قبل أن نخوض معا غمار الحياة الزوجية القادمة، يجب أن تدرك أن عملية الإختيار الذي تقدم عليه، ان تكون مبينة على فكرة سليمة عن مفهوم ماهية الزواج، وما هي حقيقة العلاقة الزوجية القادمة، وما هي طبيعة الحياة المشتركة التي سوف تحياها مع الطرف الآخر، فكلما كانت الفكرة التي تحملها عن الزواج ناجحة وصائبة، كانت المرحلة القادمة هادئة مبشرة، لأنها الطريقه المؤدية لحياة زوجية مشرقة، مفعمة بالحب والسعادة، وغامرة بالراحة والهدوء، الممتلئة بالبهجة والسرور، أما إذا كنت كالذي لا يبالى بما يختار ويرضى بالجود من الموجود، فإنك تشحط عن هدفك النبيل وتعرض نفسك للويل والعويل، فقد تغدو حياتك الزوجية مرتعا للمشاكل والمتاعب، لإنك أردت أن تسلك هذا الطريق المملوء بالمصاعب، واخترت بنفسك درب المتاعب فكان لك ما أردت.
ثم أن الناس بشأن مبدأ الاختيار، على مراتب مختلفة ومتنوعة، كلا على ما يشتهي ويريد، فكل واحد منا يتمنى أن تكون شريكة حياته مفتاح سعادته وعنوان نجاحه، لكن البعض ينشد الفائدة المجردة من كل خير، ولا يريد من الزواج سوى أن يجني المكاسب الدنيوية، كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام (من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة ليغض بها بصره، ويحصن فرجه، أو يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك لها فيها) (رواه ابن حبان في الضعفاء) فمن يريدها ذات غنى فاحش فقط ليتسلق على أموالها ويتنعم بثرائها، فهذا يعيش بالمنطق المادي، ولا يفهم من الزواج إلا لغة المال، ولا يزن الحياة الزوجية إلا بالجاه والترف، ومن يريدها ذات مكانة اجتماعية عالية وعائلة ذات صيت ذائع ومركز اجتماعي مرموق فحسب، فهو في الحقيقة يريد الوصول الى والدها واسم عائلتها وفلان الشخص المعروف المقرب، والعائلة التي يسمع بها كل قاصي وداني، فهذا المسكين يسعى ليكون معروفا في الوسط الاجتماعي عن طريق زوجته وأهلها، وحتى يقال انه فلان الذي خطب فلانة بنت فلان المعروف، فهذا في الأصل يعيش كالغراب يتمنى مقارعة غيره من الطيور التي في السماء، ومبتغاه أن يلبس ثوب المهابة والعزة الدنيوية، أما من يريدها ذات جمال فتان، وقوام ممشوق فقط، فهذا لا يعيش إلا على القشور، ولم يغتر إلا بالفتات الزائل، والجمال الذابل، والغرور المائل، ولم يعلم بأن الجمال يزول بالإعتياد والملازمة الدائمة والألفة والاختلاط، ويكاد يتبدل مع أول حمل تتعرض له المرأة، أو مرض سقيم يصيبها أو يشوهها.
وأما من يريدها على درب الاستقامة، بحيث لا تحيد عن دينها، وتتمسك بالدين القويم، وأقرب للحق المبين، شعارها الحياء ولباسها الإيمان ومبتغاها رضى الرحمن، فإنما أراد السعادة في الحياة الزوجية، ومن أراد التوفيق والسداد فعليه أن يأخذ من كل الصفات التي ذكرناها وردة واحدة ليشكل منها باقة جميلة، رائعة المنظر والبلسم، كما قال النبي الكريم وهو يصف ذات الكمال والجمال الدنيوي.
(تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) (متفق عليه).
فأخبرني ماذا تريد أن تختار أخبرك عن حياتك الزوجية؟
فالنبي (ص) قد حدد المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في شريكة الحياة، وما هي المعايير التي يجب عليك ان تضعها لتقيس بها جودة الشئ الذي تريده لنفسك ولأسرتك، فانظر معي لغزارة المعنى الموصوف، عندما شبه ذات الدين بالدرة المصونة والتي يعتبر الظفر بها هو النصر والبشارة بالحياة السعيدة، وأما الحديث الآخر فإنه يضع الخاطب تحت واقع عملي لمنهج الاختيار حيث حدد النبي (ص) مواصفات الاختيار وما هي الأسس التي ينبغي ان تتوفر في الزوجة، وقد أوضح الحديث وبشكل جلي تلك الزيجات التي تقوم على أسس واهية وأحلام وردية ومستقبل منكوس عندما وصفها النبي (ص) بالانتكاس في قوله (لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن ان يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن ان تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء ذات دين أفضل) (أخرجه ابن ماجه والبراز و البيهقي عن عبد بن حميد وفيه عبدالرحمن بن زياد وهو ضعيف).
قال الإمام أحمد (ما سلمت ذات الجمال من فتنة أو تتطلع إليها أعين الفجرة) (تحفة المحتاج في الفقه الشافعي ج7 ص 189).
وإلى اللقاء في الدرس القادم (الزواج فطرة بشرية)