والثقافة المقبولة في المجتمع المعني.
 
العلاقات العابرة سوف ينتج عنها أطفال لا يعلمون من هم آباؤهم.. يمكن طبعًا أن يتم عملية تتبع ومعرفة الآباء قد لا تكون سهلة أو ناجحة تحديد نسبهم بواسطة فحص الـ "دي.إن.إيه"؛ لذلك فإن بعض الإخوان قد يتزوجون من أخواتهم دون علمهم.
 
وبمرور الزمن سوف تصبح مثل هذه الزيجات شائعة ومثل هذا التزاوج سوف ينشأ عنه بعض الجينات غير الإيجابية التي ينتج عنها وجود بعض الأمراض أو حتى بعض الميول الإجرامية، وقد تكون هناك بعض الآثار الجانبية المميتة الأخرى. 
 
الأسرة عمود المجتمع 
 
لقد كانت الأسرة هي العمود الذي يعمل على تثبيت واستقرار المجتمع الإنساني، وهي التي تحافظ على القيم الحسنة في الثقافات الإنسانية. الآباء والأمهات يهتمون بأطفالهم بصورة طبيعية، وفي معظم الأحيان يحاولون تربيتهم وتنشئتهم ليصبحوا أعضاء صالحين في المجتمع الذين يعيشون فيه. وكلما تصبح الروابط الأسرية أكثر قوة والأسرة أكثر امتدادًا، فمن المتوقع أن يصبح السلوك الحسن والقيم الحسنة أكثر انتشارًا وقوة داخل المجتمع، والقيم الحسنة هي التي تحدد مدى الاستقرار ونوعية أداء وتطور المجتمع ومستوى الحضارة التي يصل إليها.
 
من الواضح أن مؤسسة الأسرة تحتاج إلى المحافظة عليها، لكن الأسرة يجب أن تكون طبيعية، وألا يتم التقليل من شأنها، وتصبح عديمة المعنى عن طريق إرضاء الرغبات الإنسانية الدنيا.
 
الأسرة يجب أن تكون نتيجة زواج رسمي ومقنن وله شهود ومعترف به من قبل أعضاء الأسرة والمجتمع. لا يجب أن تتكون الأسر من علاقات عادية وعابرة تخلو من أي حب أو مشاعر عدا الرغبات الحيوانية السريعة التي تحتاج إلى الإرضاء. إن مثل هذه العلاقات والارتباطات العابرة هي التي ينتج عنها أطفال حديثو الولادة، يتم إلقاؤهم في أكوام الأوساخ غالبًا وهم ما زالوا أحياء. وقد أصبحت هذه الممارسات شائعة بصورة أكبر وسط المراهقين حتى في المجتمعات المسلمة. 
 
الأسرة الماليزية المسلمة 
 
أما بالنسبة للمسلمين فإن الزواج ليس فقط عادة أو تقليد، لكنه مقترن بضوابط ومنظم بواسطة الدين والقوانين والممارسات الإسلامية عادلة ومعقولة، ويجب أن تساهم في إنشاء أُسر صالحة. الإسلام بالطبع يسمح بتعدد الزوجات، لكن هناك شروط مرافقة واضحة جدًّا تعمل على تنظيم وضمان إنشاء أُسر صالحة. يمكننا أن نتزوج اثنتين أو ثلاثة أو أربعة لكن إذا لم نكن عادلين مع زوجاتنا يجب أن نتزوج واحدة فقط.
 
بالنسبة لنا في ماليزيا يخاف معظم المسلمين من أن يعدلوا بين أكثر من زوجة واحدة؛ ولذلك فإن تعدد الزوجات ليس شائعًا.
 
وبجانب ذلك فإننا حريصون على أن نرى أن كل رجل وكل امرأة متزوجين بطريقة صحيحة، وأن لديهم القدرة على إنشاء أسرة صالحة وسليمة.
 
ولأن عدد الرجال والنساء في بلادنا يكاد يكون متساويًا فالاحتمال الأكبر أنه إذا تزوج رجل واحد أربعة زوجات سيكون هناك ثلاثة رجال بدون زوجات. والرجال الذين ليس لديهم زوجات سيعيشون تحت ضغوط عاطفية شديدة، وربما يقود هذا إلى إيجاد مجتمع غير مستقر مع وجود نسبة عالية من الجرائم الجنسية.
 
وبما أن الإسلام يمقت بشدة وجود أي خلل في المجتمع فإن الرجال في ماليزيا يجب أن يفكروا جيدًا ما إذا كانوا يتبعون التعاليم الإسلامية عندما يتزوجون أكثر من وحدة أم أنهم منقادون فقط لهذه الرغبات الدنيا.
 
وبصرف النظر عن تعدد الزوجات فإن مؤسسات الزواج والأسرة في المجتمع الإسلامي موضوعة بصورة جيدة في القرآن الكريم. المسلمون يجب ألا يتأثروا بالاتجاهات الحالية لما يسمى بالمجتمعات الحديثة المتحررة. وحقيقة يجب أن يسعى المسلمون بشدة لمنع القيم المتحررة من إضعاف تعاليم الإسلام. 
 
فوضى المجتمعات 
 
إنني أعتقد وبأمانة أنه ستكون هناك فوضى في المجتمعات المتحررة من الأعراق الأوربية، وإذا كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قد تم اعتبار أن أهل الكتاب قد انحرفوا من تعاليم أديانهم الخاصة، فإن الانحراف اليوم هو أكثر شيوعًا ووضوحًا. إننا لا نشهد فقط زيجات للشواذ تمت إجازتها، لكننا نرى بعض الأساقفة يستهزئون بالأساقفة الآخرين علنًا حتى خلال المناسبات الدينية.
 
إن تجاوب مجتمعاتهم مع استهزائهم بتعاليم أديانهم هو تقنينها، وعندما يتم تقنين الجرائم حتى أولئك الذين لا يرغبون في ارتكاب الجرائم سيشعرون بأن القوانين والتعاليم التي تقيدهم أصبحت أقل وطأة، ومن ثَم يقومون بارتكاب الجرائم وسيتم تجاهل عدد أكبر من القوانين الصارمة التي تحرم هذه الأفعال، كما سيتم التقليل من شأن بعض الخطايا بواسطة عدد أكبر وأكبر من الناس الذين يتوقعون أن يتم رفع القوانين التي تحرم ارتكاب الجرائم والأخطاء بعد فترة من الزمن، وأن تصبح جزءاً من الممارسات العادية والشائعة في المجتمع.
 
إننا نعرف من القرآن الكريم والإنجيل قصة "سودوم" (لوط) وكيف أفنى الله قومه الذين كانوا يقومون بممارسات جنسية شاذة. إن الناس الذين يعيشون في عالم اليوم لن يظنوا أنه يمكن أن يحدث هذا في أيامنا مهما ارتكبنا من أخطاء أو جرائم. سوف يرفضون أي اقتراح بأن المصائب التي حلت بهم هي عقاب من الله على خطاياهم.
 
ومن ثَم يرفضون الاقتراح القائل إن ظهور أمراض جديدة مرض نقص المناعة المكتسب هو نوع من العقاب، ربما لا نريد تصديق هذا العقاب العالمي. لكن الواقع يبقى أن مرض الإيدز مرض جديد أول ما اكتشف في ولاية كاليفورنيا (بين الشواذ جنسيًّا) والإيدز ينتشر بصورة أكبر ويحدث الآلام الخطيرة في العالم. ربما لا يكون عقابًا من الله، ولكنه مرتبط بالتأكيد بشكل مبدئي بأعمال الخطيئة.
 
من سوء الحظ أن المجرمين الحقيقيين تعلموا كيفية تجنب هذه العقوبة، لكن الآخرين الذين شاركوا في الكارثة لم يكونوا أحسن حالاً، ومن المعروف بصورة واسعة في المجتمعات ذات القيم والتقاليد الراسخة أن التقاليد نفسها ساعدت على نشر المرض.
 
وفي المجتمعات التقليدية تنص التقاليد على أن تمتثل الزوجات للأزواج، فعندما يكون الزوج حاملاً بفيروس الإيدز فإن خضوع الزوجة الكامل دون أخذ الاحتياطات المطلوبة ينتج عنه ضرر، وهو أن تصبح الزوجة والأبناء حاملين للمرض وعليه ينتشر مرض نقص المناعة في هذه المجتمعات التقليدية مثل انتشار النار في الهشيم، رغم تحريم وتجنب أعمال الخطيئة.
 
إن ما حدث قد لا يشعر بعقوبة لكن لا يزال لا يمكن تلمس العذر للمجتمع. إن التقاليد والعادات وتعاليم الدين هُدف منها أن تكون مصدر سعادتنا. لكن ليس ممارسة هذه التقاليد هي التي يجب الحفاظ عليها دون تساؤل أن نوايا ومقاصد تلك التقاليد والتعاليم هي التي يجب أن نركز عليها اهتمامنا، فإذا حدث لسبب ما أن مقاصد التقاليد لم تتحقق فمن ثَم يجب أن نسقطها أو تعديلها هكذا فإن القوانين الإسلامية قصد بها أن تتضمن العدالة، وأن العدالة هي الغاية في النهاية، والقرآن الكريم يكرر باستمرار أننا عندما نحكم أن نقضي بالعدل، لكن التفسيرات السائدة اليوم للإسلام تركز على عملية الحكم والعقوبة وليس العدالة، ويفترض أن العملية إذا اتبعت فإن العدالة ستكون هي النتيجة، حتى وإن لم تبدُ كذلك بوضوح.
 
كذا نجد في حالة الاغتصاب ولغياب الشهود تنزل بالضحية العقوبة رغم أن المغتصب معروف، لكنه يطلق دون عقاب، وإذا حدث أن حملت الضحية سفاحًا فقد تُرمى بجريمة الزنا وتعاقب بالرجم حتى الموت. إن معاقبة الضحية وترك الجاني يفر دون عقوبة ليس عدلاً، ولكن رغم ذلك لا يزال فقهاء الشريعة يصرون على شرط الشهود على الجريمة كأحد أهم العوامل الرئيسية وإذا كانت العدالة هي النتيجة يجب قبولها، إن الإسلام وتعاليمه لا يخطئون، لكن الفهم الذي يتجاهل المادة بمعنى العدل بدلاً من الشكل. إن الإجراء والعقوبة هو ما يمنح الإسلام الصورة الخاطئة حتى بين أتباعه وبالتأكيد بين غير المسلمين. 
 
الفهم الصحيح للإسلام 
 
وبذات القدر في حالة التقاليد والعادات وتعاليم الإسلام التي تخص الأسرة ليس الخضوع الأعمى من الزوجة للزوج هو ما يتبناه الإسلام. إن للزوجة حقوقًا وإنكار الحقوق الفطرية لأجل ضمان صحة سليمة للزوجة والأطفال ليس بخطأ في الإسلام. إن الزواج في الإسلام ليس لمجرد إرضاء الشهوة من جانب الزوج، ولكنه أيضًا لأجل إنجاب الأطفال، أطفال يتمتعون بصحة سليمة لأجل مصلحة الأمة، فإذا كان لممارسة حقوق فطرية أن ينتج في تدمير الأسرة والأمة فعليه يكون الحرمان مبررًا.
 
ومن سوء الحظ أن القائمين على تعاليم الإسلام بدا أنهم يجهلون خطورة مرض الإيدز في مجتمعهم أو في البلاد التي تنكر ذلك. فلم يصدروا فتوى حول هذا الوباء وبالتأكيد لم يفعلوا أي شيء لتنوير التجمعات الإسلامية المصابة حول الحاجة لفهم التعاليم الحقيقية للإسلام لما يخص الخطأ والصواب في العلاقة بين الزوج والزوجة.
 
ورغم أن العائلة لا تزال بخير في المجتمع المسلم فهناك الآن تصدعات في بنيتها، فالمسلمون لم يعودوا قادرين على عزل أنفسهم عن بقية العالم. فسهولة السفر وضعت المسلمين في اتصال مباشر مع الثقافات الأخرى بما في ذلك الثقافة المتسامحة التي ذكرتها، كما أن شاشات التلفاز والفيديو أتت بأسلوب حياة الآخرين وثقافاتهم إلى بيوت المسلمين، ورضينا بذلك أم أبينا ذلك التعرف يجب أن يؤثر على تفكيرنا وعلى القيم والثقافات التي نملك. 
 
انهيار القيم 
 
ونحن في ماليزيا نشهد الانهيار البطيء للقيم والأخلاق، فقد أصبح الآباء أقل قدرة على ضبط الأبناء وغرس قيم السماحة فيهم، وبدون تلك القيم سيكون من السهل تأثرهم بالتعرض لشاشات التلفاز وصور الإنترنت والفيديو كاسيت، والنتيجة ازدياد الجرائم في جرائم الأحداث والقتل وإدمان المخدرات. وأصبح الحمل بين فتيات المدارس أكثر شيوعًا.
 
ماذا نفعل نحن؟ هل نحاول خلق عالم المسلمين في القرن السابع أم نحاول علاج مشكلات العالم الأكثر حداثة عبر السبل الحديثة التي لا تزال غير منسجمة مع الإسلام. تلك هي المشكلة؟ إن ماليزيا اختارت طرق التحديث لمجرد أنها إذا لم تفعل فسنكون ضعفاء وستضطهدنا القوة المسماة القوى الليبرالية في العالم. وسوف يحاولون فرض أنظمتهم وقيمهم وثقافاتهم علينا. وسوف تصبح جميع شرور تأثير ثقافتهم مفلتة ولا يمكن السيطرة عليها؛ لأننا لا نملك القدرة على المقاومة.
 
نحن لم نضحّ بالأسرة والقيم الأسرية من خلال الميل لتحديث مجتمعنا. إن الانهيار في نوعية قيم مجتمعنا بسبب ضعف الأسرة يمكن إبطاؤه وإنقاصه. ولكن ما كسبناه مقابل قدرتنا على التنافس مع بقية العالم للحفاظ على استقلالنا، ولإثبات أن الإسلام ليس معوقًا للتقديم -أكثر مما يعوض للتدهور الطفيف في القيم العائلية لمجتمعنا البديل هو الرجوع إلى القرن السابع لنكون متخلفين وضعفاء- ويهيمن علينا الأقوياء ونجبر على إسقاط ديننا وقيمنا.
 
وعليه من المهم في كل الأوقات أن نشكك نحن المسلمين في بعض الممارسات التي تجرى في المجتمعات الإسلامية، لما يتعلق بكرامة الأسرة، فنحن نقرأ وبحزن عميق قتل البنات والأخوات بزعم حط كرامة الأسرة بصور مختلفة. هل حدد الإسلام ذلك؟ أين في القرآن أو من الأحاديث الصحيحة نجد إرشادات غير مباشرة بالتماثيل... إلخ تقول بوجوب قتل البنات والأخوات اللائي في رأي الأسرة قد جلبن العار لها؟ إن هذا الالتباس ضد أعضاء الأسرة الإناث، أسوأ من وأدهن في الجاهلية. إنه ينتج العادات القبلية التي شوهت الإسلام ولا يجب بأي حال ربطها بالدين.
 
إن التحديث يحدث الآن في كل مكان بمعدل بطيء وسريع. إن التمدن الذي صاحب عملية التحديث أثر على نظام القيم والثقافة للشعب. وأصبحت الأسرة الممتدة أقل وأقل شيوعًا، وبدلاً من ذلك مالت الأسر الآن لتصبح نواة وبأطفال أقل أيضًا تغيرت الظروف الحياتية، وفي العديد من الحالات أخذ قاطنو المدن الجدد يعيشون في غرفة واحدة في منازل الفقراء، و لربما أخذ كل من الوالدين يعمل ويترك الأطفال دون إشراف جل الوقت. فهم يدخلون ويخرجون من المنزل بأنفسهم.
 
وتجنب الجيران في المدن التدخل مع بعضهم البعض فهم لا يريدون معرفة ما حدث لجيرانهم وسلوك الجيران في القرى غير موجود في المدن، وهذا يمكن أن يؤدي إلى جميع أنواع المآسي. فقد ذكر أن أناسًا ماتوا في منازل البؤس هذه دون أن يعي جيرانهم بغيابهم، ولم يشاهدوا لأسابيع وأيام.
 
إن مساكن البؤس توجد في كل مكان في العالم، ولكن في الدول النامية ظروف مساكن البؤس سيئة بصورة حرجة فمن المحتمل أن تضع الأكواخ من أعواد القمامة أو الصناديق الخشبية دون صرف صحي أو خصوصية، ومن حين لآخر يشاهد الأنشطة الجنسية للوالدين كما قد يغتصب الأب البنات أحيانًا.
 
وتحت وطأة هذه الظروف تتراجع نوعية الأسرة وستزدهر جرائم الجنس والجرائم الأخرى، وينشأ الأبناء غير صالحين في المجتمع غير قادرين على الإسهام بأي شيء في حياة المجتمع.
 
ليس من الممكن تفكك مساكن البؤس في المدن وإرسال ساكني هذه الديار إلى قراهم، إلى جانب أن هناك حاجة في المدن فهم يوفرون العمالة في الصناعات الحديثة الأخرى التجارية.
 
تضطلع الحكومة هنا بمسئولية توفر مسكن أفضل ضمن مواقع سكنية جيدة التخطيط وفي أقرب موقع من مكان العمل ويتعين على المخدومين أنفسهم أن يتولوا بعضًا من هذا الأمر.
 
سيكلف المال ولكن سيكون مالاً منفقًا بصورة صحيحة، حيث إنه سيقلل من الجريمة والأنشطة الأخرى غير المرغوب فيها في المجتمع وستؤكد أيضًا صحة أفضل توفر بدورها على المجتمع الكثير من المال، وفي نهاية المطاف يحدد تقدم المجتمع أو الحضارة التي سيقوم ببنائها. 
 
الإسلام منهج حياة 
 
بين الغموض في تعريف الأسرة الحديثة والتعرض القسري لقيم أخلاقية مختلفة وغير مقبولة بدرجة كبيرة واحتياجات الحداثة لتصبح الأسرة كما عرفنا في الماضي مواجهة بإمكانية الانهيار أو تصبح مفككة السؤال المطروح هو هل نسمح للأسرة كما نعرفها بأن تنهار أو تصبح مفككة أم نحاول إنقاذ الأسرة؟
 
بصفتي مسلم لا أجد صعوبة في الخيار فالإسلام هو منهج الحياة، وإذ لم يستطع المسلمون أن يكونوا قادرين على التعامل مع المشكلات التي نواجهها في منهج الحياة فإن ذلك ليس بسبب تعاليم الإسلام، بل لأننا فسرنا الإسلام تفسيرًا خطأ أو أننا في حالة إنكار ونتحدث عن الإسلام ولكننا نرفض الاعتراف بأننا نعيش في القرن الحادي والعشرين وليس القرن السابع، وأننا نعيش في وقت ما كان فيه مستحيلاً في القرن السابع أضحى أمرًا عالميًّا وممكنًا اليوم، وعلى سبيل المثال نحن نعرف أن الإسلام يحرم رسم صور البشر والحيوانات، ولكننا اليوم نرى لوحات البشر والحيوانات يوميًّا، ولم يَعُد من الممكن منع التصوير الضوئي غير أن النهي عن وجود مثل هذه الصور هو منع عبادتها، ونحن لا نعبد الصور التي نراها.
 
قد يقول البعض كيف يتجرأ شخص وهو ليس بعالم معترف به أن يتفوه بأي شيء عن التفسير الخاطئ للإسلام.. الإجابة بسيطة لقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالإسلام والعديد منها مختلف جدًّا لدرجة أن إتباع هذه الأنواع المختلفة من الإسلام يزعمون أن هؤلاء الذين لا يعتقدون في تفاسيرهم ليسوا المسلمين، وفي حقيقة الأمر أن التزامهم لتفسيرهم المحدد يصل للدرجة تجعلهم على استعداد لقتل المسلمين الذين يقدمون بتفسيرات أخرى.
 
من هم المفسرون؟ إنهم في الغالب هم المتفقهون في الإسلام، وهم لا يمكن أن يكونوا على حق لأنهم متعلمون، ولا يمكن أن يكونوا على حق إذا اختلفوا كثيرًا عن بعضهم لدرجة إعلان الأشخاص الذين يختلفون عنهم أنهم غير مسلمين. لا أستطيع أن أجرم أي التفسيرين صحيح وأيهما خطأ، ولكن من المستحيل أن يكون الكل صحيحًا.
 
إذن هناك حاجة في هذه الأوقات التي تتسم بالتحدي لكل الأشخاص المتعلمين ولذوي الخبرات في مجالات معينة، وفي هذه الحالة التحديات التي تواجه الأسرة أن يلتقوا معًا ليدرسوا الوضع بعناية من أجل التوصل إلى حلول المشكلات أسرة العصر الحديث وفاقًا لتعاليم الإسلام الحقيقية.
 
لهذا السبب يجب أن نعود نحن المسلمين إلى قواعد تعاليم الإسلام الأصلية كما هي في القرآن الكريم والأحاديث المحققة، حيث لن يكون هناك تفسيرات مختلفة بين الطوائف المختلفة من أجل التأكد من أن منهاج حياة المسلم الخاص بالأسرة يتم الالتزام به، وليس ثمة داعٍ لرفض الأفكار الأجنبية المتحررة فقط، بل أيضًا الأفكار المغالية في المحافظة والتي في بوضوح ليست إسلامية.
 
حرّر الإسلام في الجاهلية من أساليبها غير المتحضرة وساعد أولئك الناس أنفسهم على بناء حضارة عظيمة هناك دليل على أننا نرجع إلى الوراء إلى حضارة الجاهلية ما قبل الإسلام وسننهار ما لم نبذل جهودًا جادة لمنع ذلك، وأحد المجالات التي تحتاج إلى اهتمام عاجل هي مؤسسة الأسرة والزواج التي خدمتنا بصورة جيدة عبر تاريخ الحضارة الإسلامية، ولا شك أن وجود الأسرة القوية واحترام مؤسسة الزواج سيساهمان دون شك في تطوير الأمة الإسلامية.