ثالثاً: الأسس النفسية للمنهج

الناقل : heba | الكاتب الأصلى : علياء العسيلى | المصدر : www.tarbya.net

ثالثاً: الأسس النفسية للمنهج 

 

 

هي المبادئ النفسية التي توصل إليها دراسات وبحوث علم النفس حول طبيعة المتعلم وخصائص نموه وحاجاته وميوله وقدراته واستعداداته وحول طبيعة التعلم التي يجب مراعاتها عند وضع المنهج وتنفيذه.

ومن المعروف أن محور العملية التربوية هو الطالب الذي تهدف إلى تنميته وتربيته عن طريق تغيير وتعديل سلوكه, ووظيفة المنهج هي إحداث هذا التغيير في السلوك يقول علماء النفس التربوي: أن السلوك هو محصلة عاملين هما الوراثة والبيئة, ومن تفاعل الوراثة وما ينتج عنها من نمو مع البيئة ومع ما ينتح عنها من تعلم يحدث السلوك الذي نرغب فيه في الطالب المتعلم.لذلك لا بد من مراعاة أسس النمو ومراحله عند موضع المنهاج.

 

تفصيل علاقة المنهج بكل من:

أولاً: طبيعة الطالب المتعلم.

ثانياً: طبيعة عميلة التعلم.

 

أولاً – علاقة المنهج بطبيعة المتعلم:

معرفة طبيعة الإنسان المتعلم أمر أساسي في وضع المنهج وتنفيذه لأن المتعلم هو محور العملية التعليمية ,وإن تقديم أي خبرات تعليمية له دون معرفة مسبقة بخصائصه وحاجاته وميوله ومشكلاته تؤدي إلى الفشل في بلوغ الأهداف التي يرمي إليها المنهج.

 

ومن أهم النظريات التي تحدثت عن الطبيعة الإنسانية ما يلي:

1.     النظرية الثنائية للطبيعة الإنسانية: وتعود هذه النظرية إلى المفكرين اليونانيين الذين قالوا أن الطبيعة الإنسانية تنقسم إلى جسم وعقل, وترى أن المعرفة النظرية التي يحصل عليها العقل عن طريق التأمل والتذكر أسمى من المعرفة التي تتم عن طريق تفاعل الإنسان مع البيئة التي يعيش فيها. وقد ترتب على هذه النظرية اهتمام المدرسة بالنواحي النظرية العقلية دون اهتمامها بالنواحي الجسمية وما تتطلبه من نشاط وعمل.غير أن التربية الحديثة أثبتت خطأ هذه النظرية واعتبرت الإنسان وحدة متكاملة مما يعني عدم جواز الفصل بين نموه العقلي والاجتماعي والعاطفي.

2.     نظرية الاختزان العقلي: الإنسان يولد وعقله صفحة بيضاء كمخزن أو وعاء وأن واجب المدرسة يتمثل في ملئه بالتراث والخبرات الإنسانية المتنوعة وهذه النظرية ترى أن المتعلم ليس إلا نجرد مستقبل للمادة الدراسية التي يقدمها المعلم باعتباره مسؤولاً عن ملء عقل المتعلم بالتراث الثقافي سواء أكان مفيداً للتلميذ أو غير مفيد.

ولكن علم النفس أثبت خطأ هذه النظرية, وأكد أن الإنسان يولد ولديه استعدادات تنمو عن طريق تفاعله مع البيئة, وأنه لا يتعلم إلا إذا كان عاملاً فعالاً وليس مجرد مستقبل لما يقدم له من معرفة, كما أنه لا يتعلم إلا ما يعتقد انه مفيد لحياته.

3.     نظرية التدريب العقلي: سيطرت هذه النظرية على الفكر التربوي عدة قرون وترى أن عقل الإنسان يتألف من مجموعة من الملكات تستقل كل منها عن الأخرى مثل ملكة التفكير والذاكرة وغيرها وأن هذه الملكات تدرب بالمواد الدراسية التي تناسبها ولذلك نظمت المناهج المدرسية على أساس اشتمالها على المواد اللازمة لتدريب هذه الملكات فالتاريخ يدرب ملكة الذاكرة,والعلوم تدرب ملكة التحليل غير إن علم النفس اثبت خطأ هذه النظرية نظراً لصعوبة الفصل بين الجسم والعقل حيث أن كلاً منهما يتأثر بالآخر ويؤثر فيه.

4.     نظرية الغرائز: تقول هذه النظرية أن الطبيعة الإنسانية تسيطر عليها غريزة واحدة أو مجموعة غرائز ولكن الأبحاث النفسية أثبتت أن طبيعة الإنسان متغيرة متطورة تسعى دائماً إلى تكييف نفسها حسب الظروف وأنها قادرة على التحسن والتقدم.

 

المنهج ونمو المتعلمين:

 يعرف النمو بأنه مجموع التغيرات التي تحدث في جوانب شخصية الإنسان الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والتي تظهر من خلالها إمكانيات الإنسان واستعداداته الكامنة على شكل قدرات أو مهارات أو خصائص. ودور التربية تقديم المساعدة لكل فرد لينمو وفق قدراته واستعداداته نمواً موجهاً نحو ما يرجوه المجتمع وما يهدف إليه, ويهتم المربون بشكل عام ومخططو المهج بشكل خاص بما توصلت إليه الأبحاث حول سيكولوجية نمو الفرد من أجل مراعاة خصائص النمو في المراحل التعليمية المختلفة.

 

ويتأثر نمو الأفراد بعدد من العوامل التي قد تزيد من سرعته أو تقلل منه أو تعوقه ومن أهم هذه العوامل النضج والتعلم إضافة إلى عوامل أخرى كالوارثة ولإفرازات الغدد ولا سيما الغدد الصماء ونوع التغذية ومقدارها والظروف الصحية والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان, ونوع انفعالاته وقوتها, وقد أظهرت الأبحاث النفسية أن النضج والتعلم يمثلان عاملين متكاملين يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به, فمن واجب المنهج أن يأخذ بعين الاعتبار نضج المتعلم ونموه, وأن يكون متطوراً نامياً باستمرار حتى يواكب استمرار نمو الإنسان ونضجه في المراحل العمرية المتعاقبة.

 

مبادئ وأسس النمو:

أظهرت الدراسات النفسية أن هناك مبادئ وأسساً عامة للنمو ينبغي أن تراعى في وضع المنهج وهي تتمثل فيما يلي:

 

1.     النمو يتأثر بالبيئة: عملية النمو لا تتم من تلقاء نفسها, وإنما تتوقف على ظروف البيئة التي يعيش فيها الإنسان سواء أكانت بيئة طبيعية أو اجتماعية فالبيئة الصالحة تساعد على النمو السليم في حين أن البيئة الفاسدة تعيقه.

2.     النمو يشمل جميع نواحي شخصية الإنسان: يجب أن يهتم المنهج بجميع جوانب النمو في شخصية التلميذ باعتبارها أجزاء متكاملة بدلاً من العناية بجانب واحد على حساب الجوانب الأخرى.

3.     النمو عملية مستمرة: ينمو الإنسان نمواً تدريجياً متصلاً فالتغيرات التي تحدث للفرد في حاضره لها جذورها في ماضيه وهي تؤثر بدورها فيما يحدث له من تغيرات في مستقبله ومنم واجب المنهج في ضوء ذلك أن يقدم خبرات مترابطة ومتدرجة تستند على خبرات التلاميذ السابقة وتؤدي إلى اكتساب خبرات أخرى في المستقبل فعلى سبيل المثال لا يجوز أن ينتقل المنهج بالطفل من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة الإعدادية انتقالاً مفاجئاً غير متدرج.

4.     النمو عملية فردية: مبدأ الفروق الفروق الفردية موجود بين التلاميذ في مظاهر النمو المختلفة ولهذا فان من واجب المنهج أن يراعي هذه الفروق بين التلاميذ كما يلي:

·        أن ينوع المنهج من أنشطته حتى يجد كل تلميذ النشاط الملائم له.

·        أن يوفر خبرات مرنة تتيح لكل تلميذ أن ينمو وفقاً لظروفه الخاصة.

·        أن ينوع من طرق التدريس وأساليبه بحيث تناسب استعدادات التلاميذ وقدراتهم.

·        أن يتيح أمام التلاميذ فرصاً أكبر للنجاح لأنه شيء أدعى للنجاح من النجاح نفسه.

·        أن يوفر توجيهاً دراسياً ومهنياً ونفسياً لكل تلميذ في ضوء استعداداته وميوله وظروفه الخاصة.

 

إن الاهتمام بمراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ ليس معناه عدم وجود خصائص مشتركة بينهم في كل مرحلة من مراحل نموهم فالواقع أن هناك قدراً كبيراً من النواحي المشتركة بين الأطفال في كل مرحلة, وهو الذي يمكننا من وضع الخطط والمستويات العامة والتدريس إليهم كجماعات.

5.     يتأثر النمو بالمواقف الاجتماعية التي يعيشها الفرد: تتكون البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الفرد من عوامل لا حصر لها ومن بينها المطالب التي يفرضها على الفرد والداه واخوته وزملاؤه ومدرسوه والجماعات يضعون معايير للتعلم والتكيف والنمو ينبغي إن يصل إليها التلميذ حتى يستمتع بوجوده في الجماعة الاجتماعية التي يعد جزءاً منها وهي ما تسمى بمطالب النمو.

 

أهمية دراسة مطالب النمو:

1ـ أنها توضح أنواع المشكلات التي يحاول المتعلم حلها بمساعدة المدرسة أو بدونها.

2ـ أنها تبين المجالات التي يجب أن يحقق فيها المتعلم كفاءة ليعيش بنجاح في المجتمع الحديث.

3ـ أنها دليل هام لتتابع الأنشطة المدرسية وتقديم الخبرات التي تلائم مراحل النمو المختلفة.

 

ثانياً: علاقة المنهج بطبيعة التعلم

الهدف من العملية التربوية ووسائلها المختلفة هو تعديل السلوك الإنساني في ضوء أهداف معينة ويستلزم هذا التعديل تعلماً ويعرف بأنه النشاط العقلي الذي يمارس فيه الفرد نوعاً معيناً من الخبرة الجديدة التي لم يسبق أن مر بها. كما يعرف بأنه تغيير أو تعديل في سلوك الكائن الحي الناتج عن قيامه بإشباع حاجة من الحاجات.

 

ومن نتائج عملية التعلم ما يحصله الفرد من معلومات أو مهارة أو طريقة تفكير أو اتجاه أو قيمة اجتماعية ونستدل على حدوث التعلم من خلال ما نلاحظه من تغير في سلوك الفرد نتيجة لخضوعه لموقف تعليمي معين, فالتعلم لا يمكن ملاحظته مباشرة وإنما نستدل عليه من خلال ما يظهر على السلوك من تغير أما التعلم فهو العملية التي من خلالها نساعد الفرد على اكتساب الخبرات الصالحة بأبسط طريقة ممكنة.

 

نجد أن مفهوم التعلم قد تطور تطوراً كبيراً إلا أنه يمكن أن يميز بين ثلاثة مفاهيم للتعلم هي:

1. التعلم كتحصيل للمعرفة والمهارات وهذا مفهوم ضيق للتعلم لا يتلائم مع المجتمع.

2. التعلم كتدريب عقلي وهذا المفهوم يجعل العقل سالباً فهو يقبل الأفكار ولا يبتدعها.

3. التعلم كتغير في السلوك نتيجة تفاعل الفرد مع البيئة التي يعيش فيها وهو المفهوم الصحيح للتعلم.

 

أسس التعلم وانعكاساتها عل المنهج:

تتمثل المبادئ التي ينبغي مراعاتها في تخطيط المنهج بما يلي:

1.     يتعلم التلاميذ بشكل أفضل إذا كان العلم ملائماً لمستوى نضجهم: ينبغي عند وضع المنهج دراسة مستوى نضج التلاميذ بحيث لا يثقل عليهم في موضوعاته أو مجالات نشاطه.

2.     يكون التعلم أكثر كفاية حين يرتبط بأغراض وواقع التلميذ: وتنفيذاً لهذا الأساس يجب على المنهج أن يدرس رغبات التلاميذ وحاجاتهم وميولهم ويعمل على تلبيتها حتى يكون لما يتعلمونه معنى وقيمة لديهم.

3.     النمو والتعلم عمليتان مستمرتان: ينمو التلاميذ ويتعلمون قبل دخولهم المدرسة, ويستمرون في تعلمهم خارجها بعد دخولهم فيها فمن واجب المنهج أن يربط بين ما يتعلمه التلاميذ في المدرسة وبين ما سبق لهم أن تعلموه قبل دخولهم فيها,وعليه أن يربط بين حياتهم خارج المدرسة وداخلها بحيث تكون الخبرات التي يشتغل عليها مرتبطة ومتكاملة مما يحقق استمرار النمو والتعلم في آن واحد.

4.     يختلف كل تلميذ عن الآخر في سرعة تعلمه: هناك فروقاً فردية بين التلاميذ, فمن ناحية المنهاج يجب توفير خبرات تناسب المستويات المختلفة للتلاميذ,كما أن عليها أن تعيد النظر في نظام الامتحانات وطرق التدريس بما يتلاءم مع تباين التلاميذ واختلافهم في التعلم.

5.     يتعلم التلميذ عدة أشياء في آن واحد: من واجب المنهج أن ينمي أشياء عديدة في التلميذ في الموقف التعليمي الواحد وهذا المبدأ يأخذ به أصحاب نظرية الجشتالت ويراعونه في المنهج, وهو ما يميزهم عن أصحاب النظرية السلوكية.

6.     يتعلم التلميذ بطريقة أفضل نتيجة الخبرات المتصلة بالحياة: أفضل المواقف التعليمية هي التي يشترك فيها التلاميذ مباشرة تحت إشراف مدرسهم ولا سيما أسلوب حل المشكلات وهذا الأسلوب يعد أحدث نظرية في التعلم وتبدأ المشكلة عندما ترتبط رغبة شديدة أو حاجة ملحة يريد الإنسان الوصول إليه.

فالمنهج الناجح هو الذي يثير دافعيه التلاميذ لتحقيق أهدافهم وينمي فيهم أسلوب حل المشكلات وعلى هذا المنهج أن يشتمل على خبرات ترتبط بحياة التلاميذ وبمشكلاتهم الحقيقية التي يواجهونها.

7.     انتقال أثر التعلم: يتم انتقال أثر التعلم عندما توجد علاقة بين تعلمنا السابق وبين المواقف الجديدة التي تواجهنا ومن أبرز النظريات التي تناولت انتقال أثر التعلم ما يلي:

·        نظرية العناصر المشتركة: وترى إن انتقال أثر التعلم يحدث نتيجة وجود عناصر مشتركة بين ما تعلمناه وبين المواقف الجديدة التي نريد تعلمها.

·        نظرية التعميم: وترى أن انتقال اثر التعلم يحدث عندما يعمم المتعلم خبرته السابقة ويطبقها في مواقف جديدة.

·        نظرية الجشتالت: وترى أن انتقال أثر التعلم يحدث حينما يدرك المتعلم الموقف ككل وليس كأجزاء متفرقة.

·        التمرين: التمرين هام في تعلم المهارات الجسمية وهو وحده لا يكفي إذ يجب أن ينبع التعلم من خبرات ذات هدف ومعنى بالنسبة للمتعلم وتقل الحاجة إلى التمرين كلما رافق التعلم خبرة مباشرة ومن المبادئ الهامة التي يجب مراعاتها في التمرين ما يلي:

·        تقل الحاجة إلى التمرين كلما رافق التعلم خبرة مباشرة كالتجارب والعمل بالورش أو المعامل.

·        يجب أن يدرك المتعلم الهدف من التمرين.

·        التمرين الموزع أكثر فائدة من التمرين المتصل.

·        ضرورة ربط الجزئيات بالكل الذي ينتمي إليه وضرورة التدرب على الكل قبل التدرب على جزئياته.

·        ضرورة الترابط والتكامل بين طبيعة عمل التعلم وخصائصها وبين أبعادها المتمثلة في الطالب المتعلم باعتباره محور عملية التعلم والمنهج باعتباره يمثل الخبرات التي تقدم للمتعلم والمعلم باعتباره الشخص الذي يوصل بأسلوبه الخبرات إلى المتعلم.