إن كان الجسد وعاءً للروح ، فإن الروح حارساً للجسد وحامياً لهذا الوعاء ، أوليست الروح من تقفز بالجسد عالياً ليفر من الخطر . كما أن الروح تخرج عندما يتلف الجسد . إنها حكمة الله التي مزجت الجسد بالروح والروح بالجسد .
أنا لا أقول هذا الكلام فلسفةً ، ولكن ليعلم القارئ أن حقيقة الروح صعبة الفهم وردود أفعالها شاقة التفسير ، ولأضرب مثلاً على ذلك ، فعندما تسأل من أصيب بالسكري للتو عن إصابته بالسكري فإنه يرد وبكل بداهة عليك قائلاً جاءني السكري ، أو أصبت بالسكري ، وكلا الأمرين يعني أنه لا دخل لي بهذا المرض بل هو الذي حل بي من دون حول مني ولا قوة ، والمتفحص في هذا الرد يعرف أن هذا الكلام غير صحيح فأنت من ذهب إلى السكري وأنت من جلبته ليحل في جسدك .
إلا أن الكلام ليس على إطلاقه فقد يكون الأمر صحيحاً لبعض الأمراض كالسكري من النوع الأول .
إلا أن الحقيقة العلمية تقتضي أن نقول أنه هو من جلب المرض وأحله شغاف جسمه فما كان هذا الداء ليصيب من لا يجعل جسمه مرتع خصباً له .
ولي صديق كنت أرقبه لأكثر من ست سنوات وهو يزداد سمنة أمام عيني فأحدثه قائلاً أحذر فقد تكون سبباً في أن يحل السكري عليك ضيفاً ، وكنت أمازحه وكان يزداد شحماً على شحم إلى أن رأيته من قريب ، فقال لي : لقد جاءني السكري . فكان ردي عليه : لا أظن أن عبارتك هذه صحيحة ، بل قل : لقد ذهبت إليه وحللت ضيفاً عليه ، ألم أحذرك مراراً بأن لا تكون مرتعاً خصباً له ... ها أنت قد دخلت إلى حدوده وحللت ضيفاً عليه وفي ربوعه .
إن كانت هذه القصة تحمل معاني رمزية إلا أنها تحكي المعنى العلمي الصحيح ، فالمجتمعات هي التي تتحرك إلى الأمراض المزمنة وليس العكس .
ولذلك فإننا نقول: إنك بالخيار في أن تضع نفسك في أي دائرة تشاء فإن كنت مع من يتناول الغذاء الصحي ويمارس الرياضة البدنية ؛ فإنك خارج مربع الأمراض المزمنة بإذن الله ، أما إن تركت الحبل على الغارب والتهمت الطعام بشراهة وتكاسلت عن النشاط والحركة فإنك قد أدخلت نفسك دائرة المرض بإرادتك ورغبتك الشخصية ، وليست الحالة هذه كمن يأتيه المرض رغماً عن أنفه عندما تزوره الباعوضة ناقلة الملاريا .
إننا لو نجحنا في أن يفهم المجتمع حقيقة مهمة أساسها أن الأمراض المزمنة كالسكري والضغط وغيرها ... تحتاج إلى من يأتي إليها ولا تصيب من ابتعد عنها؛ لقلّلنا الإصابة بهذه الأمراض بشكل كبير ، ولأضرب مثلاً على ذلك في قبيلة عاشت حياتها في الصحراء لا يموت أفرادها من الغرق ما لبثت أن غرق الكثير منهم بعد أن جاورت البحر * أستاذ واستشاري أمراض الغدد الصماء والسكري بجامعة الملك سعود ومدير مركز السكر بمستشفى الملك عبد العزيز الجامعي والمشرف العام على مجلة السكري