قِفْ للمُعَلِمِ وَفِّهِ التَبجِيلا - كَادَ المُعَلِمُ أنْ يَكُونَ رَسُولا
ينظر الناس للمعلم منذ القدم نظرة تقدير واحترام على انه صاحب رسالة مقدسة عبر العصور، فهو معلم الاجيال ومربيها، ومن دوره واهميته في التربية يمكن ان نستنتج ان مهنة التربية والتعليم التي يديرها المعلم انما هي مهنة اساسية وركيزة هامة في تقدم الامم وسيادتها ورقيها.
مرت مهنة المعلم ودوره عبرالعصور بمرحلتين، الاولى مرحلة ما قبل التربية الحديثة كان دوره فيها محوري، لانه يقوم بعملية تلقين ونقل المعارف لتلاميذه، وما عليهم الا حفظ هذه المعارف والمعلومات التي يوصلها لهم. كما انه المسؤول الوحيد عن تاديب وتربية التلاميذ دونما اي اهمية لدور الاسرة والبيت في التنشئة والتربية السليمة. اما المرحلة الثانية فهي عصر التربية الحديثة التي اصبحت النظرة فيها الى المعلم على انه معلم ومربي في الوقت نفسه، وتقع عليه مسؤولية جسيمة وكبيرة في تربية تلاميذه والمساهمة الموجهة والفاعلة في تنشئتهم التنشئة السليمة، كي يتكامل نموهم جسميا وعقليا وروحيا ومهاريا ووجدانيا فضلا عن دوره في مجال التفاعل التربوي مع المجتمع وخدمته والمساهمة في تقدمه ورقيه.
ووفقا لهذه الادوار والمهام الجسام التي تؤديها مهنة التربية والتعليم، يتطلب من المعلمين ان يكونوا بمثابة المحور الرئيس في العمل المدرسي، وان يؤمنوا بهذه المسؤولية المتطورة والتجددة مع كل عصر وتغير علمي وتكنولوجي التي لابد ان يكون لها تاثيرا في مناحي الحياة الاجتماعية بشكل او اخر، فتكون لهم الدافعية للعمل الجاد نحو تحقيق الاهداف التربوية العامة المستقاة من حاجات ورغبات ومتطلبات المجتمع الذي يعيشون فيه، لذاك لايمكن اغفال دورهم في المشاركة الفعالة والايجابية من خلال المؤسسة التربوية في اعداد الاجيال اعدادا جسميا وعقليا وانفعاليا ومعرفيا، كي تعمل هذه الاجيال في خدمة المجتمع الكبير، وهو الهدف الاسمى للعملية التربوية.
ان من اهم المهام التربوية التي تلقى على عاتق العملية التربوية هو خدمة المجتمع ورصد الظواهر التي قد تؤثر سلبا على تقدم ورقي هذه المجتمعات، والتي قد تؤثر ايضا على مستقبل الاجيال لاسيما وهم يعيشون في عصر امتاز عن العصور السابقة بكثرة الاكتشافات والابتكارات العلمية في مختلف العلوم والمعارف،التي اثرت تاثيرا مباشرا وفعالا في طبيعة الحياة وجعلت منها في تغير وتبدل مستمر، فاملت تلك الحقائق على العملية التربوية ان تضع مناهجا تواكب هذه التغيرات المستمرة وترصد سلبيات وايجابيات هذا التقدم العلمي والحضاري. والمعلمون هم الذين يقومون بادارة هذه المناهج ويشرفون عليها باساليب وطرائق التربية الحديثة التي تواكب روح وطبيعة العصر الذي يعيشون فيه. فيرصدون الظواهر الايجابية والسليية لهذا التقدم على البيئة الاجتماعية والطبيعية المحيطة بافراد المجتمع ويحاولون معالجتها عن طريق تطويع المناهج التربوية واعدادها بما يصب في خدمة المجتمع الكبير.
ان الدور الكبير الذي يؤديه المعلم في العملية التربوية، ادى الى ان المجتمع منحهم التقدير الذي يستحقونه، اما الجهات الرسمية المتمثلة بالحكومات لاسيما وزاراة التربية والتعليم في بعض دولنا العربية (للاسف حتى بعض الدول الغنية) والاسلامية لازالت تعد المعلم موظفا عاديا مثله مثل اي موظف في دوائر الدولة. وهوخطأ جسيما ومجحفا، اذ كيف يكون للمعلم ان يؤدي دوره الكبير وهو يشعر بعدم الانصاف.
لذا فان خطط التنمية التربوية التي هي جزءا من الخطط التنموية الشاملة في برامج الحكومات تتطلب العناية المستمرة والشفافة بالنظام التربوي عامة (كي لايكون نظاما تقليديا قديما متخلفا عفى عليه الزمن وفاته قطار التقدم الحضاري والتكنلوجي والتغيرات والتبدلات المستمرة في جميع مناحي الحياة الانسانية والحضارية) وخاصة بمحاور العملية التربوية ومنها المعلم، فالعناية بالمؤسسات التربوية واعادة اعمارها بما يناسب التربية والتعليم الحديث، وعادة كتابة المناهج وتطويرها، وادخال وسائل التربية والتعليم الحديثة، ورصد الموازنات المالية لتطوير العملية التربوية لاتاتي ثمارها الفعالة من دون نظرة فاحصة لواقع المعلم، فاذا كانت الجهات الرسمية تبغي التغيير في النظام التربوي وتطويعه ليواكب روح العصر المتجدد والمتحدث باستمرار، فان الامر يتطلب من المسؤلين التربويين في مجالس النواب والحكومات العربية والاسلامية ان تعطي موضوع المعلم اهمية كبيرة في التخطيط للتنمية التربوية المستقبلية، ويمكن ان يتضمن ذلك الآتي:
1- اعداد المعلمين اعدادا علميا وتربويا جيدا وفعالا في معاهد المعلمين وكليات التربية من خلال اختيار الطلبة المناسبين للدخول الى هذه المعاهد والكليات، وتدريسهم مناهجا حديثتا وليس مناهجا تقليدية كما هو علية الحال الأن في معظم معاهدنا وكلياتنا، وتقويمهم تقويما شاملا وليس من خلال الاختبارات الدراسية فقط.
2- اعداد برامج التدريب والتطوير المستمرة للمعلمين اثناء الخدمة من خلال ادخالهم في دورات تتناول اخر المستجدات في العلوم والمعارف وطرائق التدريس ووسائل التعلم المساعدة، وان لاتكون هذه البرامج مقتصرة على فئة من المعلمين دون غيرهم، بل يجب اشراك الجميع فيها، بغض النظر عن مدة الخدمة او الدرجة الوظيفية او المنصب الاداري.
3- اعطاء المعلمين حوافز تشجيعية مستمرة من قبل الحكومات، فضلا عن تحسين مستواهم المعيشي برواتب توازي اهميتهم ودورهم في بناء المجتمع والحفاظ عليه، وتوفير السكن الجماعي المناسب والعمراني الحديث لهم (وهو اقل ما يمكن ان تعمله الحكومات التي تصرف ببذخ على التسليح العسكري وامور اخرى اقل اهمية).
4- تشجيع المعلمين على الحصول على درجات علمية عالية مثل شهادة البكلوريوس التخصصية والدبلوم العالي ما بعد البكلوريوس والماجستير والدكتوراه، وتفعيل برامج البعثات والمعايشات التربوية الخارجية مع الدول المتقدمة في المجال التربوي والتعليمي، وعمل الخطط والحوافز المادية المناسبة للتأكد من المردودات الايجابية من مثل هذه البرامج.
ان اقل مستوى من الاهمية التي تعطى لهذا الموضوع وفقا لما ذكر سابقا لابد ان تؤثر على مفهوم المعلم في العملية التربوية، وبالتالي يمكن توقع حدوث تغيرات وتبدلات وتطورات ايجابية في النظام التربوي بجميع متغيراته ومحاوره، وحينها فقط يمكن القول اننا في الطريق السليم نحو اعداد اجيال تتكيف وتحاكي وتشارك بفعالية في بناء الاوطان، فضلا عن المساهمة في الارث الحضاري للانسانية جميعها.