بسم الله الرحمن الرحيم
(( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ* وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ )) (الأنعام:1-3)
أحمده سبحانه على إحسانه العظيم، وأشكره على إنعامه القديم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ولي الصالحين وناصر المستضعفين، وقامع الظالمين، وأشهد أن محمداً عبده الأمين، ورسوله الكريم- صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين،
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله الذي خلقكم وأنشأكم في الأرض، واستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، واتقوا الله الذي يعلم ما تسرون وما تعلنون، واتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون .
اللهم ارزقنا تقواك وخشيتك في الغيب والشهادة، والسر والعلانية، والرضا والسخط والمنشط والمكره، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
أيها المسلمون: إن من أعظم الفتن وأخطرها وأشدها فتكاً وضررا وخطرا، فتنة اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات، فقد صح في الحديث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (( ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء؛ وإن فتنة بني إسرائيل كانت في النساء )).
ولا جرم فهي فتنة عظيمة، وبلية جسيمة تهدم الدين، وتذهب الخلق، وتقتل الحياء، وتفسخ القيم، وتهدم الشيم والأخلاق والمبادئ.
ومن هنا فقد كثر النهي الأكيد والوعيد الشديد في كتاب الله عز وجل ، وفي سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- من اختلاط الرجال الأجانب بالنساء الأجنبيات، والخلوة بهن، وغير ذلك مما يتبع هذه الأمور.
فقد قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)) (النور:21) .
ولا شك أن مخالطة الرجال للنساء الأجنبيات من أعظم خطوات الشيطان إلى الفاحشة .
ويقول تعالى: (( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى)) (الإسراء:32) .
ولا شك أن هذا سبيل محقق إلى فاحشة الزنا.
ويقول تعالى: (( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ* وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) (النور:30-31) .
وفي اختلاط الرجال بالنساء الأجنبيات مخالفة لذلك كله، ويقول عز من قائل في حق الصحابة الأخيار مع نساء النبي- صلى الله عليه وسلم- وأزواجه أمهات المؤمنين الأطهار الأخيار- يقول عز وجل : ((وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ )) (الأحزاب:53) .
يقول عز وجل: يا أبا بكر ويا عمر ويا عثمان ويا علي ويا طلحة والزبير إن سألتم عائشة وحفصة وميمونة وصفية وزينب وغيرهن فليكن ذلك من وراء حجاب لماذا؟
علل الله عز وجل بقوله: (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب:53)
إذن: فالاختلاط ومحادثة الرجل للمرأة لا من وراء حائل خطر على الدين وخطر على القلب، خطر على الإيمان يجلب الفتنة، لا تخشى الفتنة حتى على أفضل قلوب الأمة الصحابة بل أفضل الصحابة وأفضل النساء زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات.
فإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك؛ فما ظنك بفتاة متبرجة قل حظها من الحشمة ومن الدين ومن الخلق إلا ما شاء الله تختلط برجل أجنبي متساهل أو فاسق أو فاجر أو كافر أو غير ذلك.
ويقول- صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الاختلاط كما صح عنه في أكثر من رواية وفي غير ما حديث : (( لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما )) أخرجه الإمام أحمد وغيره.
ويقول- صلى الله عليه وسلم- كما بالصحيح: (( إياكم والدخول على المحارم ، قال رجل : يا رسول الله؛ أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت؛ الحمو الموت )) أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
وجاء في بعض الروايات أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لفاطمة بنته: (( ما خير للنساء؟ قالت : ألا ترى الرجال ولا يراهن الرجال )) .
وورد عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه ورحمه - أنه قال: (( لا تخلون بامرأة ولا أن تعلمها كتاب الله عز وجل )).
وغير ذلك كثير مما جاء عن السلف الصالح- رضي الله عنهم- وأرضاهم .
أيها المسلمون.. وإذا كان الله عز وجل قد نهى الرجل والمرأة كلا منهما إذا كانا أجنبيين عن أن ينظر أحدهما إلى الأخر نظرة عابرة؛ فما ظنكم بالاختلاط والخلوة وما يصحب ذلك ؟ ما ظنكم بفتاة تخالط رجلا تضحك معه ويضحك معها؟ تحادثه تارة، ويخلو بها تارة، وتمازحه تارة، وتنظر إليه وتستمع إليه تارات وتارات؟
وكل تلكم جرائم عظيمة، وفتن عظيمة محرمة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
لا شك أن ذلك أعظم خطرا وأكثر ضررا من مجرد النظرة العابرة .
أما النظر فهو أساس الجريمة، وأول الخطوات إلى جريمة الزنا وحبائل الشيطان؛ كما قال القائل: نظرة فابتسامة.. فسلام فكلام.. فموعد فلقاء.
ورب نظرة أورثت شهوة، وأوردت فتنة، وأفسدت على الرجل والمرأة الدين والخلق والعياذ بالله .
كما قال القائل:
أشارت بطرف العين خيفة أهلها إشارة محزون ولم تتكلم
فأيقنت أن القلب قال مرحبا وأهلا وسهلا بالحبيب المتيم
وكذلك السمع لا يقل عنه فتنة وضررا وخطرا .
كما قال الشاعر الأعمى:
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا
أيها المسلمون: وإذا أردتم أن تتحققوا صدق ما أقول، وخطر الاختلاط على الدين والخلق والقيم والشيم؛ فنظرة إلى من حولنا من الأمم والقرى، كما في مصر مثلا أول ما أقرت دراسة البنات كانت القيود مشددة في الحشمة والتستر، وكانت البنات يذهب بهن ويؤتى بهن بواسطة حافلات مطليات النوافذ، حتى لا يتطلع الرجال عليهن؛ ثم آل الأمر إلى ما هو مشاهد من أحوالهم وأخبارهم؛ فصارت المرأة تخرج بكل خزي وعري وسفور، وما ذلك إلا بسبب التساهل في اختلاط الرجال بالنساء .
وفي بلادنا هذه ؛ ظلت محروسة بحمد الله فترة طويلة عن هذه الجرائم والمصائب، ومنها جريمة الاختلاط، حتى أتى قوم ممن خانوا أمانة الله عز وجل، وخانوا أمانة المسلمين، وخانوا أمانة أولي الأمر، فسلكوا مسلك الأمم قبلهم، وسارعوا إلى الاختلاط خطوات طويلة عريضة سريعة، حتى وجدنا الاختلاط أمرا لا يكاد يكون خفيا في كثير من الدوائر، وأعظم ذلك وأشنعه وأخطره ما يوجد في بعض الجامعات كجامعة الملك عبد العزيز في الغربية، وجامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة الملك فيصل في الشرقية، وإن كانت جامعة الملك سعود هي السابقة في هذا المضمار.
أيها المسلمون: أيها الآباء: يا أصحاب الغيرة والدين إني أخاطب فيكم عقيدتكم وحميتكم وغيرتكم؛ إني أخاطب فيكم فطرتكم التي فطر الله عز وجل الناس عليها، لو نمى إلى أحدكم أن المدرسة التي تدرس فيها بنته تجاور مدرسة للأولاد؛ فماذا هو فاعل؟
لا شك أنه سيثور ويغضب ويراجع ويطالب؛ ثم لو أخبر أحدكم أن ابنته تدرس في مدرسة لا يفصلها عن الرجال إلا جدار واحد، فأظنه سيثور ويغضب، ويراجع ويطالب؛ ألا تعلمون أيها الآباء، يا أصحاب الدين والغيرة أن بناتكم وفلزات أكبادكم، وعنوان شرفكم، وماء وجوهكم، ودماء قلوبكم تتعرض لاختلاط سافر مؤكد، وبالأخص في جامعة الملك سعود، ألا تعلمون ذلك أيها الآباء ؟
ألا تعلمون أن بناتكم وعنوان شرفكم، ومحارمكم تدخل مع الرجل، وتبقى معه ساعات طويلة ليس يفصل بينهما إلا أمتار قليلة، وفي بعض المعامل تتلاصق الأجساد فلا يفصل بين الرجل والمرأة إلا الثياب، ليس إلا فحسبنا الله ونعم الوكيل.
يا أصحاب الغيرة والدين، يا أيها الآباء: ألا تعلمون أنه في بعض كليات هذه الجامعة يدخل الرجل إلى بناتكم يدرسهن ليس بينه وبينهن حجاب، يحادثها وتحادثه، ويشرح لها وتسأله، ويضاحكها وتضاحكه، ليس بينهما حجاب؛ كما هو حاصل حتى في بعض الكليات النظرية في هذه الجامعة في الدراسات العليا؛ أما في الكليات التطبيقية فحدث ولا حرج، كما هو حاصل مثلا في قسم الكيمياء وفي كلية الطب، وفي كلية طب الأسنان، وفي كلية العلوم الطبية التطبيقية وغيرها .
ألا تعلمون ذلك أيها الآباء؟ ألا تعلمون أن بناتكم وعنوان شرفكم وماء وجوهكم اللاتي يغار أحدكم إذا رفع إليها الطرف ولد العم أو ابن الجار ؛ يغار ويغضب ويرغي ويثبت، ويقوم ولا يقعد، ألا تعلمون أن بناتكم يشكلن في مجموعات مع الفحول والذكران، في مشوار طويل، شهورا عديدة أو سنين طويلة في سنة الامتياز، في المستشفيات أثناء التطبيق، في كلية الطب بل في أول مرحلة دراسية كما يوجد في كلية العلوم الطبية التطبيقية ؟!! ألا تعلمون ذلكم أيها الآباء؛ وربما تجبر الفتاة على كشف عورة رجل مغلظة، وإن هي أبت وتمنعت فإن الرسوب مصيرها المحقق، ألا تعلمون أن البوذي الكافر أو النصراني يدخل على بناتكم ليدرسهن في بعض هذه الكليات؟؛ ألا تعلمون أيها الآباء أن بناتكم وعنوان شرفكم، وماء وجوهكم قد تخلو بالرجل فترة طويلة أو قصيرة مع المسؤول الإداري لحل مشكلة كما هو حاصل في بعض العمادات، وبالذات في عمادة كلية العلوم الطبية التطبيقية، وفي الإدارة العامة هنالك، وفي مكاتب رؤساء الأقسام، حيث لا تجد المرأة من تعرض عليه مشكلتها إلا الرجل، فيغلق الباب بينهما، ويدور الحديث مدة طويلة فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ألا تعلمون أيها الآباء أن بناتكم تخلو إحداهن مع الرجل فترة طويلة بحجة مناقشة بحث أو رسالة، أتعلمون هذا أو لا تعلمون أيها الآباء؛
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
أيها الآباء: يا أصحاب الغيرة والدين، يا أصحاب العقيدة، يا أهل التوحيد، لقد بلغت الجرأة والسفالة والوقاحة في بعض هذه الكليات أنها تقيم احتفالات مختلطة لبناتكم مع الشباب، وقد حصل في الفصل الماضي أن كلية العلوم الطبية التطبيقية أنها أقامت حفلا للبنات، حضره بعض المسئولين الكبار في تلك الكلية، ودارت أطعمة الموائد هنالك، وتبادلت الضحكات والمزاح، وحصل طرح الأسئلة ذات الاختيار التي تسمى في مصطلحهم إم سي كيو، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها المسلمون أيها الآباء: أيها الرجال، كل ذلك والبنت تخرج إلى الكلية بكامل الزينة، تحمر وتصفر، وتكحل وتزجج، كيف لا وهي ستلتقي بالأستاذ وبالزميل .
أيها المسلم: أنت خبير بحال المرأة إذا أرادت أن تخرج لوليمة عرس أو غيره، مع أنها ستقابل نساء مثلها ؛ كيف تتكلف التزين والتجمل والتحلي، فما ظنكم بحالها؟ كيف كان يكون إذا أرادت أن تخرج إلى الكلية لتقابل الرجال، وخصوصا إذا كانت غير ذات زوج، حسبنا الله ونعم الوكيل؛ كيف يحدث هذا في بلاد التوحيد؟ كيف يحدث هذا في عقر دار الإسلام؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.
يا للمصيبة!! ويا للحسرة!! وامصيبتاه!! واحسرتاه!! واحرَّ قلباه على أعراض المسلمين!! يا للرزية العظمى!! يا للمصيبة الكبرى!! تالله ما حل بنا وما جلبته هذه الجامعة، وما جلبته هذه الجامعة من هذا الاختلاط النكد أحق وأولى بقول أبي البقاء:
دهى الجزيرة أمر لا عزاء له هوى له أحد وانهد سهلان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر تبكي وهي عيدان
أيها المسلمون يا أولياء أمور بنات المسلمين ، أيها الآباء، يا أصحاب الغيرة والدين، أليس فيكم رجل رشيد؟ أليس فيكم من يغار على أعراض المسلمين ؟ أليس فينا رجل رشيد يغار على أعراض المسلمين؟ ينفطر قلبه على حرمات المسلمين التي يعبث بها صباح مساء، وليل نهار، جهارا علانية نهارا؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل.
الله يغار على حرماته، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يغار، وكل مسلم يغار، بل إن السماوات والأرض والجبال لتغار وهي جامدة جماد لا تعقل، وحال كثير من المسلمين كما ترون.
(( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً)) (مريم:88-92)
بل إن الكفار المشركين أهل الجاهلية، عبدت الأوثان، عباد اللات والعزى؛ بحق أغير على المحارم من كثير من المسلمين في هذا الزمان، أليسوا كما ذكر الله عنهم يأدُون البنات وهن أحياء، أليس يقول قائلهم:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمال
أيها المسلمون أيها الآباء: أتدرون ما جوابهم حينما سئل بعض المسئولين في تلك الجامعة عما يحصل من اختلاط أحدهم؟ لما نوقش قال امنعوا الحج إذن، أليس في الحج اختلاط؟
وأحد العمداء لما سأله سائل وناقشه عن الاختلاط، قال: عن نفسه هو بدوي ويغار كما يغار البدو، قلت: هذا مع غيرة هذا العميد الفاضل؛ فكيف لو لم يكن الأمر كذلك؟
وأحدهم في كلية التربية مثلا لما نوقش كما حدثني بعظمة لسانه أحد الدكاترة لما فرض عليه تدريس البنات بالدراسات العليا، فقال اتقوا الله، اتقوا الله في بنات المسلمين؛ فقالوا أنت تتهرب عن المسؤولية، وكان جواب أحدهم أن هؤلاء بنات عاقلات ناضجات، كبيرات لا يخشى عليهن ولا على الرجال من الفتنة ؛ ما شاء الله، متى استثني منسوبوا جامعة الملك سعود؟ متى استثنيت البنات هنالك؟ إذا كان الخطر ممكنا على قلوب أفضل الأمة وأبرها - صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأزواج النبي المطهرات، يخشى على قلوبهم من الفتنة جراء الاختلاط ؛ كما قال تعالى: (( ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)) (الأحزاب:53) .
فما الحال بغيرهم؟ بأي دليل أو بأي كتاب أو بأية سنة؟ بأي دليل استثني منسوبوا تلك الجامعة؟
يا هؤلاء: (( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ )) (القلم40،36) .
هذا جانب واحد، وجريمة واحدة مما يحصل في تلكم الجامعة وغيرها.
ناهيك عن غير ذلك؛ ناهيك عن الابتعاث الذي فتح بابه بعد أن كان مغلقا سنوات طويلة؛ ابتعاث بنات المسلمين؛ شاهدت ذلك بعيني، أنا لا أقول سمعت وحدثني وأخبرني فلان وعلان؛ ولكن شاهدت في بعض الولايات الأمريكية تذهب البنت من بنات المسلمين على الفطرة، ويذهب معها المحرم، ثم لا تكاد تستقر في الشقة حتى يرجع إلى بلده، وتبقى بنت من بنات المسلمين خمس سنوات أو ست سنوات في الولايات الأمريكية الكافرة الإباحية المتحللة، تدرس إلى جانب شباب اليهود والنصارى، وتتنقل من ولاية إلى ولاية؛ فحسبنا الله ونعم الوكيل، وإنا لله وإنا إليه راجعون .
(( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)) (الأعراف:89) كلمة حق لا خير فينا إن لم نقلها، ولا خير فيكم ولا في ولاة الأمر إن لم يسمعها الجميع، لا خير في الجميع إن لم يتعاونوا على البر والتقوى، ويتناهوا عن الإثم والعدوان .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم؛ أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه غفور عفو رحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين؛ أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأستغفره؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة أرجو بها الفوز والفلاح والنجاح يوم لقائه؛ يوم يبعث ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه وخليله، ومصطفاه ومجتباه- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وسلم- تسليما كثيرا .
أيها المسلمون اتقوا الله ربكم، وخذوا بأسباب النجاة لأنفسكم، واعلموا أن الموت تخطاكم إلى غيركم، وسيتخطى غيركم إليكم، فأعدوا العدة للقاء ربكم، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وأن خير الهدي هدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة .
أيها المسلمون : من جراء هذه الأنظمة الفاجرة الموجودة في جامعة الملك سعود وبعض الجامعات، والتي أخذت ببنات المسلمين إلى الاختلاط خطوات طويلة وبعيدة، حصلت أمور وأثار جسيمة؛ من هذه الآثار ما تشاهدون في بعض المستشفيات، من ظهور للنساء حتى في الأقسام الإدارية البحتة، المرأة معها القلم على الورق تحادثك، تخجل منها وتغض البصر، وهي تشخص البصر إليك، وتكلمك وكأنك واحد من محارمها.
ومن جراء ذلك شيوع سفور الوجه حتى أصبح أمراً ذائعا منتشرا، خصوصا في تلكم المستشفيات التي تطبق فيها بنات المسلمين، ومن جراء ذلك ما يحصل من تساهل في العورات والأعراض؛ فإنه ليس بخاف أن عملية التوليد يقوم بها في أحيان كثيرة جدا رجال ولسن نساء،
وهذا أمر مشهور في المستشفيات؛ بل يتعدى الأمر غير ذلك كما سمعت من قصة امرأة توثق هذه القصة .
امرأة ولدت وبعد ما ولدت أجري لها ما يلزم من الأمور التي لا داعي لذكرها، ثم لما كان بعد مدة وجاءت لتؤخذ عنها الخيوط، تقول: تلك المرأة لم أدرك إلا وامرأة أمامي وخلفها خمسة رجال.
الأمر ليس ضرروة؛ مسألة جراحية يسيرة جدا، تقوم بها ممرضة، امرأة خلفها خمسة رجال، قالت: فطلبت مني أن أكشف عن عورتي؛ فصحت بأعلى صوتي؛ قالت: لا عليك إنهم طلاب جامعة يتدربون ، قالت فرفعت صوتي حتى تفرقوا، وجاءت امرأة .
أما التوليد فهو أمر حدث عنه ولا حرج، يتولى الرجال توليد النساء؛ فيا حسرة على العباد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وقد كان من آثار هذا الاختلاط وتلك الأنظمة أن نشأ جيل من الفتيات مردن على التحرر، يطالبن بالتحرر جهرة وعلانية، وما حادثة القيادة عنا ببعيد.
ومن آثار ذلكم أيها الرجال المسلمون، أن ظهرت جمعيات مشبوهة، الاختلاط فيها علانية؛ ولا أتكلف دليلا بعيدا؛ ففي الأربعاء قبل الماضي نشرت جريدة واسعة التداول والانتشار عندنا صورة للجمعية التي يطلق عليها جمعية أصدقاء المرضى، وفي هذه الصورة مجموعة من بناتكم بنات المسلمين اللاتي تربين على الطهر والعفاف، يحيط بهن رجال فحول، ومقررة الجلسة كما يبدو في الصورة امرأة جلست بين فحلين، ورفعت رجلا على رجل وكشفت عن ساقيها .
أيها المسلمون : أي تحدٍ هذا واستخفاف بمشاعر الأمة؟ بل أي مسح لمشاعر الأمة بالرغام والتراب؛ أي استخفاف بأصحاب اللحى والعمائم؟ وأي استخفاف بأهل الغيرة والدين؟ كل هذا ينشر بكل جرأة ووقاحة في جرائد ومجلات المسلمين، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
مصائب والله مصائب،
من حامل لولي الأمر مالكة تطوى على نفثات كلها ظلم
الخيل عندك ملتها مرابطها والبيض منها عرى أغمادها السام
أعيذ سيفك أن تبلى حديدته ولم تكن فيه تجلى هذه الغمم
مصائب آذنتكم أن تعاجلهم بالانتقام فهلا أنت منتقم
لم تبق أسيافهم منكم على نمق
لم تبق أفكارهم منا على أخت تق فكيف تبقي عليهم لا أبالهم
لا صبر أن تضع الهيجاء ما حملت بطلقة معها ماء المخاض دم
فلا وربك إن القوم ما صفحوا ولا وربك إن القوم ما حلموا
حسبنا الله ونعم الوكيل.
أيها المسلمون وإذا قلنا هذا الكلام؛ فإننا لا تقنعنا ترضيات جزئية قرار أو وضع حاجز وهمي أو ما أشبه ذلك لا.
إننا نريد ومراد كل مسلم إنشاء جامعة مستقلة للبنات، يشرف عليها أهل الغيرة والدين؛ ويخطط لها العلماء وليس العلمانيين.
نريد جامعة مستقلة للبنات؛ إن كان لابد من دراسة البنات بعد المرحلة الثانوية؛ نريد أن تكون تحت إشراف الرئاسة العامة لتعليم البنات ؛ هذا مطلب كل مسلم نريد ذلك .
نريد أن تطبق أحكام الشريعة، تلك التي يردد أنها دستور الدولة، نريد أن تطبق على هذه الجامعات، نريد أن تطبق العقيدة، إنما العقيدة تكون في الإعلام وفي الجامعات، وفي الحياة، نريد أن تطبق في هذه الجامعات.
وأحب أن أذكركم بهذا المرسوم الصادر من ولي الأمر، الموجه إلى ولي العهد، ثم إلى كافة القطاعات .
بعد التحية نشير إلى الأمر التعميمي رقم 11651 في 16 / 5 / 1403 هجرية المتضمن أن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى اختلاطها بالرجال، سواء في الإدارات الحكومية أو غيرها من المؤسسات العامة أو الخاصة، أو الشركات أو المهن ونحوها، أمر غير ممكن، سواء كانت سعودية أو غير سعودية ؛ لأن ذلك محرم شرعا.
هذا كلام ولي الأمر وفقه الله ؛ ويتنافى مع عادات وتقاليد هذه البلاد؛ وإذا كان يوجد دائرة تقوم بتشغيل المرأة في غير الأعمال التي تناسب طبيعتها، أو في أعمال تؤدي إلى اختلاطها بالرجال؛ فهذا خطأ يجب تلافيه؛ وعلى الجهات الرقابية ملاحظة ذلك والرفع عنه، حيث رفعت لنا بعض الأجهزة الرقابية مفيدة بأنه يوجد العديد من الشركات والمؤسسات وغالبها من الشركات الأجنبية تقوم بتشغيل المرأة، وبعض تلك الشركات متعاقدة مع بعض الإدارات الحكومية، نرغب إليكم إبلاغ المسئولين لديكم بالتقيد بما قضى به الأمر التعميمي المشار إليه، وإبلاغه للجهات المختصة والشركات المتعاقدة معكم، للتقيد بموجبه وملاحظة ذلك بكل دقة، وقد زودت جميع الجهات الحكومية بنسخة منه للاعتماد وإبلاغ الجهات المختصة بها، والشركات والمؤسسات المتعاقدة بالتقيد به، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع تشغيل المرأة خلافا لما تضمنه الأمر المشار إليه، وتصحيح ما هو موجود من ذلك بما يتفق معه فأكملوا ما يلزم بموجبه
رئيس مجلس الوزراء .
لكن أين التطبيق؟ يجب التطبيق حالا هذا أمر ليس منهم تكرما؛ بل هو واجب عليهم شرعا بموجب ما حملهم الله من أمانة ومن رعاية لحرمات المسلمين .
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك أن تزيل عنا هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم طهر جامعاتنا من الاختلاط .
اللهم عليك بكل من يخطط لفساد بنات المسلمين واختلاطهن بالرجال، اللهم عليك بهم.
اللهم من يثأر لهم أو يغار عليهم، أو يدافع عنهم أو يتعرض لمن نبه على جرمهم فاللهم عليك به، اللهم تول أمره، اللهم تول عقابه، اللهم أنزل به سخطك، وأحل به مقتك، وأرنا فيه فتنة عاجلة يكون عبرة للظالمين ومثلا للأولين والآخرين.
اللهم أصلح ولاة أمرنا ووفقهم لمنع الاختلاط، ولتعيين الرجال الأمناء، ولإنشاء جامعة للبنات يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام .
اللهم- صلي وسلم- على محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى أل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن أصحابه أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الإسلام والمسلمين .
اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام ول علينا خيارنا، واكفنا شر شرارنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء،
اللهم ول علينا خيارنا، وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق وتذكرهم وترشدهم إليه، لا تخاف فيك لومة لائم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رءوف رحيم .