المقدمة: لا بد لنا بداية أن نستوضح ماهية مهنة التدريس في المنهج الحديث , فقد اختلفت كثيراً في مضمونها وشكلها عما كانت عليه في المنهج القديم حيث كانت تقوم على محور ضيق وواحد وهو المعرفة التي كانت الغاية من عملية التربية بشكل عام وبناءً عليه كان المتعلم هو الوعاء الفارغ الغير قادر على المساهمة في أيٍ من عناصر العملية التعليمية ، فكان المعلم في المنهج القديم هو المتحكم في العملية التعليمية من ألفها إلى يائها حيث يقوم بتنظيم المادة الدراسية على أساس منطقي منطلقاً من خبرته الخاصة وطبيعة مادته متناسياً مدى ما لدى هدا المتعلم من حاجات ورغبات وقابليات واستعدادات وميول وخبرات سابقة ......، وعليه كانت الطريقة الوحيدة للتدريس هي التلقين القائم على آليات التكرار والاستظهار والتحفيظ وآلية التقويم الوحيدة هي التسميع " لا عجب إذ أن الهدف معرفي فقط". أما حديثاً فإن مفهوم وفلسفة التربية تغيرتا في ثقافتنا وكباقي الثقافات، فأصبح الإنسان هو محور العملية التربوية وهو الغاية منها، فقد أصبح مفهوم التربية يعني إعداد الإنسان للحياة بالحياة نفسها أي أن المتعلم في الجانب الرسمي من التربية "المدرسة والمعهد والجامعة" أصبح المحور الذي يدور حوله عناصر العملية التربوية المختلفة من أهداف بنوعيها التربوي العام والسلوكي الخاص معلم ومادة دراسية وأساليب وطرق تدريس وآليات تقويم، وبما أن الإنسان هو شخصية متكاملة الجوانب ففيها الجانب النفسي والجسمي والانفعالي والاجتماعي والروحي والعقلي، فكان من المهم بمكان أن يراعي المنهج بعناصره المختلفة كل تلك الجوانب فيعمل على صقلها عن طريق جانبه المعرفي المدعم بالأنشطة والخبرات التي تحقق الأهداف المعرفية والوجدانية والنفس حركية، فعملية التعلم يجب أن تنظر للإنسان نظرة شاملة مراعية لكل جوانب شخصيته وتراعي أيضا الفروق الفردية ما بين شخصية وأخرى ضمن مجموع المتعلمين في إطار الصف الواحد. مهنة التدريس: انطلاقاً مما سبق أود أن أشير الى أن مهنة التدريس بعد أن كانت تشير إلى أن أمهر المعلمين أغزرهم مادة، فإنها اليوم تشير الى أن أمهر المعلمين هو أكثرهم معرفة وتفهماً لطبيعة طلابه ولحاجاتهم ورغباتهم واستعداداتهم وميولهم و....... . وما بين السلوكيين والوراثيين اختلف تعريف مهنة التدريس فالسلوكيين يشيرون إلى أنهم قادرون على إعداد أية شخصية لمهن مختلفة فمثلاً من الممكن أعداد مدرسين ناجحين عن طريق التأهيل والتدريب وبدون الأخذ بعين الاعتبار الجانب الموروث في الشخصية، فهم يؤمنون بأن بناء الشخصية يستند إلى ما هو بيئي أو مكتسب وليس الى ما هو موروث. فيما يشير الوراثيون إلى أن المعلم الجيد هو من يرث فن التدريس من أسلافه فهم يؤمنون بما هو موروث في الشخصية. وما بين هاتين المدرستين تكمن عدة ثغرات ونقاط قصور لأن مهنة التدريس يجب أن تقوم على ما هو بيئي "مكتسب" وما هو موروث معاً ومن هنا تعرَف على أنها فن مكتسب إلى حد بعيد. فن التدريس مقترن بالشخصية وسماتها فهي التي تمنح لكل مدرس أسلوبه الخاص الذي سينفد من خلاله الطريق ويستعين من خلاله بالوسيلة التي تعتبر الأكثر قرباً من الفكرة المجردة والأقدر على ترجمتها بفعالية. طرائق وأساليب التدريس: طرائق التدريس متعددة ومختلفة فمنها ما يقوم على عمل الطالب كالمشروع والتعيينات أو الواجبات، ومنها ما يقوم على العرض والاستكشاف كالاستقراء والقياس والرسوم التوضيحية والصور والأفلام التعليمية، ومنها ما هو مبني على الكلام والاستماع كالمحاضرة والندوات، وأخيراً هناك ما هو مبني على الأساليب المعاصرة في التعليم كالتعليم الذاتي والمواد التعليمية الحديثة أو ما يسمى بالرزم. أولاً: الأساليب القائمة على عمل الطالب: •المشروع: وهو نشاط تربوي يخطط له الطلاب مع معلمهم لتحقيق هدف منشود، وفيه يقوم الطلاب بنشاطات متنوعة يكتسبون من خلالها بعض الاتجاهات الايجابية بالإضافة إلى الخبرات الغنية بالمهارات والمعلومات والحقائق. وقد عرفه كلباتريك "أشهر تلاميذ جون ديوي، وأهم من نادى بفلسفة التعلم بالعمل" على أنه الفعالية القصدية التي تجري في محيط اجتماعي. وتقوم طريقة المشروع عبر أربعة خطوات وهي: o تحديد الغاية. o التصميم. o التنفيذ وهنا يتعلم الطالب صفة الانتقاد الذاتي. o الحكم على النتائج. •التعيينات أو الواجبات المدرسية: وهي الفعالية التعليمية التي يوجه الطلاب للقيام بها خارج الصف من قبل المدرسين، لمساعدتهم في تعيين الأهداف المراد تحقيقها من الدرس السابق أو اللاحق. ومن أهم فوائد التعيينات التربوية أنها تساعد الطالب على أن يحدد أفكاره وأعماله وفي توجيهها نحو تحقيق الأهداف المتوخاة من دلك التعيين. كما أنه يعمل على ربط وتكامل خبرات الطلاب التي يكتسبونها في المدرسة مع ما يتوصلون إليه من خبرات في خارجها. ومن الأخطاء التي يقع فيها المدرسون عند تعيين الواجب: o إعطاء رؤوس المواضيع فقط، وبدون أي تفسير أو توضيح. o الإسراف في التفصيلات عن كيفية تحضير الواجب، الأمر الذي لا يدع الطلبة يفكرون كثيراً. o عدم تخصيص الوقت الكافي لعمل الواجب. o صياغة الواجب بلغة لا يستطيع الطلبة فهمها أحياناً. o تعيين بعض الواجبات كعقاب على بعض المخالفات التي يقع فيها الطلاب، وهده الواجبات من الأمور المحرمة في التربية الحديثة. ثانياً: الأساليب المبنية على العرض والاستكشاف: • الاستقراء: إن انتقال الفكر من الكل إلى الجزء ومن المجرد إلى المحسوس يبدو صعباً بالنسبة لتدريس الأطفال، ومن هنا يبدو الاستقراء أكثر انسجاماً مع حركة الفكر ومع منطق التفكير والفهم، فالاستقراء عكس القياس هو انتقال الطالب في تفكيره من الجزء إلى الكل ومن البسيط إلى المركب، ومن المحسوس إلى المجرد، ومن المعلوم إلى المجهول. مثال: - الحديد يتمدد بالحرارة. - النحاس يتمدد بالحرارة. - الذهب يتمدد بالحرارة. إذن كل معدن يتمدد بالحرارة. ويستخدم المعلمون الاستقراء بشكل ملحوظ في تدريسهم، فيبدأون بعرض أمثلة جزئية من ملاحظات التلاميذ المحسوسة، ويتدرجون معهم إلى أن يصلوا إلى القاعدة أو التعميم الذي يشمل كل الأمثلة الجزئية والأمثلة المشابهة لها. فمعلم اللغة العربية حين يعطي مثالاً على الفاعل، ثم مثالاً آخر أو أكثر ، ويترك للطلاب فرصة استنباط القاعدة بأن الفاعل اسم مرفوع يأتي بعد الفعل ويشير إلى فعله ، إن مثل هدا المعلم يستخدم الاستقراء. • القياس: يمكن أن يستخدم القياس كوسيلة في مختلف طرق التدريس، فالمعلم يمكن أن يستخدمه كوسيلة في التفكير والاستنتاج. والقياس هو انتقال الفكر من الكل إلى الجزء، فالمعلم الذي يبدأ درسه بوضع القانون أمام الطلاب، ويترك لهم فرصة استنتاج أمثلة وتطبيقات على هدا القانون، فإنه يستخدم أسلوب القياس، والمعلم الذي يبدأ بالقاعدة، ويترك للطلاب المجال لاستنتاج أمثلة مناسبة فإنه يستخدم أسلوب القياس. ويرى بعض المربين أن طريقة القياس هي أكثر مناسبة للطلاب في المراحل الإعدادية والثانوية والتعليم العالي، وأما طلاب المرحلة الابتدائية وخاصة الصفوف الأولى منها فهم غير قادرين على الاستنتاج، والوصول إلى الأمثلة والتطبيقات المناسبة. إلا أن القياس والاستقراء عمليتين مترابطتين فلا يكتمل الاستقراء بدون القياس ولا يوجد عملية قياس غير مبنية على أساس الاستقراء. • الرسوم التوضيحية: وهي أشكال خطية، يعدها المعلم، ليصور بعض العلاقات الهامة ويعطي أفكاراً تقريبية عن بعض الأشياء والظواهر والأحداث، وتستخدم الرسوم التوضيحية بكثرة في معظم الدروس، وعند جميع المعلمين، المعلمون يحاولون دائماً تقريب الأشياء وتوضيحها عن طريق رسم أشكال وتخطيطات توضيحية لها. ومن مزايا الرسوم التوضيحية: 1. يمكن إعدادها بسرعة أثناء إعداد خطة الدرس أو في أثناء عملية الشرح. 2. يسهل استيعابها من قبل الطلاب ودلك لشدة وضوحها. 3. تثير شوق الطلاب وتجذبهم لمتابعة النشاط. • الصور والأفلام التعليمية: تستخدم الصور بأشكالها المختلفة في عملية التدريس، حيث يمكن استخدام الصور الفوتوغرافية أو الأفلام السينمائية والتلفزيونية، وقد تكون الصور دعماً لطريقة في التدريس، كما قد تتم عملية التدريس كلها من خلال استخدام الصور، فالصورة الجيدة تقدم نشاطاً متكاملاً للطلاب، كما تقدم معارف منظمة. فالصورة تعمل على تعزيز عملية التعليم والتعلم حيث أنها أكثر دقة من الألفاظ والكلمات، لأنها تقدم المعرفة بشكل مباشر وبطريقة سهلة ومبسطة، وتوفر الوقت والجهد على المعلم والمتعلم على حد سواء، كما أنها أكثر ارتباطاً بخبرات الطلاب. أما الأفلام التعليمية فهي تقدم مواقف غنية ومركزة في وقت قصير نسبياً، حيث تمكن الفيلم أن يعرض مجموعة من المعلومات الحديثة المرتبطة بواقعها الحي ومن مصادرها المباشرة. كما وأنها قد تصور أحداثاً علمية نادرة كتسجيل عملية جراحية، فالفيلم التعليمي يعمل على استخدام الصوت والصورة في الموقف التعليمي مما يؤدي إلى تكامل الحواس لدى المتعلم ويجعل عملية التعلم أكثر يسراً وسهولة، وأكثر جدباً وتشويقاً. ثالثاُ: الأساليب المبنية على الكلام والاستماع: • المحاضرة أو الإلقاء: تعد المحاضرة أسلوباً فعالاً لنقل الأفكار والحقائق والمعلومات والآراء من المعلم إلى الطلاب، وقد استخدم هدا الأسلوب مند بداية نشوء الاهتمام بالتربية المنظمة، لنقل الأفكار من جيل إلى آخر، وما زال هدا الأسلوب مستخدماً وشائعاً عند معظم المدرسين حالياً. وهي من أكثر الأساليب سهولة وأيسرها استخداماً، حيث يفضل المدرسون أن تتاح لهم الفرصة لتوصيل أفكارهم ومعلوماتهم إلى طلابهم في جو نظامي هادئ، يكون فيه الطلاب مستمعين بانتباه إلى ما يقوله معلموهم. إلا أن أسلوب المحاضرة ينسجم مع الأفكار التقليدية في التربية حيث أن التربية بمفهومها التقليدي تهدف إلى تزويد الطلاب بالمعلومات والحقائق، فالمعلم يعد فيها مادته على نحو جيد قبل أن يلتقي طلابه ثم يقوم بتلقينهم إياها في جو من الهدوء التام، فيقدم معرفة موحدة لجميع الطلاب بغض النظر عن الفروق الفردية بينهم في القدرات والاهتمامات والميول. بيد أن أسلوب المحاضرة يمكن أن يستخدم بفعالية، إذ أنها تناسب صفاً يحوي عدداً كبيراً من الطلاب وأيضاً تعمل على تشويق الطلاب ادا استخدمها المحاضر بكفاءة واهتم بإثارة دوافع المتعلمين. ويعد الإعداد للمحاضرة شرطاً أساسياً لنجاحها، فالمحاضرة الجيدة هي المحاضرة المكتوبة، أو على الأقل هي المحاضرة التي يعدها المعلم مسبقاً، ويكتب رؤوس أقلام محددة في توجهه في حديثه، وتنظم انتقاله من جزء إلى آخر. • الندوة: وهي من الأساليب الهامة التي استخدمها المعلمون قديماً وحديثاً فيبعض المواقف الصفية، حيث يكلف عدد من المختصين أو الطلاب بمناقشة موضوع ما. وينسجم أسلوب المحاضرة مع الأفكار التربوية الحديثة فعملية التعلم هنا تعني أن يقوم المتعلمون بنشاط أساسي في هده العملية، حيث يعدون المادة بأنفسهم من خلال المراجع المتعددة، ولهذا ازداد اهتمام المدرسين بها لانسجامها مع بعض الأسس التربوية الحديثة. رابعاً: الأساليب المعاصرة في التعليم: • التعلم الذاتي: هدف التربية لا يعني تزويد المتعلمين بالمعلومات والحقائق، وإنما إكسابهم مهارات التعلم المستمر، ليكونوا قادرين على متابعة عملية التعلم بعد انتهاء فترة دراستهم في المدرسة النظامية، وعليه فلا بد من التوجه نح التعلم الذاتي، بحيث يكون المتعلم قادراً على المساهمة في تحديد أهدافه، والقيام بالنشاط التعلمي اللازم لتحقيق هده الأهداف. و للتعلم الذاتي المزايا التالية: 1. يسير كل طالب بسرعته الخاصة دون أن تفرض عليه قواعد أو أوقات محددة للدراسة. 2. يشارك المتعلم في القيام بالنشاط اللازم لحدوث عملية التعلم، فالتعلم عملية ذاتية لا عملية خارجية. 3. يستطيع المتعلم الرجوع إلى مصادر متعددة للمعرفة. 4. تساعد عملية التعلم الذاتي على الكشف عن ميول المتعلمين واهتماماتهم. 5. يوفر التعلم الذاتي للمعلم دوراً إيجابياً فاعلاً في توجيه التلاميذ، وإعداد المواد والأدوات التعليمية اللازمة لتعلمهم. 6. يستطيع المتعلم من خلاله أن يقوم مدى ما تعلمه، وأن ينقد نفسه من خلال دراسته لنشاطاته وإنجازاته في فترة معينة. • المواد التعليمية الحديثة: وهي المجمعات التعليمية، أو رزم التعلم الذاتي، أو الحقائب التربوية، وهي المواد التي تحوي نشاطاً تعليمياً متكاملاً، يشمل الأهداف والمحتوى والنشاطات والأساليب وأدوات التقويم والتوجيهات اللازمة للدراسة، وهي مواد تعد خصيصاً لعملية التعلم الذاتي، أو لعملية التعلم المفرد. ولهده المواد عناصر أساسية وهي: صفحة العنوان، الفكرة العامة، الأهداف، الاختبار التعليمي، مبررات الدراسة، الأنشطة التعليمية وأخيراً الاختبار التقويمي. ومن أهم الفوائد التربوية لهده المواد أنها تحول دون تولد مشاعر الإحباط لدى بطيئي التعلم من الطلاب، نظراً لعدم مقارنة مستوى تحصيل الطالب فيها بمستوى تحصيل زملائه، فهي تبعد المتعلم عن الخوف من الفشل، نظراً لأن الدراسة فيها ذاتية وليس لها وقت محدد، ولأن المهم هو أن يتمكن المتعلم من الانتهاء من المجمع في وقت يتناسب مع قدراته وإمكاناته. كما أنها تقوم أيضاً على تشجيع المتعلم على تحمل المسؤولية وعلى المشاركة الإيجابية في النشاط التعليمي نظراً لأن التعلم فيها ذاتيا.
من المهم أن يدرك المعلم أن هناك تفاعلاً بين الطريقة والأسلوب والوسيلة، وأن هدا التفاعل يعتمد على متغيرات متعددة، مثل وضوح الأهداف، والمحتوى، ومستويات التلاميذ، وغنى الموارد والإمكانات وميول التلاميذ. ولكل طريقة أو أسلوب في التدريس جوانب إيجابية تميزها عن غيرها، إلا أن الطريقة المثلي هي الطريقة الأمثل لطبيعة المحتوى ولطبيعة المتعلمين وللأهداف على حد سواء