الوقاية والعلاج
الناقل :
heba
| المصدر :
www.tarbya.net
المخدرات.. آفة المجتمع
الوقاية والعلاج
الوقاية والعلاج:
إن تصورات ومخططات الوقاية والعلاج لمشكلة المخدرات لا يمكن أن تجد صدى في أرجاء المعمورة ومردودا فعالا في المجتمعات المحلية إلا إذا تكافأت مع المكونات الثقافية والإمكانات الواقعية المتاحة في كل مجتمع أو دولة، وذلك بالنسبة لإجراءات الوقاية والعلاج، والوقاية في المقدمة دائما. وتتركز عوامل الوقاية في العوامل الآتية (UNDCP): 1. إن الاستراتيجية القومية والدولية يجب أن تتجه إلى جوهر الظاهرة وهم الناس أنفسهم بما يعنيه ذلك من مجتمعات ونظم ومؤسسات تدير شؤون حياتهم، والتي تدور حول محاور البيئة والسكان والدين والاقتصاد والسياسة والأسرة والثقافة والقانون والتقاليد والعرف والقانون والرأي العام. 2. استراتيجيات التنمية البديلة خاصة في المناطق التي يتم فيها استزراع أنواع محلية من المواد التي أدرجتها لجنة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات ومنظمة الصحة العالمية في جدول المخدرات المحظورة. 3. إن تناول المشكلة وقائيا وعلاجيا يجب أن يتلاءم مع خصائص الريف من ناحية وسمات الحضر من ناحية أخرى، وذلك من حيث التقدير والتقويم والإجراءات. ومن أجل تحقيق النجاح في كلا الجانبين فيجب وضع آليات المساندة من السياسة الاجتماعية والجنائية التي تتبناها الدولة ومن المجتمعات المحلية لهذه المناطق، والجمعيات الأهلية أو غير الحكومية. ويلاحظ التشتت في عمليات الوقاية والعلاج كأن يتم التركيز على إجراءات المنع بإعمال القانون وتغليظ العقوبات فقط دون اعتبار لأبعاد ثقافية أو اجتماعية، أو التركيز على إجراءات علاجية للمدمنين دون مراعاة العوامل الاقتصادية والأسرية المشجعة على التعاطي والإدمان، بمعنى أن الحلول تفتقر إلى التنسيق بين مؤسسات الوقاية والعلاج، وأن النظرة التجزيئية لا الشاملة هي السائدة. ومن ثم فإن ما استقرت عليه الاتجاهات العلمية والعملية المعاصرة والجهود الدولية من خلال التوصيات التي تتابعت عبر المؤتمرات الدولية هو أن مشكلة سوء استعمال العقاقير المخدرة ينبغي أن تشخّص في إطار كلي شامل بالنسبة لأبعادها المتعددة وعواملها المتفاعلة، وأن مناهج الوقاية والعلاج ينبغي أن تتحقق في إطار منظومة التنمية المتواصلة والمتكاملة، إذ إن مردودها لن يقتصر على البعد الاقتصادي فقط بل سيصل إلى الأبعاد الاجتماعية والثقافية ومقومات القوى البشرية، ويتضمن ذلك كنتيجة حتمية انحسار حجم مشكلة المخدرات كما وكيفا.
أولا: تخفيض الطلب:
الأمر الذي لا مفر منه في بداية مسار الوقاية والمكافحة هو حل المعادلة الصعبة لخفض العرض والطلب في وقت واحد أو زمن متقارب بقدر الإمكان. والمنطلق النظري لهذا المسار أنه إذا امتنع الشخص عن التعاطي مهما كانت الإغراءات لحدث كساد فوري في جلب وتجارة وتوزيع المخدرات. وتسعى استراتيجيات خفض الطلب على المخدرات إلى الحد من الإقبال على تعاطيها، ومد يد العون إلى المتعاطين لكسر عادة التعاطي وتوفير الحاجة إلى العلاج من خلال برامج التأهيل والعودة إلى حظيرة المجتمع والتوافق معه. لقد عقدت الأمم المتحدة سنة 1989 حلقة خاصة عن مشكلة المخدرات، أقرت فيها الدول الأعضاء بأن خفض الطلب على المخدرات يعتبر دعامة أساسية لحثّ الجهود الدولية نحو مكافحة التسويق والتعاطي. والتزم الأعضاء أنفسهم ببذل الجهد لتخفيض الطلب والحدّ من استجلاب المخدرات بحدود سنة 2008. والأمر يحتاج في أوله إلى إتاحة الفرص لإعداد البيانات الإحصائية لتقدير حجم ونماذج سوء استعمال المواد المخدرة على مستوى القطر والإقليم والعالم, وهذا ما بدأ به برنامج التقويم الشامل لسوء استخدام المخدرات.
ثانيا: تخفيض العرض:
ويسعى برنامج الأمم المتحدة لمراقبة أنشطة المخدرات (UNDCP) لبسط مشروعاته للحد من استزراع وإنتاج وتجارة وتوزيع المخدرات للتخفيض من عرضها، ويطرح لمزارعي الأفيون والكوكايين وسائل تغيير زراعة المخدرات إلى محاصيل أخرى مربحة كنوع من النشاط البديل، إلى جانب مشروعات تنمية المجتمع وإدارة الموارد الطبيعية. وتهدف مشروعات تخفيض العرض أيضا إلى توسعة التعاون الإقليمي بين الحكومات لتدعيم وسائل مقاومة التجارة العابرة للحدود الإقليمية. وأن يكون ذلك بأرقى الوسائل التقنية والتدريب عليها بأحدث الأساليب ومدعمة بإجراءات إعمال القانون. وتعتبر مشروعات التنمية البديلة هي المخرج الأساسي للحد من عرض المخدرات وذلك لأن مزارعيها يقطن أغلبهم في بلدان نامية فقيرة، ومن ثم فإن تحسين نوعية الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهم عن طريق مشروعات التنمية المتكاملة إلى نوع من التنمية البديلة التي يمكن أن تحقق بذاتها تخفيض عرض محاصيل المخدرات المحظورة أو القضاء عليها إن أمكن ذلك. ويضاف إلى ما سبق ضرورة إجراء تفتيش جوي وفضائي على مزارع إنتاج المخدرات في المناطق النائية والمهجورة. فلو تكاملت المراقبة الجوية مع المراقبة الفضائية فإن النتائج الرقمية لمراقبة المحاصيل والزراعات الممنوعة قد تحقق تخفيضا لعرض المخدرات في حدود سنة 2008.
ثالثا: إعمال القانون:
ومما يعمل على تخفيض العرض بشكل مؤكد هي الجهود الجادة لإعمال القانون على مستوى الدولة والارتفاع بمستوى كفاءة العاملين في أجهزة العدالة الجنائية (CJS) والتعجيل في نظر قضايا المخدرات خاصة قضايا الجلب والتجارة. ويلاحظ كما ذكرنا سلفا أن تخفيف درجة التجريم أو إلغاءها بالنسبة لبعض المواد المخدرة كالقنب (الحشيش) في بعض الدول الغربية قد فتح أسواق الجلب والتوزيع، مما يتيح زيادة العرض مرة أخرى بسبب التعديلات التشريعية كما حدث في هولندا وبلجيكا وبريطانيا. وستمتد زيادة العرض إلى دول أخرى لأن الظاهرة كما نعلم أصبحت عابرة للقارات. وهذا عكس ما حدث في بلاد أخرى كمصر، حيث تأثر العرض بالانخفاض بعد التعديلات التشريعية في قانون العقوبات المصري 182/1960 و 122/1984 وتغليظ عقوبات التجارة والتهريب إلى الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام، إلا أن تغليظ العقوبات قد يحدث عنه آثار عكسية بأن يتحول الطلب إلى مواد مخدرة أرخص سعرا كما في نبات البانغو وأقل نقاوة كما في بعض المخدرات النفسية المنشطة والمصنعة. كما لا يقتصر إعمال القانون على المستوى القومي أو المحلي بل إن الحاجة أصبحت ماسة إلى إعماله على المستوى الدولي وذلك بتشييد الجسور القانونية بين الدول المشاركة لمكافحة المخدرات أو الوقاية منها وبين برنامج الأمم المتحدة لرقابة أنشطة المخدرات (UNDCP) والذي خصص فيه قسم أو إدارة لإعمال القانون تحلل فيه الاستجابات الواردة من الدول الأعضاء والتقارير المبينة لحجم المضبوطات من المخدرات في كل دولة. وتستخدم هذه البيانات لإعداد التقارير على المستوى الدولي المقارن لحركة تجارة المخدرات ونشرها في وثائق الأمم المتحدة.
رابعا: الإنسان والمخدرات:
أشرنا إلى أن استراتيجية الوقاية والعلاج يجب أن تتجه إلى جوهر المشكلة ذاتها وهم الناس أنفسهم فهم المقصد من الحماية حيث إنهم مستهدفون لسلب عقولهم وحجبها عن استيعاب المعرفة وإضعاف قدرتهم على توظيفها في العلم أو الإنتاج أو إدارة شؤون أسرهم ومؤسساتهم والبلاد. ومن ثم لا فائدة أو نفع من أي إجراء وقائي أو علاجي إلا إذا صدر من قناعتهم. فالعقل المستهدف بالتغييب هو نفسه القادر على درء الضرر والشر المستطير عنه. فلنبدأ أولا بقناعته بتحريم أو تجريم المخدرات ودون أن يقول المرشح للتعاطي "لا ولن" أتعاطى. وبفضل هذا الوعي يمكن أن يكون الدرع الواقي إزاء هجمات المخدرات أو إزاء عوامل الاستهواء والترغيب لسوء الاستعمال. ومن ثم فإن الأمر يتبلور في مفهوم ثقافي قد يكون مصدره الدين أو العرف أو القانون أو الأخلاق أو كل ذلك معا. ولذلك فإن قولة "لا ولن" أقبل على تجربة التعاطي هي التي نبحث عن إرسائها في عقول الناس وإفهامهم منذ وعيهم بالحياة ووقوفهم على أبواب تحمل المسؤولية والتكليف وإدراكهم لحقوقهم في المجتمع. فإذا تحقق ذلك احتمى الإنسان بحصن الأمان ضد رجمات سموم المخدرات و إجرام موزعيها. أما إذا افتقد الإنسان المناعة المعرفية النفسية أي الوعي لظرف اجتماعي أو لآخر، فإن حاجته ماسة للمساندة المعرفية والنفسية والاجتماعية من خلال النظم التي يستظل بها والمؤسسات الاجتماعية التي تقدم له خدماتها المتبوعة من الأسرة إلى المدرسة إلى المسجد أو الكنيسة إلى الورشة أو المصنع أو المنتدى الرياضي أو الثقافي أو الترفيهي. وكل من هذه المواقع هي الموئل الطبيعي الاجتماعي للإنسان حيث يفترض أن يكون الوسط الصحي لتلبية حاجاته البشرية والاجتماعية المشروعة، إلا أنه من جهة أخرى قد تكون -ماعدا دور العبادة– موطنا لممارسة أنماط منحرفة من السلوك ومنها تعاطي المخدرات أو الاعتماد عليها، وبذلك فإن الوقاية تبدأ من هذه المواقع. وفي حالة إصابتها بالخلل الذي قد يترتب عليه ممارسة سوء استعمال المواد المخدرة المحظورة فإن المؤسسات والنظم الضابطة لإيقاع الحياة الاجتماعية السوية عليها أن تتدخل لحماية مواقع التنشئة الاجتماعية، أسرة كانت أومدرسة أو مصنعا أو منظومة برامج تلفزيونية أو ناديا رياضيا أو ترفيهيا تشجع فيها ثقافة التعاطي بل الممارسة الفعلية أحيانا. إن مشكلة المخدرات بأبعادها المتعددة التي تناولناها مشكلة في غاية التعقيد بوضعها الراهن على مستوى العالم والمستويات المحلية القومية وتتشابك فيها العوامل المكونة لها، اقتصادية مادية اجتماعية، نفسية، بيئية، أخلاقية دينية.. ولكل عامل من هذه العوامل وزنه الخاص، ويختلف من مجتمع لآخر ومن فئة وطبقة اجتماعية إلى أخرى. إنما العامل الرئيسي المشترك الذي يربط بين العوامل المتعددة هو البعد الثقافي الديني والأخلاقي والقيمي فهو الذي يضمن حصانة الإنسان المعرفية والنفسية التي تحبذ رفض فكرة التعاطي ونبذها وإبعادها عن المخاطر، فبالرغم من صعوبة المشكلة بتعدد عواملها وتفاعلها إلا أن أكثر الطرق يسرا لحل المشكلة هو توظيف البعد الديني والأخلاقي انطلاقا من تعاليم الدين التي تحرم سوء استعمال الخمور والمخدرات، إلى الممارسات الدينية في دور العبادة التي تزيد مناعة الإنسان ضد مساوئ وأضرار المخدرات. وقد غاب في كثير من الأحوال عن أصحاب الاهتمام هذا البعد الديني والأخلاقي في تحديد ملامح استراتيجية الوقاية والعلاج. ويلاحظ ذلك في توصيات المؤتمرات الدولية، فإنها تقارب البعد الديني الأخلاقي بنوع من استحياء لولا مساهمات الدول العربية الإسلامية في التأكيد على إيلاء العامل الديني والأخلاقي الاهتمام وغرس القيم الدينية والأخلاقية الواقية من التورط في الانحراف وسوء استعمال المخدرات بوجه خاص. إن إيلاء الاهتمام بالبعد الديني الأخلاقي يجب ألا يؤخذ بمعزل عن عناصر التنمية المتكاملة والمتواصلة لأنه بمفرده لا يتحقق غالبا في غياب ديمقراطية المشاركة في التنمية ومقوماتها المعرفية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية. فإذا كان الإنسان هو المستهدف من سوءة المخدرات وهو المقصد أيضا والوسيلة لحمايته منها، فإنه يمكن بالتنمية الشاملة المتكاملة احتواء المشكلة والتقليل من أضرارها بقدر الإمكان لأن التنمية للإنسان وبالإنسان.